19‏/10‏/2019

نافذة حديدية تطل على مقبرة كريستالية / قصيدة

نافذة حديدية تُطل على مقبرة كريستالية / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     اترُكُوا دُموعَ أُمَّهَاتِنا عَلى أغصانِ العاصفةِ / تَلْعَبُ الزَّوابعُ القِمارَ في مَقابرِ آبائِنا / لَن نَخْسَرَ غَيْرَ عِظَامِهِم/ سَتَنْمُو الأوسمةُ العَسكرِيَّةُ عَلى نُهودِ السَّبايا / فَكُنْ زَعْتراً بَيْنَ الأضرحةِ / لِيَعْتَزِلَ حارسُ المقبرةِ الحياةَ السِّياسيةَ / سَيُصْبِحُ الموْجُ قِلادةً عَلى صَدْرِ امرأةٍ تَخُونُ زَوْجَهَا مَعَ جُثمانِهِ / تُصْبِحُ قَارورةُ الحِبْرِ ذَاكرةً بِلا شَلالاتٍ / فَاخْتَاري قَاتِلَكِ في ضَجيجِ اليَاسَمِينِ / لَن يَتَكَرَّرَ وَجْهُ البَحْرِ/ لَيْسَ للكَرَزِ جُيُوشٌ / وَحْدَهُ جَيْشُ الإِمَاءِ يَمْشي تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ/ اسْتَسْلَمَ الغبارُ للغبارِ/ رَفَعَ الحطَبُ يَدَيْهِ أمامَ خَفْرِ السَّواحلِ / دَمُ الْحَيْضِ عَلى الرَّاياتِ البَيْضَاءِ / وَالقُبورُ مَفتوحةٌ كَعُلَبِ السَّرْدِين / والجاريةُ مَذْعُورةٌ لأنَّ الخليفةَ سَيَفُضُّ غِشَاءَ بَكَارَتِهَا / أشلاءُ السُّنونو مُعَلَّقَةٌ في سَقْفِ حَلْقي / وَجَماجمُ الفَراشاتِ مَزروعةٌ تَحْتَ جُسورِ الْمُدُنِ المهجورةِ / فَاعْبُرْ أيُّها السَّرابُ بَيْنَ كُرَيَاتِ دَمي وأَرشيفِ الْمَذْبَحَةِ / كَي تَعْبُرَ أطيافُ القَتْلَى في لَيالي الشِّتاءِ / تَبْكي النِّساءُ تَحْتَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ / وَتَسْتَحِمُّ الرَّاهباتُ بِدَمِ الحيْضِ / قَبْلَ صَلْبِهِنَّ عَلى خَشَبَةِ الْمَذْبَحِ /
     وُجوهُ الأيتامِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ الْمُسَافِرِ بَيْنَ الصَّدى والصَّدَأ/ والْمُهَنْدِسُونَ الماسُونِيُّونَ في بَلاطِ الملِكَةِ كاترين/ يُحَدِّدُ الجنودُ المهزُومُونَ ألوانَ قُمصانِ النَّوْمِ للسَّبايا/ يَا ضَبَاباً عَلى أجنحةِ الحشَرَاتِ / أَنقِذْنِي مِن اكتئابِ البَرْقُوقِ / لأُنقِذَ دَمْعَ النَّوارسِ مِنْ شُموعِ الْمَنْفَى وَتفاحِ الأضرحةِ/ يَا بُحَيْرَةَ الْخَوْخِ / ارْحَمِي قَلَمَ الرَّصَاصِ مِنَ الرَّصاصِ الْحَيِّ / مَرَّتْ أشِعَّةُ القَمَرِ عَلى جِلْدي ضَريحاً / فارْحَمِيني يا أقواسَ النَّصْرِ قُرْبَ رَصاصةِ الرَّحْمَةِ الْمَنْسِيَّةِ في الْمَزْهَرِيَّةِ /
     كُلَّمَا هَرَبْتُ مِنَ الْحُبِّ حَاصَرَنِي الْحُبُّ / رَأَيْتُ اسْمِي عَلى قُبورِ الشُّموسِ / وقَرَأْتُ وَصَايا النَّخْلِ عَلى رَائحةِ القَهْوَةِ في صَباحِ الإعدامِ / يُولَدُ وَخْزُ الذِّكرياتِ مِثْلَمَا يُولَدُ الانقلابُ العَسكرِيُّ في حَناجِرِ الصَّبايا / والليلُ يَمْتَدُّ مِن عِظَامِ الفُقَرَاءِ حَتَّى أجنحةِ الحمَامِ / تَتَشَمَّسُ ظِلالُ الأمواتِ عَلى نافذةِ غُرفتي / يَمْشِي الجنودُ القَتْلَى عَلى رُقعةِ الشِّطْرَنجِ / ورَسائلُ الأراملِ ضَاعَتْ في الرِّيحِ / سَيَنْمُو التُّوتُ في شَوَاهِدِ القُبورِ / وتَخْرُجُ رَائحةُ الْجُثَثِ مِن إِبْطِ الذبابةِ / وَطَني حَبَّةُ سِيَانيد / تَتَقَاسَمُهَا الفَتَيَاتُ في شُموعِ الخريفِ البَعيدِ / ضَوْءُ الشِّتاءِ النَّازِفُ / يَغْرِسُ الزَّبَدُ القُرْمُزِيُّ جُمْجُمةَ الرِّيحِ في حَجَرِ النَّرْدِ / وُلِدْنا في أحزانِ الشِّتاءِ / لَكِنَّنَا كِذْبةُ نَيْسَان / فَاكْتُبْ عُنوانَ مَقْبرتي عَلى دَفترِ الرِّياضياتِ / وَالْعَب الشِّطْرَنجَ مَعَ حُرَّاسي الشَّخْصِيِّينَ بَعْدَ مَقْتَلي / سَوْفَ تَتَزَوَّجُ أرْمَلَتي حَفَّارَ قَبْري / سَقَطَت الرُّومانسِيَّةُ في خَنْدَقِ الذِّكرياتِ / والحمَامُ الزَّاجِلُ بَاعَ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ /
     سَيَأْتِي حُزْنُكَ يَا أبي مَعَ حَبَّاتِ المطَرِ / وأحزانُ أُمِّي تُنادي عَلَيَّ في لَيالي الشِّتاءِ السَّحيقِ / والتُّرابُ انتصرَ عَلى الْجُثَثِ / سَتَذْهَبُ الحضارةُ إلى الانتحارِ / وَتَظَلُّ العَانِسُ تُفَكِّرُ في اصطيادِ الرِّجالِ / وَالنَّباتاتُ البلاستيكِيَّةُ تُزَيِّنُ القُبورَ الْمَطْمُوسَةَ /
     كَيْفَ أنامُ ؟ / وِسَادتي أرشيفٌ لِصُوَرِ الأمواتِ / لَن أنامَ / مُشَرَّدٌ أنا في مَمَرَّاتِ الكَسْتَنَاءِ / مُحَاطٌ بالعِشْقِ القاتلِ لَكِنِّي عَانِسٌ/ والصَّبايا يَنْثُرْنَ الوَرْدَ في الزَّنازين / ضَائعةٌ أنتِ في زَيْتُونِ الوَأْدِ/ والأحزانُ العَذْراءُ تَتَزَوَّجُ مُسَدَّسي الخشَبِيَّ / فَاضْحَكْ أيُّها الرُّفَاتُ الأزرقُ / سَتُصْبِحُ الرِّمالُ نظاراتٍ شَمْسِيَّةً للبَحْرِ الأحْوَلِ / وَيَكْبُرُ الْخَوْخُ في الجماجمِ البلاستيكِيَّةِ / الْجُثَثُ المجهولةُ تَقُودُ عَرَبَاتِ القِطَارِ / وجَدائلُ نِسَاءِ القَبيلةِ تَتساقطُ في طُبولِ الْحَرْبِ / فَلا تَقْلَقِي يَا أدغالَ الجسَدِ الْمُهَشَّمِ / سَتُزْهِرُ الدِّماءُ خَوْخاً وَعُروشاً / أنا السَّرابُ الدَّمَوِيُّ / جُرحي نخلةٌ مُتَمَرِّدَةٌ عَلى الصَّحراءِ / تَمُوتُ السَّبايا في سَريرِ الخليفةِ / كَمَا تَمُوتُ السَّنابلُ على السَّجَّادِ الأحمرِ/ جُثمانُ البُحَيرةِ كالغِرْبَالِ مِن أثَرِ الرَّصاصِ / فَكَيْفَ يَقْدِرُ المطَرُ أن يُغَسِّلَهَا قَبْلَ دَفْنِهَا ؟ /
     جَيْشُ الزَّبَدِ يَقْلِي في عُلَبِ البِيرةِ جُمْجُمَةَ اللوْزِ / النَّهْرُ جَوَازُ سَفَرٍ للمَشْنُوقِينَ / لِي مَا تَبَقَّى مِن بِلادٍ أَنْجَبَتْ سَيَّافِينَ / يَتَغَزَّلُونَ بِزَوْجَاتِ الملوكِ المخلوعين / يَجْدُلُ الإعصارُ شَعْرَ الثِّيرانِ / التي تَجُرُّ التَّوابيتَ الْمُزَخْرَفَةَ / مُصَارِعُ الثِّيرانِ في نُزْهَةٍ مَعَ زَوْجَةِ الطوفانِ / فَيَا وَهْمَاً يَصِيرُ وَطَناً للتَّائهين / يَا سَجَائِرَ الأغرابِ / يُطْفِئُهَا الْمَوْجُ في حَلَمَاتِ البَغايا / هَذا عَرَقي مَحكمةُ تَفتيشٍ يَدْخُلُهَا الغبارُ بالعُكَّازةِ / والأطرافُ الصِّناعِيَّةُ للنَّهْرِ دَوْلَةٌ بُوليسِيَّةٌ / والأحكامُ العُرْفِيَّةُ كالرَّصَاصِ الذي يُولَدُ في النَّعناعِ / أكَلَ البَقُّ خَشَبَ السُّفُنِ الغارقةِ / والأشباحُ تَحْتَلُّ أغاني الوَداعِ في الموانِئِ الحزينةِ /
     في عُرْسِ الزَّوابعِ/ تَتَزَوَّجُ أرْمَلَةُ النَّهْرِ ضَابِطَ الْمُخَابَرَاتِ / النُّعوشُ الزُّجاجِيَّةٌ مُغَطَّاةٌ بالطحالبِ/ صِرْنا مُقَامِرِينَ نَقْتَسِمُ الغنائمَ عَلى ظَهْرِ سَفينةٍ تَغْرَقُ / وَالأَسْمَنْتُ في حِيطانِ الذاكرةِ أجْمَلُ مِن مِكْيَاجِ البُحَيرةِ / وخُيوطُ أكفانِ الرِّيحِ أكثرُ نُعومةً مِن أقنعةِ البَحْرِ / يُوقِفُ الزَّبَدُ سَيَّارَتَهُ العَسكرِيَّةَ أمامَ ضَريحِ العَواصفِ / وَالعُشْبُ يَحْرِقُ مُؤَلَّفَاتِهِ / وَيَرْعَى الأغنامَ في قَاعِ الْمُسْتَنْقَعَاتِ / يُهَاجِرُ الذبابُ مِنَ الضَّعْفِ الجِنسِيِّ إلى رَغيفِ الْخُبْزِ/ سَقَطَ مِكْيَاجُ الملِكَاتِ في حُفَرِ المجاري/ وأنا أرْعَى قَطيعَ فِئرانِ التَّجَارُبِ في بَراري السُّلِّ /
     حِذَائي حِزْبٌ حَاكِمٌ عَلى جَوَارِبِي/ والزَّبَدُ يُقَدِّمُ كُرْسِيَّاً مُتَحَرِّكَاً للنَّهْرِ المشلولِ / والدِّيمقراطيةُ لا تَكْتَمِلُ إِلا بالانتخاباتِ الْمُزَوَّرَةِ / اتْرُكُوا الأمواتَ في المقابِرِ الكِلْسِيَّةِ يُصَوِّتُوا للحِزْبِ الحاكِمِ/ واسْرِقُوا أصْوَاتَ الأغنامِ / لِتَبْدُوَ الْمَهْزَلَةُ أجْمَلَ في تِلالِ المساءِ .