03‏/11‏/2019

تفاح وجماجم تحت جسور سراييفو / قصيدة

تفاح وجماجم تحت جسور سراييفو / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     يَا أنا / مَن أنا ؟/ أُمِّي تُنَظِّفُ مَساميرَ نَعْشي الصَّدِئَةَ بِمِلْحِ دُمُوعِهَا / والبُكاءُ هُوَ الذِّراعُ اليُمْنَى للبَحْرِ / فَلْيَكُنْ دَمُكَ عُكَّازةً للبُحَيرةِ المشلولةِ / سَتَحْرُسُ الفَريسةُ ذِكْرَياتِ الصَّيادِ /  
     أيَّتُها البَدَوِيَّةُ المجروحةُ عَاطِفِيَّاً بَيْنَ قَميصِ النَّوْمِ وَرَايةِ القَبيلةِ / إِنَّ دُستورَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ كَتَبَهُ البَدْوُ الرُّحَّلُ/ الْمُسْتَقْبَلُ الرُّومانسِيُّ للخَوْخِ/ الجنودُ يَجْلِسُونَ في الْمَقَاهي / والجيوشُ تُحَارِبُ البَعُوضَ / والحضَارةُ فَيْرُوس / والْجُثَثُ مُرَتَّبَةٌ عَلى الأثاثِ الْمُسْتَعْمَلِ كَضَفَائِرِ النِّساءِ / وأسماءُ الضَّحايا مُرَتَّبَةٌ حَسَبَ الحروفِ الأبجدِيَّةِ / وَالْخَلِيفةُ ضَاجَعَ السَّبايا قَبْلَ أن يُنَظِّفْنَ أجسادَهُنَّ مِنَ الشَّعْرِ/ ثِقْ باحتضاراتي أيُّها القَمَرُ/ وَصَدِّقْني أيُّها الموْجُ الغريبُ/ لَن تَنْسَى رَائحةَ الْجُثَثِ الْمُتَفَحِّمَةِ/ سَتَظَلُّ رَائحةُ الموْتِ في كُحْلِ العَرَائِسِ / سَتَظَلُّ نَكْهَةُ المطرِ عَلى أزرارِ قَميصي / ظِلالُ أبي المقتولِ تُطَارِدُني / وَحَقائبُ النِّساءِ مَنْسِيَّةٌ في مَحطةِ القِطَاراتِ / لَكِنَّ جُثَثَ النِّساءِ عَلى سَطْحِ القِطَارِ / فَكُنْ نَعْشاً أنيقاً في حِصَّةِ الرِّياضياتِ / لِتَعْرِفَ عِيَارَ رَصاصةِ الرَّحمةِ/ وَكُن دِيمقراطِيَّاً/ لِتَعْرِفَ عَلى مَن سَتُطْلِقُ الرَّصاصَ/ يَا غُربةَ الْمَعْنَى في انكسارِ الرُّوحِ/ كُونِي شَجَرَةَ الوَداعِ بَيْنَ قَميصِ النَّوْمِ وَفِرَاشِ الموْتِ/ حُزْنُ الشِّتاءِ وَسَرَطَانُ الثَّدْيِ يَرْكُضَانِ إلى صَدْرِكِ/ فَاكْتُبي وَصِيَّتَكِ بالحِبْرِ السِّرِّيِّ / كَي يُطْلِقَ النَّهْرُ الرَّصاصَ عَلى قَارُورةِ الحِبْرِ/
     رَحِيلُنا عِندَ الفَجْرِ يا أُمِّي/ الثلجُ يَكْسِرُ أجفانَ الخريفِ/ وَقُلُوبُنا المكسورةُ أوتادٌ لِخِيَامِ الغُرَباءِ/ أَحْمِلُ جُثمانَ أبي في حَقيبتي المدرسيةِ/ فَلا تَكْرَهُوني يا أبناءَ الموْتِ / نَامُوا معَ نِسَائِكُم / سَأَمُوتُ نِيَابةً عَنْكُم / الموْتُ هُوَ أبُونا الرُّوحِيُّ / خُذوا مَجْدَ الأندلسِ / وَأَعْطُوني حِصَارَ سَرَاييفو / خُذوا طُبُولَ الْحَرْبِ / وَأَعْطُوني أعلامَ القَبائلِ الْمُنَكَّسَةَ / خُذوا تاريخَ الفَراشاتِ / وَأَعْطُوني جُغرافيا الذبابِ / يَغْرَقُ كُحْلُ السَّبايا في قَفَصي الصَّدْرِيِّ / وَكُلُّنَا سَبَايا / ابْنُ تَاجِرِ الأسلحةِ يَتَزَوَّجُ ابنةَ تَاجِرِ الْمُخَدِّرَاتِ لِدَعْمِ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / والشَّاحناتُ مَصْفُوفةٌ كالتَّوابيتِ في الطريقِ الصَّحراوِيِّ / لِنَقْلِ الرَّقيقِ الأبيضِ إلى السُّوقِ السَّوداءِ / والذبابُ يَتَجَمَّعُ عَلى جُثتي / فَكُنْ جُثةً لا تَرْفَعُ الرايةَ البَيْضَاءَ / بَيْنَ الفَراغِ العَاطفِيِّ والفَراغِ السِّيَاسِيِّ / سَتَظَلُّ الجواري الفَارِسِيَّاتُ في قُصورِ العَبَّاسِيِّينَ/
     إِلَهي / حَرِّرْني مِنَ الوَحْشِ السَّاكِنِ فِيَّ / عَالَمِي يَنهارُ في دَاخِلِي / أَحترِقُ وَعُودِي أخضرُ / فلا تَكْرَهِيني أيَّتُها الحضَارةُ / كِلانا وَاقِفٌ عَلى حَافَّةِ القَبْرِ / والأغنامُ تَسِيرُ إلى حَافَّةِ الجبَلِ / والغَجَرُ يَتَقَمَّصُونَ البَدْوَ الرُّحَّلَ / فَرَّقَهُم الصَّدى / وَجَمَعَهُم الرَّحيلُ .