19‏/02‏/2024

سمفونية الشتاء البعيد

 

سمفونية الشتاء البعيد

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     الزَّوابعُ تَبْحَثُ عَن جُثمانِ المايسترو المَشلولِ تَحْتَ الأنقاضِ / والدِّيدانُ تأكلُ عَصَاهُ التي سَقَطَتْ عَلى خَشَبَةِ المَسْرَحِ أوْ خَشَبَةِ الإعدامِ / لا فَرْقَ بَيْنَ مَقبرةٍ زُجَاجِيَّةٍ وَمَقبرةٍ كريستاليةٍ / لأنَّ ضَوْءَ القَمَرِ يُحَطِّمُ شَوَاهِدَ القُبورِ في الليلِ الرَّهيبِ / حِبَالُ المشانقِ مِن ضَفائرِ أُمَّهَاتِنا القَتيلاتِ في مُدُنِ السَّرابِ / سَأمُوتُ مِثْلَ عُثمانَ مَخْذُولًا وَعَطْشَان / لَكِنَّ النَّدى يَتَجَمَّعُ في الصَّباحِ عَلى شَاهِدِ قَبْري/ والأمطارُ تَسْقِي في المساءِ حَشَائِشَ المقبرةِ/ آثَارُ أقدامِ البَحْرِ عَلى جُلُودِ الأيتامِ / الذينَ بَنَوا القُصورَ الرَّمليةَ / ثُمَّ ذَهَبُوا إلى الشَّفَقِ البَعيدِ / وَلَمْ يَعُودُوا /

     البُحَيْرَةُ تبكي عَلى قَبْرِ البَحْرِ / وَالسَّرَابُ هُوَ الأمَلُ الأخيرُ في حَيَاةِ الصَّحراءِ / تَقَاعَدَ حَارِسُ المَقبرةِ / فَتَعَالَوْا نَمْدَح المَوْتَى / الفَراشةُ المشلولةُ عَاطِلَةٌ عَنِ العَمَلِ / وأنا أعْمَلُ دَلِيلًا سِيَاحِيًّا في المَقابرِ الجَمَاعِيَّةِ / المُسْتَقْبَلُ السِّيَاسِيُّ للبَعُوضِ هُوَ دُسْتُورُ المُسْتَنْقَعَاتِ / لا مُسْتَقْبَلَ للمُسْتَقْبَلِ إلا عَرْشُ المَاضِي / الأوسمةُ العسكريةُ في حَاوياتِ القُمامةِ / وَجُثَثُ الجُنودِ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / وَقُمْصَانُ النَّوْمِ لأراملِ الجُنودِ في مَتَاحِفِ التَّطْهِيرِ العِرْقِيِّ / وَتَنْتَشِرُ أشلائي في أزِقَّةِ الجِرذان / كَمَا يَنْتَشِرُ مِلْحُ الدُّموعِ في كَلِمَاتِ الأغاني / والقَتْلَى في الشَّوَارعِ / والجَرْحَى يَنتظرونَ دَوْرَهُم / نَسِيَ المساءُ أسماءَ الضَّحايا / وصَارَتْ أرقامُ الضَّحايا دُسْتُورًا للوَحْدةِ الوَطنيةِ /

     عِندَما تَضِلُّ الطريقَ أيُّها النَّهْرُ / اتْبَعْ سُعَالَ أبِيكَ في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ / وارْكُضْ وَرَاءَ جَدَائِلِ أُمِّكَ في المَقابرِ الجَمَاعِيَّةِ/الخَنْجَرُ المَسمومُ بَيْنَ الرِّئَتَيْن/والرُّمْحُ الذهبيُّ في أمْعَاءِ الزَّوْبَعَةِ / لَكِنِّي أركضُ إلى البَحْرِ في الفَجْرِ الكَاذِبِ/ المطرُ يَزرعُ شَظايا قَلبي في شَواهدِ القُبورِ عِندَ الغُروبِ/

     مِلْحُ دُمُوعي هُدْنةٌ بَيْنَ صَوْتِ المَطَرِ وَصَوْتِ الرَّصاصِ / وَقُطَّاعُ الطُّرُقِ يَكْتُبُونَ دُستورَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / وجُيوشُ البَدْوِ الرُّحَّلِ سَتُحَرِّرُ فِلِسْطِينَ في عِيدِ النِّفْطِ/وأعلامُ القَبائلِ المُنَكَّسَةُ مُزَيَّنَةٌ بِمَسَامِيرِ العُرُوشِ الضَّائِعَةِ/ وَمَنْسِيَّةٌ بَيْنَ صُحُونِ المَطْبَخِ وثَلاجةِ الجُثَثِ/

     عِندَما يَكْتُبُ حَفَّارُ القُبورِ دُسْتُورَ الاحتضارِ / تُصْبِحُ عِظَامي هِيَ قَانونَ المقابرِ / عِندَما يَتساقطُ كُحْلُ أشجارِ المقابرِ / يُصْبِحُ رُفَاتي كُحْلًا لِطُيُورِ البَحْرِ/ عِندَما تَمُوتُ الدَّولةِ بَيْنَ أجسادِ الفُقَرَاءِ / تُصْبِحُ أشلائي هِيَ مَحْكَمَةَ أمْنِ الدَّوْلَةِ / عِندَما يَبِيعُ الأيتامُ العِلْكَةَ على إشاراتِ المُرُورِ / تُصْبِحُ كُرَيَاتُ دَمِي رَقِيقًا أبيضَ في السُّوقِ السَّوْدَاءِ / عِندَما يَهْرُبُ أُمَرَاءُ الحُرُوبِ مِنَ الحُرُوبِ / تُصْبِحُ مَسَامِيرُ نَعْشِي هُدْنَةً بَيْنَ القَاتلِ والقَتيلِ .