26‏/08‏/2019

شكسبير يستمع إلى إحدى محاضراتي / قصيدة

شكسبير يستمع إلى إحدى محاضراتي / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........

     هَكَذَا تَصِيرُ قُلُوبُ جَارَاتِي أَرْقَامَاً عَلَى حِيطَانِ زِنزَانتِي / كَأَنَّ الْبُحَيْرَةَ تَنْظُرُ إِلَى النَّمْلِ وَهُوَ يَأْكُلُ جَسَدَهَا / تَدْخُلُ الْهِضَابُ الْمُحَارِبَةُ بَيْنَ أَزْرَارِ قَمِيصِي / بَيْنَمَا كُنْتُ سَائِرَاً فِي جِنَازَتِي / يا شَمْعةَ الموتِ / إِنَّ الطريقَ هُوَ السَّرَطانُ الذي سَيأكلُ نَهْدَيْكِ / غَرِيبٌ وَجْهِي أَكْثَرُ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى/ فَلا تَسْأَلِينِي يَا ابْنَةَ النَّارِ عَنْ سَنَابِلِ الْمَدَى/ لأَنَّنِي سَيْفُ الصَّوْتِ وَخَنْجَرُ الصَّدَى / وَكَانَ النَّهْرُ مُؤَذِّنَاً جَوَّالاً فِي أَزِقَّةِ نَعْشِي الْمُقَاوِمِ لِزَئِيرِ الْفَيَضَانِ/ (( أَجَارَتَنَا إِنَّا غَرِيبَانِ هَهُنَا وَكُلُّ غَرِيبٍ لِلْغَرِيبِ نَسِيبُ ))/ كِتَابَاتٌ فِي جَوَازِ السَّفَرِ الدُّبْلُومَاسِيِّ لِلْعَاهِرَةِ الْمُبْتَدِئَةِ / وَفِي شِتَاءَاتِ الْحَطَبِ فَأْرَةٌ تَشْرَبُ النَّبِيذَ الْمَشْوِيَّ / أَمَامَ مَوْقَدَةِ الْجُنُونِ الْمَقْلِيِّ/ وَعَلَى الصَّليبِ ضِفْدَعٌ يَتَزَوَّجُ تُفَّاحَةً / سَأَتَزَوَّجُ رَاهِبَةً وَأُسَمِّي ابْنِي مُحَمَّدَاً / (( فَإِنْ مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ))/ وَلا تَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ عَمِّي/ فَيَا مَلِكِي لا تُمَكِّن الأَعْدَاءَ مِنْ جُثَّتِي/
     وَكَانَ الْمُتَنَبِّي يُلْقِي قَصَائِدَهُ فِي جَامِعَةِ السُّوربُونِ/ وَامْرِؤُ الْقَيْسِ فِي الْمُسْتَشْفَى الْعَسْكَرِيِّ / رَقْمُ غُرْفَتِهِ قَصِيدَةٌ غَامِضَةٌ / هَكَذَا يَذْهَبُ أَرُسْطُو إِلَى مَصَحَّةٍ عَقْلِيَّةٍ بَعْدَ دَرْسِ الْمَنْطِقِ اللامَنْطِقِيِّ / وَيَتَسَاقَطُ بُرْجُ إِيفِلَ عَلَى مَقَرِّ نِقَابَةِ بَنَاتِ الليْلِ/ فَلْتَكُنْ أُذُنِي خَوْخَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ السَّجَّانِ وَالْبَاذِنْجَانِ/ حَنِينُ الْحِجَارَةِ فِي أَكْيَاسِ ثَرْثَرَةِ الْحِيطَانِ النَّازِفَةِ بُرتقالاً/ لَيْتَ الْعَقَارِبَ تَتجمَّعُ فِي حَنْجَرَةِ التُّوتِ / كَمَا تَتَجَمَّعُ الشَّاحِنَاتُ فِي خُدودِ الرَّمْلِ / كُلَّمَا نَظَرْتُ إِلَى وَجْهِ الْبُحَيْرَةِ رَأَيْتُ قَنَابِلَ الْوَقْتِ / وَشَرَايِينِي مَفْتُوحَةٌ لِحُفَرِ الْمَجَارِي / يُخَزِّنُ الشَّوْكُ الْفِضِّيُّ دَوَائِرَ الْمُخَابَرَاتِ دَاخِلَ رَغِيفِ خُبْزٍ/ كُلما ازدادتْ أمتارُ قُمَاشِ الأكفانِ / ازدادت الأضرحةُ نُسوراً وبَريقاً/ مَن حَاوَلَ انتشالَ الجثثَ سَيُصْبِحُ جُثةً / فَاذْهَبْ إلى دَمي المنثورِ على حِجارةِ قَرْيتي/ انتحرَ الوَطنُ / وَبَقِيَ النَّشيدُ الوَطنيُّ/ انقَرَضَت الدَّوْلةُ/ وَبَقِيَتْ مَحكمةُ أمْنِ الدَّوْلةِ/ كُسِرَ الصَّليبُ / لكنَّ نُعوشَ الرَّاهباتِ تَسْبَحُ في رَنينِ الأجراسِ/ فَاصْعَدْ مِن ضَوْءِ أظافِرِكَ النُّحاسيةِ بُرْتقالاً وَمُسَدَّساتٍ / كَسَرْتُ مِرْآتي / وَرَأيتُ صُورتي عَلى زُجاجِ السَّياراتِ العَسْكريةِ / في شَوارعِ الإِبادة / جاءَ الشِّتاءُ الجريحُ / وَلَم تَجِئْ مَناديلُ الوَداع / تَتساقطُ أجفاني على الوَحْلِ كالأمطارِ المكسورةِ / وَدَمُ الحيْضِ يَخْدُشُ الأحجارَ الكريمةَ / أَشْفِقي عَلَيَّ أيتها العُقبانُ / أنا ذِكرياتُ اليَمامِ في مَزْبلةِ الحضَارةِ/ وَجَدْتُ دَمي في جَسَدِ غَزالةٍ مَذْبُوحةٍ / وَكَانتْ دِماءُ الشَّمْسِ تَسيلُ في حُقولِ الكَاكاو / وَالعَبيدُ يَحْصِدُونَ رُموشَهم تَحْتَ قِرْميدِ الأحزان / وَيَحْرُثُونَ حَواجِبَهم تَحْتَ أغصانِ النَّيازكِ / أظافري هُدْنةٌ لا تَحْتَرِمُها التِّلالُ / وَالسَّبايا صِرْنَ هَدايا بَيْنَ مُلوك الاحتضارِ / العَاصفةُ تُمَزِّقُ مَناديلَ الوَداع / وَالرَّاهباتُ يَمْشِينَ مُتَحَرِّراتٍ مِن جَاذبيةِ الأحزانِ/ تَحْتَ أجراسِ الغاباتِ القَاتلةِ/ الرِّياحُ الكَاذِبةُ / وَالفَجرُ الكَاذِبُ / والأظافرُ المكسورةُ في طُرقاتِ الذُّعْرِ / وَالزَّوابعُ تأكلُ أعمدةَ الكَهرباء / وَالشُّموعُ البَاردةُ تَغْتَصِبُ القِطَطَ الشَّريدةَ وَالكِلابَ الضَّالةَ / الصَّقيعُ عَائِلةٌ مَلَكِيَّةٌ / وَالظلامُ الْمُرْتَعِشُ يَشْرَبُ الأسفلتَ الطازَجَ / كُسِرَتْ قَارورةُ الحِبْرِ / وَاختفى طِلاءُ الأظافرِ في ظُروفٍ غَامِضةٍ/ وَالفَيَضانُ جَلَسَ على عَرْشِ الفَراغ/ يُقْتَلُ الرِّجالُ على الأثاثِ / والنِّساءُ يُشَاهِدْنَ التِّلفازَ / وَالضِّباعُ تَتجوَّلُ في الشَّوارعِ الْمُطْفَأةِ وَحيدةً / لا جُثَثٌ ولا نُعوشٌ / لا شَيْءَ سِوى العَدَمِ / أنتَ القَاتِلُ والمقتولُ / وَالْخَرابُ سَيَكُونُ ذَاكرةً للشَّمْسِ / اكْسِرْ صَلِيبَكَ وَاتْبَعْنِي / وَاغْسِلْ ظِلالِي بِالْيَانسُونِ الْمُثَلَّجِ وَلا تَكْسِرْنِي/ لأَنَّ الدَّيْنَاصُورَاتِ نَائِمَةٌ فِي عُلْبَةِ تَبْغٍ مَغْرُوسَةٍ / فِي سَقْفِ بَنْكِرْيَاسِ زَوْجَةٍ خَائِنَةٍ / وَأَرَى شَاعِرَاً ضِفْدَعَاً يَبِيعُ حَلِيبَ زَوْجَتِهِ لِلسُّكَارَى/ فِي آبَارِ الشَّوَاذِّ جِنْسِيَّاً/ أَطْلِقْنِي لأَحْضُنَ مَنَافِي الْحِبْرِ/ وَهِيَ تَرْكُضُ عَلَى قِشْرَةِ الْبُنْدُقِ الْعَنِيفِ / إِنَّ دِعَايَةَ مُبِيدِ الْحَشَرَاتِ مَحْكَمَةُ تَفْتِيشٍ مَهْجُورَةٌ / فَلْتَبْصُقْ أَفْكَارُ الشَّجَرَةِ عَلَى زُجَاجِ نَظَّارَاتِ الليْمُونِ / مُطَارَدَةٌ أَطْيَافِي كَفِيلٍ هَارِبٍ مِنَ السِّيركِ / وَفِي عَضَلاتِي تَنْدَلِعُ جَثَامِينُ اللوْزِ / لِمَاذَا تَرْكُضُ أَشْجَارُ الْبَرْقِ / إِلَى حُفْرَةِ الزَّنْجَبِيلِ النِّهَائِيَّةِ ؟! / فَلْيُقَدِّس اللهُ رُوحِي / وَلْيُنَوِّرْ ضَرِيحِي /
     عَلَّمَتْني التفاحةُ كَيْفَ أُقَشِّرُ البُرتقالةَ / لكني مِتُّ جائعاً / عَلَّمَتْني مُدُنُ الكوليرا تاريخَ أجسادِ الأراملِ / وجُغرافيا أحزانِهِنَّ / لكني لم أَنجحْ في امتحانِ الجثامينِ الطازَجةِ / فلا تَنْتَظِرْنِي فِي مَحَطَّةِ الْقِطَارَاتِ النَّائِيَةِ / ضَابِطُ الْمُخَابَرَاتِ يَلْتَهِمُ طَيْفِي / فِي مَطْعَمِ الْوَجَبَاتِ السَّرِيعَةِ / لا دِمَائِي بُكَاءُ الْمَجَرَّاتِ / وَلا إِسْطَبْلاتِي أُسْرَةٌ حَاكِمَةٌ سَارِقَةٌ / سَأَطْلُبُ اللجُوءَ السِّيَاسِيَّ فِي كَوْكَبِ الزُّهْرَةِ / فَلا تُضَيِّعُوا وَقْتَكُمْ فِي الْبُكَاءِ عَلَيَّ / أنا الْمُهَاجِرُ الأَبَدِيُّ إِلَى خَالِقِ الأَكْوَانِ / رَجَاءً أَيُّهَا الصَّلِيبِيُّ : ضَاجِعْ عَشِيقَتَكَ / ثُمَّ انْشُر الدِّيمقْرَاطِيَّةَ /
     الدائرةُ اكتملتْ / أنا ضَريحٌ سَابحٌ في الانطفاءِ / لكنَّ أحزاني تتوهَّجُ / أنا جُثةٌ هامِدةٌ / لكنَّ هَيْكلي العَظْمِيَّ يَقودُ الانقلاباتِ العسكريةَ /  انقرَضَت الدَّوْلةُ / والعَلَمُ مُنَكَّسٌ / ولكلِّ قَبيلةٍ قانونُها / أنامُ على قَشِّ الإِسْطبلاتِ / لا خُيولٌ بَيْنَ أصابعي / ولا نِساءٌ حَوْلَ قَبْري / ذِكْرياتي هائجةٌ / وأحزاني جَامِحةٌ / سَيَنمو النَّعناعُ في الجماجمِ المكسورةِ / والشَّفقُ العجوزُ يتوكَّأُ على مُسدَّسي / والأعاصيرُ تُرَوِّضُ رُموشَ المطرِ الأزرقِ / كَدِماءِ الأرستقراطياتِ المجروحاتِ عَاطِفياً .