12‏/02‏/2024

مدن الصفيح في مملكة السراب

 

مدن الصفيح في مملكة السراب

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     ضَعْ مِلْحَ دَمْعِكَ في خُبْزِ أُمِّكَ/ إنَّ الذِّكرياتِ التي ضَاعَتْ لَن يُعِيدَهَا الدَّمْعُ / لا تَكْرَهِيني يا غَزَالَةَ الضَّبَابِ/ إنَّ رَائِحَةَ جُثتي المَحَلِّيَّةِ لَيْسَتْ كَرَائِحَةِ العِطْرِ المُسْتَوْرَدِ / أُحِبُّ أشِعَّةَ القَمَرِ في لَيْلِ الشِّتاءِ / لأنها تَكْتَشِفُ مِلْحَ الدُّموعِ في عُيُونِ الشَّركسياتِ / رَأيْتُ جَثَامِينَ الأطفالِ في أرغفةِ الخُبْزِ / فَمَا فَائِدَةُ الأزهارِ البلاستيكيةِ عِنْدَ شَوَاهِدِ القُبورِ الكِلْسِيَّةِ ؟ /

     عُشْبُ المقابرِ يَنمو على أجسادِ الأطفالِ القَتلى / ماتت الأسماءُ / لَكِنَّ الجُثَثَ تُعْرَفُ بأرقامِها / عَلَّمَنِي البَحْرُ الباكي أن أركضَ إلى المَقبرةِ في لَيْلِ الشِّتاءِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ / نَسِيَتْ زَوْجَةُ حَفَّارِ القُبورِ مَلاقِطَ الحَوَاجِبِ عَلى سُورِ المَقبرةِ / وَذَهَبَتْ إلى المَوْتِ تَحْتَ طَيْفِ أشجارِ التُّفاحِ / نركضُ إلى لَمَعَانِ شَوَاهِدِ القُبورِ في لَيْلِ الشِّتاءِ/ وأشلاؤُنا تُقَاتِلُ مَوْجَ البَحْرِ كَي تُصْبِحَ ذِكْرَى / والذِّكرياتُ تَتَفَجَّرُ في عِظَامِنَا كالشَّظايا / والأكْفَانُ تتناثرُ في شَوارعِ الهَلَعِ / كَمَا يَتناثرُ الكَرَزُ على نُهُودِ السَّبايا / اخْتَفَتْ ضَحِكَاتُ البَناتِ في مِلْحِ الدُّموعِ / الذي نَثَرَتْهُ الرِّياحُ في المَمَرَّاتِ الباردةِ / أنا الشَّجَرُ المَيْتُ / أركضُ في حُقولِ الرَّصاصِ الحَيِّ / حَافِيًا كالفَرَاشَةِ المجروحةِ عَاطِفِيًّا / مِقْصَلتي بِطَعْمِ الجَوَّافةِ / وحَبْلُ مِشْنَقتي لَهُ رَائحةُ البُرتقالِ / النِّساءُ مَصلوباتٌ عَلى أعمدةِ الكَهْرباءِ في مَملكةِ الحُبِّ الضَّائعِ / وأشِعَّةُ الشَّمْسِ تُنَظِّفُ خُدُودَ الإمَاءِ مِن أجنحةِ الجَرَادِ /

     يَوْمًا مَا سأرتاحُ مِنَ العَذَابِ / لأنَّ وَمِيضَ البَرْقِ سَيَذبَحُ اللبُؤَةَ التي تَعيشُ في شَراييني / يَوْمًا مَا سَأُصْبِحُ مَشْهُورًا / وتُوضَعُ مِشْنَقتي على طَوابعِ البَريدِ التَّذكاريةِ / الأحصنةُ تَجُرُّ العَرَبَاتِ التي تَحْمِلُ النُّعُوشَ المُزَخْرَفَةَ وَالجُثَثَ المُتَعَفِّنَةَ / والأراملُ يَغْسِلْنَ بِمِلْحِ الدُّموعِ مَساميرَ نُعوشِ أبْنَائِهِنَّ / فَمَن الذي خَانَ وَجْهِي / صَدَأُ شَرَاييني أَمْ لَمَعَانُ أظافري ؟ /

     بَعْدَ اغتيالِ البَحْرِ في المساءِ الغامضِ / سَأرْتَدِي عَبَاءَةَ البَحْرِ / وَأُطَالِبُ بِدَمِهِ / لا تَحْزَني عَلَيَّ يا أُمِّي / سَيَنْمُو التُّوتُ البَرِّيُّ بَيْنَ مِقْصَلتي وَمِشْنَقتي / سَلامًا أيُّها الأطفالُ الذينَ يَقْضُونَ العُطلةَ الصَّيفيةَ في انتشالِ جُثَثِ آبائِهِم مِن تَحْتِ الأنقاضِ / ضَوْءُ القَمَرِ يُطَهِّرُ جُثماني مِنَ الطحالبِ / والأضرحةُ تَمتلأُ بِرَائحةِ الشَّمْسِ في الشِّتاءِ الحزينِ / ما فائدةُ الرُّومانسيةِ إذا كانَ حَبْلُ مِشْنَقتي مِنَ الحَرِيرِ ؟ / مَا فائدةُ قِصَصِ الحُبِّ إذا كانَ فِرَاشُ المَوْتِ ذَاكِرَةً للعَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ ؟ /

     في صَبَاحِ الإعْدَامِ / يَتَجَمَّعُ النَّدَى عَلى أعشابِ المقابرِ / شُعَاعُ الشَّمْسِ عِنْدَ الغُروبِ يَتَسَاقَطُ عَلى رُخَامِ الأضرحةِ / كَمَا تَتساقطُ أشلاءُ النَّوارسِ في حَنجرةِ البَحْرِ/ وَكُلُّ شَيْءٍ يَركُضُ إلى الانطفاءِ.