16‏/02‏/2024

انهيار الحضارة والبحث عن السبايا

 

انهيار الحضارة والبحث عن السبايا

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     هَرَبَ الجُنديُّ مِنَ المعركةِ / ونَسِيَ المُسَدَّسَ بَيْنَ ثَدْيَي أرْمَلَتِهِ / والأوسمةُ العسكريةُ تُزَيِّنُ فُرُوجَ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / يَا أيُّها النَّخَّاسُ الذي يَجْمَعُ حَمَّالاتِ الصَّدْرِ للجَوَارِي مِثْلَ طَوَابِعِ البَرِيدِ النَّادِرَةِ / إنَّ مِلْحَ الدُّموعِ تَنَاثَرَ في أزِقَّةِ المَرَافئِ المَهجورةِ /

     اعتزلَ حَفَّارُ القُبُورِ العَمَلَ السِّيَاسِيَّ / فَتَعَالَوْا نُهَنِّئ الأمواتَ / أركضُ في أزِقَّةِ المِيناءِ بَاحِثًا عَن أكْفَاني البلاستيكِيَّةِ / وَالحَمَامُ الزَّاجِلُ يَبِيضُ على أعلامِ القَراصنةِ / وَرَسَائِلُ العُشَّاقِ غَرِقَتْ في البَحْرِ كأحزانِ البَحَّارَةِ الفُقَرَاءِ / وَفِئرانُ السَّفينةِ أكَلَتْ جُثمانَ الرُّبَّانِ /

     انكَسَرَتْ مَلامِحُ وُجُوهِنَا في أحزانِ الشِّتاءِ / وَمَاتتْ أسماؤُنا في أرشيفِ الضَّحايا ودُستورِ الوَحْدَةِ الوَطنيةِ / وصارت الأرقامُ هُوِيَّةً لأشلائِنا ونُعُوشِنَا / نَسِيَ نَهْرُ الرَّمادِ جَدْوَلَ الضَّرْبِ / فَكَيْفَ يَضَعُ الأرقامَ عَلى الجُثَثِ المجهولةِ ؟ /

     لماذا تَلعبُ بأعصابي أيُّها البَحْرُ ؟ / أعْطِني بُوصلةً كَي أعْرِفَ قَبْرَ أبي في رِمَالِ الشُّطآنِ / امْنَحْنِي ضَوْءَ المَنَارَةِ البَعِيدَ / كَي أتناولَ العَشَاءَ عَلى ضَوْءِ الشُّمُوعِ مَعَ جُثماني /

     أحِبِّيني أَو اكْرَهِيني/ إنَّ قَلْبي مات/ وحَوَاسِّي مُعَلَّقَةٌ عَلى حَبْلِ المِشْنَقَةِ/كَثِيَابِ الحِدَادِ المُعَلَّقَةِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / آثارُ أقدامِ الغُزاةِ على أثداءِ السَّبايا / ولا تاريخَ لأشجارِ المقبرةِ سِوى أسماءِ القَتْلَى وأرقامِ السُّجَناءِ/ لَن يَحْصُلَ الجُنودُ على أوسمةٍ بَعْدَ مَوْتِهِم/ لَن تُوضَعَ صُوَرُهُم عَلى حِيطانِ المَتَاحِفِ/لَن يَتَذَكَّرَ أسماءَهُم سِوَى أُمَّهَاتِهِم/كُلُّنَا مُرْتَزِقَةٌ في حَرْبِ السَّرابِ/بِلا رِمَالٍ ولا صَحراء/

     وَحْدِي في قَلْبِ الليلِ / لا شَيْءَ يُضِيءُ الغُبارَ على شَاهِدِ قَبْري سِوَى لَمَعَانِ أظَافِرِ قَاتِلَتِي / وَحَفَّارُ القُبورِ اكتشفَ مَعنى الحَضَارَةِ بَيْنَ القَرَاصِنَةِ وَقُطَّاعِ الطُّرُقِ / ذَهَبَتْ عَازِفَةُ البيانو إلى المَوْتِ تَحْتَ المطرِ / وَبَقِيَ طِلاءُ أظافِرِها عَلى البيانو / وَسَالَ عَرَقُهَا عَلى رَائِحَةِ أشجارِ الكَرَزِ في خَرِيفِ الإعدامِ / ذَهَبَت الغريباتُ إلى صَفِيرِ القِطَاراتِ البَعِيدِ / وَبَقِيَ دَمُ الحَيْضِ عَلى المَقَاعِدِ الخَشَبيةِ في مَحَطةِ القِطَاراتِ الباردةِ /

     أنا المنبوذُ الذي رَأى في مَرايا المَسَاءِ كُحْلَ الصَّبايا وَهُوَ يَنْهَمِرُ في أغمادِ السُّيوفِ / أنا الغريبُ الذي رَأى في مَزهرياتِ الوَدَاعِ دَمْعَ الفُقَرَاءِ وَهُوَ يَتَدَفَّقُ عَلى الخناجرِ المسمومةِ / أنا الجُنديُّ المجهولُ الذي رَأى في مَعركةِ الوَهْمِ الرَّصَاصَ الحَيَّ وَهُوَ يُمَزِّقُ أعلامَ القَبائلِ المُنَكَّسَةَ / أنا العَرِيسُ الذي رَأى في لَيْلَةِ الدُّخلةِ وُجُوهَ القَتلى وَهِيَ تَلْتَصِقُ عَلى زُجاجِ النافذةِ .