15‏/02‏/2024

شركسية تقف أمام ضريحي تحت أشعة القمر

 

شركسية تقف أمام ضريحي تحت أشعة القمر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ أخافُ مِن نَفْسِي / بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ أخافُ مِنَ الناسِ / بَعْدَ الشَّركسياتِ/صِرْتُ أخافُ أن أنظُرَ في المِرْآةِ/ بَعْدَ الشَّركسياتِ/ قَلْبي مَات/بَعْدَ الشَّركسياتِ/ كُلُّ شَيْءٍ مَات / بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ جُثَّةً هَامِدَةً / أنتظرُ الشَّفَقَ كَي يُطْلِقَ عَلَيَّ رَصَاصَةَ الرَّحمةِ / كَي تَرْحَمَنِي الذِّكرياتُ في لَيْلِ الشِّتاءِ الطويلِ / عِندَمَا غَابَ وَجْهُكِ عَن حَياتي/ واخْتَفَى في الشَّفَقِ البَعِيدِ/ انطفأتْ حَيَاتي/ وَمَاتت الشَّمْسُ في قَلْبي/ وَاخْتَفَيْتُ عَن هَذا العَالَمِ / لأنَّ العَالَمَ فِي أحزاني قَد اخْتَفَى / أرجوكَ أيُّها الشَّفَقُ / انزِعْ حُبَّ الشَّركسياتِ مِن عِظَامي / كَي أرتاحَ مِن احتراقِ أعصابي/ ويَرتاحَ دَمِي مِن صَهيلِ الذِّكرياتِ/ بَرَاءَةُ أحلامِ الطُّفولةِ في خُدُودِ الشَّركسياتِ التي تَنْهَمِرُ عَلَيْهَا أشِعَّةُ القَمَرِ / كَمَا يَنْهَمِرُ وَمِيضُ البَرْقِ عَلى رُخَامِ الأضرحةِ / سَأَبْنِي بُرْجًا للحَمَامِ الزَّاجِلِ بَيْنَ بَرِيقِ المُسَدَّسِ وتَاريخِ الغُزاةِ المُقَدَّسِ/ أركضُ في غَاباتِ القُوقازِ تَحْتَ صَوْتِ الرَّعْدِ / كَي أَقْتُلَ الحُزْنَ في عُيونِ الشَّركسياتِ / وَجْهُ الشَّركسيةِ هُوَ الضَّوْءُ في آخِرِ النَّفَقِ / لَكِنِّي فَأرُ السَّفينةِ الذي مَاتَ مَعَ البَحَّارَةِ الغَرْقَى / وفي لَيالي الشِّتاءِ القِرْمِزِيَّةِ / يُهَاجِمُنِي طَيْفُ الشَّركسياتِ كَذِئبٍ جَائِعٍ / وَتَفْتَرِسُنِي الذِّكرياتُ كَجَدَائِلِ البُحَيْرَاتِ قَبْلَ جَفَافِهَا / وأرى أسنانَ القَتْلى عَلى زُجَاجِ نافذتي المكسورِ / فَكَيْفَ أنامُ مَعَ جُثماني ؟ / لا أنامُ إلا وَالمُسَدَّسُ تَحْتَ وِسَادَتِي المنقوعةِ في مِلْحِ الدُّموعِ/ كَيْفَ أنامُ ؟/ نَسِيَتْ أُمِّي دَبابيسَ حِجَابِهَا عَلى وِسَادتي / وَذَهَبَتْ إلى بَرِيقِ الاحتضارِ/ كَيْفَ أنامُ ؟/دَمُ أبي الذي تَفَرَّقَ بَيْنَ القَبائلِ / يَكْسِرُ زُجَاجَ نافذتي في المساءِ السَّحيقِ/

     انتهت الحَرْبُ / ولا تَزَالُ الأُمَّهَاتُ يَنْتَظِرْنَ عَوْدَةَ أبْنَائِهِنَّ / الذينَ لَن يَعُودُوا / وبَنَى الحَمَامُ أعْشَاشَهُ في فُوَهَّاتِ المَدَافِعِ/ والأيتامُ يَلْعَبُونَ بالقَنَابِلِ التي لَمْ تَنْفَجِرْ/والبَاعَةُ المُتَجَوِّلُونَ يَبِيعُونَ الأطرافَ الصِّناعِيَّةَ عَلى إشاراتِ المُرُورِ المُحَطَّمَةِ / أنا المُهَرِّجُ الذي يُضْحِكُ النَّاسَ/ ثُمَّ يَعُودُ إلى بَيْتِهِ لِيَبْكِيَ أمامَ المِرْآةِ وَحِيدًا/أنا الذاكرةُ المُهَشَّمَةُ/ تَفْتَرِسُنِي الذِّكرياتُ في طُرُقَاتِ المساءِ الماطرِ/ هَل أنا الصَّيادُ أَمِ الفَرِيسَةُ ؟ / أخافُ أن أَمُوتَ في زِنزانةٍ لا تُطِلُّ نَافِذَتُهَا عَلى البَحْرِ / وَطَنٌ ضَاعَ بَيْنَ القَتْلَى والجِيَاعِ/ زَوْجَتي الصَّحْرَاءُ/عَشِيقتي الرِّمَالُ/ لِمَاذا تَلْهَثِينَ وَرائي أيَّتُها العَانِسُ؟/ أنا صَفْقَةٌ تِجَارِيَّةٌ للقَرَاصِنَةِ / أنا أعلامُ القبائلِ المُنَكَّسَةُ / جُثماني مُخْتَبَرٌ لِفِئْرَانِ التَّجَارُبِ أَوْ فِئْرَانِ السَّفينةِ الغارقةِ/ سَيُصْبِحُ رُفَاتي الطازَجُ كُحْلًا في عُيونِ بَناتِ حَفَّارِ القُبورِ / والأغرابُ يَنْقُلُونَ جُثَثَ قَتْلاهُم بالشَّاحناتِ إلى مَدينةِ الوَهْمِ/ والعَبِيدُ يُضَاجِعُونَ الأميراتِ تَحْتَ المطرِ أثناءَ الانقلابِ العَسْكَرِيِّ .