14‏/02‏/2024

متحف الأشلاء البشرية

 

متحف الأشلاء البشرية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

     ادْفِنِي جُثماني بِسُرْعَةٍ يا طُيورَ البَحْرِ/ قَبْلَ أن تأكلَ الطحالبُ جُثماني / وَيَتَضَايَقَ البَحْرُ مِن رَائِحَةِ أشلائي / ذَهَبَ قِطَارُ الغُروبِ وَلَمْ يَرْجِعْ / تَلاشَى صَفِيرُ القِطَارِ / وَبَقِيَ مِلْحُ الدُّمُوعِ عَلى زُجَاجِ القِطَارِ /

     عِندَما تَخُونُنِي رِمَالُ الشَّاطئِ الفَيْرُوزِيَّةُ / أَسِيرُ إلى حَنجرةِ البَحْرِ / كالقَطِيعِ السَّائِرِ إلى حَافَةِ الجَبَلِ / أَشِعَّةُ القَمَرِ تَبْحَثُ عَن جُثماني في غَاباتِ الدَّمْعِ/ لَكِنِّي حَيٌّ في قَلْبِ امرأةٍ غَامِضَةٍ تبكي في قَلْبِ الليلِ/ نَسِيَت اليَتيماتُ مَلاقِطَ الغسيلِ عَلى سُورِ المقبرةِ / لَكِنَّ ثِيَابَ الحِدَادِ بَقِيَتْ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / سَوْفَ تَنْمُو حَبَّاتُ التُّوتِ في الهَيَاكِلِ العَظْمِيَّةِ كَحَبَّاتِ المَطَرِ / وأنا الغريبُ المنبوذُ في مُدُنِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَأثداءُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ مِنَ الأسْمَنْتِ المُسَلَّحِ /

     الحَيَوَانَاتُ المَنَوِيَّةُ في أقفاصِ حَديقةِ المَقابرِ الجَمَاعِيَّةِ / والعَوَاصِفُ تَرُشُّ مِلْحَ البَحْرِ عَلى طَعَامِ السُّجَنَاءِ / فَابْحَثْ عَن امرأةٍ تَمشي بالكَعْبِ العالي في جِنَازَتِكَ / تتناثرُ قَطَرَاتُ المَطَرِ عَلى حَبْلِ المِشْنَقَةِ الكريستالِيِّ / وتَفَرَّقَ دَمُ الفَرَاشَةِ المُحْتَضَرَةِ بَيْنَ القَبائِلِ المُنْقَرِضَةِ /

     أيَّتُها اللبُؤَةُ الغامضةُ في لَيْلِ الخريفِ / لا يَزَالُ في أُذُنِي صَوْتُ الكَعْبِ العالي / وَهُوَ يَدُقُّ عَلى الرَّصيفِ / أيُّها القائدُ المهزومُ / لا تَزَالُ رَائحةُ الجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ في أَنفِي / مَاتت السنابلُ في قَلْبي / أزرعُ الذِّكرياتِ في خُدودِ المساءِ/ وَرَحِيلُنا عِندَ الفَجْرِ يا جُثمانَ أبي/ جَاءَ وَمِيضُ البَرْقِ كَي يَحْصُدَ عِظَامي / إنَّ هَيْكَلِي العَظْمِيَّ هُوَ مَوْعِدُ الحَصَادِ / وَجَاءَ صَوْتُ المَوْجِ كَي يَحْرُثَ جَسَدي / إنَّ دَوْرَتي الدَّمويةَ هِيَ مَوْسِمُ الحِرَاثَةِ / البَقُّ أَكَلَ بَراويزَ الصُّوَرِ التَّذكاريةِ/ سَنَمُوتُ بِلا أشِعَّةِ القَمَرِ ولا أحلامِ الطُّفولةِ / دَمْعِي مِطْرَقَةٌ / تابوتي مِن زُجَاجٍ / ويَتساقطُ ضَوْءُ القَمَرِ عَلى حَبْلِ المِشْنَقةِ الفِضِّيِّ / سَتَنْمُو الطحالبُ في خُدُودِ الإمَاءِ في سُوقِ الخُضَارِ / أمامَ مَحكمةِ أمْنِ الدَّولةِ التي مَاتتْ / أضَاعَ المَسَاءُ بُوصَلَةَ فِرَاشِ المَوْتِ/ وَأُصِيبَ حَفَّارُ القُبورِ بالزَّهايمرِ / فَكَيْفَ سَتَعْرِفُ أُمِّي مَوْقِعَ قَبْرِي ؟ / أشلاءُ الأيتامِ في صُحُونِ المَطْبَخِ / وَجُثةُ الأرملةِ الشَّابَّةِ في الثَّلاجةِ / وَالعَوَانِسُ لَمْ يُفَرِّقْنَ بَيْنَ الحِكَايَاتِ والاحْتِضَارَاتِ / عِشْتُ انتحاراتي كي أكتبَ تاريخَ وَفَاةِ الحضارةِ في شَهادةِ مِيلادي/عِشْتُ احتضاراتي كَي أُحَلِّلَ مِلْحَ الدُّمُوعِ للسَّرابِ/ وَهُوَ يَبكي عَلى صَدْرِ الصَّحراءِ/ حَبْلُ مِشْنَقتي مُبَلَّلٌ بِعَصِيرِ التُّفاحِ / لَكِنِّي سَأمُوتُ عَطْشَانَ مِثْلَ عُثمان / سَأمُوتُ مَخْذُولًا مِثْلَ عُثمان / وَلَيْسَ لِي قَمِيصٌ كَقَمِيصِ عُثمانَ / كَي يُتَاجِرَ بِهِ شُيُوخُ القَبائلِ ومُلُوكُ الطوائفِ وأُمَرَاءُ الحُروبِ.