25‏/10‏/2019

دليل سياحي في سوق النخاسة / قصيدة

دليل سياحي في سوق النخاسة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........

     كَمَا يَختارُ الصَّيادُ فَرِيسَتَهُ / تَختارُ الفَريسةُ صَيَّادَهَا / عَانَقَ البُرتقالُ البُحَيْرَةَ أمامَ زَوْجِهَا / وَسَالَت الدُّموعُ عَلى قَميصِ الْمَوْجِ/ سَتَظَلُّ أزرارُ قَميصي المكسورةُ إِشاراتِ مُرُورٍ/ تُرْشِدُ الأدغالَ إلى المِقْصَلَةِ اللامعةِ / والرِّيحُ تَرْبُطُ حِبَالَ الغسيلِ بِحِبَالِ المشانقِ / فَاتْبَعْ أثَرَ الرَّصاصةِ في جَسَدِ الضَّوْءِ/ وارْكُضْ وَراءَ الأمطارَ التي تَنْحِتُ أسماءَ الضَّحايا في جَسَدِ الشَّمْعِ/ سَتَصْعَدُ مَملكةُ الجِيَفِ مِن رَمْلِ الْمُسَدَّسَاتِ الْمَطْلِيَّةِ بِمَلاقِطِ الغسيلِ / بَعُوضَةٌ تَحْمِلُ بَرَامِيلَ النِّفْطِ إلى نَشيدِ المرايا المشروخةِ / وَالفِئرانُ مُحَنَّطةُ في خُدودِ الأسيراتِ / فَاشْرَبْ دِماءَ الضَّبابِ لِتَرى الحافلاتِ التي تَنْقُلُ الجواري / تَنكسِرُ الجيوشُ مِثْلَ العِلْكَةِ في أفْوَاهِ الرَّاقصاتِ / وَبَيْنَ أجفاني وَرُموشي تَبْني العناكبُ عَرْشَهَا/ شَظَايا قَلْبي تنامُ عَلى مَقَاعِدِ مَحطةِ القِطَاراتِ الباردةِ / والمِقْصَلةُ تَكتشِفُ أُنوثَتَهَا في لحمي/
     أيَّتُها الحضارةُ التي لا تَرْحَمُ / عَلِّمِينِي كَيْفَ نُطْلِقُ رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى الذِّكرياتِ / سَقَطَتْ دُموعُ الخريفِ عَلى صَابُونِ الفَنادقِ الرَّخيصةِ / الحطَبُ الملَكِيُّ / وَأسنانُ الطوفانِ الصَّفراءُ/ وَقَبائلُ الخِيَانةِ / نَحْنُ أشباحٌ في قُرى السُّلِّ / نَجُوعُ ونَأكُلُ جُثةَ الرِّياحِ / نَعْطَشُ وَنَشْرَبُ لُعَابَ الرِّمالِ /
     يَا رَصيفَ المجازرِ / ابْحَثْ عَن عَشيقةِ الجِنِرَالِ / كَي تَعِيشَا تَحْتَ الأرضِ / وتَنْتَحِرَا تَحْتَ الأرضِ / كَانَ البَحْرُ يُبَدِّلُ أقنعَتَهُ في لَيْلِ الدِّماءِ الفُسْفُورِيَّةِ / يَأكُلُ البَعُوضُ نَعْشَ الزُّمُرُّدِ / زَرَعْنَا جَمَاجِمَ الذبابِ بَيْنَ السَّنابلِ / وَقَعَتْ مُضَادَّاتُ الاكتئابِ في بِئْرِ الغروبِ / وَبَعْدَ مَوْتي / سَوْفَ يَكْتَشِفُني قَوْسُ قُزَحَ / تَرْمي بَناتُ آوَى جَدَائِلَ الرَّاهباتِ في النَّهْرِ / والجنودُ المهزومونَ يَكْتُبونَ رَسائلَ الْحُبِّ للأراملِ / تَرْقُصُ دِيدانُ التُّرابِ عَلى أجسادِ الطِّينِ / والجرادُ يَلْتَهِمُ نُهُودَ الرَّاقصاتِ/
     يَا غَاباتِ الشَّمْعِ/ سَتَخْسَرِينَ في الْحُبِّ وَالْحَرْبِ/ والعُقبانُ تَفْرُشُ الْجُثَثَ الْمُتَفَحِّمَةَ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / لَن تَجِدَنِي في قَائمةِ عُشَّاقِ الْمَلِكَةِ / لَن تَجِدَنِي في الْهَدَايا التِّذكارِيَّةِ للكَاهِنَةِ / فَابْحَثْ عَنِّي بَيْنَ قَتْلَى المعركةِ / سَيَقَعُ المايسترو عَلى خَشَبَةِ المسرحِ / وتُصَابُ الرَّاقصةُ بالشَّلَلِ في صَالةِ الرَّقْصِ / وَيَسْقُطُ سَرَطَانُ الثَّدْيِ عَلى خَشَبَةِ الصَّليبِ / فَيَا سَيِّدَةَ الخريفِ العميقِ / سَيَكُونُ الموْتُ أبَاكِ الرُّوحِيَّ / بَعْدَ أن تَخْسَرِي عُذوبةَ رُوحِكِ /
     الدُّموعُ الثلجِيَّةُ / وَحَوَاجِبُ النَّهْرِ الأعمى / تَتَمَزَّقُ الحضَارةُ كَغِشَاءِ البَكَارَةِ / فَاغْرَقْ في عَرَقِ تُفاحةٍ فَقَدَتْ ذَاكِرَتَهَا أوْ بَكَارَتَهَا / كَي تَنْسَى أمُّكَ شَكْلَ جُثتكَ عِندَ الغروبِ / وَلا تَقْلَقْ عَلى الاقتصادِ الوطنيِّ/ ولا تَقْلَقْ عَلى مُسْتَقْبَلِ الدُّمى في مَسْرَحِ العَرائسِ/ يَبْنِي الخليفةُ سِكَّةَ حَديدٍ بَيْنَ ثَدْيَي زَوْجَتِهِ / وَضَابِطُ الْمُخَابَرَاتِ حَائِرٌ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وعَشيقَتِهِ / والفراشةُ مَنْسِيَّةٌ في لَمَعَانِ نَصْلِ المِقْصَلةِ/ وتَنْقُرُ العَصافيرُ حَلَمَاتِ السَّبايا / تاريخُنا الصُّراخُ / لأنَّ أجْدَادَنا نَسُوا أن يَزْرَعُوا أشجارَ البُرتقالِ في دَمْعِ النَّيازكِ / لا مُسْتَقْبَلَ لِي إِلا الثأر / سَآخُذُ ثَأري مِن نَفْسي /
     أيَّتُها الرَّاهباتُ العَمْيَاوَاتُ / اللواتي لا يُفَرِّقْنَ بَيْنَ مَلاقِطِ الغسيلِ وَمَلاقِطِ الْحَوَاجِبِ / لَم يَتْرُكْ سَرَطَانُ الثَّدْيِ مَكَاناً للصَّليبِ / سَيَنْزِلُ النِّفْطُ مِن أثداءِ النِّساءِ / فَيَا أرْمَلَتِي/ تَزَوَّجي قَاتِلِي بَعْدَ مَقْتَلِي/ يا غُربةُ الْمَعْنَى بَيْنَ السَّنابلِ والزَّنابقِ/ لِمَاذا تُلَمِّعِينَ مَساميرَ نَعْشي بِمِلْحِ دُمُوعِكِ ؟/ قُتِلَ الغريبُ وَلَم يَشْرَبْ قَهْوَةَ الذِّكرياتِ / صَارَت القَهْوَةُ بَارِدَةً كَدَمِ القاتلِ / فَمَا فائدةُ مِلْحِ الدُّموعِ وسُكَّرِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ ؟/ أَحْمِلُ عَلى ظَهْرِي أخشابَ سَفينتي الغارقةِ / كَمَا يَحْمِلُ الصَّقيعُ خَشَبَةَ الصَّليبِ عَلى ظَهْرِهِ / وَأَبْحَثُ عَن شَرْكَسِيَّةٍ تَصْلُبُنِي عَلى قَلْبِهَا /
     الملوكُ النَّائِمُونَ بَيْنَ أفخاذِ الجواري / يُسَجِّلُونَ الأوسمةَ العَسكرِيَّةَ باسْمِهِم / ويَكْتُبُونَ أسماءَ الأُمَرَاءِ عَلى أقواسِ النَّصْرِ / لا نَصْرٌ ولا رَايةٌ / تَمُوتُ الرَّاهباتُ في الأديرةِ القَديمةِ خَادِمَاتٍ في المطبخِ / وعَشيقاتٍ في السَّريرِ / وَالكَرَادِلَةُ يُسَجِّلُونَ مَجْدَ الرَّبِّ بِاسْمِهِم / أَرْضَعُ مِن أحزانِ عُيونِ الأمواتِ/ الذينَ يَرْكُضُونَ في مَداراتِ الشَّمْعِ الأحمرِ/ رَائحةُ حَليبِ النَّيازكِ بَعْدَ الغروبِ/ والأمطارُ تَضَعُ خُطَّةً عَسكرِيَّةً لاغتيالِ الدُّودِ / الذي سَيَأكُلُ جُثةَ البَحْرِ /
     أيَّتُها الجرادةُ الْمُثَقَّفَةُ / تَجْلِسِينَ مَعَ عَشِيقِكِ في مَطْعَمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / فَهَلْ تَعْرِفِينَ مَشاعرَ الدَّجاجِ أثناءَ الذَّبْحِ ؟ / سَتَأْكُلُ دِيدانُ القَبْرِ ثَدْيَيْكِ / فَمَا فَائدةُ سَرَطَانِ الثَّدْيِ ؟ / أتنازلُ عَن صَوْلَجَانِ النَّعناعِ / وَأُقِيمُ مَمْلَكتي بَيْنَ الْمَوْتِ الشَّاعِرِيِّ وَدُخَانِ القَلْبِ / رُمُوشي أوتادٌ يَغْرِسُهَا الضَّبابُ في أجنحةِ النَّسْرِ العاجزِ جِنسِيَّاً / الثلجُ يَنْثُرُ كُهُوفَ الذاكرةِ في أجفانِ النَّهْرِ / كَي يَهْرُبَ الشَّعيرُ مِنَ القَمْحِ / ويَهْرُبَ الجنودُ مِن مَعركةِ الظِّلالِ / وَكَانَ أَذَانُ الفَجْرِ يَحْرِقُ اكتئابي /
     دَمُ الْحَيْضِ عَلى الصَّليبِ / فَاكْسِر الصَّليبَ / وَاتْبَعْ ضَوْءَ الجِنازةِ في الغروبِ البعيدِ / أُوصِيكِ أيَّتُها البُحَيرةُ أن تَمُوتي مَرَّتَيْنِ / لِتَعْرِفِي أنَّني أَحْبَبْتُكِ مَرَّتَيْنِ / مَرَّةً في طُفولةِ الزَّوابعِ / وَمَرَّةً في شَيْخُوخةِ النَّهْرِ / المطَرُ قَريبٌ مِن جِلْدي / بَعِيدٌ عَن ذِكْرَياتي / وَالعَقَاربُ أكَلَتْ عَقارِبَ السَّاعةِ / وأشِعَّةُ القَمَرِ تَأكُلُ لُحُومَ الأطفالِ / فيا أيَّتُها العَدالةُ التي تُفْرِجُ عَن الْمُغْتَصِبِ وَتُعَاقِبُ الْمُغْتَصَبَةَ / سَتَظَلُّ حَنجرةُ الفَراشةِ أعْشَاشاً للنُّسورِ/ أظافري الغريبةُ وَكْرٌ للزَّواحِفِ / يَقِفُ الملوكُ المخْلُوعُونَ في الطابورِ أمامَ الْمَخْبَزِ / والنَّهْرُ زِيرُ نِسَاءٍ مُتَقَاعِدٌ / كَيْفَ خَرَجْتَ مِنْ فَخِّ الرُّومانسِيَّةِ إلى الكِفَاحِ الْمُسَلَّحِ ؟ /
     بَيْعُ الْجُثَثِ في الْمَزَادِ العَلَنِيِّ / تَهْرِيبُ النُّعوشِ الفَخمةِ في السُّوقِ السَّوداءِ/ تَنْبُشُ الشَّمْسُ القُبورَ / وَأَبِيعُ أحزاني وَجُثَثَ الموتى للمُرَاهِقَاتِ والغُرباءِ / وأحزانُ الشِّتاءِ تَرْمي رُفاتَ الجنودِ في حُفَرِ المجاري / أَثأرُ لِمَقْتَلِ أشجارِ التُّفاحِ / نَسِيَت الفَتَيَاتُ أرقامَ عُشَّاقِهِنَّ في صُحونِ المطبخِ / ونَسِيَت البُحَيراتُ مُضَادَّاتِ الاكتئابِ عَلى مَقَاعِدِ مَحطةِ القِطَاراتِ /
     تَرَكْتُ الصَّيْفَ للعُشَّاقِ / ذَهَبَت الزَّوجاتُ الخائناتُ إلى الانتحارِ / وَبَقِيَتْ نُهُودُهُنَّ في المزهرِيَّاتِ المخدوشةِ / وَذَلِكَ عُمري مَزهرِيَّةٌ لأحزانِ الشِّتاءِ / أعيشُ في هذا السَّرابِ مُنذُ طُوفانِ نُوحٍ / قَلْبي نَسِيَ شَكْلَ المطرِ / وَجْهي نَسِيَ مَلامِحَ أبي / أَخْرُجُ مِن نَفْسي/ وأَخْرُجُ مِنَ التاريخِ لأنَّ لَيْلَةَ الدُّخلةِ هِيَ غُرفةُ الإعدامِ بالذِّكرياتِ / آكُلُ حَلْوَى الدِّماءِ في عِيدِ مِيلادي/ وَيَأْكُلُنِي الدُّودُ في أعيادِ مَوْتي/ فَيَا زَائِرَةَ قَبْري في السَّحَرِ/ لا تَخَافِي مِن عِظَامي / نَصْنَعُ التَّوابيتَ مِن خَشَبِ المطابخِ / أشلاؤُنا في مَحطةِ القِطَاراتِ / وَدُموعُ النِّساءِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / وصَوْتُ المطرِ يَكْسِرُ أزرارَ قَميصي / عِشْتُ شَبَحَاً وَمِتُّ شَبَحَاً / أرْحَلُ إلى قَلْبي / أُسَافِرُ في ذِكْرَياتي / الدُّموعُ عَلى وِسَادتي في البَيَاتِ الشَّتَوِيِّ / وزُجاجُ نافذتي أرشيفٌ لِضَحِكَاتِ الأمواتِ قَبْلَ أن يَمُوتوا / تُحِبُّنِي أُمِّي لَكِنَّهَا أنْجَبَتْنِي لِيَأكُلَنِي الدُّودُ / تَعْشَقُنِي الذِّكرياتُ لَكِنَّهَا وَرَّثَتْنِي حُرُوبَ القَبائلِ / وسَقَطَت الرَّاياتُ / وَرَّثَنَا آبَاؤُنا هَزَائِمَهُم/ وهَتَفُوا للقادةِ المهزومينَ/ وصَنَعُوا مِن عِظَامِ الجنودِ الخاسرينَ أقواساً للنَّصْرِ / ونَسِيَ العُشَّاقُ عَصيرَ البُرتقالِ بَيْنَ مُلوكِ الطوائفِ وأُمَرَاءِ الْحَرْبِ / والحمَامُ الزَّاجِلُ لَم يُمَيِّزْ بَيْنَ رَنينِ أجراسِ الكَنائسِ ورَنينِ خَلاخيلِ الرَّاهباتِ /  
     مَن المرأةُ المصلوبةُ عَلى رَبطةِ عُنُقِي ؟ / سَتَنْمُو الأزهارُ الصِّناعِيَّةُ بَيْنَ شُقوقِ الرُّخامِ / وَالْحُزْنُ هُوَ الصَّخرةُ التي سَأَبْنِي عَلَيْهَا قَلْعَتي / صُراخي بَلاطُ السِّجْنِ الذي تمشي عَلَيْهِ سَجَّانتي / ودَمي لَيْسَ شَاعرَ البَلاطِ / الملِكَاتُ سَبَايا في قَصْري الرَّمْلِيِّ / والبَحْرُ يَغتصِبُ ذِكرياتِ المساءِ / تَرْتدي الفَراشةُ فُسْتَانَهَا الْمُفَضَّلَ في لَيْلَةِ مَقْتَلِهَا / وَحِينَ يَتأجَّجُ البُكاءُ الغامضُ في ليالي الخريفِ/ سَتَأتي الرَّاهبةُ مِن أشلاءِ الصَّدى / كَي تَحْفِرَ اسْمَ عَشِيقِهَا عَلى صَلِيبِهَا /
     سَأَظَلُّ غَامِضَاً مِثْلَ لَمَعَانِ عُيونِ الشَّرْكَسِيَّاتِ/أظافري اليَتيمةُ تَعيشُ كالجِرْذانِ المكبوتةِ جِنسِيَّاً/ في سَراديبِ مَحاكمِ التَّفتيشِ / مَا فَائدةُ غُرفةِ النَّوْمِ إذا كَانَ الأرَقُ خَارِطَةَ شَرَاييني ؟ / ما مَعْنَى قَمِيصِ النَّوْمِ والجاريةُ عَاريةٌ في أحضانِ الخليفةِ ؟ / تَخْطُفُ طُيُورُ البَحْرِ لَوْنَ وَجْهي / وأهْرُبُ مِن مَرايا الشَّفقِ / أوْرِدَتي وَطَنُ البَجَعِ / وأنا بِلا وَطَنٍ / حَياتي مَحصورةٌ بَيْنَ البَابِ والمِفْتاحِ / لَكِنِّي أُخَبِّئُ البَنادقَ في قَارُورةِ الحِبْرِ .