05‏/10‏/2019

يوميات العازف المذبوح / قصيدة

يوميات العازف المذبوح / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     العَازِفُ الْمَصْلُوبُ عَلى الكَمَانِ / وَالرُّمُوشُ الْمُفَخَّخَةُ / وَالشُّمُوسُ الخضراءُ / والصَّبايا الجالِسَاتُ أمامَ ضَريحِ البيانو / البَاكِياتُ عَلى الأندلسِ/ وَالنِّسْوَةُ صَاحِبَاتُ الوُجوهِ الأسْمَنْتِيَّةِ /  مُوتُوا يَا إِخْوَتي كَي أَخْتَبِرَ مَوْهِبَتي في قَصَائِدِ الرِّثاءِ / مُوتُوا لأعْرِفَ قَوَانِينَ البُورصةِ في الْمُتَاجَرَةِ بِدِمَائِكُم / اكْتَشَفْنا الوَطَنَ في الزَّنازين / واكْتَشَفَنَا الوَطَنُ عَلى حِبَالِ الْمَشَانِقِ / تَأْكُلُ الضَّفادعُ لَحْمَ القَصائدِ / وَبَنَاتُ حَارَتِنَا تَرَكْنَ قَلْبي لِبَنَاتِ آوَى / كُلَّما نَظَرَ الرَّصيفُ إِلى المِرْآةِ / أطْلَقَ النَّارَ عَلى المِرْآةِ / خُذُوا الجمَاجِمَ عَلى الرُّفوفِ تِذْكَاراً للحُبِّ وَالْحُرُوبِ / وَبَعْدَ مَوْتِ عَائِلَتي سَأعيشُ عَلى مَقَاعِدِ حَديقةِ الحيَوَاناتِ / فيا أيُّها الأغرابُ / اقْتُلُوا عُثمانَ ثُمَّ طَالِبُوا بِدَمِهِ /
     بَيْنَ وَجْهي وَقِنَاعي هُدْنةٌ / لأنَّ ظِلالَ الأمواتِ تَمْشي عَلى مِرْآتي / الليلُ المشلولُ جَالِسٌ عَلى الكُرْسِيِّ الْمُتَحَرِّكِ أمامَ الْمَوْقَدَةِ الْمُطْفَأةِ / وُلِدْتُ وفي فَمِي مِلْعَقَةٌ مِن ذِكْرَياتٍ / وَحَدِيقَةُ الملاريا تَرْمِي الجمَاجِمَ في صَناديقِ الاقتراعِ/ رَمَيْنَا جُثَثَ الجنودِ في حَاوِيَةِ القُمامةِ / وَاللازَوَرْدُ زَرَعَ أشْلائي بَيْنَ دُموعِ الإِمَاءِ وَمُسْتَقْبَلِي السِّيَاسِيِّ / طَبْعاً / كُلُّنَا عُشَّاقٌ وبِلادُنا ضَائعةٌ /
     تَفَضَّلْ أيُّها السَّرابُ/ ادْخُلْ إِلى ضَريحِ الكَهْرَمانِ/ وَاحْرِق الأخضرَ واليَابِسَ / لا تَنْتَظِر الإِمَاءَ الْمُحَنَّطاتِ خَلْفَ النَّظاراتِ السَّوْداءِ/ أُخَبِّئُ بَرَامِيلَ البَارُودِ في الفَرَاغِ العَاطِفِيِّ/ وفي بَيْتي تَنْتَظِرُني الفَرَاشَاتُ الكِلْسِيَّةُ/ وَتَعْرِفُني الصَّراصيرُ الشَّمْعِيَّةُ / رِمَالُ البَحْرِ تُوَاسِيني / وَالبِحَارُ تنامُ في سَريري/ لَكِنِّي أشْعُرُ بالوَحْدَةِ / وَالحواجِزُ العَسكرِيَّةُ مَزْرُوعةٌ بَيْنَ لَيْلَةِ الدُّخلةِ والانقلابِ العَسْكَرِيِّ /
     هَذا الوَطْوَاطُ الأعْرَجُ يُمَارِسُ الجِنْسَ مَعَ الْجُثَثِ/ وَحَدَائِقُ الجنونِ تَخْتَبِئُ في أوْرِدتي الضَّوْئيةِ /  صَدِّقْني أيُّها البيانو المكسورُ / سَأعِيشُ مُرَاهَقَتِي الْمُتَأخِّرَةَ في مَقبرةٍ قَديمةٍ بِلا سُورٍ/ نُضَيِّعُ وَقْتَنا مَعَ الإِمَاءِ في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ / وَنَقْضِي وَقْتَ الفَرَاغِ في مُمَارَسَةِ الفَرَاغِ / أنا السَّفينةُ السَّائرةُ إلى جَبَلِ الجليدِ / هَرَبَتْ فِئْرَانُ السَّفينةِ / وبَقِيتُ وَحْدي في الليلةِ الباردةِ / أُحِبُّ الفَرَاشَاتِ لَكِنَّهَا لَن تُنْقِذَني مِنَ الغَرَقِ / وَلَن تَسْمَعَ أُمِّي صُراخي / حِينَ تَسْتَقِرُّ أشلائي في قَاعِ الصَّهيلِ / دَمي ضَائِعٌ بَيْنَ شُيوخِ القَبائلِ وبُكاءِ البُحَيراتِ / والرِّيحُ تَبْحَثُ عَن أعلامٍ لا تُنَكَّسُ / يَا نَهْرَاً خَرَجَ وَلَم يَعُدْ / إِنَّ أعمدةَ الكَهْرباءِ تُسَاعِدُني في تَأْرِيخِ الْحُبِّ الضَّائعِ / أخافُ مِن حِيطانِ بَيْتي / أخافُ العَوْدَةَ إلى حِضْنِ أُمِّي / لا أبناءَ لِي يَحْمِلُونَ اسْمِي / وَحْدَهَا الشَّوارعُ التي أُقْتَلُ فِيها سَتَحْمِلُ اسْمِي / سَيَنْمُو النَّعناعُ في هَيْكَلي العَظْمِيِّ/ وَيُولَدُ التُّفاحُ في فُوَّهَاتِ الْمَدَافِعِ/فَهَل بَدَأت الحرْبُ بَيْنَ كُرَيَاتِ دَمي؟/
     تَخُوضُ ذِكْرياتي حَرْباً أهْلِيَّةً في قَلْبي / وَلا أحَدَ يَشْعُرُ بأحزاني سِوى أشِعَّةِ القَمَرِ فَوْقَ الْمُسْتَنْقَعَاتِ / يَا رَضِيعَاً يَجُرُّ تَابُوتَ أُمِّهِ في دُروبِ الجليدِ / أكتبُ أحلامي بِقَلَمِ الرَّصاصِ عَلى الرَّصاصِ / أنا الرَّمْلُ الوَاقِفُ في طَابُورِ الانقراضِ / أنتظِرُ دَوْري لأسْتَلِمَ حِصَّتي مِن هَزيمةِ التِّلالِ في حُروبِ الظِّلالِ / والفُقَراءُ يَقِفُونَ في طَابُورِ الْخُبْزِ أمامَ الْمَحَاكِمِ العَسكرِيَّةِ / وأحزانُ الطفولةِ تَقِفُ في الطابُورِ الخامِسِ / 
     أيُّها النَّسْرُ الأعْوَرُ في أعالي البُكاءِ / دُلَّنِي عَلى جُثتي كَي تُنَظِّفَ الغِرْبَانُ أزِقَّةَ المِيناءِ مِن بَقَايا لَحْمي / لا مَكَانٌ لِبِلادي عَلى الخارطةِ / وَلا قَبْرٌ للسُّنونو عَلى البُوصَلَةِ / نَحْنُ أرقامٌ لا يَعْتَرِفُ بِنَا جَدْوَلُ الضَّرْبِ/ فَيَا قَاتِلِي/ عِندَما تَلْتَقي بِعَشِيقَتِكَ في الْمَقْهَى/انظُرْ عَبْرَ النافذةِ إِلى الْجُثَثِ المجهولةِ/
     أيُّهَا القَتْلَى في الشَّوارعِ/ الْمَصْلُوبُونَ في البَراويزِ الصَّدئةِ/ سَيَأتي الجرادُ لِتَحْرِيرِ مَدينةِ الأشباحِ/ أسْرِقُ النَّرْجِسَ مِن زَمَنِ الكَهْرَمانِ / وإذا ذَبَحَنِي الضَّبابُ الأخضرُ سَتَجِدُني أُمِّي في البَراويزِ زَعْتراً وأمطاراً / نَزْرَعُ البَطَاطَا في الزَّنازين / كَي نُؤْنِسَ وَحْشَةَ الدُّودِ الخارجِ مِن عُرُوقِنَا / والعُشَّاقُ يَأكُلُونَ البَطَاطَا الْمَقْلِيَّةَ في مَطْعَمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / تَتَسَاقَطُ أجنحةُ الذبابِ عَلى وَسَائِدِ العَرَائِسِ في لَيْلَةِ الدُّخلةِ / وتَنكسِرُ ضَحِكَاتُ النِّساءِ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / يَلْمَحُ الصَّدى آثارَ الدُّموعِ عَلى خُدودِ البُحَيراتِ / ونِسْبَةُ الكُوكايينِ في بَوْلِ الأشجارِ مُرْتَفِعَةٌ / أتَجَوَّلُ في سُوقِ النِّخاسةِ كالأبْلَه / فَاشِلٌ في الْحَرْبِ / فَاشِلٌ في السَّلامِ / فَاشِلٌ في الْحُبِّ / فَاشِلٌ في الكَرَاهِيَةِ / عُرُوقي قِناعٌ لِحَضَارَةِ البَعُوضِ التي تَنهارُ / فلا تَبْحَثي لِي عَن عَرُوسٍ يَا ضِبَاعَ الذاكرةِ / إِنَّ جُثماني يَنامُ إلى جَانِبِي / وَالرِّماحُ تَنَامُ في سَريري/ هَلِ الشَّعْبُ فِئْرَانُ تَجَارُبَ أَمْ قَطيعُ غَنَمٍ ؟ / انكَسَرَت الْمِصْيَدَةُ / وَمَاتَ الرَّاعِي / أرْكُضُ في حَليبِ البُحَيراتِ / أبْحَثُ عَن وَجْهِي / أحْمِلُ نَوَافِذَ القُصورِ الرَّمْلِيَّةِ عَلى ظُهورِ الأبقارِ النَّحيلةِ / والنَّمْلُ يَسْحَبُ جُثَثَ الجنودِ / أُمِّي أنجَبَتْنِي / لَكِنَّها لَم تُخْبِرْني أيْنَ أجِدُ وَجْهي / هَذَا أنا / أعْزِفُ أشلائي عَلى أسلاكِ البيانو / وأثاثُ الأنهارِ مُسْتَعْمَلٌ كأجسادِ البَغايا / وَرَائِحَةُ جِيفتي التي تَأكُلُهَا النُّسورُ / تَتَدَفَّقُ في أعصابِ الغاباتِ / 
     الْحُزْنُ العَجُوزُ وَالبَدَوِيَّاتُ وأثْدَاءُ السِّيليكُون / بِلادٌ مِنَ الزَّرْنِيخِ تَمُوتُ مَعْصُوبةَ العَيْنَيْنِ /   بِلا صَوْتٍ وَلا رَائِحَةٍ / وَذَلِكَ الشَّلالُ يَطْبُخُ اكْتِئَابَهُ / وَيُطْعِمُ الفَرَاشَاتِ الْمَنْفِيَّةَ/ انتَخَبَنِي الرُّفَاتُ حَتَّى أرْكُضَ في جِنَازةِ اليَاقُوتِ / وَحْدي أركضُ في دَمِي / فَمَا فَائِدَةُ جَوَازِ السَّفَرِ وقَد ضَاعَ الوَطَنُ والْمَنْفَى مَعَاً ؟ / قَتَلَت العَوَاصِفُ حِصَاني / وأضاعَ الموْجُ خَارطةَ طُرْوَادَة/ وَهَذِهِ الشَّجَرَةُ أمامَ حَبْلِ مِشْنَقَتي نافذةٌ / تُطِلُّ عَلى نَزيفِ الصَّليلِ .