21‏/02‏/2024

ملح البحر وملح الدموع

 

ملح البحر وملح الدموع

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     عِندَما غَابتْ وُجُوهُ الشَّركسياتِ في الغَيْمِ الوَرْدِيِّ / عِندَ غُرُوبِ الشَّمْسِ في البَحْرِ البَعِيدِ / غَابَ القَمَرُ في قَلْبي المكسورِ / وانطفأتُ مِثْلَ الشُّموعِ في شَهَادَةِ وَفَاتي / أنا السَّجينُ في زِنزانةِ الذِّكرياتِ المفتوحةِ أمامَ البَحْرِ/ المُغلَقَةِ أمامَ قَلْبي/وَعِندَما أنطِقُ اسْمَكِ يا سَجَّانتي/ تَنتشِرُ رَائحةُ اليَاسَمِينِ في ثِيَابي / وَأُوَقِّعُ عَلى حُكْمِ إعدامي / لا حِبْرٌ للوَصِيَّةِ / ولا قِنَاعٌ للضَّحِيَّةِ /

     مِلْحُ دُمُوعي هُوَ حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ صَوْتِ المَطَرِ الأُرْجُوَانِيِّ والجُثَثِ المتروكةِ في الشَّوارعِ / بَكَيْتُ على صَدْرِ الرِّياحِ تَحْتَ المَطَرِ/ قلبي لا يَزَالُ مُعَلَّقًا بأغصانِ الذِّكرياتِ/ والمُقَاتِلُونَ المُرْتَزِقَةُ قَتَلَهُمُ النِّسْيَانُ / ولا يَزَالُونَ في ثَلَّاجَاتِ المَوْتَى / وأعلامُ القَبائلِ المُنَكَّسَةُ بَيْنَ أفْخَاذِ النِّسَاءِ /

     عِشْتُ كَي أرى الحَضَارةَ تَنْكَسِرُ في خِيَامِ اللاجئين/ كَمَا تَنْكَسِرُ قِطَّعَةُ السُّكَّرِ في قَهْوَةِ العُشَّاقِ الباردةِ / التي تَرَكُوها على طَاولاتِ المَطاعمِ المُوحِشَةِ / وَذَهَبُوا إلى بَرِيقِ الاحتضارِ في غَاباتِ الخريفِ/ وَقْعُ أقدامِ النَّخَّاسِينَ عَلى نُهُودِ السَّبايا المقطوعةِ / كالحِبْرِ في دُستورِ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / والجُثَثُ المُتَفَحِّمَةُ ذَاتُ الأسنانِ الذهبيةِ / هِيَ لَوْحَاتٌ في مَتَاحِفِ التَّطْهِيرِ العِرْقِيِّ /

     أيْنَ سَتُدْفَنُ أيُّها الغريبُ في لَيْلِ الرُّعُودِ ؟/ قَلْبُ أُمِّكَ صَارَ قَبْرًا لِطُيورِ البَحْرِ/ والزَّوابعُ لا تَزالُ تَبْحَثُ عَن جُثمانِ أبِيكَ / وأشجارُ المقبرةِ مَاتتْ بَعْدَ جُرعةٍ زَائدةٍ مِنَ الذِّكرياتِ /

     هَل يَقْدِرُ الصَّليبُ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أن يَحْرُسَكِ مِن سَرَطَانِ الثَّدْيِ ؟ / المساءُ غَامِضٌ كالجُثَثِ المجهولةِ / لا عَشَاءٌ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ القِرْمِزِيَّةِ / ولا شُمُوعٌ في غَابَةِ المَطَرِ الأُرْجُوَانِيِّ / ذَهَبَ العَاشِقُونَ إلى شُمُوعِ المَوْتِ / وَبَقِيَ مِلْحُ الدُّموعِ عَلى نَصْلِ المِقْصَلةِ / يَشْعُرُ النَّهْرُ الباكي بالفراغِ العاطفيِّ في طَرِيقِهِ إلى أضرحةِ الغُروبِ / وَتَرْكُضُ بَسَاتِينُ الكَرَزِ في هَيْكَلِي العَظْمِيِّ / والأرملةُ الشَّابَّةُ نَسِيَتْ مَلاقِطَ الغسيلِ عَلى سُورِ المقبرةِ / وَذَهَبَتْ إلى احتضاراتِ الشَّفَقِ /

     أنا نَوْرَسٌ غَامِضٌ / لَكِنَّ البَحْرَ يَطْعَنُنِي في الظَّهْرِ / أنا الطائرُ الذبيحُ أُضِيءُ الليلَ بأحزاني / لَكِنِّي مَصْلُوبٌ عَلى أعمدةِ الكَهْرَباءِ / أنا غُربةُ الفِضَّةِ في مُدُنِ الخِيانةِ الذهبيةِ / قَضَيْتُ حَيَاتي بَاحِثًا عَن جُثماني/ لَكِنِّي وَجَدْتُ جُثمانَ أبي عِندَ الحاجِزِ العَسكريِّ/الذي يَفْصِلُ بَيْنَ رَمْلِ الشَّاطِئِ ونَبَضَاتِ قَلْبي / والأطفالُ يَقْضُونَ العُطلةَ الصَّيفيةَ في انتشالِ جُثَثِ أُمَّهَاتِهِم مِن تَحْتِ الأنقاضِ /

     ثِقْ بالسَّرابِ يا دَمِي المُعَلَّبَ كالسَّرْدِين / إنَّ الصَّحراءَ أُمُّنَا التي لا تَخُونُ / وَنَحْنُ نَخُونُ أشلاءَنا مَعَ رِمَالِ الكَهْرَمَانِ / ولا تَكْرَه البَحْرَ إذا أغْرَقَ أشلاءَنا / وُلِدْنا غَرْقى / وَنَمُوتُ غَرْقى .