15‏/11‏/2019

براري السيانيد / قصيدة

براري السيانيد / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.................

     بُيُوتُنا أفلاكٌ تَدُورُ فِينا ونَدُورُ فِيها / الضَّحِكَاتُ مَاتَتْ في الْمَمَرَّاتِ البَارِدَةِ / والذِّكرياتُ مَصْلُوبةٌ على أخشابِ البَراويزِ/ والمطَرُ يَكْسِرُ مَساميرَ نَعْشي/ ويَصْعَدُ مِن جُثماني / نَتْرُكُ بُيُوتَنا للإعصارِ / ونَرْحَلُ عِندَ الفَجْرِ الكاذبِ / أضاعَ ضَوْءُ القَمَرِ مَوْعِدَ الحصَادِ / وأنا الْمُهَاجِرُ في الأضدادِ / أَقْتُلُ ذَاتي لأَجِدَ ذَاتي خَارِجَ وَصَايا البَحْرِ ومِيرَاثِ الشُّموسِ /
     تَحْتَ المطَرِ الأُرْجُوَانِيِّ / تَتَغَطَّى الكِلابُ البُوليسِيَّةُ عِندَ الحواجِزِ العَسكرِيَّةِ بالْجُلُودِ البَشَرِيَّةِ / والنَّهْرُ يَكْتُبُ بِدَمِهِ اعتذاراً للبَحْرِ / وأنا أكتبُ وَصِيَّتي على جِلْدِ الرِّياحِ / والأطفالُ يَكْتُبونَ عَلى زُجاجِ القِطاراتِ أسماءَ آبائِهِم القَتْلى / والدِّيدانُ تُرَتِّبُ أثاثَ قَبْري وقَلْبي / والعَوَاصِفُ تُرَتِّبُ صُحونَ المطبخِ في ثَلاجةِ الموتى / أنا الخليفةُ الشَّرْعِيُّ للنَّهْرِ / أعصابي تَغتالُ النَّهْرَ / وتَجْلِسُ عَلى عَرْشِ الأنقاضِ/ فيا بِلادي المسروقةَ / اتْرُكِيني أسْرِقْ ذِكْرياتي مِنْ طُيورِ البَحْرِ / الموْتُ في الشَّوارعِ القَذِرَةِ/ والْجُثَثُ بَيْنَ حَاوِيَاتِ القُمامةِ / والْحَمَامُ لا يُفَرِّقُ بَيْنَ صَفَّاراتِ الإنذارِ وصَفِيرِ القِطَاراتِ/
     الدَّولةُ هِيَ القَبيلةُ / وكُلُّ الأعلامِ مُنَكَّسَةٌ / أحْرَقَ الْحُزْنُ جُثةَ البَحْرِ / ونُثِرَ الرَّمادُ في نَهْرِ الذِّكرياتِ / والزَّوابعُ تَزْرَعُ الْخَشْخَاشَ في جُثماني / والذبابُ يَتساقطُ عَلى جُثةِ الرِّياحِ / والجرادُ يَأكُلُ عِظَامَ البُحَيرةِ / والفَراشاتُ تَغْرَقُ في قَارُورةِ الحِبْرِ / والمحكومُ بالإعدامِ لَم يَقْدِرْ أن يَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ / والسَّائِلُ الْمَنَوِيُّ يَطْفُو على المِلْحِ في دُموعِ النِّساءِ /
     أيُّها البَقُّ / لَكَ البَريقُ وَلِيَ الانطفاءُ / تَأكُلُ خَشَبَ البَراويزِ في كُوخي القُرْمُزِيِّ / وتَلْتَهِمُ أخشابَ نَعْشِي في المسَاءِ الْمُضِيءِ / يا بَراري السِّيانيد / يا مُدُنَ الحديدِ / يا مَزْهَرِيَّاتِ الحِدَادِ / مَاتَ الْحَدَّادُ عَلى صَدْرِ زَوْجَتِهِ / فَمَن يَصْنَعُ مَساميرَ نَعْشي ؟ / مَاتَ النَّجارُ في زِنزانةِ الياسَمين / فَمَن يَصْنَعُ نَعْشي ؟ / اسْتَعَارَت الرِّيحُ أخشابَ مَطْبَخِ بَيْتِنَا في الأندلسِ لِتَصْنَعَ نَعْشي /
     وَدَاعَاً أيَّتُها الأراملُ في عَرَبَاتِ القِطَاراتِ / الصَّقيعُ يُطْلِقُ الرَّصاصَ عَلى حَبَّاتِ البُرتقالِ في مَحطةِ القِطَاراتِ / والْجُثَثُ البلاستيكِيَّةُ عَلى الْمَقَاعِدِ الخشَبِيَّةِ / ذَهَبَ أبي إلى الموْتِ / وَبَقِيَتْ ثِيَابُهُ في الخِزَانةِ/ كُلَّما مِتُّ عِشْتُ في قَلْبِ امرأةٍ مَا/ أنا قَطَرَاتُ المطَرِ التي لا تموتُ/أنا الموْتُ والانبعاثُ/ فَيَا أيَّتُها الرَّاهبةُ المكسورةُ بَيْنَ مُضَادَّاتِ الاكتئابِ وَحُبُوبِ مَنْعِ الْحَمْلِ / أيْنَ الطريقُ إلى غُرفةِ الاعترافِ ؟ / المزهرِيَّاتُ في الممرَّاتِ / والجثثُ في الشَّوارعِ / فَازَ الموْجُ بِأكفانِ الغَرْقى / وانتصرَ البَحْرُ عَلى ذِكْرَياتِ البَحَّارةِ / هَنيئاً لَكَ أيُّها البَحْرُ / إِنَّ البُحَيْرةَ تَحْسُدُ فُرشاةَ أسنانِكَ .