21‏/10‏/2019

الرجال في الحُفرة / قصيدة

الرجال في الحُفرة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

     تَنْبُتُ في قَمَرِ الخريفِ وُجُوهُ السُّجَناءِ / رَمَتْ بَناتُ آوَى الخِيَاناتِ الزَّوجيةَ في رِيشِ النُّسورِ / يَصْطَدِمُ المطَرُ بِعِظَامِ القَتْلَى / ويَنْمُو التُّوتُ في رُفاتِ النَّوارسِ / سَتَعُودُ طُيورُ البَحْرِ إلى نَعْناعِ الأبجدِيَّةِ / رِمَاحُنا المكسورةُ عَلى رُفوفِ المطبخِ / وجَدائلُ أُمَّهَاتِنا بَيْنَ سَكاكينِ المطبخِ / وطُبولُ الْحَرْبِ عَلى ظُهورِ الصَّبايا وَهُنَّ يَغْسِلْنَ الصُّحونَ/ وَقُلوبُ النِّساءِ مَفتوحةٌ للرِّجالِ الذينَ لا يَأْتونَ/
     خَلَطْنَا رُفاتَ الموتى مَعَ أَسْمَنْتِ البُيوتِ المهجورةِ/ وَصَارَ إِعدامُنا نشيداً وَطَنِيَّاً للعُشْبِ / سَيَأتي الزِّلزالُ لِيَنْتِفَ لِحْيَةَ المطَرِ / تَتناثرُ التَّوابيتُ عَلى قُرُونِ الغِزْلان / فَاطْمَئِنَّ يَا شَاهِدَ القَبْرِ / تَنْشُرُ اليَتيماتُ الغسيلَ على أسلاكِ البيانو / والجمهورُ يُشاهِدُ مُبَارَاةَ كُرَةِ القَدِمِ بِسُرْعَةٍ / كَي يَتَفَرَّغَ لِمُشَاهَدَةِ الانقلابِ العَسكرِيِّ / والطاغيةُ اعتزلَ الحياةَ السِّياسِيَّةَ / كَي يَتَفَرَّغَ لِفَضِّ بَكَارَةِ السَّبايا/
وَالبَقُّ يَأكُلُ الصَّليبَ عَلى صَدْرِكِ / أيَّتُها الدُّودةُ البَاكيةُ في رَنينِ الأجراسِ /
     النُّخَاعُ الشَّوْكِيُّ للفَراشةِ الغامضةِ/ والزَّوابعُ تُقَطِّرُ دَمَ البُحَيرةِ كالوِيسكي / والقَبائلُ المكسورةُ تُرَقِّعُ أعْلامَهَا الْمُنَكَّسَةَ كأغشيةِ البَكَارَةِ / لا امرأةٌ تَسْتَقْبِلُ السُّجَناءَ بالبَخُورِ / ولا أرشيفٌ يَحْضُنُ تَاجَ الكَاهِنَةِ الْمَخْدُوشَ / غَرَسْنا الأضرحةَ البلورِيَّةَ في أجفانِ الزَّيتونِ / زَرَعْنَا سُيوفَ الفُرسانِ في رِمَالِ الصَّحراءِ/ وَبَكَيْنَا مَعَ شَريفاتِ قُرَيْشٍ في طَرِيقِ غَرْنَاطة/ الْهَوَادِجُ عَلى أجنحةِ الحمَامِ الزَّاجِلِ/ والرَّسائلُ لَن تَصِلُ أبَدَاً / نَتَشَمَّسُ عَلى ظُهورِ الْخَيْلِ / نُعَلِّقُ رَسائلَ الْحُبِّ عَلى أبْرَاجِ الْمُرَاقَبَةِ / والموْتُ يَتَجَوَّلُ في طُرُقَاتِ البُكاءِ تَحْتَ أعمدةِ الكَهْرباءِ / والعِشْقُ يَقْطَعُ أعناقَ الرِّجالِ / يَحْرُثُ الاحتضارُ قَوْسَ قُزَحَ / وَصَوْتُ المطَرِ في ليالي الشِّتاءِ يَحْصُدُ السَّنابلَ / يَا صَوْتَ الموْتِ الحاصِدِ / دَمْعي الحاصِدُ والْمَحْصُودُ / أَكَلَت العقاربُ عَقاربَ السَّاعةِ / وَلَم يَعْرِف النَّهْرُ مَوْعِدَ الحصَادِ /  أنا سُنبلةُ الصَّدى / فَاحْصُدْني يَا صَوْتَ البيانو في الخريفِ الدَّامي / كُلُّ ما زَرَعْنَاهُ بِدَمٍ سَاخِنٍ / حَصَدَهُ الموْتُ بِدَمٍ بَارِدٍ / والضَّحِيَةُ تُعَلِّقُ صُورةَ القاتلِ عَلى بَابِ الزِّنزانةِ الانفرادِيَّةِ / والبَراويزُ عَلى حِيطانِ السُّجُونِ التي تُطِلُّ عَلى دَمي الأخضرِ / وسِجْني بِلا سَاعَةِ حَائِطٍ / لكنَّ نافذةَ أشلائي تُطِلُّ عَلى البَحْرِ / أتنفَّسُ أحزانَ المساءِ العَميقِ / لَوْنُ الأُكسجينِ أَحْمَرُ / سَتَأْكُلُ الفِئرانُ مِكياجَ النِّساءِ في ذِرْوَةِ اللمَعَانِ / وَيَنْكَسِرُ الغُصْنُ النُّحَاسِيُّ في قِمَّةِ العُنْفُوَانِ / وَالعُصفورُ اليَتيمُ يَقِفُ عَلى ثَدْيِ العاصفةِ / حَقَّاً / إِنَّ سَرَطَانَ الثَّدْيِ هُوَ الحقلُ والمِنْجَلُ / وَالفُقَرَاءُ يَنَامُونَ في عَرَبَاتِ القِطَارِ/ الذي يَذْهَبُ ولا يَعُودُ / والسَّجينُ يَكْتُبُ اعتذاراً لِسَجَّانِهِ /
     يَا مَنْبُوذُ / لَم يَرَ جَسَدَكَ العَاري سِوَى أُمِّكَ حِينَ غَسَّلَتْكَ حَيَّاً ومَيْتَاً / فَاهْرُبْ مِنَ الصَّبايا اللواتي يَعْشَقْنَ السَّيْرَ في جِنَازَتِكَ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ/ كُلَّما نَظَرْتَ إلى المرآةِ أشْرَقَتْ أكْفَانُكَ / فَكُنْ عَشيقَ المقاصلِ السِّرِّيَّ أَوْ غَريباً بَيْنَ الزَّنابقِ / يَتَزَلَّجُ السُّجَناءُ عَلى دِمَائِهِم الخضراءِ كالشَّايِ الأخضرِ/ والنَّبيلاتُ في شَمَالِ الصَّهيلِ يَنْثُرْنَ رُمُوشَهُنَّ عَلى جَثامينِ الضَّحايا رَمَادَاً / وَالبَاعَةُ الْمُتَجَوِّلُونَ في الطُّرُقَاتِ يَبيعُونَ أحلامَ الطفولةِ/ لليَتيماتِ اللواتي يَبِعْنَ العِلْكَةَ عَلى إِشاراتِ الْمُرُورِ/
     يا شَجَرَاً يَنْبَعِثُ في قَوْسِ قُزَحَ / وُلِدْتُ طِفْلاً / وأموتُ طِفْلاً / تَغْسِلُنَا الدِّمَاءُ / ونَغْسِلُ جَدائلَ أُمَّهَاتِنا بالْمُبيداتِ الحشَرِيَّةِ / يَنْشُرُ الأسْرَى الغسيلَ عَلى الأسلاكِ الشَّائكةِ / سَقَطَتْ أُنوثةُ السَّنابلِ في حُفَرِ المجاري / وَبَقِيَ الكَمَانُ تَحْتَ المطَرِ وَحيداً / وسُطوحُ القِطَاراتِ مُعَبَّدَةٌ بِضَفائرِ اليَتيماتِ / وأقفاصُنا الصَّدريةُ مَفتوحةٌ للطيورِ الْمُهَاجِرَةِ وَطَائِرَاتِ الغُزاةِ /
     أيَّتُها الجرادةُ التي تَفتخِرُ بِحَجْمِ ثَدْيَيْهَا أمامَ طُيورِ البَحْرِ / إِنَّني أفتخِرُ بِحَجْمِ مِقْصَلَتي / سَتَأْكُلُ الجِرْذَانُ ضَفائِرَ النِّساءِ في قَمْةِ مَجْدِهِنَّ / يَلْتَهِمُ الإعصارُ العَدَسَاتِ اللاصقةَ للبَناتِ في فَترةِ الْحَيْضِ/ يَا أنا الأُخْرَى / صِرْتُ أرشيفاً للأحجارِ غَيْرِ الكَريمةِ / وَالشَّعْبُ الأُمِّيُّ يَقْرَأُ طِلاءَ أظافري/ وعُمَّالُ قَناةِ السِّويسِ يَمُوتُونَ أثناءَ حَفْرِهَا / والزَّوابعُ تَحْفِرُ ذِكْرَياتِ العُشَّاقِ عَلى خَشَبِ النُّعوشِ/
     الكُحْلُ يُصْبِحُ أرشيفاً للمُرْتَزِقَةِ / أَدْخُلُ في نَفْسي كَي تَخْرُجَ مِنْ ثُقوبِ جِلْدي أشجارُ البُرتقالِ وفِئرانُ التَّجَارُبِ/ صَوْتُ المطَرِ يَغْسِلُ ضَريحي بَدُمُوعِ الغاباتِ / والرِّيحُ تُعَقِّمُ جُرُوحَهَا بالذِّكرياتِ/ وأشجارُ المساءِ تَرْكُضُ إلى الْجُدْرَانِ الفُسْفُورِيَّةِ في سُجُونِ الصَّدى/وأعضائي تَتَجَسَّسُ عَلى أعضائي / هَل أنا الدَّوْلَةُ البُوليسِيَّةُ ؟ /
     نَأْكُلُ بَقَايا الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / التي تَرَكَهَا العُشَّاقُ في الْمَطْعَمِ / وَرَحَلُوا إلى مَحطةِ القِطَاراتِ / نَصُبُّ عَصيرَ الليْمُونِ في الفَراغِ العَاطفِيِّ / كَي تَرْتَاحَ أعصابُ أشجارِ المقابِرِ / أنا الفَيْلَسُوفُ العَاطِلُ عَنِ العَمَلِ / أُحَلِّلُ الوَضْعَ الإِستراتيجِيَّ للجُثَثِ المجهولةِ / يَرْمِي القاتلُ زُجاجةَ الوِيسكي الفارغةَ في بَراري خُدودِ الضَّحايا / هَلْ تَشْعُرِينَ بِحَرَكَةِ الرَّمْلِ في الزُّجَاجِ ؟ / يَرْتَعِشُ جَسَدُ الخريفِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ / ورَمْلُ البَحْرِ يُضَاجِعُ عَشِيقَاتِهِ عَلى دَرَجَاتِ الْمَنَارَةِ في لَيْلِ الْخَوْفِ / شَعْبٌ تَحْتَ شُموعِ الاحتضاراتِ / يُفَتِّشُ عَن الطعامِ في حَاوِيَاتِ القُمامةِ / ويَبْحَثُ عَن الوَحْدَةِ الوَطنيةِ تَحْتَ أحذيةِ الْمُخْبِرِينَ / فيا ذِئبةَ الغروبِ / صَارَ دَمْعُ عُيُونِكِ مُلَوَّثَاً بالبُقَعِ النِّفْطِيَّةِ/ يَشْتَرِي الرَّمْلُ القَتيلُ الإِمَاءَ بأموالِ أبيهِ / والبَحْرُ مَاتَ / وعَادَتْ طُيُورُ البَحْرِ إلى دِمَائي في المساءِ الأخيرِ .