05‏/11‏/2019

المومياء على رصيف الميناء / قصيدة

المومياء على رصيف الميناء / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

كُرَيَاتُ دَمِي البَيْضَاءُ رَايَةٌ بَيْضَاءُ / فَكُنْ رَقْمَاً في أرشيفِ الهزائمِ/ لِتَعْرِفَ أنَّ الهزيمةَ اختارَتْكَ عَشِيقاً / لا رَاياتٌ للقَبائلِ ولا طُبُولٌ للحَرْبِ / شَجَرَةُ الكَرَزِ هِيَ هُدنةٌ بَيْنَ أُمَرَاءِ الْحُرُوبِ وَمُلُوكِ الطوائفِ/ فَمَا فَائدةُ النَّشيدِ الوَطَنِيِّ ؟ / الزَّوابعُ تَسْكُبُ في حُفَرِ المجاري دَمَ الملوكِ وَدَمَ الْحَيْضِ للمَلِكَاتِ / وَتَنْشُرُ الرَّاهباتُ الغَسيلَ عَلى سَطْحِ الدَّيْرِ / وأجنحةُ النُّسورِ تَكْسِرُ أجراسَ الكَنيسةِ /
     اهْتِفْ يَا قَطِيعَ الغَنَمِ لِمَوْكِبِ الملِكَاتِ السَّبَايا / رَاعي الغَنَمِ صَارَ فَيْلَسُوفاً / وَصَارَ القِطُّ مُدَافِعَاً عَن حُقوقِ الفِئرانِ / أنا أنتحِرُ تَدْرِيجِيَّاً / لَكِنِّي سَأَظَلُّ طَيْفَاً في المرايا / وَجَسَدَاً في المزهرِيَّاتِ / وَأُمِّي التي صَبَّتْ دَمْعَهَا في المزهرِيَّاتِ / مَشَتْ إلى ضَوْءِ الرَّحيلِ / بِلا ذِكْرَياتٍ ولا قِطاراتٍ /
     أنا وَجُثماني افْتَرَقْنَا في طَريقِ المساءِ / مَشَيْتُ مَعَ أمواجِ البَحْرِ تَحْتَ قَمَرِ الخريفِ / أنا الغَريقُ خُنْتُ رُمُوشي/ وَالبَحْرُ لَم يَخُنْ أشلائي/ والزَّوابعُ تَعْقِدُ هُدنةً بَيْنَ أخشابِ نَعْشي وأخشابِ المطبخِ/ سَيَنْزِلُ النِّفْطُ مِن ثَدْيَيْكِ أيَّتُها الجاريةُ / هَنِيئاً للخليفةِ الذي سَيَمُصُّهُ /
     أنا والبُحَيرةُ نَبْكي بَيْنَ طَعْمِ التُّوتِ وطُعْمِ السَّمَكةِ / فَهَل أنا الصَّيادُ أَم الفَريسةُ ؟ / أيَّتها الملِكَةُ التي تَغْسِلُ زُجاجَ نَظَّارَتِهَا السَّوداءِ بالسَّائِلِ الْمَنَوِيِّ أَوْ سَائِلِ الْجَلْي / ظِلالُ القَتْلَى تَحْتَ أشجارِ التفاحِ / وَالبُحَيرةُ اليَتيمةُ تُخَبِّئُ قَمِيصَ نَوْمِهَا الوَحيدَ في خِزَانةِ المطبخِ /
     اللعبةُ انتَهَتْ / وَكُلُّ شَيْءٍ ضَاعَ في شَراييني / والسَّنابلُ تَنْحَنِي عَلى الْجُثَثِ المجهولةِ / هَدَمَ الأيتامُ قُصُورَهُم الرَّمْلِيَّةَ / وَمَاتَ العُشَّاقُ عَلى الشَّاطِئِ في لَيالي الطاعونِ الباردةِ / دَمُ الْحَيْضِ يَطْفُو عَلى سَطْحِ البَحْرِ/ والبَحْرُ يَتَسَوَّلُ في أزِقَّةِ المِيناءِ/ أنا العَرِيسُ الْمُلاحَقُ أَمْنِيَّاً / واغتيالي هُوَ عُرْسِي /
اختلطَ مَطَرُ الخريفِ وَدَمْعُ النِّساءِ في عَرَبَاتِ القِطَارِ/ فَيَا أيَّتُها الحضَارةُ التَّائهةُ بَيْنَ عُلْبةِ السَّرْدِينِ وعُلْبةِ المِكْياجِ / طَرِيقُ البَحْرِ مَزْرُوعٌ بالكِلابِ البُوليسِيَّةِ والحواجِزِ العَسكرِيَّةِ/ فَكَيْفَ يَعُودُ الطائرُ إلى البَحْرِ ؟/ كَيْفَ أُنفِّذُ وَصِيَّةَ الرِّياحِ وَأَدْفِنُهَا في رَمْلِ البَحْرِ ؟ /
     لا أستثمِرُ في أجسادِ النِّساءِ / لأنَّ المرأةَ صَفقةٌ خَاسِرَةٌ / أنظُرُ في الأُنثى فلا أرى شَيئاً / وأنظُرُ في المِرْآةِ وَلا أَعْرِفُ وَجْهي/ كُلَّما نَظَرْتُ إلى المرايا رَأيتُ قَاتِلِي / يَسْقُطُ المِكْياجُ في لَيْلَةِ الدُّخلةِ كتاريخِ الحضارةِ / أركُضُ في الغَيْماتِ هَارِباً مِن وَجْهي/ حَاضِنَاً ثَأرَ القَبيلةِ وَجُثمانَ أبي / أرْعَى قَطيعاً مِن دِيدانِ المقابرِ / وَدُودةُ القَزِّ تُنَظِّمُ حَفْلَ تأبيني / والتِّلالُ الحزينةُ تَمشي في جِنازتي عَارِيةً / احتجاجاً عَلى اغتيالي / والطحالبُ تَخِيطُ أغشيةَ البَكَارَةِ للنِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ .