20‏/02‏/2024

الموت الغامض لعازفة البيانو

 

الموت الغامض لعازفة البيانو

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     مَاتَتْ عَازِفَةُ البيانو تَحْتَ المَطَرِ في لَيْلَةٍ غَامِضَةٍ / قَتَلَهَا الوَهْمُ وَمَشَى في جِنَازَتِهَا / وَمِيضُ البَرْقِ يُطَهِّرُ أخشابَ تابُوتي مِنَ البَقِّ / والأوسمةُ العَسكريةُ مَصْبُوغةٌ بِحَليبِ بَنَاتِ آوَى/ أَحِنُّ إلى تِلْكَ الفَرَاشَةِ الغامضةِ التي تَزُورُني في قَلْبِ الليلِ / كَي تَغْتَالَ ذِكْرَياتي كالذُّبابِ / وَتُحَطِّمَ أحلامَ طُفولتي كَمَزْهَرِيَّاتِ بَيْتِنَا المهجورِ/ وَالأُغْنِيَاتُ الجميلةُ مَلِيئَةٌ بِمِلْحِ الدُّمُوعِ / مَا فَائِدَةُ أن تَدْهَنَ العَرُوسُ ثَدْيَيْهَا بالمُبِيداتِ الحَشَرِيَّةِ في مَدِينَةِ الاحْتِضَارِ ؟ / مَا فَائِدَةُ أن تَتَعَطَّرَ جُثَّةُ اللبُؤَةِ بِدَمْعِ الأسَدِ في غَابَةِ الاحْتِرَاقِ ؟/مَا فَائِدَةُ أن يَرُشَّ الرَّصَاصُ الحَيُّ السُّكَّرَ عَلى المَوْتِ في لَيْلِ الخَرِيفِ؟/

     نُسَجِّلُ وَصَايا التُّفاحِ عَلى عِظَامِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى/وَحَارِسُ ثَلاجَةِ المَوْتَى يُمَارِسُ الجِنْسَ مَعَ جُثةِ القَتيلةِ الغامضةِ / وَطُيُورُ البَحْرِ تَبْحَثُ عَن مَعنى البَحْرِ في المُسْتَنْقَعَاتِ الجَافَّةِ/ التي تَحْرُثُهَا أشِعَّةُ القَمَرِ/ وتَزْرَعُهَا بالألغامِ الأرضيةِ / وَنَحْنُ البَدْوُ الرُّحَّلُ / بِعْنَا أعلامَ القَبائلِ مِن أجْلِ بَراميلِ النِّفْطِ/ وَبَحَثْنا عَن المَعْنَى في عَالَمٍ يَنْتَحِرُ / وذَهَبَت النِّساءُ إلى الاحتضارِ / وَبَقِيَتْ ثِيَابُ الحِدَادِ وَقُمْصَانُ النَّوْمِ عَلى حِبَالِ الغسيلِ / فَوْقَ سُطُوحِ الوَدَاعِ التي تَقْصِفُهَا الطائراتُ والذِّكرياتُ /

     في المساءِ السَّحِيقِ/ يَكُونُ لِجُثماني رَائِحَةُ البُرتقالِ / وَيَكُونُ لِجِلْدِي طَعْمُ الكَرَزِ / يَسِيلُ كُحْلُ البناتِ الموؤداتِ عَلى أزرارِ قَمِيصِ حَفَّارِ القُبورِ / وَقَمِيصي لَيْسَ قَمِيصَ عُثمان / فلماذا تُتَاجِرُ القَبَائِلُ بأشلائي وَدَمِي تَفَرَّقَ بَيْنَ القَبَائِلِ ؟/ أنا ونَهْرُ التَّوَابيتِ شَقِيقَان / رَضِعْنَا مِن ثَدْيِ العَاصِفَةِ / لَكِنَّ مِقْصَلتي بِطَعْمِ الجَوَّافَةِ / ومِقْصَلَتَهُ بِطَعْمِ الذِّكرياتِ / وافْتَرَقْنَا في مَرْفَأ الأوهامِ الذهبيةِ /

     يَحْرُثُ الفُقَرَاءُ أثداءَ المَلِكَاتِ في مَوْسِمِ الانقلاباتِ العَسكريةِ / الأعلامُ مُنَكَّسَةٌ / وَمُلُوكُ الطوائفِ يَكْتُبُونَ دُستورَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ بِدِمَاءِ الضَّحايا المَنْسِيِّين / ذَابَتْ أسماءُ السُّجَنَاءِ في حَديدِ النَّوافذِ التي تُطِلُّ عَلى بَحْرِ الرُّفاتِ / والسُّجَنَاءُ يَحْمِلُونَ أرقامَ الزَّنَازين / إنَّ الأرقامَ هِيَ الأسماءُ /

     يُحَدِّدُ البَدْوُ الرُّحَّلُ أسعارَ العَرائسِ حَسَبَ سِعْرِ بِرْمِيلِ النِّفْطِ / وَالرِّيحُ تَنحِتُ اسْمِي عَلى شَاهِدِ القَبْرِ في المساءِ الماطِرِ / حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُها المقتولةُ بِدَمْعِ عَاشِقِكِ / المَوْلُودَةُ في ذَاكِرَةِ الشَّفَقِ / إنَّ دَمِي الأخْضَرَ يَسِيلُ في طُرُقَاتِ المُدُنِ الخائنةِ / وَيَحْمِي بَوَّابَةَ المقبرةِ الغامضةِ مِنَ الصَّدَأ / تَنْثُرُ العَوَاصِفُ شَظايا جُمْجُمتي عَلى أرصفةِ القُمامةِ في مُدُنِ الكُوليرا /

     قَتِيلٌ أنتَ في مَملكةِ السَّرَابِ الكِلْسِيَّةِ / مَوْلُودٌ أنتَ في قَلْبِ امرأةٍ غامضةٍ / وَبَسَاتِينُ الكَرَزِ صَارَتْ مَقَابِرَ جَمَاعِيَّةً للجُثَثِ المَجهولةِ / التي تَحْمِلُ أرقامًا كأرقامِ الزَّنازينِ الانفرادِيَّةِ .