02‏/11‏/2019

اقتحم الخوف كربان السفينة

اقتحم الخوفَ كرُبان السفينة

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

................

1
     إن البُنية الرمزية للظواهر الاجتماعية تُحدِّد مساراتِ الخيال الذي يتم إسقاطه على الواقع . وهذا الخيالُ ليس كُتلةً هُلامية سابحة في الفراغ الفكري والعدم الاجتماعي ، وإنما هو كُتلة مركزية ذات أبعاد واقعية ، قابلة للتطبيق على الأرض . وكُل الأحداث الواقعية هي نتيجة حتمية للخيال ، لأن الأفكار تنشأ في الذهن ثم تنزل إلى الواقع ، تمامًا كالسفينة التي تُصنَع على اليابسة ثم تنزل إلى البحر . ولا يُمكن للخيال أن يتكرَّس كواقع محسوس إلا إذا تحوَّلت الرموزُ الذهنية إلى أشكال للأخلاق الاجتماعية ، وتحوَّلت الإشاراتُ الفكرية إلى ثقافة منهجية توازن بين طموح الفرد ومصلحة الجماعة . وعندئذ ، سيقتنع الفردُ بأهمية الخيال كمشروع للخلاص الواقعي ، وخطوة أُولى لا بُد مِنها من أجل تأسيس ظواهر اجتماعية عقلانية ، تُقدِّم حُلولًا عملية لمشكلات المجتمع .
2
     يُمثِّل الأساسُ الاجتماعي للخيال تجسيدًا حقيقيًّا لحياة الفرد روحيًّا وماديًّا . وهذه الحياةُ المتشعبة لا تتحرَّك وفق نظام خطَّي بسيط،وإنما تتحرَّك وفق أنظمة متوازية ومتقاطعة شديدة التعقيد. والفردُ في سباق مع الزمن من أجل أن يجد نَفْسَه الحقيقية في الزِّحام ، ويجد صوته الخاص في الضجيج . وكلما اقتربَ الفردُ مِن عوالمه الداخلية ، اقتربَ مِن فلسفة الظواهر الاجتماعية . وهذا الأمر ليس غريبًا، لأن الفرد ظاهرة اجتماعية قائمة بذاتها، وهو مندمج بالكُلِّية مع تراكيب المجتمع المادية ، وتقاطعاتِ بُنية المشاعر والأحاسيس . وفي ظل هذه الأنظمة المعرفية المتشابكة ، يَصنع الفردُ تاريخَه الشخصي ، ويبني أُسطورته الخاصة ، ويؤسِّس ملحمته الحياتية الذاتية ، ويُوصل معنى وجوده إلى عناصر البيئة المُحيطة به . الأمرُ الذي يَجعل الفردَ أيقونةً متفردة ، وهُوية متميزة . وكُل فرد _ مهما كانت مكانته الفكرية والاجتماعية _ يخوض معركةً يوميةً حقيقيةً داخل جسمه وخارجه ، فهو يُقاتل على الجبهة الداخلية التي تتمثل في المشاعر المختلطة ، والأحاسيس المُبعثرة ، والأفكار المتناقضة ، والصراعات الفكرية . ويُقاتل أيضًا على الجبهة الخارجية المتمثلة في تناقضات السلوك الإنساني، وتشظِّي الهُوِيَّات، وتحدِّيات الأصول والمنابت، والخوف الإنساني من المستقبل المجهول . وينبغي على الفرد أن يتعلَّم مِن الرُّبَّان الذي يَقُود السفينةَ في بحر هائج . إنه يُواجه العناصرَ الطبيعية غير المُتوقَّعة ، ويتصادم مع الأحداث المُفاجئة ، ويُسيطر على حركات البَحَّارة ، ويرى المَوْتَ بأُم عينيه.ومع هذا، لا يَستسلم،ولا يندب حظَّه،ولا يُعلِّق أخطاءه على القضاء والقَدَر.وإنما يُقاتل حتى النهاية ، ويَقتحم قَلْبَ الخوف. وأفضل وسيلة للتخلص من الخوف أن تقتحمه .