13‏/02‏/2024

توابيت مزخرفة في مدينة الخراب

 

توابيت مزخرفة في مدينة الخراب

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

     عِندَما يَطْعَنُنِي ضَوْءُ القَمَرِ في الظَّهْرِ / أركضُ إلى قَلْبِ أبي / تتناثرُ حَبَّاتُ الخَوْخِ عَلى نَصْلِ المِقْصَلَةِ الأُرْجُوَانِيِّ / وأخافُ مِن زَائرةِ الليلِ الآتيةِ لاغتيالِ ذِكْرَياتي / مَاتت الدَّولةُ مِثْلَ حِكَايَاتِ العُشَّاقِ / لَكِنَّ الأراملَ يَبِعْنَ الخُضَارَ أمامَ مَحكمةِ أمْنِ الدَّولةِ / حُفَرُ المَجَاري في الجُثَثِ المجهولةِ / وَلَيْسَ في الشَّوارعِ الخَلْفِيَّةِ / وَقَمِيصُ النَّوْمِ للبُحَيْرَةِ هُوَ كَفَنُ البَحْرِ /

     أخُوضُ حَرْبًا أهْلِيَّةً دَاخِلَ جِسْمِي/ وَكُرَيَاتُ دَمِي البَيْضَاءُ هِيَ الرَّايةُ البَيْضَاءُ / عُدْتُ مِن مَعركةِ قلبي مَهْزُومًا/ وَلَمْ أَجِد امرأةً أبكي على صَدْرِهَا / لَكِنَّ مُسَدَّسِي بَقِيَ تَحْتَ الوِسَادَةِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَمَا زِلْتُ أشُمُّ سُعَالَ أبي على فُرشاةِ أسنانِهِ بَعْدَ إعدامِهِ في مَملكةِ الوَهْمِ المُقَدَّسِ /

     أنا الغريبُ أحْرُسُ الجُثَثَ المُتَعَفِّنَةَ مِنَ الذُّبَابِ / وأنتَ أيُّها النَّهْرُ تَحْرُسُ بَوَّابَةَ المقبرةِ مِنَ الصَّدَأ / فَلْنَعْقِدْ هُدنةً بَيْنَ الأمواتِ وأشجارِ الصَّنَوْبَرِ في مَقبرةِ الذاكرةِ/ وَلْنَحْفَظ النَّشِيدَ الوَطَنِيَّ في طَرِيقِنَا إلى أسواقِ النِّخَاسَةِ / يُبَاعُ الرَّقِيقُ الأبيضُ في السُّوقِ السَّوْدَاءِ / وَكُلُّنَا سَبَايا /

     أنا الرَّمْلُ الأزرقُ / أُوصِيكَ أيُّها السَّرابُ أن تَدْفِنَنِي بِجَانِبِ أبي / لَكِنَّ أُمِّي لا تَزَالُ تَبْحَثُ عَن قَبْرِ أبي / سَأعِيشُ مَوْتي بَيْنَ قَبْرِ أبِي وقَلْبِ أُمِّي / سَيَقْتَرِبُ مِنْكَ المَوْتُ أيُّها الغريبُ / حتى يُصْبِحَ أبَاكَ الرُّوحِيَّ/ومَشْرَحَةُ اللازَوَرْدِ تَرْفُضُ تَسليمَ جُثماني لأهْلِي المَصْلُوبينَ عَلى نَوَافِذِ بَيْتِنَا المَهجورِ/ العِشْقُ خَنْجَرٌ مَسْمُومٌ بَيْنَ الرِّئَتَيْن/ فَاكْرَهِيني يا سَجَّانتي / واعْشَقِي حَفَّارَ قَبْري في مَسَاءٍ غَامِضٍ/ بِلا ضَحِكَاتٍ ولا عَشَاءٍ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ /

     كُنْ كَالْمَوْتِ/ لا يَسْتَجْدِي أَحَدًا / ولا يُفْلِتُ مِن قَبْضَتِهِ أَحَدٌ / كُلُّ المَشَانِقِ تَتَشَابَهُ إذا كانتْ حِبَالُ المَشَانِقِ مَجْدُولةً مِن أعصابِ النِّساءِ المَجروحاتِ عاطفيًّا / الطريقُ إلى البَحْرِ مَزروعٌ بِنِقَاطِ التَّفتيشِ / والأغرابُ خانوا البَحْرَ / وأطْلَقُوا عَلَيْهِ رَصاصةَ الرَّحمةِ / كَي يُحَرِّرُوا رَهَائِنَ السَّرابِ / وَيَقْتَسِمُوا غَنَائِمَ الرِّمَالِ / الطريقُ إلى حَنْجَرَتي مَزروعٌ بالحواجزِ العسكريةِ / وَحُزْني حَقْلُ ألْغَامٍ /

     نَحْنُ مُتَعَادِلانِ في الخِيَانَةِ / مَجْرُوحَانِ في الذِّكرياتِ / نَحْنُ غَرِيقَانِ في المَرَايا / مَذبُوحَانِ في المَزهرياتِ / وَلَمَعَانُ أظافري يُضِيءُ طَرِيقَ الجِرْذَانِ بَيْنَ جَثامينِ البَحَّارَةِ في أزِقَّةِ المِيناءِ / مَتَى سأعيشُ يا نَوَارِسَ الغُروبِ ؟ / أصْدَرَ المَسَاءُ حُكْمَ إعدامي شَنْقًا بالذِّكْرَيَاتِ / وَعَلَيَّ أن أعيشَ مَوْتي في مُطَارَدَةِ وُجُوهِ الشَّركسياتِ في الشَّفَقِ البَعِيدِ / عِشْتُ غَرِيبًا / لأنَّني سأموتُ غَرِيبًا / مُتُّ وَحِيدًا / لأنني سَأُدْفَنُ وَحِيدًا .