10‏/02‏/2024

صوت المطر شاهد على اغتيالي

 

صوت المطر شاهد على اغتيالي

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     في لَيالي الشِّتاءِ الحزينةِ/ يُرْشِدُني وَمِيضُ البَرْقِ إلى قَبْرِ أُمِّي / وأُرْشِدُ النَّوَارِسَ إلى عِظَامِ الغَرْقَى/ ضَائِعٌ أنا بَيْنَ أنقاضِ قَلْبي وأنقاضِ بَيْتِي / تائِهٌ أنا بَيْنَ حُطَامِ رُوحِي وَحُطَامِ سَفِينتي/ سَلامًا أيَّتُها الشَّركسياتُ السَّائراتُ في أدغالِ دَمِي تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ/ البَحَّارَةُ يَشْكُرُونَ الرُّبَّانَ بَعْدَ غَرَقِ السَّفينةِ / والخَنْجَرُ المَسمومُ بَيْنَ الرِّئَتَيْن / لَكِنِّي أمشي إلى ذَاكِرَةِ البَحْرِ في الليلِ الرَّهيبِ /

     لا تَحْزَني عَلَيَّ يا أُمِّي / سَتَكُونُ جُثتي خَضْرَاءَ كَطَحَالِبِ المُسْتَنْقَعَاتِ/ كَأنَّني أطلقتُ الرَّصاصَ على صُورتي في مَرايا الخريفِ / أعلامُ القَبائلِ مُنَكَّسَةٌ / وَقَطِيعُ الغَنَمِ يَتَعَلَّمُ الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ البَدَوِيَّةَ تَحْتَ بَسَاطِيرِ العَسْكَرِ / لا مَرَايَا في بَيْتي كَي أرى فِيها شَاهِدَ قَبْرِي / وأنا المُهَاجِرُ في أشلائي / أعْشَقُ السِّباحةَ في دَمِي الأخضرِ / لأنَّ في عُيونِ الشَّركسياتِ كُلَّ أحزانِ المرافئِ البَعيدةِ /

     كُنْ رُومَانسِيًّا يا حَفَّارَ القُبورِ / إنَّ أشجارَ الكَرَزِ تُزَيِّنُ طَرِيقَ المقبرةِ / وذاكرتي هِيَ المَوْتُ البَطِيءُ / يَقْتُلُنِي الحنينُ إلى ذِكرياتِ الطفولةِ تَحْتَ ظِلالِ المقاصلِ / وُلِدْتُ كَي أَمُوتَ / وَمُتُّ كَي أُولَدَ / تَنْكَسِرُ الحضارةُ كَمَزْهَرِيَّاتِ الشِّتاءِ / وأظافرُ البُحَيرةِ تُشْبِهُ شَظَايَا القُلوبِ المكسورةِ /

    طُيُورُ البَحْرِ تُغنِّي عِندَ احتضارِ البَحْرِ / والنَّهْرُ غَيْرُ مُتَأكِّدٍ مِن عَدَدِ الرَّصاصاتِ في جَسَدِ البُحَيْرَةِ/ والأحزانُ تَنبعثُ مِن صَوْتِ البيانو المَنْسِيِّ تَحْتَ المَطَرِ / والجَثَامِينُ مَا زَالَتْ مُلْقَاةً على الطُّرُقَاتِ القَذِرَةِ / تَنْهَشُهَا الكِلابُ والجِرذان / وأنا الغريقُ في دَمِي المالحِ / لَكِنِّي أَصْنَعُ مِن عِظَامِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى أطرافًا صِنَاعِيَّةً لأيتامِ قَرْيتي / التي اغْتَصَبَتْهَا أعقابُ البَنَادِقِ وفُوَّهَاتُ المَدَافِعِ /

     لا تَكْرَهِيني يا سَنابلَ الغُروبِ / حَبْلُ مِشْنَقتي مِن زَهْرِ اللَّوْزِ / ونَصْلُ مِقْصَلتي مِنَ الكَهْرَمان / سَلامًا أيَّتُها النِّساءُ السَّائراتُ في جِنازتي / صَوْتُ البيانو تَحْتَ الأمطارِ النُّحاسيةِ يُرْشِدُ فِئرانَ التَّجارُبِ إلى دَمْعِ الصَّبايا على زُجاجِ القِطاراتِ / وَتَتَوَهَّجُ عِظَامُ الضَّحايا المَغسولةُ بالذِّكرياتِ في مُتْحَفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / يا شَقِيقتي البُحَيرة / أُمُّنَا مَاتَتْ / وماتَ مَعَهَا كُلُّ شَيْءٍ / نَضِيعُ في ليالي الخريفِ بَيْنَ طُرُقَاتِ المطرِ وأزِقَّةِ الجِرذان / أنا النَّجْمُ الغريبُ / دَخَلْتُ في المَدَارِ كَي أحْتَرِقَ وَحْدِي / بَعِيدًا عَن دُمُوعِ أُمِّي /

     لَدَغَتْنِي عَقاربُ السَّاعةِ في مَنافي الصَّقيعِ / وَذَهَبَ الغُرَبَاءُ إلى رِمَالِ الشُّطآنِ/ والسَّرَابُ خَانَ الصَّحراءَ مَعَ البُحَيرةِ / وَبَقِيَتْ جُثَثُ الأطفالِ على أراجيحِ الصَّقيعِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ / ولا مُسْتَقْبَلَ للنَّعناعِ سِوَى شَوَاهِدِ القُبورِ .