08‏/08‏/2019

ملامح طُليطلة تنتشر على الجفون / قصيدة

ملامح طُلَيطلة تنتشر على الجفون / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............

     يَقْضِمُ الأَمْسُ مَا تَبَقَّى مِنْ أَكْفَانِنَا فِي مَهَبِّ الذِّكْرَى / إِلَيْكِ تَرْكُضُ الأَشْجَارُ الْمَوْلُودَةُ حَدِيثَاً/ وَفِي خُصلاتِ شَعْرِي تَقْرَأُ حُقُولُ الذُّرَةِ الْجَرِيدَةَ / الْغَيْمَاتُ تَغْمِسُ رَأْسِي فِي كُوبِ عَصِيرٍ / يَتَرَنَّحُ فِي يَدِ سَيِّدَةٍ مَخْمُورَةٍ / إِنَّنِي الصَّنَوْبَرُ الْعَتِيقُ / وَالْمِنْجَلُ الْقَتِيلُ فِي كُلِّ الْبَرَارِي النُّحَاسِيَّةِ / يَتَسَكَّعُ كَلامُ الْوَحْلِ عَلَى حِيطَانِ السُّوقِ الْمَهْجُورَةِ / ولا يَزَالُ هُرُوبُ الْكُهُوفِ مِنْ صَدْرِي يَشْغَلُ بَالَ الرُّعُودِ / أَفْرُشُ جِلْدِي عَلَى عَتَبَةِ بَيْتِي / لِتَفْرَحَ النَّيَازِكُ وَهِيَ تَقْتَحِمُ عُزْلَتِي الْبَنَفْسَجِيَّةَ / مَرَّت الْبَنَادِقُ عَلَى الغَابَاتِ / يَوْمَ انْتَحَرَتْ حِجَارَةُ الْمَعَابِدِ / وَالْتَقَى الْعُشَّاقُ الْعَاطِلُونَ عَنِ الْعَمَلِ تَحْتَ أسوارِ الْمُعْتَقَلِ /
     رُشُّوا عَلَيَّ قَلِيلاً مِنَ الأَدْغَالِ / لأَتَذَكَّرَ كِتَابَاتِ الْبَرْقِ عَلَى ذَيْلِ السَّمَكَةِ/ الْتَقَمَ الطِّفْلُ ثَدْيَ الْغَابَةِ / وَمَاتَ كَالْخِزَانَاتِ الزُّجَاجِيَّةِ فِي مَحَالِّ بَيْعِ الأَسْلِحَةِ / وكانَ الفُقراءُ يَلْعَبُونَ بِجَمَاجِمِ آبَائِهِم / أَنَا الْعَائِدُ مِنْ إِغْفَاءَةِ الأَبَارِيقِ الْفَخَّارِيَّةِ / يَا مَنْ يُخَزِّنُ الْمَطَرَ فِي قَلْبِ الْيَتِيمِ / قَلْبِي نَوْرَسُ الْجُوعِ لَهُ النَّدَى جَنَاحَانِ / يَجْلِسُ الصَّبَاحُ عَلَى كُرْسِيِّهِ فِي الْمَكْتَبَةِ الْعَامَّةِ / احْتَضِنْ نَفَسِي تَجِدْ مِشْنَقَتِي يَنْصِبُهَا الصَّدَأُ عَلَى شُرْفَةِ بَيْتِي /
     لِكَي أَظَلَّ مُتَذَكِّرَاً الْيَوْمَ الَّذِي مَثَّلَ فِيهِ النَّبْعُ بِجُثَّتِي / لا بُدَّ أَنْ أَنْسَى تَارِيخَ مِيلادِي / نَسْرٌ يَضَعُ الْمَجَاعَةَ فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ / وَيَدْخُلُ فِي الْبَيَاتِ الشَّتَوِيِّ / شُنِقَ أَهْلِي فِي مَسَاءٍ رِيفِيٍّ مُنَاسِبٍ لِتَأَمُّلاتِ الْفَلاسِفَةِ فِي دَفْتَرِ الأَحْزَانِ/ لا أَنفِي إِعْدَامَاتُ بِطْرِيقٍ / وَلا رُمْحِي مَطْعَمٌ لِلْعَائِلاتِ / الأَسْلاكُ الشَّائِكَةُ / وَالْمَلابِسُ الدَّاخِلِيَّةُ لِلْجُنُودِ الْمَهْزُومِينَ / وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ يَتَسَلَّقُونَ أَجْسَادَ نِسَائِهِمْ بَحْثَاً عَنِ الْخُبْزِ / رَقَبَتِي هِيَ السُّجُونُ / وَأَزِقَّةُ سَمَرْقَنْدَ / وَفَتَيَاتُ غُروزنِي / أَنْتُنَّ يَا بَنَاتِ كَشْمِيرَ تَتَذَكَّرْنَ أَطْرَافِي الْمُرْتَعِشَةَ فِي قَاعَاتِ مَحَاكِمِ التَّفْتِيشِ /
     تَنْمُو الْجُدْرَانُ كَالْبَعُوضِ الشَّمْسِيِّ / فِي تَقَاسِيمِ وَجْهٍ عَائِدٍ مِنْ حَرْبِ الصَّدَى / كَانَ الْفِطْرُ السَّامُّ يُمَزِّقُ الأَغْشِيَةَ الْمُخَاطِيَّةَ لِلْغُبَارِ / افْرَحْنَ أَيَّتُهَا السَّيِّدَاتُ الْعَارِيَاتُ في مَرَاكِزِ التَّسوقِ لأَنَّنِي أَمُوتُ / وَتُجَّارُ الرَّقِيقِ الأَبْيَضِ يُعَلِّقُونَ صَرَخَاتِ الْفَقِيرَاتِ بِرْوَازَاً لِلأَثْرِيَاءِ الشَّاذِّينَ جِنْسِيَّاً /
     وَرَاءَ السَّتَائِرِ وَجَلِيدِ الأَدْيِرَةِ مَكَانٌ لِلرُّعْبِ / وَجْهٌ أَخْرَسُ مُشْرَبٌ بِانطِفَاءِ الصَّنَوْبَرِ فِي أَرْحَامِ النَّعَامَاتِ / كُلُّ لَيْلٍ دَمٌ لِصَبَاحٍ يَطْلُعُ مِنْ يَاسَمِينِ الْمَقَاصِلِ / وَالْكَهَنَةُ يَتَعَثَّرُونَ بِخُيُوطِ النَّعْنَاعِ الصَّاعِدَةِ / مِنْ شُقُوقِ بَلاطِ الْمَعْبَدِ / وَيَفْتَتِحُونَ انْتِحَارَهُمْ فِي حُقُولِ عُيُونِهِمُ الْمُشَقَّقَةِ / وَالْبَحَّارَةُ يَنْصِبُونَ الْقُلُوعَ شَوَاهِدَ لِقُبُورِهِمْ / أَيْنَ حَفَّارُو الْقُبُورِ الْمُتَرَسِّبَةِ فِي قَاعِ الْبُطُونِ الْخَالِيَةِ ؟ / لا بَشَرَتِي حَقْلُ ذُرَةٍ يَرْتَدِيهِ جَابِي الضَّرَائِبِ / وَلا إِبْطِي مَزْرَعَةٌ لِتُجَّارِ الأَسْلِحَةِ / كُلُّكُمْ مَاءٌ لِلْعَاصِفَةِ / اشْرَبُونِي حُفْرَةَ دَمعاتٍ فِي لَحَظَاتِ عُرْيِ المسَدَّسَاتِ/ الطَّرِيقُ إِلَى انتحاراتي يُشَرِّحُ آذَانَ الْفَلاحِينَ/ يَا قَمَرَاً مَذْبُوحَاً فِي صَبْرَا وَشَاتِيلا / لا تُصَدِّقْ كَلامَ الْخَرِيفِ الْعَالِقَ عَلَى سُرَّةِ المتوسِّطِ / لأَنَّ قَلْبِي يُعِيدُ فَتْحَ الأَنْدَلُسِ /
     حَطَّابُونَ نَائِمُونَ عَلَى غُصْنِ الْفِكْرَةِ / فَتَحْنَا أَقْفَاصَنَا الصَّدْرِيَّةَ لِلْخُيُولِ الطَّالِعَةِ مِنْ خَشَبِ أَعْمِدَةِ الْكَهْرَبَاءِ / أَتَيْنَا وَفِي مَلامِحِنَا تَقْفِزُ أسماكٌ / قَطَعَتْ رُؤوسَها وَرْدَةُ الرَّعْدِ / الْمُذَنَّبُ أَقَامَ مَدِينَتَهُ عَلَى حِبَالِ الْغَسِيلِ/ وَلا غَسِيلٌ عَلَى سُطُوحِنَا الْمَفْتُوحَةِ لِلْمِرْوَحِيَّاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ / أَنسَانَا الْعَوْسَجُ الْمُسْتَوْرَدُ كَيْفَ نُنْجِبُ الأَطْفَالَ / وَنَسِينَا طَرِيقَ الْمَقْبَرَةِ فِي زَوَايَا حُلُوقِنَا /
     لَم تُسَجِّل الْبَرَارِي بَيَانَاتِ جَوَازِ السَّفَرِ لِحِصَانِي/ الَّذِي أَضَاعَ هُوِيَّتَهُ الشَّخْصِيَّةَ فِي أَحَدِ الْكَوَاكِبِ / فَلْنَسْتَمِعْ إِلَى الْمُحَاضَرَةِ / الَّتِي يُلْقِيهَا الشَّجَرُ الْمُطَارَدُ فِي كُلِّيةِ الْحُقُوقِ / ولا أَدْرِي لِمَاذَا رَشَّحَ الْبَحْرُ نَفْسَهُ فِي انْتِخَابَاتِ الإِسْطَبْلِ الذَّهَبِيِّ / لَمْ يَشْطُبِ الْغُبَارُ أَسْمَاءَ الشُّجَيْرَاتِ مِنْ قَائِمَةِ الْمَطْلُوبِينَ لِلشَّاطِئِ / لَسْتُ الرَّمْلَ الْمَائِيَّ حَنْجَرَةَ التُّفَّاحَةِ / إِنَّمَا لَحْمُ الزُّهُورِ نَيْزَكٌ / اتْبَعْهُ وَلا تَنْسَ أَنْ تَدْفِنَنِي /
     أَصْغَيْتُ لِصَوْتِ الْجِدَارِ الْمَخْلُوطِ بِعَوِيلِ الرِّمَالِ / أَيَّتُهَا الصَّحْرَاءُ الرَّاكِبَةُ عَلَى ظُهُورِ الْخَيْلِ / لِمَاذَا تَلْبَسِينَ الْوُجُوهَ الْمَنْبُوذَةَ فِي حَيِّنَا الْمُحَاصَرِ ؟ / اتَّخَذَتْ مَدَائِنُ الرِّعشَةِ مَقَرَّاً لَهَا فِي بُلْعُومِي/ فارْحَمْنِي يَا ضَوْءَ الْمَنَافِي الْمَنْفِيَّةِ / أَكْوَامُ النِّفَايَاتِ فِي الشَّارِعِ الْمُعَبَّدِ بِالْجُثَثِ / وَرُؤُوسُ الْعَبِيدِ الْمَقْطُوعَةُ نَسِيَهَا النَّخَّاسُ فِي السُّوقِ / لا تَلْبَسْنِي إِذَا احْتَفَلَ الْقَتِيلُ بِأَعْيَادِي / لأَنَّ يَوْمَ اغْتِيَالِي مِيلادِي / زَرَعَ الْوَلَدُ الَّذِي أُعْدِمَ أَبَوَاهُ نَبْتَةً فِي خَدِّي / وَصُرَاخُ الطَّبَاشِيرِ يَنْمُو كَرَاتِبِ السَّيَّافِ / وَإِطَارَاتُ سَيَّارَةِ الشَّفَقِ مُصَفَّحَةٌ ضِدَّ دَمِي / لَكِنَّ الْبَارُودَ رِئَةٌ /
     أيَّتها القَاتِلةُ الجميلةُ / القَتيلةُ الأنيقةُ / فِي الْعَامِ الْمَاضِي أُعْدِمْتُ فِي السَّاحَةِ الْعَامَّةِ / كَانَت النِّسَاءُ يَنْتَظِرْنَ الْمَوْلُودَ الأَوَّلَ / وَكُنْتُ أَنْتَظِرُ الْمَوْتَ الأَوَّلَ / وَلَمْ يَكَدِ الحطبُ يَسْتَلُّ مِنْ أَوْدَاجِي سُيُوفَ الْحُلْمِ / حَتَّى أَحْسَسْتُ بِالأَبْوَابِ تُغْلَقُ فِي وَجْهِ الْبُحَيْرَةِ / انْطَلَقَ صَوْتُ الْمُؤَذِّنِ يُفَجِّرُ تَوَارِيخَ الإِبَادَةِ / وَيَكْسِرُ الظِّلَّ الدَّمَوِيَّ فِي دَهَالِيزِ مَحَاكِمِ التَّفْتِيشِ / كُنْتُ مَصْلُوبَاً عَلَى الْغَسَقِ / أَنَا الْغَيْمَةُ الْمَصْلُوبَةُ فِي لَيْلَةِ عُرْسِهَا / أَنَاشِيدِي يَحْمِلُهَا الآخَرُونَ إِلَى زَوْجَاتِهِم / وأَظَلُّ أُرَدِّدُ الأَذَانَ حَيَّاً وَمَيْتَاً .