17‏/02‏/2024

حاولي اصطيادي أيتها العانس

 

حاولي اصطيادي أيتها العانس

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     شَوَاهِدُ القُبُورِ عِندَ الغُروبِ الجَارِحِ/ لَهَا رَائِحَةُ التُّفاحِ الحزينِ / تتناثرُ حَبَّاتُ التُّفاحِ بَيْنَ مَساميرِ النُّعوشِ / كما تتناثرُ قَطَرَاتُ المطَرِ بَيْنَ جَثامينِ البَحَّارَةِ الغَرْقى / الفَجْرُ الكَاذِبُ يَدْفِنُ هَيْكَلي العَظْمِيَّ في قَاعِ المُسْتَنْقَعِ الذي يَحْرُثُهُ ضَوْءُ القَمَرِ / ومِلْحُ الدُّموعِ تاريخٌ لِقِيَامَةِ الطحالبِ مِن ثُقُوبِ جِلْدِي /

     جَاءَ سَرَطَانُ الثَّدْيِ كَصَفِيرِ القِطَارَاتِ / وَنَسِيَت النِّسَاءُ حَمَّالاتِ الصَّدْرِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَضَفَائِرُ البَنَاتِ مُعَلَّقَةٌ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / وَالصَّمْتُ البَارِدُ يَفْتَرِسُ مَمَرَّاتِ البُيُوتِ المهجورةِ /

     بَيْنَ قلبي ودِمَائي حَاجِزٌ عَسكريٌّ/ وَطُيُورُ البَحْرِ تُنْكِرُ وَجْهِي في الليلِ الكَهْرَمَانيِّ / أنا الغريقُ في السُّكَّرِ الذي يَرُشُّهُ المساءُ عَلى مَوْتي/ وَلَكِنْ لِي حِصَّةٌ مِن مِلْحِ البَحْرِ/ أُهَنِّئُ السَّرَابَ لأنَّهُ فازَ بِجُثةِ الصَّحراءِ / وأنا النَّسْرُ العَجُوزُ أتَغَذَّى عَلى جُثَثِ المَهزومينَ في حُرُوبِ الوَهْمِ المُقَدَّسَةِ /

     بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ / سَوْفَ يُضَاجِعُ العَبِيدُ الأمِيرَاتِ تَحْتَ المَطَرِ الرَّصَاصِيِّ / في أزِقَّةِ الفِئرانِ وَشَوَارِعِ القُمامةِ / الذاكرةُ انقَلَبَتْ عَلى الذِّكرياتِ / ونَسِيَ الإعصارُ جُثمانَ النَّهْرِ في غَابَةِ النَّخيلِ الباكي / وَالكَرَادِلَةُ وَضَعُوا الصُّلْبَانَ في فُرُوجِ الرَّاهِبَاتِ المُغتَصَبَاتِ في أدْيِرَةِ الصَّقيعِ /

     لا تَفْقِدِي الأملَ أيَّتُها البُحَيْرَةُ العَانِسُ/حَاوِلي اصطيادي في الوَطَنِ الضَّائِعِ / ماتت الدَّوْلَةُ / وَصَارَتْ مَحكمةُ أمْنِ الدَّوْلَةِ مَهجورةً / والأيتامُ يَلْعَبُونَ عَلى أطلالِهَا كُرَةَ القَدَمِ / كُوني الفَرِيسةَ والصَّيَّادَ / سَتَأكُلُ الجِرذانُ المُخْمَلِيَّةُ ثَدْيَيْكِ المَهْجُورَيْنِ كَسَرَطَانِ الثَّدْيِ / كُلُّ شَيْءٍ ضَاعَ في مَمالكِ الضَّيَاعِ / كُلُّ شَيْءٍ مَاتَ في مُدُنِ المَوْتِ /

     أيَّتُها الذِّئبةُ التي تَنمو الطحالبُ بَيْنَ نَهْدَيْهَا / كَيْفَ أنسى رَائحةَ الجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ في أرشيفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ ؟ / كَيْفَ أنسى رَائحةَ السَّجَّادِ المُزَرْكَشِ في مَمَرَّاتِ مَحاكمِ التَّفتيشِ ؟ / كَيْفَ أنْسَى رَائِحَةَ الرُّخَامِ المُلَوَّنِ في المَقَابِرِ الجَمَاعِيَّةِ ؟ /

     جاءَ الاحتضارُ في المساءِ الماطِرِ / وَبَقِيَ قَمِيصُ النَّوْمِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / فَمَا فَائِدَةُ العَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ ؟ / الأطفالُ الذينَ يَبِيعُونَ العِلْكَةَ عَلى إشاراتِ المُرُورِ رُومَانسِيُّون / لَكِنَّهُم يَمُوتون / وَشَجَرَةُ التُّفاحِ الوَحِيدَةُ التي زَرَعَهَا أبي/ مَاتتْ في قَلْبي مِثْلَ طَائِرٍ آلِيٍّ / وَحَبْلُ مِشْنقتي لَهُ طَعْمُ البُرتقالِ / وأنا الطُّعْمُ والصَّيادُ والفَرِيسَةُ / أتقدَّمُ إلى الاحْتِضَارِ بِلا طُفُولَةٍ ولا ذِكْرَياتٍ/ وَضَعَتْ أحزانُ الشِّتاءِ السُّمَّ في قَهْوَةِ حَفَّارِ القُبورِ / وَبَقِيَت الجُثَثُ عَلى الأرصفةِ القَذِرَةِ في مُدُنِ الوَهْمِ .