18‏/02‏/2024

رعشة الحب الأول في الوطن المقتول

 

رعشة الحب الأول في الوطن المقتول

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     الإعْصَارُ يَجْمَعُ شَظَايَا قَلْبي/ بَيْنَ رِعْشَةِ الحُبِّ الأوَّلِ وأنينِ الرَّصاصةِ الأُولَى / لَيْتَني الْتَقَيْتُ بالشَّركسياتِ في الأندَلُسِ / كانتْ أوردتي أعشاشًا للعَصافيرِ المُلَوَّنَةِ كَحِبَالِ المشانقِ / وكانتْ أظافري أرقامًا لِشَظايا قَلبي المكسورِ / وأرشيفًا للانقلاباتِ العَسكريةِ في مَمالكِ السَّرابِ /

     وَحِيدٌ أنا / لا امرأةٌ تَبْكِي عَلَيَّ بَعْدَ اغتيالي الرُّومانسِيِّ / وَلا عُشْبَةٌ تَنْمُو عِندَ شَاهِدِ قَبْري المَطموسِ / صَوْتُ أُمِّي مِثْلُ صَفِيرِ القِطَاراتِ المكسورِ / بَيْنَ مَدينةِ الخَدِيعةِ وَلَيْلِ الشِّتاءِ /

     لماذا أركضُ وَراءَ السَّرابِ؟/ أملاحُ دَمْعي هِيَ الصَّحراءُ/ وَكُرَيَاتُ دَمِي هِيَ الرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ/ كَيْفَ أهْرُبُ مِن مِشْنَقتي وجَسَدي هُوَ مِشْنَقتي ؟ / النَّهْرُ يَبكي فَوْقَ أنقاضِ مَنْزِلِهِ عَلى أطفالِهِ الذينَ دُفِنُوا تَحْتَهُ / كَيْفَ أَفِرُّ مِن نِهَايتي وأنا أحْمِلُ بِذرَةَ نِهَايتي في قَلْبي ؟ /

     دَخَلَت الفَراشةُ في المَدَارِ كَي تَحْتَرِقَ وَحِيدَةً / بِلا عُشَّاقٍ ولا شُمُوعٍ / فَاكْتُبْ قَصائدَ الرِّثاءِ   يا حُزْنَ اليَاسَمِينِ في طَرِيقِ الرُّفَاتِ / صَوْتُ المَطَرِ مَخْلُوطٌ بِرَائحةِ البارُودِ / ومَاتت الأجسادُ /  وَبَقِيَ أرشيفُ الرَّصَاصِ الحَيِّ / نَسِيَتْ طُيورُ البَحْرِ ضَوْءَ المَنَارَةِ / ونَسِيَ السَّجِينُ أن يَمْدَحَ سَجَّانَهُ في الطريقِ إلى خَشَبَةِ الإعدامِ / وأعلامُ القَبائلِ المُنْقَرِضَةِ مُلَوَّنةٌ بِنَفْطِ الصَّحْرَاءِ وحَلِيبِ الإمَاءِ /

     حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُها الأرملةُ الشَّابَّةُ / والجُنودُ هَرَبُوا مِن مَعركةِ السَّرَابِ إلى سَرَابِ المعركةِ / تَقَاعَدَ حَفَّارُ القُبُورِ / واستلمَ مُكافأةَ نِهايةِ الخِدمةِ / فَتَعَالَوْا نُهَنِّئ الأمواتَ / ونُعَانِق أشجارَ المقبرةِ / أعيشُ وَحِيدًا / لأنني سَأمُوتُ وَحِيدًا / فَاعْشَقْ حُزْنَكَ يا نَهْرَ الرُّفَاتِ / وَارْكُضْ إلى أشِعَّةِ القَمَرِ/ وَكُن عَاشِقًا لِدَمِي الذي يَسِيلُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ/ لا دَوْلَةٌ وَرائي/ ولا رَايَةٌ أمَامِي/ كُلُّ الدُّوَلِ مُنْهَارَةٌ / وَكُلُّ الأعلامِ مُنَكَّسَةٌ / وانتهت اللعبةُ / وهَدَمَ الأطفالُ القُصورَ الرَّمليةَ / انكَسَرَتْ خُدُودُ البَحْرِ / وَحَانَ مَوْعِدُ الغَرَقِ / انكَسَرَتْ سَنَابِلُ الغُروبِ / وَحَانَ مَوْعِدُ الحَصَادِ /

     يا بُحَيْرَةَ الرَّمَادِ / اعْشَقِي الرِّمَالَ الفُسْفُورِيَّةَ / إنَّ الصَّحَرَاءَ هِيَ أُمُّنَا القَاسِيَةُ / أظافري تُضِيءُ مَمَرَّاتِ مَحَاكِمِ التَّفتيشِ أمامَ المحكومينِ بالإعدامِ / وَضَفَائِرُ البَنَاتِ تُنِيرُ كَلِمَاتِ الأغاني الوَطَنِيَّةِ أمامَ فِئرانِ التَّجَارُبِ/ وأشلائي صَابُونٌ لِتَنظيفِ بَلاطِ السُّجونِ/ وَمِلْحُ دُمُوعِي هُدْنةٌ بَيْنَ نافذةِ السِّجْنِ وَطُيُورِ البَحْرِ/نَسِيَ الإعصارُ نُهُودَ النِّسَاءِ عَلى أسلاكِ الكَهْرَبَاءِ في مُدُنِ الحَطَبِ المُنْطَفِئَةِ/ كَمَا نَسِيَ المَوْجُ ثِيَابَ الحِدَادِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ/ وَرَحَلَ الأغرابُ/ وَبَقِيَت الجُثَثُ المجهولةُ في بُستانِ الكَرَزِ .