04‏/10‏/2019

يخرج الياسمين إلى الميادين / قصيدة

يخرج الياسمين إلى الميادين / قصيدة

(إلى شهداء الربيع العربي )

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

     أَمْشي في دُموعِ الشَّوارعِ / كَي يَسْمَعَ الموْجُ ضِحْكَةَ أُمِّي في الموانِئِ المهجورةِ / أيُّها اليَاسَمِينُ الأحمرُ/ جَاءَ رَبيعُ الدِّماءِ / فَافْتَح النَّوافِذَ لِمَطَرِ الكَلِمَاتِ / مَن هَؤُلاءِ الفُرْسانُ يَفْتَحُونَ صُدُورَهُم العاريةَ للمَوْجِ ؟ / مَن هَؤُلاءِ الصَّبايا يَحْمِلْنَ الْجَرْحَى عَلى أجنحةِ الحمَامِ ؟ /
     يَا وَطَني الْمُوَزَّعَ بَيْنَ الخفافيشِ والسُّجونِ الباردةِ / اخْرُجْ مِنَ الْمَزْهَرِيَّاتِ الكِلْسِيَّةِ/ اعْتَنِقْ ضَوْءَ النَّهارِ حُرَّاً مِثْلَ ذَاكرةِ البَرْقِ / جَاءَ مَوْعِدُ العُرْسِ / فَاضْحَكْ كالأنهارِ اليَتيمةِ /
     كُلُّ الأشجارِ تُغَنِّي للحُرِّيةِ / كُلُّ الميادِينِ تُغَنِّي للحُرِّيةِ / وَطَنٌ يُولَدُ مِن جَديدٍ / أعْلَى مِن نَوَافِذِ السُّجُونِ / أعْلَى مِن صَوْلَجَانِ الجنونِ / يَا بَلَدَاً يَغْتَسِلُ في شَرايينِ الشُّهداءِ / اكْسِرْ حَديدَ النوافذِ / لَم يَعُدْ للطغاةِ سُجُونٌ / كَي يَحْبِسُوا الشُّموعَ / فَاحْتَفِلُوا بِعِيدِ مِيلادِ الفَرَاشَاتِ يَا أصدقائي / 
     الزَّنابقُ الكريستالِيَّةُ / والدِّماءُ السَّاخنةُ / تِلْكَ الصُّدورُ العَارِيةُ أمامَ قُطعانِ الرَّصاصِ الْحَيِّ / إِنَّهُ الشَّعْبُ الْحَيُّ / فَاتْرُكْ ذِكرياتِ الأمواتِ للأمواتِ / افْتَخِري بِي أيَّتُها الرِّياحُ / أنا عَرَبِيٌّ / جِلْدي مَيَادِينُ الْحُرِّيةِ / أُحَرِّرُ الذِّكرياتِ مِن سَطْوَةِ الوَهْمِ / فَلْتَقْرَأ الأمطارُ اسْمي عَلى لافتاتِ الشَّوارعِ / فَلْتَقْرَأ المسدَّساتُ اسْمي في صَفحةِ الوَفَيَاتِ / هَذِهِ أبجدِيَّةُ البُرتقالِ الْمُتَمَرِّدِ عَلى دُستورِ الإِبادةِ / وأجنحةُ الجرادِ تُغَطِّي أوْعِيتي الدَّمَوِيَّةَ /
     جَاؤوا مِن كُلِّ الأزِقَّةِ شَجَرَاً فِضِّياً للغَدِ / الذي يَكْسِرُ صَمْتَ الضَّحايا / يَرْتَدُونَ الوَرْدَ وَاقِياً ضِدَّ الرَّصاصِ / كُلُّ السُّجَناءِ في الشَّفقِ يُغَنُّونَ للحُلْمِ الضَّائعِ / كُلُّ الْمُدُنِ السَّجينةِ في الزَّوابعِ تَحْلُمُ بالغِنَاءِ / فَلْتُولَدْ ثَوْرَتي مِن عُيونِ الرِّيحِ / وَلْتَخْرُجْ مِن جِلْدي العصافيرُ الْمُسَيَّجَةُ بالسَّنابلِ الْخَرْسَاءِ / قُولِي أيَّتُها الشَّوارعُ / مَا أسماءُ الْجُثَثِ المجهولةِ الْهُوِيَّة ؟ / أسْمَعُ رَنينَ دُموعِ الأرصفةِ عَلى الأجسادِ الطَّرِيَّةِ/ تَرْكُضُ الخِيَامُ إلى الخِيَامِ/ أيُّها الْمُعْتَصِمُونَ في صَوْتِ النُّسورِ/ دَمي لَيْسَ زَمَنَ اللاجئينَ أو الْمُتَسَوِّلِينَ/ أنا زَمَنٌ عَرَبِيٌّ مَكَانٌ عَرَبِيٌّ/ أُصَدِّرُ دِمَائي للعُقْبَانِ/ وأرْتَدِي نَشِيدَ الطُّرُقَاتِ/ لأكْسِرَ خَوْفَ الصَّبايا مِنَ الحِكَاياتِ / وأزْرَعَ الكَرَزَ في صُداعِ الْمَرَافِئِ الْمَنْسِيَّةِ / افْتَحِي نَوَافِذَ الْحُلْمِ يَا أُمِّي / أنا ابْنُكِ الثائِرُ في ضَوْءِ البُروقِ / الشَّاهِدُ عَلى وِلادةِ المطَرِ / الشَّهيدُ تَحْتَ المطَرِ /
     أُصَمِّمُ رَايَةً لأحْلامِي / وَآخُذُ حُرِّيتي مِن فَمِ الرَّصاصِ الْحَيِّ / لا وَقْتَ يَا بُكَاءَ البَلابِلِ كَي نَحْضُنَ الشُّهداءَ / بِلادي زَهْرَةُ الرُّعودِ في الْمَزْهَرِيَّاتِ المكسورةِ / انتَهَى دُسْتُورُ الإِبَادَةِ / بَدَأَ مُسْتَقْبَلٌ لا يُولَدُ في الشَّظايا / وَهَؤُلاءِ القَادِمُونَ مِنَ الفَجْرِ / يَقْرَؤونَ أبجديةَ وُجُوهِهِم خَارِجَ المرايا / والرَّصاصُ في صُدورِ الفَراشاتِ يَنْبُتُ قَمْحَاً وأزْمِنَةً / أحْمِلُ عَلَمَ بِلادي/ لِتَنْبُتَ عَلى ضَريحي ثَوْرَةُ اليَمَامِ / أَشْعِلْ شُمُوعَ الاستقلالِ بِصَوْتِ الأمواجِ / لا مَكَانٌ لأوسمةِ الطاغيةِ في نَشيدي / ولا هُوِيَّةٌ لِبِلادي سِوَى انتفاضةِ الحمَامِ /
     وَدِّعِيني يَا نَوَافِذَ بَيْتي / سَأَخْرُجُ مِن أجفانِ الرِّعشةِ / لأحْرِقَ الْخَوْفَ بأبجدِيَّةِ الصُّمودِ / والطُّرُقَاتُ سَتَذْكُرُ بَصَمَاتِ سُعالي في الليالي البَاردةِ / كَسَرْتُ قَيْدِي / اكْتَشَفْتُ صَوْتي في صُراخِ الأمطارِ / شَعْبي يَخْرُجُ مِن كَهْفِهِ يَخْتَرِعُ ذَاكرةً للحُرِّيةِ /
     اترُكِيني يَا أوراقَ الشَّجَرِ/أسْمَعُ نِدَاءَ أرْضي/ كُلُّ حِجَارَةِ النَّيازكِ تُنادي عَلَيَّ/ بِلادي يَا كِسْرَةَ خُبْزٍ مَنْسِيَّةً عَلى كَراسي القِطَاراتِ / أرى صَوْتَكِ الْمَبْحُوحَ يَا بِلادي الجريحةَ / في دُموعِ البَناتِ / في أُغْنِيَاتِ الفَلاحِين / في حَنينِ النَّيازكِ / في عُيُونِ العَاطِلِينَ عَنِ العَمَلِ /
     لا تَمْنَعِيني يَا أُمِّي مِنَ الذَّهابِ إلى مَيادِينِ الْحُلْمِ/ يَا شَمْسَ الْحُرِّيةِ/لا تَرْفُضِي وَجْهي/أنا عَرَبِيٌّ/ أكتبُ تاريخاً جَديداً للمَسْحُوقِينَ / فَلْتُولَدْ شُعُوبُ الرَّفْضِ كالزَّلازلِ / أرْضُ الْحُرِّيةِ هِيَ بِطَاقتي الشَّخصيةُ /
     انتَهَت اللعبةُ أيُّها السَّجَّانُ الأنيقُ / رَبْطَةُ عُنُقِكَ حَبْلُ مِشْنَقةٍ للشُّعوبِ/ لَكِنَّ الشُّعوبَ خَرَجَتْ مِن جِلْدِها كالزَّيتونِ الماحِي / انتَهَتْ حِصَّةُ التَّعذيبِ يَا فَخَامَةَ الرَّئيسِ الْمَخْلُوعِ / عَرْشُكَ جَمَاجِمُ الزَّوابعِ / وَعَقَارِبُ السَّاعةِ لَدَغَتْكَ / وانتَهَت اللعبةُ / فَابْكِ عَلى حُطَامِ الرُّوحِ في الْهَدِيلِ الْمَعْدَنِيِّ/ لَن نَبْكِيَ عَلى شُهداءِ الْحُرِّيةِ /
     جَاءَ الرَّبيعُ العَرَبِيُّ / فَلا تَسْأَلْ عَنِّي يَا صَيْفَ العُشَّاقِ / أنا العَاشِقُ الصَّاعِدُ مِن آبارِ الانطفاءِ / لأُضِيءَ طَرِيقَ السُّنونو بِلا حَوَاجِزَ أمْنِيَّةٍ/ كُلُّ الْمُظَاهَرَاتِ هِيَ اسْمي الحقيقِيُّ/ وَالعُرُوشُ الْمُتَسَاقِطَةُ هِيَ الْهُوِيَّاتُ الْمُزَوَّرَةُ / لَيْسَ نِظَامَاً حَاكِمَاً / بَلْ عِصَابةً حَاكِمَةً /
     أيُّها الطاغِيَةُ / أنتَ الْهُوِيَّةُ الْمُسْتَحِيلَةُ / فَارْحَلْ .