02‏/11‏/2019

صديقي الذي لم أبك عليه حين مات

صديقي الذي لم أبكِ عليه حين مات / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

     اختلطَ المطرُ وَالدَّمْعُ عَلى سُطوحِ المرايا الخشِنَةِ / نَسِيَت النِّساءُ الخِيَاناتِ الزَّوْجيةَ بَيْنَ الزَّيتِ والزَّعترِ / كُونِي رُومانسِيَّةً أيَّتُها البُحَيرةُ في لَيْلةِ الانقلابِ العَسكريِّ / يَقْتَلِعُ ضَوْءُ القَمَرِ عُرُوقَ الضَّحايا/ والدَّمُ الأخضرُ يُضِيءُ الليلَ الطويلَ/ فَيَا حَارِسي الشَّخْصِيَّ / بِعْ جُثماني في الْمَزَادِ العَلَنِيِّ بَعْدَ اغتيالي / وَخُذْ رَاتِبَكَ الشَّهْرِيَّ/ وَادْفَعْ أُجْرَةَ حَفَّارِ القُبورِ / وَتَصَدَّقْ عَلى بَاعَةِ الذِّكرياتِ في مَحطةِ القِطَاراتِ/ واشْتَرِ العِلْكَةَ مِنَ اليَتيماتِ عِندَ إشاراتِ الْمُرُورِ / وَالجنودُ العَاطِلُونَ عَنِ العَمَلِ/ يُمَارِسُونَ الجِنسَ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ/ وَكُرَيَاتُ دَمي قَطيعٌ تَحْتَ بُنْدُقِيَّةِ القَنَّاصِ الأَحْوَلِ/ وَدُودةُ القَزِّ خَسِرَتْ زَوْجَهَا في القِمَارِ/ وأظافرُ الرَّاهباتِ اللامعةُ تُضِيءُ للفِئْرَانِ سَرَادِيبَ مَحَاكِمِ التَّفتيشِ / وَتُعَلِّقُ نِسَاءُ القَبائلِ السَّاعاتِ الرَّمْلِيَّةَ عَلى نُهُودِهِنَّ المقطوعةِ / وُلِدْتُ مَحْكُوماً بالإعدامِ / والعَدُّ التَّنَازُلِيُّ قَدْ بَدَأَ / وَتَطْفُو جَمَاجِمُ العُشَّاقِ عَلى عَصيرِ الليْمُونِ / وتَطْفُو النُّعوشُ عَلى مِيَاهِ المجاري /
زَرَعَت الشَّمْسُ في لَحْمِي جِينَاتِ المِقْصَلةِ / فَكَيْفَ أَهْرُبُ مِن زُهورِ الهاويةِ ؟ / الهاويةُ في جَسَدي / وأنا الهاويةُ / الحواجزُ الأمْنِيَّةُ بَيْنَ كُرَيَاتِ دَمي / فَكَيْفَ يَصِلُ دَمي إلى ذَاكرةِ الشَّفَقِ ؟ / تعتني النِّساءُ بِمِكْيَاجِهِنَّ في مِيناءِ الطاعونِ والجِنازةِ العَسكريَّةِ/ والتَّوابيتُ مَصْفُوفةٌ عَلى مَسْرَحِ العَرَائِسِ/
     الفُقَرَاءُ يَعِيشُونَ تَحْتَ الأرضِ / وَرَائحةُ الْمُلُوخِيَّةِ في أيَّامِ الشِّتاءِ الحزينِ / تَنْبُتُ الجماجمُ في حَديقةِ الضَّبابِ بُرتقالاً وَذِكْرَياتٍ / وَتَبْقَى جُثَثُ الأطفالِ عَلى الأراجيحِ/ وَالْخُلَفَاءُ يَزْرَعُونَ أقواسَ النَّصْرِ في فُرُوجِ الإِمَاءِ / وَدَمُ الحيْضِ يَغْسِلُ زُجاجَ النَّظاراتِ السَّوداءِ / فَلا تَقْلَقْ عَلى مُسْتَقْبَلِكَ يَا سَجَّاني/ سَتُصْبِحُ أجفانُكَ حَاجِزَاً عَسكرِيَّاً / في الطريقِ الفَاصِلِ بَيْنَ اللذَّةِ والاحتضارِ / وَضَعْنا نُعوشَ الجنودِ في أكياسِ الْخُضارِ / وَعَصيرُ البُرتقالِ في المطعمِ الفَارغِ بَارِدٌ كَجُثةِ العاشقِ الأخيرِ / سَوْفَ تَرِثُني الطيورُ الجارحةُ/ وَجَوَارِحي شَوَاهِدُ القُبورِ/لَكِنِّي أُولَدُ في قَلْبِ الموْتِ/ فَكُوني كالموْتِ/ وَالْتَهِمِي عِظَامي بِلا مَوْعِدٍ / وَأَطْلِقِي رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى الذِّكرياتِ أَو المزهرِيَّاتِ / كَيْفَ مَاتَ الْحُبُّ في قَلْبي ؟ / كَيْفَ سَقَطَت الحضَارةُ في الفَخِّ ؟ / كَيْفَ وَقَعَت الفِئرانُ في المِصْيَدةِ ؟ /
     صَارَت أغشيةُ البَكَارَةِ أعلاماً للقَبائلِ / نَحْنُ والفِئرانُ عِشْنَا تَحْتَ الأرضِ / أنا الْمَلِكُ العَاطِلُ عَنِ العَمَلِ/ الْمُتَوَّجُ عَلى رَمْلِ البَحْرِ/ الحاكِمُ عَلى قَطيعِ الأغنامِ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاعي في صَوْتِ النَّاي / تَصيرُ أوتارُ الكَمَانِ خُيُوطاً لأغشيةِ البَكَارَةِ / في مَملكةِ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ / وَعُيُونُ الكِلابِ البُوليسِيَّةِ تَلْمَعُ عِندَ الحواجِزِ العَسكرِيَّةِ .