11‏/02‏/2024

مطر ناعم على جلود السبايا الخشنة

 

مطر ناعم على جلود السبايا الخشنة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............................

    في لَيالي الشِّتاءِ الغامضةِ / يَحْضُنُ الرِّجالُ زَوْجَاتِهِم أمامَ شُموعِ الاحتضارِ / وَيَخْرُجُ الكَرَزُ مِن ثُقوبِ جُثتي المتروكةِ في الشارعِ للكِلابِ والقِطَطِ / يا طَيْفِي المُحَلِّقَ فَوْقَ أشجارِ الصَّنَوْبَرِ في المَقبرةِ عِندَ الغُروبِ / ثِقْ بالأعشابِ حَوْلَ شَاهِدِ قَبْرِي / ولا تَثِقْ بِحَفَّارِ قَبْرِي /

     كُلُّنا عصافيرُ تتقاتلُ في نَفْسِ القَفَصِ / والصَّيادُ لَيْسَ رُومَانسِيًّا / كُلُّنا سَبَايا للبَيْعِ في سُوقِ النِّخَاسَةِ / والنَّخَّاسُ لَيْسَ عَاطِفِيًّا / والعَناكبُ تبني بُيُوتَهَا في فُرُوجِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ /

     زَرَعْنا الرِّجالَ في المَقابرِ الجَمَاعِيَّةِ / وَذَهَبْنا إلى سُوقِ النِّخَاسَةِ كَي نَعِيشَ مَعَ السَّبايا في مَوْسِمِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / يا ضَوْءَ القَمَرِ/ اقْتُل الذِّئبَ السَّاكِنَ في قَلبي/ سَوْفَ تَنْسَى الأرملةُ الشَّابَّةُ جُثَثَ أطْفَالِهَا في ثَلاجةِ المَطْبَخِ / وَتَغسِلُ صُحُونَ المَطْبَخِ بالسَّائِلِ المَنَوِيِّ أوْ سَائِلِ الجَلْيِ /

     انقلابُ السَّرابِ عَلى الصَّحراءِ / وانشقاقُ الفَرَاشَةِ عَن القَطيعِ / وقَطَرَاتُ المَطَرِ تَلْمَعُ على نَصْلِ مِقْصَلتي/ سَوْفَ يَتَذَكَّرُني الضَّبابُ البرونزيُّ / حِينَ يَرى مَقْعَدِي خَالِيًا في مَحطةِ القِطَاراتِ / سَوْفَ يَعْرِفُني صَفِيرُ القِطَاراتِ / حِينَ يَمْتَصُّ مِلْحَ دُمُوعي في مَنَافي الصَّقيعِ /

     الزَّوابعُ تختارُ أرقامَ الضَّحايا / والذِّكرياتُ تُسَجِّلُ أسماءَ الفَرَائِسِ / أنا امتدادُ الاحْتِضَارِ في طُفولةِ البَحْرِ / أنا طَيْفُ القَتلى في غَاباتِ الصَّدى عِندَ الغُروبِ / وَضَعْنا الأكْفَانَ النُّحَاسِيَّةَ في الأكياسِ البلاستيكيةِ / والشَّاحناتُ تَنْقُلُ العَبِيدَ والسَّبايا إلى مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ /

     دَمُ القِطَطِ المُشَرَّدَةِ يَسِيلُ على أضواءِ السَّياراتِ / وَسَمَاسِرَةُ الوَحْدَةِ الوَطنيةِ يَغسِلُونَ بَلاطَ السُّجونِ بِدَمِ الحَيْضِ للنِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / أنا الجُنديُّ المجهولُ / لَكِنَّ جُثتي مَعروفةٌ / عِشْتُ مَوْتي كَي أُؤرِّخَ للهَزِيمةِ / وأكتبَ تاريخَ مِيلادِ الخَرَابِ /

     يا ابنةَ حَفَّارِ القُبورِ / عَلِّمِيني الرُّومانسيةَ تَحْتَ أشجارِ الصَّنَوْبَرِ في المَقَابِرِ الجَمَاعِيَّةِ / عِشْتُ حياتي كَي أجْمَعَ شَظَايا قلبي المكسورِ في بَراميلِ البارودِ / عِشْتُ انتحاراتي كَي أُسَجِّلَ أحلامَ الطفولةِ الضَّائعةِ على عَظامِ الغَرْقَى / عِشْتُ احتضاراتي كَي أَحْفَظَ حِكَايَاتِ المَوْتَى في أرشيفِ الشَّفَقِ / أنا النَجَّارُ المَنبوذُ في مَملكةِ الطاعونِ / أَصْنَعُ أخشابَ نَعْشِي بَيْنَ ذِكرياتِ المَوْتَى وذِكْرَيَاتي مَعَ المَوْتَى/ لَكِنَّ البَقَّ يَأكُلُ أخشابَ نَعْشِي/ مِلْحُ دُمُوعِ أُمِّي يَتَوَهَّجُ عَلى حَبْلِ مِشْنقتي الكريستالِيَّةِ / فَاكْسِرْ قِنَاعَ الضَّحِيَّةِ في كَوَالِيسِ المَسْرَحِيَّةِ / وَحَطِّمْ رَقْمَ الزِّنزانةِ في حَفْلَةِ القَتْلِ التَّنَكُّرِيَّةِ/ ولا تَحْمِل اسْمَ الفَرِيسَةِ / كُن نِدًّا لا ضَحِيَّةً / كُنْ بَحْرًا لا سَجَّانًا / كُنْ صَيَّادًا لا فَرِيسَةً .