12‏/10‏/2019

الأطياف القرمزية للنعش الرمادي / قصيدة

الأطياف القِرمِزية للنعش الرمادي / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

     كُنْ صَديقاً للزَّبَدِ الذي يَلْمَحُ آثارَ أسنانِ الصَّبايا على تُفاحِ المجازرِ / ارْحَمِيني مِن ضَوْءِ عَيْنَيْكِ لأُمْسِكَ ضَوْءَ نَعْشي / أيُّها الْمُحَارِبُ الخاسِرُ / تَعيشُ مَعَ البَراويزِ الحديدِيَّةِ الصَّدِئَةِ / خَانَتْكَ رَاياتُ القَبائلِ / فَابْكِ وَحْدَكَ مِثْلَ دُودةِ القَزِّ / لا امرأةٌ تبكي في أحضانِها البلاستيكِيَّةِ/ ولا أرشيفٌ يَحْرِقُ شُموعَ عِيدِ احتضارِكَ / فَاشْكُر الفَتَيَاتِ اللواتي يَزْرَعْنَ الحطَبَ الأخضرَ في أظافِرِهِنَّ / سَتَرى خَارطةَ بِلادِكَ في أسواقِ النِّخاسةِ/ فلا تَنتظِرْ بَناتِ طُرْوَادَة/كُنْ جِنسِيَّةَ البَحْرِ الْمُتَمَرِّدَةَ عَلى البَحْرِ/ وارْكُضْ وَراءَ تَوَهُّجِ جَسَدي المصلوبِ عَلى النَّيازكِ / وَافْرَحْ لأنَّ العَاطِلِينَ عَنِ العَمَلِ يُدَافِعُونَ عَن حُقوقِ المرأةِ / سَأكُونُ كُلَّ شَيْءٍ إِلا أنا / فاعْقِدْ هُدنةً بَيْنَ وَجْهي وقِناعي / واكْسِرْ مَرايا الخريفِ في طَريقِ البَحْرِ / إذا ضَلَلْتَ طَرِيقَكَ سَتَجِدُني / أنا صَخرةُ الشَّاطِئِ الوَحيدةُ في سَاعَةِ السَّحَرِ /
     أيُّها الشَّلالُ الأعْزَبُ / لِمَاذا تَقْتُلُنِي وَتَتَوَكَّأُ عَلى عُكَّازتي ؟ / سَوْفَ تَتَبَخَّرُ الدِّماءُ الملَكِيَّةُ في طَابُورِ الإِمَاءِ / يا أمطارُ / انظُري في عُيونِ أُمِّي / وَلا تَنْظُري في عُيونِ حَفَّارِ قَبري / سَأَصِيرُ بَعْدَ مَوْتي أَيْقُونةً/ يَضَعُ الصَّدى مِشْنَقتي عَلى طَوَابِعِ البَريدِ تِذْكَاراً للعُشَّاقِ/ الذينَ قَتَلَهُم الْحُبُّ في عِيدِ الجرادِ / كُلُّنَا نَخَّاسُونَ / أضَعْنا عُنوانَ سُوقِ النِّخاسةِ/ العَبيدُ يَحْتَفِلُونَ بِالعَبيدِ / والجواري يَرْقُصْنَ مَعَ الجواري / نَصْنَعُ مَجْدَ قَاتِلِينَا / وَنُسَمِّي شَوَارِعَنَا بأسمائِهِم / نُخَبِّئُ نُعوشَ آبائِنا في القِطارِ الآتِي مِن مَناديلِ البُحَيرةِ / وَالعَناكبُ تَمْشِي عَلى جَسَدي / وَالعَواصِفُ تَجْمَعُ أَغشيةَ البَكَارَةِ كالعُمْلاتِ النَّادرةِ / والرَّصاصُ المطاطِيُّ يَختلِطُ بِصَوْتِ المطَرِ /
     أُخَزِّنُ أظافري في تُرابِ الشَّفَقِ / كَي يُثْمِرَ الليْمُونُ رَصَاصَاً وفَرَاشاتٍ / تَدْخُلُ الملِكَاتُ إلى سِنِّ اليَأْسِ / وَأَدْخُلُ إلى زَنازينِ الأمَلِ / أَخْرِجُوا جُثَثَ الأنهارِ مِن جُثماني/ نَقِّبوا عَن تَوابيتِ الخيولِ في نَعْشي / سَتَصِيرُ الْجُثَثُ الخرْسَاءُ أبراجاً للحَمَامِ / ضَفَائِرُ أُمِّي بُوصَلَةٌ تُرْشِدُ النَّوارسَ إلى ضَريحِ أبي / نكتشِفُ طَرِيقَنا إلى المقبرةِ تَحْتَ أطيافِ الشِّتاءِ / وَنَعْرِفُ طَرِيقَ قُلُوبِنا تَحْتَ ظِلالِ الخريفِ /
     عُرُوقُنا تَضُخُّ الدَّمَ في إِشاراتِ المرورِ في شَوارعِ الزَّهايمر/ يَا صَديقي العَاطِلَ عَنِ العَمَلِ / سَاعِدْني كَي أُزَيِّنَ سُورَ مَقْبَرَتي / يَا طِفْلَةَ الأعاصيرِ / سَاعِدِي أباكِ كَي يَحْفِرَ قَبْرَهُ / كَي يُزَيِّنَ جِلْدَ الفَرَاشَاتِ بالتَّوابيتِ / هَذِهِ دِمَاءُ النَّمْلِ تَكْسِرُ زُجاجَ السَّياراتِ العَسكرِيَّةِ/ وَفي الخريفِ سَيُزْهِرُ صُدَاعي قَهْوَةً للسُّجناءِ / فَكُنْ وَاضِحَاً في حَفْلةِ الإِعْدَامِ مِثْلَ رَاتِبِ السَّيافِ / كَسَرْتُ سَيْفي / أعْطَيْتُ نَعْشي لِبَنَاتِ آوَى / كَي يَضَعْنَ عَلَيْهِ مَلاقِطَ الغسيلِ / وأنا الملِكُ المنذورُ لِقِتَالِ الملوكِ /
     تَبْكِي الرَّاهباتُ في الأدْيِرَةِ القَديمةِ / وَلا يَسْمَعُ ضَجِيجَ دُمُوعِهِنَّ إلا قَمَرُ الخريفِ / الغروبُ العَاطِفِيُّ دَامِعٌ كَقُلُوبِ البَناتِ المكسورةِ / وَالجماجِمُ على رُؤوسِ الرِّماحِ / وَالأقمارُ مُعَلَّقَةٌ عَلى قُضبانِ الزِّنزانةِ / أَدْخُلُ في رُوحِ الليلِ لأهْرُبَ مِن أصابعي / وأُهَرِّبَ أحزانَ الطفولةِ في الأكفانِ البَيْضَاءِ التي تُغَطِّي الأثاثَ الْمُسْتَعْمَلَ / كُلَّمَا رَأيتُ لَبُؤةً تَضْحَكُ في مَمَالِكِ الأُنوثةِ / رَأَيْتُها عَلى فِرَاشِ الموْتِ في سَاعةِ الاحتضارِ في لَيْلَةٍ خَريفِيَّةٍ بَاردةٍ /
     أَيَّتُها النِّساءُ الْمَجْرُوحَاتُ عَاطِفِيَّاً أمَامَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ / أحلامُ الطفولةِ مَكسورةٌ كَعُيُونِ الجنودِ المهزومين / والقِطَاراتُ مُحَمَّلَةٌ بالجنودِ القَتْلَى والنُّعوشِ الْمُزَخْرَفَةِ / والفَتَيَاتُ عَلى رَصيفِ المحطةِ يُقَبِّلْنَ الغُزاةَ / تُصْبِحُ فَساتينُ العُرْسِ أكياساً للجُثَثِ / سَأُكْمِلُ مَا بَدَأَهُ عُشْبُ المقابرِ / لأعيشَ خَارِجَ قَبْري بُرْجَاً للحَمَامِ المذبوحِ / ضَفائرُ النِّساءِ مُعَلَّقَةٌ عَلى نَخيلِ الجِنازةِ / وَشَراييني صَارَتْ وَطَنَاً لليَمَامِ الْمَنْفِيِّ / كُرَيَاتُ دَمي حَبَّاتُ كَرَزٍ في مُسْتَوْدَعَاتِ الجيوشِ المهزومةِ/ فَاشْرَبْني أَو اترُكْني للقَرَاصِنَةِ / الذينَ يُزَيِّنُونَ شَاطِئَ الهياكِلِ العَظْمِيَّةِ بالشُّموعِ / وأهْلُ الكُوفةِ اكْتَشَفُوا الدِّيمقراطِيَّةَ عِندَما قَتَلُوا الْحُسَيْنَ/ فَاكْسِري قَارُورةَ العِطْرِ كَي تَعْرِفِي صُورتي عَلى زُجاجِ المحاكِمِ العَسكرِيَّةِ /
     مَاتَ النَّهْرُ بِذَبْحَةٍ صَدْرِيَّةٍ / أطفالي جِيَاعٌ / أَطْعَمْتُهُم ذِكْرَيَاتي في السُّجونِ / مَاتوا قُرْبَ شَمْسٍ تُولَدُ في ضُلوعي / مَضَغَ الأيتامُ حِبَالَ المشانِقِ في ليالي الانقلاباتِ العَسكرِيَّةِ / سَلامٌ عَلى الرِّياحِ وَهِيَ تُغْلِقُ قَلْبي بالشَّمْعِ الأحمرِ / تَصيرُ أجنحةُ الذبابِ أطْرَافَاً صِنَاعِيَّةً للشَّاطِئِ المشلولِ / أركضُ في دِمَاءِ سِنْدِيَانَةٍ عَجُوز / لا أكاليلُ غَارٍ تَرْمِيهَا عَلَيَّ النِّساءُ / وَلا أقواسُ نَصْرٍ تُظَلِّلُ جُثمانَ أبي /
     افْرَحِي أيَّتُها الرَّاهبةُ العَمياءُ / سَيَأْكُلُ البَقُّ خَشَبَةَ الصَّليبِ / وَتُصْبِحِينَ حُرَّةً / انكَسَرَتْ صُورةُ العُشَّاقِ عَلى جَدائلِ التِّلالِ / لأنَّ البَعُوضَ خَدَشَ مَرايا الخريفِ/ صُورةُ أُمِّي سَتَظَلُّ إلى الأبَدِ عَلى سُطُوحِ البُحَيراتِ / يَتَوَهَّجُ قُطَّاعُ الطريقِ قَبْلَ أن يَقْطَعَ الْمَوْتُ عَلَيْهِم الطريقَ / أنا الْمُنْشَقُّ في أحزانِ المساءِ / لَكِنِّي أُبَايِعُ الغُبارَ مَلِكَاً عَلى الأضرحةِ/ أنا اللامُنْتَمِي في أرشيفِ القَرابين / لَكِنِّي أُبَايِعُ الزَّبَدَ أميراً عَلى الشُّطآنِ / أنا المنبوذُ في أجنحةِ النَّوارِسِ / لَكِنِّي أُبَايِعُ السَّجَّانَ حَاكِمَاً عَلى قَطيعِ الغَنَمِ /
     سَأَترُكُ قَلْبي عَلى مَقْعَدِ الحديقةِ / كَي تَأخُذَهُ الغريبةُ مِعْطَفَاً للخريفِ الدَّامي/ فَابْكِي عَلَيَّ عِندَما أَمُوتُ / وَتُعَلِّقِينَ حَوَاسِّي عَلى حَبْلِ الغسيلِ / إِنْ لَم يَجِدْني المساءُ في كُوخي / سَيَجِدُ جُثماني في قَاعِ البُحَيْرَةِ / يَلْمَحُ المطرُ الأزرقُ أجْفَاني في آبارِ القُرى المنسِيَّةِ / سَوْفَ تَعْشَقُ النِّعاجُ الذِّئابَ في أدغالِ اليَاقُوتِ / تَتَمَرَّدُ الذاكرةُ عَلى الذِّكرياتِ / وَتَرْتَمِي السَّجينةُ في أحْضَانِ سَجَّانِهَا /
     يا أيَّتُها اللبُؤةُ الأُرْجُوَانِيَّةُ / سَيَمْشِي الدُّودُ عَلى نَظَّارَتِكِ الشَّمْسِيَّةِ / بَعْدَ انتحارِكِ في الخريفِ البَعيدِ / تِلْكَ بِلادي رَاهِبَةٌ مُغْتَصَبَةٌ في دَيْرٍ بَعيدٍ / نَخَافُ مِن رُمُوشِنا/ نَهْرُبُ مِن جُلُودِنا/ نَتَّحِدُ بالموْتِ لأعيشَ فِيكِ ضَوْءَاً / وَتَعِيشي فِيَّ شَمْعَاً / سَنَحْتَرِقُ في الموْتِ كَي نُولَدَ مَعَاً / انسِي أهدابي / وَاذْكُرِي الجثثَ الطافيةَ في كُوبِ اليَانسون / أنا أجْمَلُ الضَّائِعِينَ بَيْنَ الشَّرْكَسِيَّاتِ والبَدَوِيَّاتِ / لَم أترُكْ أَيقونةً إلا كَسَرْتُهَا/ وَلَم أترُكْ أُسطورةً إلا أَلْغَيْتُهَا/ أنا مَقبرةٌ مُتَنَقِّلَةٌ فَكَيْفَ تَدْفِنُوني إذا مِتُّ ؟/ رَثَيْتُ نفْسي / دَفَنْتُ نفْسي في نفْسي / وَكَانَ سُورُ المقبرةِ بَيْنَ شَهيقي وزَفيري /
     النُّسورُ الزُّجاجِيَّةُ تَأكُلُ رُموشَ اليَتيماتِ / الإعصارُ هُوَ شَاهِدُ القَبْرِ الرُّخَامِيُّ بَيْنَ بَلاطِ صَالةِ الرَّقْصِ وبَلاطِ الزِّنزانةِ الانفرادِيَّةِ / هَل يَمْلِكُ النَّهْرُ جَوَازَ سَفَرٍ حِينَ يَذهبُ إلى احتضارِ السُّنونو ؟/ البَحْرُ يَنامُ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / والذبابُ المعدنِيُّ يَقْضِي شَهْرَ العَسَلِ في غُرفةِ التَّحقيقِ / وجَدائِلُ القَتيلاتِ في أعْرَاسِ الدَّمِ / تَصِيرُ مِكْنَسَةً للوَهْمِ في القُصورِ الرَّمْلِيَّةِ / فَاحْفَظْ رَقْمَ سَيَّارةِ حَفَّارِ قَبْري/ وانْسَ رَقْمَ قَبْري / جَدْوَلُ الضَّرْبِ مُعَلَّقٌ عَلى حَائطِ زِنزانتي الذي يُوَاجِهُ البَحْرَ / امْنَح الحمَامَ الزَّاجِلَ خَرَائِطَ المقابرِ الجمَاعِيَّةِ / ذَلِكَ الملِكُ المخلوعُ يَمُصُّ النِّفْطَ مِن ثَدْيِ زَوْجَتِهِ / ومَسْرَحُ الدُّمى مَقبرةٌ للشَّعْبِ الذي انتقلَ مِنَ القَطيعِ إلى فِئرانِ التَّجَارُبِ / مَلِكَةٌ تَبْصُقُ عَلى وَصِيفَاتِهَا / والوَصِيفاتُ يَبْصُقْنَ عَلى حُرَّاسِ القَصْرِ / وحُرَّاسُ القَصْرِ يَبْصُقُونَ عَلى الشَّعْبِ / والشَّعْبُ يَبْصُقُ في فُرُوجِ الزَّوْجَاتِ / لَيْسَ نِظَاماً حَاكِمَاً / إِنَّها فَوْضَى حَاكِمَةٌ / لَيْسُوا مُلوكاً / إنَّهُم زُعَمَاءُ عِصَاباتٍ / فَكُنْ أيُّها الْحُزْنُ قَائِدَ حَرَسِ الشَّرَفِ في وَطَنٍ بِلا شَرَفٍ / ابْحَثِي يَا قَطَرَاتِ المطَرِ عَن رَجُلٍ غَيْرِي / لا تَنتظِرِيني يَا جَارتي في شُرفةِ التَّاريخِ / عُدْتُ مِنَ المعركةِ مَهزوماً / أحْمِلُ أعلامَ القَبائلِ / لَكِنَّ الأعلامَ مُنَكَّسَةٌ / أُغَنِّي للحُرِّيةِ وَالقَيْدُ في رَقَبَتِي / أكتبُ القصائدَ الرُّومانسِيَّةَ / لَكِنَّ النِّساءَ هَرَبْنَ مِن رَائحةِ جُثتي وجَوَارِبِي / وتَزَوَّجْنَ الْمُرَابِينَ ورِجَالَ الأعمالِ/ هُزِمْتُ يا جَارتي في المعركةِ / لأنَّ حِصَاني قَضَى وَقْتَهُ في اصْطيادِ الفِئْرَانِ /
     أيَّتُها الجواري الْمُسْتَحِمَّاتُ بالسَّائِلِ الْمَنَوِيِّ وَسَائِلِ الْجَلْيِ/ يَرْكُضُ الاكتئابُ إلى الاكتئابِ / يَا رَاكِبَ الْحُوتِ الأخضرِ / أَعْطِنِي مُهْلَةً كَي أَقْلِيَ في كُوبِ اليَانسُونِ أكبادَ أسْمَاكِ القِرْشِ / سَقَطَتْ عَرَبَاتُ نَقْلِ المشنُوقِينَ في أوْرِدَتي / وَقَعَتْ مَساميرُ نَعْشي في شَهيقي / إِنَّ تابوتي قَانونُ الزَّبَدِ في البَحْرِ اليَابِسِ / الأرضُ عَاقِرٌ / لَكِنَّ اليُورانيومَ مُخَصَّبٌ / تَحترِقُ لَبُؤةُ دِمَائي في زَفيري / والبَغايا يَمْتَلِكْنَ جَوَازَاتِ سَفَرٍ دُبْلُوماسِيَّةً / والنَّهْرُ مُجَرَّدٌ مِن جِنسِيَّتِهِ / تَبَرَّعَ الحوتُ الأزرقُ بِثَمَنِ أكفاني / أعيشُ عَلى مَصَائِبِ البَجَعِ في الشِّتاءِ الدَّامي / وَسَوْفَ يَظَلُّ وَشْمُ البَحْرِ عَلى مُومياءِ البُحَيرةِ .