12‏/08‏/2019

تقاعد عامل النظافة الأعرج / قصيدة

تقاعد عامل النظافة الأعرج / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........

     أَنتَ الْعُشْبُ فَوْقَ قِرْمِيدِ الْجُرُوحِ / يَا أَيُّهَا الْفَجْرُ الَّذِي لا يَتَذَكَّرُهُ الشَّجَرُ / إِلا فِي مَأتَمِ الْكَسْتَنَاءِ / امْتَزِجْ بِالْجَلِيدِ الأَزْرَقِ / عِنْدَ نَبَضَاتِ الْحَائِطِ الْمَشْقُوقَةِ / لَكِنَّ دَمعَاتِ الشَّارِعِ تَتَذَكَّرُ نَزِيفَ الْمَكَانِسِ الْخَشَبِيَّ/ طَالِعَاً مِنْ بَرَارِي عَقَارِبِ السَّاعَةِ / لَمْ يُمْهِلْنَا الْخَرِيفُ كَيْ نَنْشُرَ جَمَاجِمَنَا عَلَى حَبْلِ الْغَسِيلِ / وَنُسَاعِدَ الْبُرْتُقَالَ فِي تَشْغِيلِ سَيَّارَتِهِ الْقَدِيمةِ / أَجْبَرَنَا حُرَّاسُ الثَّلْجِ عَلَى رَفْعِ صَدَاقَةِ الْوَحْلِ رَايَةً لِلْمَوْتَى/ السَّائِرِينَ فِي الزُّقَاقِ النُّحَاسِيِّ/ مِكْنَسَةً تَلِدُ ظِلالَ النَّهْرِ كَانَتْ مُحَرِّكَاتُ السَّيَّارَاتِ/ وَمُوَاءُ الْقِطَطِ الْوَلِيدَةِ يَقْضِمُ حِجَارَةَ الظِّلِّ الأَبْيَضِ / وأنتَ تتوكَّأ على المِكْنَسَةِ الجليدِيَّةِ في شَوارعِ الرُّعْبِ / وتَعْبُرُ مِن ضِفَّةِ الكَهْرَمانِ إلى ضِفَّةِ الْمَذْبَحَةِ / وأصحابُ الدِّماءِ الزَّرقاءِ يَضْحَكُونَ عَلَيْكَ / ويَمُوتونَ بَيْنَ زُرقةِ البَحْرِ وخُضْرةِ النَّزيفِ / ولا تاريخَ للقَلْبِ المكسورِ سِوى مَرافئِ الصَّقيعِ /  
     يَا مَنْ لا تَمْلِكُ غَيْرَ ثِيَابِكَ الْمَزْرُوعَةِ فِي جَسَدِ الرَّعْدِ / قِفْ عَلَى مِنَصَّةِ إِعْدَامِ الْمَوْجِ الْفُسْتُقِيِّ بَلَدَاً لِلتُّفَّاحِ الطَّرِيدِ / عَلَّمْتَنَا كَيْفَ نُكَنِّسُ الْمُلُوكَ فِي ضَجَرِ الشَّوَارِعِ/ وَعَلَّمْتَ الْبَطَّ الْمُهَاجِرَ كَيْفَ يَنْتَعِلُ جُنونَ الْحَاكِمَةِ/ لَسْتَ لِلْوَحْلِ شُطْآنَ دِينَامِيت / أَوْ عَوْسَجَ الْمَدِّ / مَوَاسِمُ كُهُولَةِ حَامِلاتِ الطَّائِرَاتِ فِي الْمَلابِسِ الدَّاخِلِيَّةِ لِلْقَوَّادِين / كَانَت الزَّلازِلُ تَدْهَنُ وَاجِهَاتِ الْمَقَاهِي بِأَجْفَانِي/ لَكِنَّ الطُّوفَانَ تَبَرَّعَ بِدَمِهِ فِي الْمُسْتَشْفَى الْمُجَاوِرَةِ لِمَذْبَحَتِي/ وَيَعْتَرِفُ الْمَوْجُ بِنَسَبِ الْبَحْرِ الْيَتِيمِ/ وَمَا زَالَتْ حُكُومَةُ الْحَطَبِ فِي قُبَّعَاتِ الْهَذَيَانِ تَسْتَدْرِجُ الْبَغَايَا الْمُبْتَدِئَاتِ /
     سَيِّدتي / أنا الْخُفَّاشُ الذي يَخافُ مِن شَمْسِكِ / بَرِيقُ الخناجِرِ تَحْتَ قُمْصانِ النَّوْمِ / الظهيرةُ الجارِحةُ في ذَلِكَ اليَوْمِ الحزينِ / يَسيلُ المِكياجُ على خُدودِ الجواري تَحْتَ شُموسِ الإعدامِ / أنا الموتُ الذي لا يَموتُ/ رُمُوشي كَابوسُ الطُّرقاتِ / مَاتَ الرَّاعي / وَانكسرَ المِزْمارُ / وَصَارَ الكَلْبُ سَيِّداً عَلى الأغنامِ / جُثتي على الرَّصيفِ / لَكِنِّي أَقْطِفُ الأزهارَ المعْدنيةَ مِن حَديقةِ الجمَاجمِ/ سَأتزوَّجُ البُحَيْرةَ لأَدْفِنَها في قَلْبي/ وَأَموتَ في الشَّفَقِ مَنْبُوذاً / لا وَجْهٌ لِي وَلا قِناعٌ /
     يَا صَاحِبَةَ الْعَبَاءَةِ السَّوْدَاءِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ / أَرْجُوكِ / زُورِي جُثْمَانِي الْمَنْحُوتَ عَلَى أَلْوَاحِ الْمَوْجِ وَابْتِسَامَةِ القَرَنْفُلِ / وَاحْذَرِي أَنْ تَسْقُطِي فِي حُفَرِ دُمُوعِي / يَا سَجَاجِيدَ الْجَامِعِ / خَبِّئِينِي فِي خُيُوطِ الْمَسَاءِ الْبَيْضَاءِ / وَلا تُلَوِّثِي يَدَيْكِ بِحَفْرِ قَبْرِي / أَنَا مَنْ تَخِيطُ أَكْفَانَهُ الأَنْهَارُ الثَّائِرَةُ / وَتَنْصُبُ شَاهِدَ قَبْرِهِ الشَّرْكَسِيَّاتُ الْمُهَاجِرَاتُ إِلَى رِئَةِ الشَّمْسِ الضَّاحِكَةِ .