03‏/10‏/2019

العشق وسنوات الرصاص / قصيدة

العشق وسنوات الرصاص / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...............

     وَقَعَت الدُّموعُ مِن عَرَبَاتِ القِطارِ / وَالْمَوْجُ فَقَدَ قُدْرَتَهُ عَلى الكَلامِ / لَم يَعُدْ لأبجدِيَّةِ البَحْرِ نَشيدٌ إِلا الكُوليرا/ أرْجُوكَ أيُّها النِّسيانُ / اقْتُلْ طَيْفَ النِّساءِ في ذَاكرةِ أشلائي كَي أستطيعَ النَّوْمَ / إنَّ الأمواتَ يَنتظِرُونني في الصَّباحِ / أركضُ إلى ضَريحي في لَيالي الشِّتاءِ / ولا شَيْءَ يُضِيءُ شَراييني الْمُعْتِمَةَ سِوى وُجوهِ الشَّرْكَسِيَّاتِ /
     أيُّها الْخَوْخُ الذي يَنْمُو في ثُقوبِ رِئتي / أيُّها النَّمْلُ الذي يَخْرُجُ مِن شُقوقِ جِلْدي / مَن أنا ؟/ هُوِيَّتي الشَّخصيةُ هِيَ مِقْصَلَتي / وَجِنْسِيَّتي هِيَ أعشابُ المقابرِ / فَلا تَكْرَهْني يا أبي / هَرَبَ الجنودُ مِنَ المعركةِ / كَي يَكْتُبوا دُستورَ الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ / والعَاطِلُونَ عَنِ العَمَلِ يَكْتُبُونَ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ لِبَناتِ آوَى / والمساءُ يُذَوِّبُ الأوسمةَ العَسكرِيَّةَ في عَصيرِ البُرتقالِ /
     إِذا كانَ هَذا الْحُبُّ القَاتِلُ هُوَ حَياتي / فَمَتَى أعِيشُ يا تِلالاً وَلَدَتْني وَوَأَدَتْني ؟ / الأحزانُ خَمْرَتي / تَسْكَرُ البَلابِلُ بِدُمُوعي قُرْبَ حَبْلِ مِشْنَقتي / فاسْكَرُوا أيُّها الغُزاةُ عِندَ نَشيدِ الضَّحايا /  لا رِجَالٌ يُدَافِعُونَ عَنِ السَّبايا / ولا أمطارٌ تَسْقي قُبورَنَا / كَي يَنْبُتَ النَّعناعُ عَلى شَواهِدِ القُبورِ /
     افْرَحِي يا أشجارَ الْمَدَافِنِ / أنتِ وَحْدَكِ التي رَأَتْ دُمُوعَ الفَراشاتِ القُرْمُزِيَّةِ / بِنْزِينٌ خَالٍ مِنَ الكولسترول / يَا صَوَارِيخَ الكاتيوشا التي تتناولُ حُبُوبَ مَنْعِ الْحَمْلِ في خِيَامِ الْمَذْبَحةِ / لَم يَعُدْ في المدينةِ بَشَرٌ كَي يُقْتَلُوا / فَمَا مَعْنَى أن يَحِنَّ النَّهْرُ إلى أرْمَلَتِهِ ؟ /
     لا تَقْدِرُ العَوَاصِفُ أن تنامَ في رُموشي بِلا حُبُوبٍ مُنَوِّمَةٍ / كُلُّنا فَرائِسُ مَنبوذةٌ لِوَحْشٍ غَامِضٍ / والْمَزْهَرِيَّاتُ مُسْتَوْدَعٌ لِدُموعِ النِّساءِ في المساءِ السَّحيقِ / والمرايا صَوْمَعَةٌ لأسرارِ القَتْلَى في لَيالي الخريفِ / تُحَدِّدُ السَّناجبُ مَوْعِدَ شَنْقِ الأشجارِ / وَجُلودُ الملوكِ مَطْلِيَّةٌ بالعَنَاكِبِ / آثَارُ حُقَنٍ في ذِرَاعِ البَحْرِ / وَلَم تَعُدْ في أجفاني نَوَارِسُ / لأنَّ رَمْلَ البَحْرِ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / وصَوْتُ النِّساءِ البَاكياتِ حَوْلَ جُثةِ القَتيلِ / يَكْسِرُ ذَاكرةَ العصافيرِ السَّجينةِ في قَفَصي الصَّدْرِيِّ / فَمَا فَائِدَةُ النَّظاراتِ الشَّمْسِيَّةِ وشَمْسُ القُلوبِ غَابَتْ ؟/ مَا فائدةُ أسوارِ المقبرةِ والسَّنابلُ في شَراييني مَاتَتْ ؟/
     جِيفةُ لَبُؤةٍ تَرْتدي قَمِيصَ النَّوْمِ قَبْلَ اغتصابِها / والأرقُ جُغرافيا الزَّنابقِ وتاريخُ الانقلاباتِ العَسكرِيَّةِ/ زَرَعَ المساءُ الحواجزَ الأمْنِيَّةَ بَيْنَ دُمُوعي والأمواجِ / حَاصَرَ اليَمامُ الجريحُ مَملكةَ السُّلِّ/ لا حَاكِمٌ ولا مَحكومٌ / أكَلَ البَقُّ أخشابَ العَرْشِ / وذَابَت الدَّولةُ كالشُّوكولاتةِ / لا حُكْمٌ ولا مَحْكَمَةٌ / قَانونُ الطوارِئِ هُوَ دُستورُ البَجَعِ / وأشلائي مَحْكَمَةُ أمْنِ الدَّولةِ بَعْدَ انقراضِ الدَّولةِ /
     بَيْنَ الرِّئَتَيْنِ حَاجِزٌ عَسكرِيٌّ/ والرَّمْلُ الأزرقُ هُوَ فَطيرةُ الأسْرَى / دُمُوعي في حُقولِ الرَّصاصِ/ وَخُدودُ النَّهْرِ تَسْحَقُهَا الأحصنةُ الملَكِيَّةُ / لَكِنَّ الخرائِطَ لا تَعْتَرِفُ بِوَجْهي / رَحَلَتْ سُجُونُ البَحْرِ إلى مُدُنِ الأسماكِ / وَصَوْتُ العُشْبِ مَبْحُوحٌ / وسَمكةُ القِرْشِ تَبكي في حُطامِ السُّفُنِ /
     لا تَقْلَقِي عَلَيَّ يَا أُمِّي / سَيَنْمُو البُرتقالُ في حِيطانِ السِّجْنِ الانفرادِيِّ / مَاتَ الوَطَنُ / لَكِنَّنا رَبِحْنا الوَحْدةَ الوَطَنِيَّةَ / ضَاعَتْ بِلادُنا / لَكِنَّنا رَبِحْنا الرُّومانسِيَّةَ /    
     فِقراتُ ظَهْري رَصَاصَاتٌ سَقَطَتْ مِن تَاريخِ الْحُرُوبِ / أنتِ أيَّتُها العَاصِفَةُ/ قَتَلْتِ الْمَلِكَ / قَلَبْتِ طَاوِلَةَ الشِّطْرَنجِ/ لَيْسَ لِي عَشيقةٌ ألْعَبُ مَعَهَا الشِّطْرَنجَ/ في لَيالي الشِّتاءِ أمامَ مَوْقَدَةِ الكُوليرا/ لَكِنَّ امْرَأةً سَتَأتي مِنَ الثلجِ ذَاتَ مَسَاءٍ لِتَقْتُلَنِي /
     قَتَلْنَا النَّهْرَ كَي نَقْتَسِمَ المِيراثَ/ ارْحَمِيني أيَّتُها الخنادقُ مِن هَذا الْحَنينِ / هَذِهِ الشَّوارعُ تَعْشَقُنِي وتَقْتُلُنِي / تُحِبُّني لَكِنَّهَا تُحِبُّ نَعْشي أكثرَ / والأكفانُ البَيْضَاءُ تُغَطِّي أثاثَ بَيْتِنا المهجورِ / أَمْشِي وأعصابي تَسِيلُ تَحْتَ حَوَافِرِ البَعُوضِ/ حَوَاجِبِي لا تَعْرِفُ بُوصَلَةَ قَلْبي / أنا العَاشِقُ الْمَنْثُورُ عَلى أجنحةِ العُقْبانِ / الأشجارُ القَتيلةُ في أزِقَّةِ المِيناءِ تُنادي عَلى البَحْرِ / والبَحْرُ يُنادي عَلَيَّ / وسَوْفَ تَغْرَقُ الذِّكرياتُ في لَيالي الانقلاباتِ العَسكرِيَّةِ / نَسِيتُ عُنوانَ بَيْتِي / وَلَم أجِدْ في صُندوقِ البَريدِ غَيْرَ جُثماني / نَسِيتُ امتدادَ عِظَامِ العَصافيرِ في أضرحةِ ضَوْءِ القَمَرِ / أُطَالِعُ الجريدةَ كُلَّ صَبَاحٍ / لأقْرَأَ اسْمِي في صَفحةِ الوَفَيَاتِ/ السُّجَنَاءُ والحيَوَاناتُ الْمُنْقَرِضَةُ يُوَاسُونَ بَعْضَهُم في دَوْلَةٍ تَنقَرِضُ / وتَتكسَّرُ الدُّوَلُ اللقيطةُ في دَوْرَتي الدَّمويةِ / أجْلِسُ في الْمَطْعَمِ / آكُلُ أشلائي / وَالدُّودُ يَخْرُجُ مِن ثُقوبِ جِلْدي / أظافري تَنتقِمُ مِنِّي / جَوَارِحِي مُنْتَجَعَاتُ السُّلِّ / وأحلامي مَجَاعَاتٌ / سَأرْحَلُ مِن خَوْخِ السَّرابِ / لأنَّ المساءَ مَاتَ جُوعاً / دِمَاءُ الشَّجَرِ تَتَفَجَّرُ في أجفانِ الضَّحايا / والخفافيشُ تَمُوتُ عَطَشَاً في صَحْنِ الْمُلُوخِيَّةِ /    
     أيَّتُها الْمُدُنُ النَّظيفةُ كأشلاءِ المطَرِ / إنَّ رُفاتَ الصَّبايا يُلْقِيهِ اليَمامُ في حَاوِيَةِ القُمامةِ / ولا أعْرِفُ هَل أمْشِي في جِنَازةِ الشَّلالاتِ / أَمْ أحْضُرُ حَفْلَ زِفَافِ الرِّمالِ / البَغايا في الزِّيِّ العَسكرِيِّ / وَيُصْبِحُ الرَّصاصُ حَليباً لليَتامى/ انتَهَت اللعبةُ أيُّها الملِكُ / دَوْلَتُكَ مَارِقَةٌ / لَكِنَّ الشَّعْبَ رُومَانسِيٌّ / وما زَالَ الغَسَقُ يُسَخِّنُ دَمعاتِ السُّنونو في مِقْلاةِ الهديلِ / مُشَرَّدٌ أنا في أزهارِ الملاريا / ولا بَيْتَ لِي كَي أُصْلَبَ عَلى بَابِهِ / فَلْتَكُنْ حَبَّةُ الرُّمَّانِ مُسَدَّسَاً / تَخْرُجُ الضَّفادعُ مِن طِلاءِ أظافرِ الأميراتِ / كَي تَسْحَبَ جَمَاجِمَ الأسْرَى إلى مُسْتَنْقَعِ الكَرَزِ / وَعِندَما يَنامُ الصَّنَوْبَرُ عَلى قَبْري الْمَطْمُوسِ / اذْكُري الغريبَ الذي مَرَّ مِن هُنا / وَحِينَ يُصْبِحُ الْمَقْعَدُ في الحديقةِ فَارِغاً / اذْكُري الزَّيتونَ الذي مَاتَ عَلى رُموشِنا / كَيْفَ أَفْلَتَ طَيْفُكِ أيَّتُها الشَّركسيةُ مِن مَدَارِي ؟ / وَلا مَدَارَ لِي إِلا الْمَوْت / أسْكُبُ الأسْمَنْتَ الْمُسَلَّحَ في الفَراغِ العاطِفِيِّ / وَيَظَلُّ جُثماني في الشَّارعِ مَنْسِيَّاً بَيْنَ طَعْمِ الكَرَزِ وَرَائحةِ المطَرِ / نَامِي أيَّتُها اليَتيمةُ عَلى رَصيفِ المِيناءِ / إِنَّ الرُّبَّانَ لَن يَرْجِعَ / خُذي رَائحةَ اليَاسَمِينِ فَوْقَ تَوابيتِ البَحَّارةِ / وَامْنَحِيني تَاريخَ الشَّوارعِ الْخَلْفِيَّةِ وَخَرَائِطَ حُفَرِ المجاري / رَائحةُ القَهْوَةِ في صَباحِ الإِعدامِ / وَلَم أعُدْ أُفَرِّقُ بَيْنَ كُرَيَاتِ دَمي وَكُرَاتِ التِّنسِ / وَالرَّصاصُ الْحَيُّ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / أُصِيبَ النَّهْرُ بالزَّهايمرِ / وَلَم يَعُدْ يَعْرِفُنِي / أحْفِرُ أحزاني في شَيْخُوخةِ المطرِ / كَي ألْمَحَ طُفولةَ التُّفاحِ / البَحْرُ أبي الرُّوحِيُّ كُلَّمَا أغْرَقَنِي أحْبَبْتُهُ أكثرَ / التِّلالُ عَشِيقتي كُلَّمَا خانَتْني تَنَاثَرَ جِلْدي في أشلاءِ الليْمُونِ / يَنْبُتُ النَّخيلُ في مَرايا كُوخي / ويَنْمُو الثلجُ على قَارُورةِ الحِبْرِ /
     أجْلِسُ في مَحطةِ القِطَاراتِ الفَارغةِ / أسْتَمِعُ إلى كَلامِ السَّنابلِ في ذِكْرى اغتيالي / أمْشِي في صُداعِ السَّرْوِ / وَتَتَسَاقَطُ أعضائي عَلى الرَّصيفِ / لا أشْعُرُ بالْجُرْحِ / ولا أشْعُرُ بأعضائي / كُلُّهُم يَرْقُصُونَ إِلا أنا / لَكِنَّ دِمَائي تَغْسِلُ بَلاطَ صَالَةِ الرَّقْصِ / العَوَاصِفُ الرَّمْلِيَّةُ اغْتَصَبَت الجنودَ / فيا أخي السَّجَّان / لا تَثِقْ بأحزانِ الطفولةِ الْمَطْلِيَّةِ بالفِضَّةِ كالْمُسَدَّسَاتِ / ولا تَغْرَقْ في الرُّومانسِيَّةِ / إِنَّ الموْتَ سَيَهْزِمُ كُلَّ ذِكْرَياتِ العُشَّاقِ /
     ضَوْءُ القَمَرِ شَاهِدٌ عَلى دُموعي المعدنِيَّةِ / فلا تَقْتُلِيني مَرَّتَيْنِ / وَشَرايينُ اللوْزِ / وَدُموعُ البُوسنِيَّةِ التي تَمْشِي تَحْتَ جُسُورِ سَراييفو في الليلِ البَارِدِ / نَشَرْنا الغسيلَ عَلى سُورِ المقبرةِ بَعْدَ مَوْتِ أُمَّهَاتِنا / والأمواجُ تَنْشُرُ مَسَامِيرَ نُعُوشِنا عَلى أجنحةِ الحمَامِ / يَبيعُ الملوكُ المخْلُوعُونَ العِلْكَةَ عَلى إِشارات المرورِ/ والْمُهَرِّجُ تَقَاعَدَ مِنَ السِّيركِ/ وَانتَهَت الضَّحِكَاتُ إلى الأبَدِ /
     إِخْوَتي زُعَمَاءَ المافيا !/ انتَهَى بَابلو إِسكوبار / وَمَاتَ مارلون براندو / الْجُثَثُ مُلْقَاةٌ في الطريقِ/ وَحَيَاتُنَا مَهْزَلَةٌ / كُلُّ شَيْءٍ ضَاعَ / وَلَم يَعُدْ هُناكَ شَيْءٌ نَبْكِي عَلَيْهِ / فَقَدَ القَاتِلُ مَعْنَاهُ / فَقَدَت الضَّحِيَّةُ مَعْنَاهَا / يَتَقَمَّصُ القَاتِلُ وَجْهَ الضَّحِيَّةِ / وَتَتَقَمَّصُ الضَّحِيَّةُ وَجْهَ قَاتِلِهَا / كُلُّنَا ضَائِعُونَ تَحْتَ أعمدةِ الكَهْرَباءِ / التي صُلِبَ عَلَيْهَا النَّهْرُ الحزينُ / وَهَذا الْحُزْنُ لَم يَجِدْ أُمَّاً تُرْضِعُهُ / ولا وَطَنَاً يَضُمُّهُ .