01‏/11‏/2019

القائد يراقب موت جنوده / قصيدة

القائد يراقب موت جنوده / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

تَعَالَ يَا جَنِينَ البُحَيرةِ مَعَ الدَّمِ/ أزقَّةُ السُّلِّ مُضَاءَةٌ/لَكِنَّ أعمدةَ الكَهْرَباءِ مَصْنُوعةٌ مِنَ الجماجِمِ/ يَخْتَبِئُ الأطفالُ تَحْتَ جُثَثِ أُمَّهَاتِهِم / وَشْمُ نِعَالِ النَّخَّاسِينَ عَلى نُهُودِ الجواري / يَا لَحْمي المزروعَ بالكَرَزِ والحواجِزِ الأَمْنِيَّةِ/ البَرْقُ يَزْرَعُ الزَّنابقَ في جُثماني/ وَالرَّعْدُ الحاصِدُ نَسِيَ مَوَاعِيدَ الحصَادِ/ والصُّلبانُ عَلى الصُّدورِ الْمَعْجُونةِ بِسَرَطَانِ الثَّدْيِ / وَالنُّعوشُ مَلْفُوفةٌ بالأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ / اغْسِلْ أعشابَ المقبرةِ بِدُمُوعِ أُمِّكَ / اخْدَعْنِي يَا قَلْبي / وَقُلْ لِي إِنَّني مَا زِلْتُ حَيَّاً / اكْذِبي عَلَيَّ يا أشلائي/ وَقُولِي لِي إِنَّني مَا زِلْتُ طِفْلاً /
     أيَّتُها اللبُؤةُ الْمُتَوَحِّشَةُ في طُفولتي السَّحيقةِ/ إِنَّ الاكتئابَ يَزِيدُكِ أُنوثةً/ ذَهَبَ الملوكُ / ذَهَبَت القُصُورُ / وَنَحْنُ نُزَيِّنُ خِيَامَ اللاجئينَ بِأشْلاءِ الأيتامِ/ وَأطفالُنا القَتْلَى يَدْرُسُونَ اتِّفَاقِيَّةَ جِنيف الرَّابعةَ/ بِعْنَا الوَطَنَ في الأغاني الوَطَنِيَّةِ / كَي نُرَكِّزَ في مُضَاجَعَةِ الإِمَاءِ / فَشِلْنَا في مُمَارَسَةِ الْحُبِّ / فَشِلْنَا في مُمَارَسَةِ الكَرَاهِيَةِ/ خَسِرْنَا الوَحْدةَ الوَطَنِيَّةَ / خَسِرْنَا لَيْلَةَ الدُّخلةِ/ والنِّساءُ خَلَطْنَ الدَّمْعَ وَالكُحْلَ في غِمْدِ سَيْفي / وَعَلَيْكَ يَا قَلبي أن تُمَثِّلَ دَوْرَ الزَّوْجِ الْمَخْدُوعِ / لأنَّ كُرَيَاتِ دَمِي زَوْجَاتٌ خَائناتٌ / افترقَ العَاشِقَانِ / سَقَطَ خَنْجَري الْمَسْمُومُ في عَصيرِ البُرتقالِ/ جُثتي مُحَنَّطَةٌ / لَكِنِّي أمشي إلى البَحْرِ في مَسَاءَاتِ الخريفِ / يَقِيسُ الفُقَرَاءُ احتضارَهُم بالأشبارِ / والملوكُ يَقِيسُونَ صُدورَ الإِمَاءِ بالبَنادقِ الآلِيَّةِ / وَالحضَارةُ تَلْعَبُ النَّرْدَ قُرْبَ جُثةٍ مَقْطُوعَةِ الرَّأسِ / لَم أُفَرِّقْ بَيْنَ هَوَادِجِ النِّساءِ وَرَاياتِ القَبائلِ / كَانَ القَراصنةُ يَرْفَعُونَ ثِيَابَ الحِدَادِ أَشْرَعةً للسُّفُنِ للغارقةِ / وَمَواعيدُ الرَّحيلِ تَتغيَّرُ مِثْلَ بَراميلِ البَارُودِ / نَعْشي هُوَ الاسْمُ السِّرِّيُّ للبُرتقالِ / والمساءُ يَنْثُرُ أشلاءَ الرَّاهباتِ في مَكتبةِ الدَّيْرِ/ رَمَيْنا جُثةَ النِّيلِ في الفُراتِ/وَجَمَعْنَا الأثاثَ الْمُسْتَعْمَلَ في بُيُوتِنا المهجورةِ في الأندلسِ/ وَرَحَلْنا إلى نوافذِ الخريفِ المكسورةِ / والرَّبيعُ جَاءَ مِن أجسادِنا الْمَصْلُوبةِ / دَمُكِ يُنادي عَلَيَّ في لَيالي الخريفِ/ والتُّرابُ انتصرَ عَلَيَّ حَيَّاً ومَيْتاً/ وَالبَرْقُ يُحَوِّلُ ضَفَائِرَ النِّساءِ إلى حَبْلِ مِشْنَقةٍ ضَوْئِيٍّ/ والبَعُوضُ يُرْشِدُ أُمِّي إلى ضَريحي / والموْجُ يُعَلِّقُ الأوسمةَ العَسكرِيَّةَ عَلى نوافذِ القُصورِ الرَّمْلِيَّةِ / وَالنَّوارسُ تَبْني أكواخَ الفُقَراءِ بَيْنَ الأثاثِ الْمُسْتَعْمَلِ والْجُثَثِ الْمُسْتَعْمَلَةِ / يَحْرُثُ النَّهْرُ هَيْكَلي العَظْمِيَّ / فَازْرَعْنِي أيُّها الرَّعْدُ بالتُّوتِ والذِّكرياتِ / جَسَدي مُهَيَّأ للزِّراعةِ / لَكِنَّ مَوْسِمَ الحصَادِ جَاءَ مُبَكِّرَاً / وَيُغَنِّي الحصَّادُونَ أغاني الشَّكِّ في حُقولِ اليَقينِ / وأنا الغريبُ / سَأَظَلُّ سِرَّاً مِثْلَ الْحُزْنِ في عُيونِ الشَّركسياتِ / والزَّوْبَعةُ تَقْتَسِمُ أشلائي كالغَنائمِ الْمَنْسِيَّةِ في أرضِ المعركةِ / بَعْدَ هُروبِ الجنودِ وانتحارِ الجرادِ / وَبَقِيَتْ أعوادُ المشانقِ في شُرُفَاتِ الخريفِ الدَّامي / نَبْحَثُ عَن حِبَالِ المشانِقِ في الأغاني الوَطنيةِ المهجورةِ / كأحزانِ النِّساءِ السَّائراتِ في شَوارعِ قُرْطُبَة / وأشِعَّةُ القَمَرِ تَبْحَثُ عَن جَدائلِ أُمَّهَاتِنا / والقَمَرُ هُوَ الشَّاهِدُ عَلى رَحيلِ أجسادِنا إلى البَحْرِ / وَلَن يَعُودَ الطائرُ إلى البَحْرِ /
     في عَيْنَيْكِ بَرِيقٌ غَامِضٌ لَكِنَّهُ قَاتِلٌ / الفَجْرُ الكاذبُ يُطْلِقُ الرَّصاصَ عَلى قَلَمِ الرَّصاصِ / فَكَيْفَ يَكتبُ المحكومُ بالإعدامِ وَصِيَّتَهُ ؟/ كَيْفَ أَكْتُبُ وَصَايا الشَّجَرِ القَتيلِ ؟/ سُعَالُ القَمَرِ يَصطادُ الحمَامَ الزَّاجِلَ / فَكَيْفَ أُرْسِلُ قَصائدَ الرِّثاءِ إلى الشَّفقِ الباكي ؟ / الأكفانُ مَنقوعةٌ في قَارُورةِ السُّمِّ / والجماجمُ مَنقوعةٌ في قَارُورةِ الحِبْرِ / لا تَكْرَهْنِي يَا زَهْرَ المقاصِلِ / سَتَنْمُو أزهارُ اللوْزِ عَلى حِبَالِ المشانقِ / أنا أَذُوبُ مِثْلَ مِلْحِ الدُّموعِ في الشَّايِ الأخضرِ/ لأنَّ الدُّودَ يَأكُلُني / أنا الْمَلِكُ الْمُتَوَّجُ عَلى تاريخِ البَعُوضِ / دَخَلْتُ في مَدَارِ الاحتراقِ وَحيداً / ذِكْرَياتُ الطفولةِ تأكلُ عِظَامي / وَجُثمانُ أبي يَلتصِقُ بِدَمْعي السَّاخنِ / وضَفائرُ أُمِّي تَصْعَدُ مِن شُقوقِ جِلْدي /
     يَبْحَثُ العَبيدُ عَن فَواتيرِ الكَهْرباءِ في جَماجمِ الملوكِ المخلُوعِينَ/ والعُشَّاقُ يَبْحَثُونَ عَن الماضي الرُّومانسِيِّ لِعَصيرِ البُرتقالِ/ والماضي لَن يَعُودَ/ جِيفتي تاريخُ النُّسورِ / وَجَمَاجِمُ النِّساءِ البلاستيكِيَّةُ عَلى طَاوِلاتِ المطاعِمِ الخشَبِيَّةِ/جَسَدي مَقبرةُ الذِّكرياتِ/وعُيونُ الأيتامِ صِدَامُ الحضَاراتِ/فَلا تَحْزَنْ عَلَيَّ / يَلْمَعُ فِرَاشُ الموْتِ كأجفانِ السُّنونو / وَتَلْمَعُ خَوَاتِمُ العَرَائِسِ كالخناجِرِ / اطْمَئِنَّ أيُّها الفَجْرُ الكَاذِبُ/ سَيَحْفَظُ المطَرُ جَدْوَلَ الضَّرْبِ / كَي يَحْسِبَ عَدَدَ المساميرِ في نُعُوشِنا/ لَم نَعْرِف الفُصولَ الأربعةَ / لأنَّ دَمَنَا وَاحِدٌ / وَمَوْتَنَا وَاحِدٌ / سَوْفَ نمشي إلى الجِنازةِ العسكريةِ في الشِّتاءِ الأخيرِ / فَلا تَكْرَهْنِي أيُّها الشَّفَقُ / كُلُّنَا أيتامٌ / وَالبَحْرُ هُوَ الوَصِيُّ عَلَيْنَا / أنْصِبُ لِنَفْسِي فَخَّاً / وأضحكُ عَلى نَفْسِي / والزَّوابعُ تَكتبُ أرقامَ الضَّحايا عَلى شَوَاهِدِ القُبورِ / نَحْنُ أرقامٌ لا أسْمَاء / أقنعةٌ تَكْسِرُ الوُجُوهَ / وَتُهَاجِرُ نَحْوَ الْجُثمانِ اللذيذِ وَطَيْفِ المقابرِ الحامضِ / مَاتت النِّساءُ / لَكِنَّنا نَكتبُ قَصَائِدَ الغَزَلِ للأمطارِ القُرْمُزِيَّةِ / وبُكائي بُوصلةٌ تَدَلُّ الموتى عَلى ضَريحِ النَّهْرِ /
     الطريقُ إلى المقبرةِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ / وَجُثماني كَافتيريا عَلى الطريقِ الصَّحْرَاوِيِّ / واستراحةُ الْمُحَارِبِ بَيْنَ حَليبِ زَوْجَتِهِ وَبِئْرِ النِّفْطِ / وَتُخَبِّئُ الأراملُ قُمْصانَ النَّوْمِ في خِزَانةِ الاحتضارِ / سَتَكُونُ ذَاكرةُ البَحْرِ مُسْتَوْدَعَاً لِقُمْصانِ النَّوْمِ المهجورةِ / سَيَكُونُ دَمْعُ الفَراشةِ صَوْمَعَةً رِيفِيَّةً للجُنودِ الهارِبِينَ مِنَ المعركةِ / فَكُوني يَا أشلائي جَميلةً مِثْلَ قَاطعةِ الطريقِ / التي تَقْطَعُ الطريقَ بَيْنَ قَلْبي وَالبَحْرِ / عِشْتُ مَحْكُوماً بالانتظارِ والثلوجِ/ قَبْري مُغْلَقٌ أمَامي/ مَفتوحٌ للجَرَادِ والسَّائحاتِ .