27‏/10‏/2019

الرومانسية في معسكرات الاعتقال / قصيدة

الرومانسية في معسكرات الاعتقال / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     يَا غَابةَ الأمواجِ / سَوْفَ تَتَزَوَّجِينَ قاتلَ زَوْجِكِ / امْرَأةٌ تَشْرَبُ قَهْوَةَ المساءِ في شُرْفَةٍ تُطِلُّ عَلى قَبْرِ زَوْجِهَا / سَأَكُونُ رُومانسِيَّاً عِندَما يَسيرُ المِكْياجُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / وَتُرْمَى التَّنورةُ فَوْقَ الرُّكبةِ في حَاويةِ القُمامةِ / وَتَنكسِرُ زُجاجةُ العِطْرِ النِّسَائِيِّ بَيْنَ الْجُثَثِ الْمُتَعَفِّنَةِ / سَرَقْتُ بُوصلةَ الغاباتِ/ كَي أُحَدِّدَ مَوْقِعَ قَبْري في صَهيلِ المطرِ/ فَاكْتُبْ حُزْنَكَ اليَوْمِيَّ بالمقاصِلِ الْمَوْسِمِيَّةِ/ سَيَقَعُ دَمْعُكَ السَّاخِنُ في الشَّايِ الباردِ / وَبَناتُ تُجَّارِ الْمُخَدِّراتِ هُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُسْتَقْبَلِ / سَيَشْكُرُ المقتولُ قَاتِلَهُ / وَيَمْدَحُ القاتلُ ضَحِيَّتَهُ /
     أرملةٌ في كُوخِ دِمَائِها تَعيشُ مَعَ بَراويزِ أبنائِها الرَّاحلينَ / أبيعُ أشجارَ المقابرِ لأشتريَ رِجْلاً صِنَاعِيَّةً للبُحَيرةِ العَرْجَاءِ / أبيعُ عِظَامَ النَّوارسِ في خُدودِ البَحْرِ / كَي أدْفَعَ الرَّاتبَ الشَّهريَّ لِحَفَّارِ القُبورِ / سَوْفَ يَطْرَحُ الفَلاسِفةُ الأسئلةَ عَلى شَجَرِ الصَّنوبرِ / وَيَلْعَبُ الجرادُ بِخَلاخِيلِ الجواري / وَالعَاصفةُ تُعَقِّمُ نَصْلَ مِقْصَلَتِي بِمِلْحِ دُمُوعِهَا / مَدْفُونةٌ أنتِ يَا أُمِّي في ضَريحِ الغروبِ / لَكِنَّ جَدَائِلَكِ تُظَلِّلُ قَلْبي كالنَّخيلِ الباكي /   
     لا تَثِقْ بِالْمُسَدَّسَاتِ التي يُخَزِّنُها الْمَوْجُ في خُدودِ الصَّبايا / أختارُ شَاهِدَ قَبْري / وَيَختارُني عُشْبُ مَقْبَرتي / أنا وطَيْفِي وَاثِقَانِ مِن ضَوْءِ النِّهايةِ تَحْتَ سُورِ المقبرةِ / لَكِنَّنَا افْتَرَقْنَا تَحْتَ التُّرابِ/
جُيوشٌ تَتقاتلُ في قَفَصي الصَّدْرِيِّ / وَكُرَيَاتُ دَمي تُحَارِبُ نَفْسَهَا / حَضارةُ أظافري تَرْفَعُ الرَّايةَ البَيضاءَ / سَأَتَزَوَّجُ شَرْكَسِيَّةً لأُحَرِّرَ الأندلسَ / فَاسْكُنِي يَا جُثةَ أبي بَيْنَ أجفاني وَالْمَنْفَى الاختيارِيِّ / إِنَّ مَوْتي انتصارٌ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / رَحَلَ الغُرباءُ / وَبَقِيَتْ ثِيَابُهُم عَلى حَبْلِ الغسيلِ /
     قَمَرٌ في أجفانِ الصَّليلِ / يُنادي عَلى القاتلِ والقتيلِ / بُحَيْرَةٌ لَيْسَ لَدَيْهَا وَقْتُ فَرَاغٍ كَي تَخُونَ زَوْجَهَا / الذاكرةُ تفاحةُ المشنوقين/ فَاقْطِفْهَا قَبْلَ احتضاراتِ نيوتُن/ وَادْرُسْ فِيزياءَ المقاصِلِ / وحَلِّل كِيمياءَ حِبَالِ المشانقِ / الصَّهيلُ المالِحُ دَيْرٌ للقَتيلاتِ/ وَالبُوليسُ السِّياسِيُّ يُؤَلِّفُ نَشيداً وَطَنِيَّاً لِقَوْسِ قُزَحَ / فَكُنْ يَا حَدِيدَ سِجْني نَجَّاراً / لِتَعْرِفَ الفَرْقَ بَيْنَ خَشَبَةِ المسْرَحِ وَخَشَبَةِ الإعدامِ / أنا النَّجارُ التَّائهُ في حُطامِ السُّفُنِ / سَيَنْمُو في جُثةِ المساءِ تفاحٌ وذِكرياتٌ / أُرَاوِدُ المِقْصَلَةَ عَن نَفْسِهَا / وَأُذَوِّبُ أحزانَ اليَتيماتِ في كُوبِ اليانسون / كَي يُذَوِّبَ المطَرُ جُثتي الْمُتَحَلِّلَةَ في أجفانِ الفَجْرِ الكاذبِ / تَصُبُّ نِسَاءُ القَبيلةِ حَلِيبَهُنَّ في بَراميلِ النِّفْطِ / ودَمُ الْحَيْضِ للرَّاهباتِ يَسيلُ بَيْنَ خَشَبَةِ الصَّليبِ وخَشَبَةِ الْمَذْبَحِ /
     في لَيْلةٍ مَاطرةٍ / سَتَنْتَحِرُ رَاهبةٌ غامضةٌ عِندَ مَخطوطاتِ الدَّيْرِ القديمةِ / يُنَقِّبُ الشِّتاءُ عَن ذِكرياتِ الضَّحايا في خِيَامِ المجزرةِ / نَوْبَاتُ اكتئابي انقلاباتٌ عَسكرِيَّةٌ / والمقاصِلُ ضَوْءٌ في مَغارةِ الأكفانِ / وفِرَاشُ الْمَوْتِ هُوَ طَيْفُ النَّوارسِ تَحْتَ المطرِ القَديمِ / أَصُبُّ دُموعي في زُجاجةِ العِطْرِ الفارغةِ / بَعْدَ رَحيلِ الأنهارِ مِن جُثماني / حَوَاجِبي زَمانٌ/ وَحَبْلُ مِشْنَقتي مَكَانٌ/ وأنا تابوتٌ بَيْنَهُمَا/ تاريخُ أجفاني في غَيْبُوبةٍ / وَمَوْعِدُ شَنْقي رَقْمٌ في أرشيفِ الليْمُونِ / لا وَطَنٌ ولا مَنْفَى / نَعيشُ في بِئْرِ أبجديةِ المطرِ كالضَّبابِ اليَتيمِ / وكانَ البَعُوضُ يُقَطِّرُ الوِيسكي في أشلائي/ ضِحْكَتي بِرْمِيلُ بَارودٍ / يَمامةٌ تَبْكِي في مَأْتَمِ زَوْجِهَا / وتَرْقُصُ في عُرْسِ قَاتِلِ زَوْجِهَا / فَيَا نَعْشي البلاستيكِيَّ / لا تَسْتَعْجِلْ مَوْتي / وَلا تَحْزَنْ عَلَيَّ / إِنَّ الذِّكرياتِ تُفَجِّرُني / أنا الطائرُ الجريحُ أتفجَّرُ لأُضِيءَ جُثةَ النَّهْرِ /
     كَأَنَّ تُفاحةَ نيوتُنَ بُرتقالةٌ/وأشجاري مُحترقةٌ كأجنحةِ الذبابِ/ تَكْتَحِلُ البَغايا بالسَّائلِ الْمَنَوِيِّ/ أَتزوَّجُ الرِّياحَ وَأَعيشُ في الأمواجِ / مَاتت الشُّموعُ السَّوداءُ في مَحكمةِ الذاكرةِ / والْحُطَامُ هُوَ الأبُ الرُّوحِيُّ للذِّكرياتِ / وَالموْجُ يَبْحَثُ عَن لَبُؤةٍ تَدْفِنُهُ في كُحْلِهَا / مَاتَ الشَّجَرُ في الحياةِ / وَعَاشَ في المقبرةِ / الْجُثَثُ الْمُتَجَمِّدَةٌ كَحِجَارةِ النَّيازكِ / يَزْرَعُ البُكاءُ المطرَ الأزرقَ في صَوْتِي / وأزرعُ ضَفائرَ أُمِّي في صَوْتِ المطرِ / شَظَايا المرايا في أوْرِدَةِ البُحَيرةِ / والطريقُ إلى البَحْرِ مُغْلَقٌ بالشَّمْعِ الأحمرِ / ويَتناوَلُ القَراصنةُ العَشَاءَ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ /
     الجِنِرَالُ جَالِسٌ عَلى الكُرْسِيِّ الْهَزَّازِ/ والجنودُ يُقْتَلُونَ في الخنادقِ الْمُرَقَّمَةِ مِثْلَ أكواخِ الصَّفيحِ/ أنا أقربُ إِلى البُحَيرةِ أكثرَ مِمَّا يَتَخَيَّلُ البَحْرُ / فاصْعَدْ مِن قَبْرِكَ / إِنَّ الجسَدَ مَقبرةُ الرُّوحِ / احْمِلُوا عُودَ مِشْنَقَتِي / وامْشُوا إلى بَحْرٍ بِلا رَمْلٍ / أوْ ذَاكرةٍ بِلا ذِكْرَياتٍ / أوْ شَاطِئٍ بِلا أمواجٍ / تاريخُ فِئرانِ التَّجَارُبِ يَكْتُبُهُ ثاني أُكسيدِ الكَرْبُونِ / سُنبلةٌ مَلْفُوفةٌ حَوْلَ جُرْحي الْمَاحِي / وَالقِطَطُ تَتَزَاوَجُ في أكوامِ الْجُثَثِ / والأبجدِيَّةُ الْمُعَدَّلَةُ وِرَاثِيَّاً تَسْكُنُ في جَبينِ الرَّصاصةِ / وَالْمَلاجِئُ تَحْتَ الأرضِ أرشيفٌ لِحِكَايَاتِ الأنهارِ المنبوذةِ / وَالبُحَيرةُ نَسِيَتْ ثَدْيَيْهَا عَلى حَبْلِ الغسيلِ /
     سَيَطْلُعُ الفَجْرُ في يَوْمٍ بَارِدٍ / وَلَن أَكُونَ مَوْجُوداً / مُوتِي أيَّتُها الفَراشةُ / كَي نُتَاجِرَ بِدَمِكِ / ونَبْنِيَ مَجْدَنا عَلى أجْنِحَتِكِ المكسورةِ / أَعيشُ في زِنزانةِ قَلْبي / وَكُلَّمَا تَوَهَّجَتْ أظافري تَحْتَ قَمَرِ الذاكرةِ / أَمْسَكْتُ الْحُزْنَ في صَوْتِ الحمَامةِ / أركضُ في شراييني الخشَبِيَّةِ / حَامِلاً وَصَايا النَّهْرِ القَتيلِ عَلى رُمُوشي النُّحَاسِيَّةِ / أنا أعْزَبُ / لَكِنِّي دَفَعْتُ مَهْرَ المِشْنَقةِ / قَلْبي خَارطةٌ لِدِمَاءِ الضَّحايا/ وأهدابي بُوصَلَةٌ لأضرحةِ العُشَّاقِ/ والأحزانُ بَرْقُوقُ الأسْرَى/ شُكْرَاً للرَّاقصاتِ اللواتي يُدَافِعْنَ عَن الجيوشِ / تَغْفُو البنادقُ في قَميصِ الْمَرْعَى / وَرِجَالُ الشُّرطةِ لَم يَعْثُرُوا عَلى جُثةِ الرَّاعي / وُلِدْتُ عِندَما مَاتَ الْحُبُّ/ وَمَاتَ المساءُ عِندَما وُلِدَ الدَّمْعُ/ وَرِثْنَا دُمُوعَ الشَّفَقِ / وَتَعَلَّمْنَا الهندسةَ المعمارِيَّةَ مِن شَوَاهِدِ القُبورِ الْمُزَخْرَفَةِ / وَكَانَ النَّهْرُ يَبْكي كالطِّفْلِ الذي رأى جُثمانَ أُمِّهِ / إِنَّ نَعْشي مِثْلُ عُكازةِ أبي / كِلاهُمَا مِن خَشَبِ أثاثِ بَيْتِنا المهجورِ /
     تَحْتَ ظِلالِ زَهْرِ الرُّمَّانِ/ امْرَأةٌ تَختارُ ألوانَ حَمَّالاتِ الصَّدْرِ / لَكِنَّها تَسيرُ إلى سَرَطَانِ الثَّدْيِ/ أَكَلَت الطحالبُ مِكْيَاجَ الْخُدُودِ/ ودَخَلَ الشِّتاءُ الطويلُ في ذَاكرةِ الأُخْدُودِ / وماتَ الجنودُ / فَشُكْرَاً للبَغايا اللواتي يَكْتُبْنَ دُستورَ الوَحْدَةِ الوَطنيةِ/ اغتصبَ السُّلُّ كُحْلَ العُيُونِ الحزينةِ/ فيا ضَوْءَ أظافرِ النِّساءِ في مُسْتَوْدَعَاتِ السِّلاحِ / مِنْ أيْنَ سَيَأتي الاحتضارُ ؟ / أتسلَّحُ بالموْجِ في مُوَاجَهَةِ الذِّكرياتِ / والثلجُ يَتسلَّحُ بِقَارُورةِ الحِبْرِ في مُوَاجَهَةِ البَحْرِ / تَكْسِرُ الرِّيحُ جَدائلَ البَناتِ / والأمواجُ تَمُرُّ في أجفانِ الحمَامِ الزَّاجِلِ /
     أَنْزِلُوا جَسَدَ البُحَيرةِ عَن الصَّليبِ / ولا تَتَذَكَّرُوا النَّعناعَ الذي يَنْمُو في الهياكِلِ العَظْمِيَّةِ / ذَهَبَت الرَّاهباتُ إلى مَلَلِ الحياةِ الزَّوجيةِ / وبَقِيَ المساءُ وَحيداً في مَحطةِ القِطَاراتِ / وبَقِيَ البَحْرُ وَحيداً في أزِقَّةِ المرفأ المهجورِ / فَاصْلُبْ أشجارَ المقابرِ في قَفَصي الصَّدْرِيِّ / سَيَنْبُتُ البَنفسجُ في أظافرِ اليَمامِ / والأحصنةُ التي تَجُرُّ التَّوابيتَ النُّحاسِيَّةَ سَوْفَ تنامُ في دَمْعِي / فَلْتَمُتْ في شَمالِ الصَّهيلِ/ وَلْتَحْيَا في جَنُوبِ الهديلِ/ مَاتَ ضَوْءُ القَمَرِ عَلى قَارعةِ الطريقِ / والزَّنابقُ مَتْحَفٌ للأمطارِ البلاستيكِيَّةِ / شَوَاهِدُ قُبُورٍ مُرَتَّبَةٌ كَصَناديقِ الْخُضَارِ في مَخَازِنِ الأسلحةِ / لَم يَكُنْ دَمِي سِوَايَ / وَأنا غَيْرِي حَتَّى آخِرِ الْحُلْمِ / أَمْشِي ولا أنامُ إِلا في أحضانِ قَارورةِ الحِبْرِ /
     أنا المشنوقُ الأوَّلُ/ كُرَيَاتُ دَمِي طَابُورٌ خَامِسٌ / نُهُودُ السَّبايا صَارَتْ دُستورَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ/ فاعْشَقِيني يا سُنبلةَ البُكاءِ كَي أعْشَقَ قَمَرَ الخريفِ / شُكْرَاً للقاتلينَ والضَّحايا / وأنا ضَحِيَّةُ نَفْسي / أَقْتُلُ قَلْبي ثُمَّ أَرِثُهُ وأَرْثِيهِ / والزَّوابعُ تُطْلِقُ اسْمِي عَلى الشَّارعِ الذي قُتِلْتُ فِيهِ / وَالحمَامُ الزَّاجِلُ يُطْلِقُ الرَّصاصَ عَلى رَسائلِ الغُرَبَاءِ / والملوكُ العَاطِلُونَ عَن العَمَلِ / يَقْضُونَ وَقْتَ فَرَاغِهِم في مُضَاجَعَةِ الجواري / وَرَعْيِ الغَنَمِ / وَكِتَابةِ دُستورِ الوَحْدةِ الوَطَنِيَّةِ /
     المطَرُ يَرُشُّ مِلْحَ الدُّموعِ عَلى طَعامِ الأسِيراتِ / أُثَبِّتُ ظِلالَ الأمواتِ عَلى جِلْدي بِمَلاقِطِ الغسيلِ / وَهَذِهِ حَيَاتي شَمْعَةٌ بَيْنَ مَقْبَرَتَيْنِ / السَّنواتُ هَيَاكِلُ عَظْمِيَّةٌ بِلا أرشيفٍ / مِيلادي ضَريحٌ / وَمَوْتي ضَريحٌ / فَكَيْفَ أَهْرُبُ أيَّتُها القَناديلُ الْمَنْسِيَّةُ عَلى أبوابِ الزَّنازينِ ؟ / كَيْفَ أهْرُبُ مِن سُعالِ أُمِّي في الشِّتاءِ ؟ / ذَهَبَتْ أُمِّي إلى الموْتِ / ونَسِيَتْ حَبْلَ الغسيلِ عَلى سُورِ المقبرةِ .