26‏/07‏/2019

الذاكرة في القفص / قصيدة

الذاكرة في القفص / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     كَطَفْلٍ عَرَفَ أنَّ أُمَّهُ تَخونُ أبَاه / كانَ التاريخُ / ماتت العَانِسُ بَيْنَ مَلاقِطِ الحواجِبِ وَمَلاقِطِ الغَسيلِ/ الأُفقُ رَمادٌ أُرْجوانِيٌّ/ لا يَلْمَعُ إِلا عَلى جَثامين اليتيماتِ/ أُحِبُّكِ أيتها الذِّئبةُ كَي أموتَ مَرَّتَيْن / والليلُ يَعْشَقُ البُحيرةَ كي يُولَدَ مَرَّتَيْن /
     هُوَ السرابُ / وجَوَارِبُ الراهباتِ مُلْقاةٌ في طريقِ الكنيسةِ / الثلجُ مَصْلوبٌ على صُدورِ فَتَياتِ المذْبَحِ / أطيافُ المذبحةِ / غُرْفَةُ الاعترافِ زِنزانةٌ انفراديةٌ / والأشجارُ مَذْعورةٌ في الخريفِ الدَّامي / دَخَلَت الحمَامةُ في الكَهَنُوتِ / لِتَنْسَى الصَّدماتِ العاطفيةَ / والصقيعُ يأكلُ أجراسَ كنائسِ القُرونِ الوُسْطى / أبقارٌ تُجَرُّ إلى الحظيرةِ مُبْتَسِمَةً / والمشانقُ مَرْفوعةٌ على بابِ المدينةِ المهجورةِ / ستكتبُ الأراملُ أسماءَ الجنودِ على سكاكينِ المطبخِ / والرِّياحُ تَكتبُ أسماءَ الأراملِ على المساميرِ المزروعةِ / في جُثمانِ الضَّوْءِ / نَثَرَ الرَّعْدُ الأزهارَ البلاستيكيةَ على قُيودي / لِتَظْهَرَ الزِّنزانةُ أكثرَ رُومانسيةً/ الشُّعوبُ دُمىً في مَسْرحٍ للعرائسِ/ تُحَرِّكُها الأسلاكُ الشائكةُ على سُورِ الْمُعْتَقَلِ / والمجازرُ تنتشرُ على حِبَالِ الغسيلِ لِتَسْلِيَةِ الأميراتِ / كانَ شَاهِدُ قَبْري ناعماً / والذِّكرياتُ لا تُشْبِهُ أظافري / فَخَزِّنْ عِظامي في نَعْشي الفارغِ/ وارْمِ عَقاربَ الساعةِ في وَقْتِ الفراغِ / لا شَيْءَ في الفَراغِ سِوى الفَراغ / أيها الضبابُ الخشبيُّ / حَطِّمْ ظِلَّكَ الصَّخْرِيَّ بِفأسِ أبيكَ المقتولِ / تَحْتَ راياتِ القبائلِ / بُكاءُ اليَتيماتِ مَملكةٌ لِلْبَدْوِ الرُّحَّلِ / والطيورُ تَنْحِتُ تاريخَ هِجْرَتها على شَاهِدِ قَبْري / تَجْلِسُ الراهبةُ العَمياءُ على الأثاثِ الأعمى / والأجراسُ شَمْعةُ المذابحِ / حِبَالٌ مِنَ الكِتَّانِ لإِعدامِ الحقولِ / وأُمِّي نَسِيَتْ أظافِرَها على حَبَّاتِ الجوَّافةِ / عُرُوشٌ مِن نَزيفِ العَصافيرِ / وأرملةُ البَحْرِ في غُرْفةِ الإعدامِ بالكُرْسِيِّ الكَهْربائيِّ / براويزُ لآباءِ الخليفةِ الذين ماتوا / وأبنائِهِ الذين لَم يُولَدوا / وَكُلُّهم يَنتظرونَ عَرْشَ الرُّكامِ وسِيَاطَ القَبيلةِ / دُموعُ الشجرِ مَحطةٌ لِتَوْليدِ الكَهْرباءِ / وَعِظَامُ المطرِ هَشَّمَتْها مِطْرَقةُ الخليفةِ / طَبَّاخو الخليفةِ يَفْتَحُونَ في جَبينِ الغروبِ / طريقاً صَحْراوياً للجواري / والعَبيدُ يَحْتفلونَ بالعبيدِ / والمطرُ يُلَمِّعُ مَساميرَ نَعْشي في ليالي الخريفِ /
     كلُّ أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحيِّ تُؤدِّي إلى جُثماني / بَشَرٌ يَصيرونَ كِلاباً بُوليسيةً / والحشَراتُ تتسلقُ أوردتي المعدنيةَ / ماذا تُريدون مِنَ الرِّياحِ ؟ / قَد قَدَّمَتْ كُرسياً مُتَحَرِّكاً للثلجِ المشلولِ / والمساءُ يَشربُ قَهْوةَ الصَّباحِ / يَدُ البحرِ ترتعشُ / فكيفَ سَيَكتبُ مَراثي السُّفنِ الغارقةِ ؟/ أكتبُ دَمْعي بالأحجارِ الكريمةِ المهرَّبةِ إلى الخارج / 
     أيها الحاكِمُ بأمرِ الشَّيطان / قُلوبُنا أمواجٌ مِنَ الفَراشاتِ / تنقلبُ على أَلَمِها / والفيضانُ يَهْتِفُ ضِدَّ نُعوشِ الصَّنوبرِ / مَزَّقَ الرَّعْدُ أعشاشَ النُّسورِ / فَسَقَطَ البَيْضُ الأخيرُ في الرِّعشةِ الأخيرةِ / الفجرُ يَمْحو ما كَتَبَهُ الأطفالُ على جُثثِ أُمَّهاتهم/ والشُّطآنُ تُطْلِقُ الرصاصَ على نوارسِ الغروبِ / والجيوشُ تُطْلِقُ القذائفَ على القِطَطِ العَمْياءِ/ يَقتحمُ الجنودُ العاطِلُونَ عَن العَملِ مَساءاتِ الثلوجِ / وعُلماءُ الآثارِ يَكْتَشِفُونَ دِماءنا الأثريةَ / الحقولُ اليتيمةُ / والرُّخامُ في غُرْفةِ الاعترافِ / المجموعةُ الشِّمسيةُ غُرْفةُ تَحقيقٍ / وأقوالي يَنْشُرُها الحطبُ في القُرى المهجورةِ / فانتظِرْني قُرْبَ أبراجِ جُمْجمتي رايةً بَيْضاء / عَلَيْها أظافرُ أبي / وأقواسُ النَّصْرِ لَيْسَتْ لَنا /
     لماذا تَكْرَهُني يا رَمادَ الياقوتِ ؟ / أنا الحارِسُ الشَّخْصِيُّ للغُبارِ / وخَادِمُ رِمالِ البَحْرِ / أُقَلِّمُ أظافرَ الشاطئِ في عِيدِ الحطبِ / وأبكي مَعَ أراملِ البَحَّارةِ / وأنتظرُ السُّفُنَ التي لا تَعودُ/ صَوْتُ الرصاصِ عاطفيٌّ/ وتَنْشُرُ العوانِسُ الغسيلَ على سُطوحِ المذبَحَةِ / أشجارُ الندمِ / والجثثُ في الشوارعِ / لَكِنَّنا نَشربُ الشايَ بالنَّعناعِ عِندَ الغروبِ / راهبةٌ نَسِيَتْ جَوارِبَها البيضاءَ عِندَ نَعْشِها البَنفسجِيِّ / الذِّكرياتُ أسمنتٌ مُسَلَّحٌ / وأنا الأعزلُ المقتولُ بَيْنَ جدائلِ أُمِّي وَعُكَّازةِ أبي / تَحْفِرُ أدغالُ الدَّمْعِ في البُرتقالِ أحلامَ الفَتياتِ / وتتثاءبُ الرِّمالُ المتحرِّكةُ على الكُرْسِيِّ المتحرِّك /
     الرُّؤيةُ الدَّمويةُ في الأُفقِ الأُرجوانِيِّ / وَمَحْبرةُ القمرِ/ وهَنْدسةُ الصَّمْتِ المتواطِئِ معَ الخناجِرِ / حَفَرْنا أسماءَ الضَّحايا في ظِلالِهم / والرَّسامُ لم يَجِدْ في مَرْسَمِهِ سِوى جُثته / يُغَيِّرُ الهواءُ جِلْدَهُ حَسَبَ بُوصلةِ السِّياطِ/ وَجماجمُ الأطفالِ أُغنيةٌ وَطَنيةٌ لِمُدُنِ الصفيحِ / انتهت ابتسامةُ السَّنابلِ في الحقول المحروقةِ / والوُجوهُ الخائفةُ تَدُورُ حَوْلَ قِلاعِ المساءِ / في صُراخِ الياسمين / وأعمدةُ الكَهْرباءِ تَحْفَظُ النشيدَ الوطنيَّ لِدَوْلةِ الجنونِ / نَعودُ إلى أكواخِ الصفيحِ / كَي نَزْرَعَ الهلَعَ في جِبَاهِ أطفالِنا / سَجاجيدُ الدوائرِ الأمنيةِ / والقِطَطُ المشرَّدةُ شاهدةٌ على العاصفةِ / سَقَطَ الْحُلْمُ / سَقَطَ القِناعُ / ولم يَسْقُطْ الرأسُ المقطوعِ /
     سَوْفَ يَزُورُ الرِّجالُ قُبورَ النِّساءِ / الدُّموعُ يُخفيها المساءُ الجارحُ / والأيتامُ يَموتونَ بَيْنَ الزَّيْتِ والزعترِ/ والنوارسُ على شَجرِ الصَّنوبرِ / والدَّلافينُ تَسبحُ في المقابرِ الغارقةِ / فلا تَقْلَقْ أيها الغبارُ / سَيُصبحُ البَدْوُ الرُّحَّلُ مُحَلِّلينَ سِياسيين بين الأضرحةِ .