04‏/11‏/2019

مقبرة واحدة لا تكفي لضفائر الراهبات / قصيدة

مقبرة واحدة لا تكفي لضفائر الراهبات / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
...............

     امرأةٌ تَفتخِرُ بِحَجْمِ ثَدْيَيْها / لَكِنَّها تَسِيرُ إلى الذَّبْحِ / وأنا أفتخِرُ بِحَجْمِ مِشْنَقتي / وأمشي إلى ذِكرياتِ طُيورِ البَحْرِ / غِشَاءُ البَكَارَةِ هُوَ بَيْتُ العَنْكَبُوتِ / يَمْشي الموْجُ فَيَتَعَثَّرُ بِعِظَامِ الغَرْقى / الطحالبُ تُحَاصِرُ بَراويزَ عَائِلتي/ مَاتَ أبي / وَبَقِيَ صَوْتُهُ الحزينُ في مَمَرَّاتِ الصَّقيعِ / ذَلِكَ دَمْعي بُرتقالةُ الغروبِ/ خُذي حَبْلَ مِشْنَقتي تِذكاراً / مَكْسُورةٌ أنتِ كأغصانِ قلبي/ وَمَشَاعِري مَكْسُورةٌ كالأغصانِ تَحْتَ بَساطيرِ الجنودِ/ قُتِلَ المساءُ في حَادثِ سَيْرٍ / والضَّبابُ لا يَمْلِكُ مَالاً/ كَي يَشْتَرِيَ ثِيَابَ الحِدَادِ / مَاتت الجواري في سَراديبِ القَصْرِ عَارياتٍ / والأكفانُ مُعَلَّقَةٌ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / ذَهَبَ الملوكُ إلى المراحيضِ / دَخَلَت الملِكَاتُ في الْحَيْضِ / والْمَمَالِكُ تَتساقطُ / والعاشقُ الأخيرُ يَتَشَمَّسُ عَلى فِرَاشِ الموْتِ في الليلِ الطويلِ / وَجُثَثُ الجنودِ مَتروكةٌ في أرضِ المعركةِ للطيورِ الجارحةِ / وَتَوابيتُ النِّساءِ مَصفوفةٌ في عَرَبَاتِ القِطَارِ كَعُلَبِ السَّرْدين / 
     أيَّتُها الشَّركسيةُ التي تَمشي في صَحْرَاءِ قَلبي / بَيْنَ حَبَّاتِ المطرِ وَحَبَّاتِ الرُّمَّانِ / لا أنتظرُ المجدَ الزَّائلَ / إِنَّني أنتظِرُ مَلَكَ الموْتِ / الطيورُ الجارحةُ تَصْقُلُ شَوَاهِدَ القُبورِ في مَقبرةِ المساءِ / يا مَوْجَ البَحْرِ / كُنْ حَاجِزَاً عَسكرِيَّاً بَيْنَ الفَرَائِسِ والعَرَائِسِ / كَمْ أنتَ مَحظوظٌ أيُّها القُرْصَانُ / حُرَّاسُكَ الشَّخْصِيُّونَ يَحْمُونَكَ مِنَ الْمُعْجَبَاتِ والبَعُوضِ وَجَدَائِلِ أُمِّكَ / وَعَلَمُ سَفِينَتِكَ لا يُنَكَّسُ /
     لا تَقْلَقْ أيُّها المنبوذُ / سَتَبْقَى جُثَّتُكَ في الشَّارعِ/ سَتَحُومُ النُّسورُ حَوْلَ جُثَّتِكَ وَذِكْرَياتِ أُمِّكَ/ كَسَرَ الليلُ وَجْهَ أُمِّكَ الزُّجاجِيَّ / وَصَارَ قَلْبُ أُمِّكَ قَبْراً لَكَ / أركضُ في شَوارعِ المساءِ / وأبكي تَحْتَ الأمطارِ / لِكَيْلا تَرى أُمِّي دُمُوعي / مَساميرُ نَعْشي تُضِيءُ طَريقي / وتُضِيءُ طَريقَ الدُّودِ في ظِلالِ عُشْبِ المقابرِ / مَوْتي هُوَ الضَّوْءُ في آخِرِ النَّفَقِ/ يَا فِئرانَ التَّجَارُبِ/ مَاذا قَدَّمْتُم للأمواتِ غَيْرَ الأزهارِ البلاستيكِيَّةِ ؟ / الذبابةُ حُبْلَى بالبُنْدُقِيَّةِ/ أنا إمبراطُورُ النَّدَمِ / والدُّمُوعُ تَأكُلُني بالمِلْعَقَةِ والسِّكين / أَضَعْتُ حَيَاتي/ والخطايا تَبْلَعُنِي / وَالدَّمَارُ شَجَرَةٌ تَنْمُو في حَديقةِ أعصابي / أَخْلَعُ طُرُقَاتِ الإِبادةِ / وَأَسِيرُ في طَريقِ اللهِ الْمَلِكِ / الذي لا يُخْلَعُ ولا يَمُوتُ / أنا شَجَرَةُ التُّوتِ التي تَصْعَدُ مِن سِكَكِ الحديدِ/ أُرَاقِبُ وُجُوهَ المسافرينَ التي تتناثَرُ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / وَالقِطَارَاتُ تَعْبُرُ عَلى جُثمانِ الفَرَاشةِ/ وَتَكْسِرُ ذِكْرَياتِ الشِّتاءِ البَعيدِ/ تَبْني النُّسورُ أعشاشَها في فُرُوجِ النِّساءِ القَتيلاتِ / يُخَزِّنُ الثلجُ الجثامينَ في أكياسِ الطحينِ الفارغةِ/ وَتُخَبِّئُ الجواري سَكَاكِينَ المطبخِ في قُمصانِ النَّوْمِ/ خَرَجَ الطائرُ الآلِيُّ مِنَ الْمَدَارِ/ ولا مُسْتَقْبَلَ لَهُ سِوَى الاحتراقِ أو الانكسارِ .