09‏/02‏/2024

الأعلام دائمًا منكسة

 

الأعلام دائمًا منكسة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     لا تُنَكِّسُوا الأعلامَ/لأنَّهَا دَائِمًا مُنَكَّسَةٌ/حَفَّارُ القُبورِ مُصَابٌ بانفصامِ الشَّخصيةِ/ فَكَيْفَ سَتَمُوتُ أيُّها الغريبُ تَحْتَ قَمَرِ الشِّتَاءِ ؟ / الطُّيورُ المُشَرَّدَةُ تُعَقِّمُ جُثماني بِمِلْحِ البَحْرِ / والمساءُ يَحْقِنُ الأغاني بِحَبَّاتِ المَطَرِ وقَطَرَاتِ الدَّمْعِ / فما فائدةُ أن تَرُشَّ الإمَاءُ على مَوْتِي السُّكَّرَ ؟ /

     فِرَاشُ المَوْتِ مَنْسِيٌّ تَحْتَ أمطارِ الخريفِ/ وَذَهَبَت الأراملُ إلى المَوْتِ بلا ذِكرياتٍ ولا شُمُوعٍ/ وَذَهَبَ القَتْلى إلى ذِكرياتِ الأراملِ بلا أوسمةٍ ولا أرشيفٍ / وأنا الغريبُ المُحَاصَرُ في قَلْبِ الليلِ / بَيْن صَوْتِ الرَّصَاصِ وَصَوْتِ المَطَرِ/ عِشْتُ حَيَاتي كَي أُصَدِّقَ أنَّ الحضارةَ أُكذوبةٌ / وأُؤرِّخَ للسَّرابِ /

     بَرَاءَةُ أعشابِ المقبرةِ / وَبَكَارَةُ شَوَاهِدِ القُبورِ / وَطَنٌ ماتَ بَيْنَ السَّرابِ والضَّبابِ / قَتَلْنَاهُ وَمَشَيْنَا في جِنَازَتِهِ / وَكَفَّنَهُ الإعصارُ بِجَدائلِ أُمَّهاتِنا/ وأشِعَّةُ القَمَرِ تَنْهَمِرُ على رُخامِ الأضرحةِ / دَمِي هُوَ النَّخَّاسُ الذي نَسِيَ خُدُودَ السَّبايا / وأضاعَ بُوصلةَ سُوقِ النِّخَاسَةِ /

     كَيْفَ أَكُونُ رُومانسيًّا ؟ / العناكبُ الذهبيةُ تَسْبَحُ في أوعيتي الدَّمويةِ / والدُّودُ يَأكُلُ جُثتي الوحيدةَ في المقبرةِ المهجورةِ تَحْتَ أمطارِ الخريفِ / تَقَاعَدَ حَفَّارُ القُبورِ / فَتَعَالَوْا نُهَنِّئ القَتْلَى / عِشْتُ حياتي كَي أشْرَحَ كَلامَ السَّجَّانِ للسَّجينِ / وَعِشْتُ مَوْتي كَي أُنَظِّفَ بَلاطَ السُّجُونِ مِن دِمَاءِ النَّوارسِ / والمَوْجُ يَهْدِمُ القُصورَ الرَّمليةَ / ويُقَدِّمُ الأطرافَ الصِّناعيةَ للأطفالِ الفُقَرَاءِ /

     أيُّها المَنبوذُ / غريبٌ أنتَ في ضَوْءِ أشلائِكَ / وَحِيدٌ أنتَ في مِلْحِ دُمُوعِكَ / فَابْحَثْ عَن امرأةٍ تَحْضُنُ جُثْمَانَكَ / وتَبكي عَلَيْكَ بَعْدَ اغتيالِكَ / أنا امتدادُ المَوْتِ في فَيْرُوزِ الشُّطآنِ / عِشْتُ كَي أُؤرِّخَ للأشياءِ التي تَمُوتُ في دَاخِلِي / تَنْكَسِرُ ذِكرياتي بَيْنَ ضَوْءِ القَمَرِ وَفِرَاشِ المَوْتِ / كَمَا تَنْكَسِرُ أُنوثةُ السَّنابلِ بَيْنَ بَرِيقِ المُسَدَّسَاتِ وَلَمَعَانِ المَزْهَرِيَّاتِ /

     في مَدينةِ الوَهْمِ/ أتناولُ مَعَ جُثتي العَشَاءَ عَلى ضَوْءِ الشُّمُوعِ/ وَشْمُ المِقْصَلَةِ عَلى دَقَّاتِ قَلْبي/ يَا قَلْبي الوَحِيدَ في غَابةِ النِّسَاءِ المُتَوَحِّشَاتِ / أيْنَ الطريقُ إلى ضَرِيحِ أبي ؟ / مَاتَ أبي تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / وَبَقِيَتْ بَصْمَةُ سُعَالِهِ في مَمَرَّاتِ الليلِ الباردةِ /

     كُلُّ الأوسمةِ العسكريةِ مُتَشَابِهَةٌ / لأنَّ جُثَثَ الجُنودِ في الرِّمالِ الحَدِيدِيَّةِ / أنا المنبوذُ / أركضُ في أدغالِ الليلِ/ وَالجَرَادُ الأُرْجُوَانِيُّ يَسْبَحُ في هَيْكَلِي العَظْمِيِّ / وَيُضِيءُ طَريقي إلى هَاويةِ الذِّكرياتِ/والسَّرابُ يُوَدِّعُ الصَّحراءَ/ سَوْفَ تَظَلُّ جَثَامِينُ الأغْرَابِ في أبْجَدِيَّةِ العَطَشِ/ أيْنَ حَضَارَةُ الرِّمَالِ أيُّها السَّرابُ ؟ / لَقَد ماتت الصَّحْرَاءُ / وَكُلُّ شَيْءٍ ضَاع .