23‏/02‏/2024

الحنين إلى القتلى في المدن الميتة

 

الحنين إلى القتلى في المدن الميتة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

....................

     يَا قَاتِلَتِي المُتَوَحِّشَةَ في عِظَامِي المُفَتَّتَةِ / المُوحِشَةَ في أشلائي الوَهَّاجَةِ / كُوني رَحيمةً / وَأطْلِقِي رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى الذِّكرياتِ التي لا تَرْحَمُ/ وَكُونِي كَالمِلْحِ سَاكِنَةً في دَمْعِي وَبَحْرِي وَخُبْزِي/ سَيَعُودُ الطِّفْلُ الغريبُ إلى حِضْنِ أُمِّهِ / وَتَعُودُ الجَارِيَةُ إلى سَرِيرِ سَيِّدِهَا /

     سَامِحْني يا سَجَّاني / مُتُّ عَارِيًا / لأنَّ الجَرَادَ أكَلَ قُماشَ أكفاني / سَامِحِيني يا زِنزَانتي /  بَقِيَتْ جُثتي في الشَّارعِ / لأنَّ حَفَّارَ القُبورِ ذَهَبَ لاستلامِ رَاتِبِهِ الشَّهْرِيِّ / ذَهَبَت الرَّاهباتُ إلى الانتحارِ / وَبَقِيَتْ حُبُوبُ مَنْعِ الحَمْلِ في مَزْهَرِيَّاتِ غُرفةِ الاعترافِ / وَالحَمَامُ الزَّاجِلُ نَسِيَ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ بَيْنَ بَلاطِ المَطْبَخِ وَبَوَّابَةِ المَسْلَخِ/

     أنا النَّخَّاسُ العَاطِلُ عَنِ العَمَلِ / لأنَّ سُوقَ النِّخَاسَةِ مُغلَقٌ بالشَّمْعِ الأحمرِ / والأيتامُ يَدْرُسُونَ تاريخَ العَبِيدِ والسَّبايا / مِن رَعْيِ الغَنَمِ حَتَّى بَيْعِ فِلِسْطِين / والنَّوَارِسُ تُبَلِّطُ البَحْرَ بأوسمةِ الجُنودِ المَهزومين / فَادْعَم المَلاهِي الليلِيَّةَ لِحِمَايَةِ الوَحْدَةِ الوَطنيةِ /

     أيُّهَا الأمواتُ / لا تَجْرَحُوا مَشَاعِرَ حَفَّارِ القُبورِ/ كُلُّنَا رَاحِلُون/ انتهَتْ ذِكْرَيَاتُ المساءِ البَعِيدِ / وانكَسَرَتْ أحلامُ الطفولةِ بَيْنَ سَنابلِ المَوْتِ وَزَنابقِ الاحتضارِ / وَالبَحَّارَةُ يُوَدِّعُونَ الرُّبَّانَ قَبْلَ غَرَقِ السَّفينةِ / وَفِئرانُ السَّفينةِ سَتَأكُلُ جُثمانَ الرُّبَّانِ تَحْتَ ظِلالِ الشَّفَقِ / وَالخَنْجَرُ المَسمومُ بَيْنَ الرِّئَتَيْن / والبَدْوُ الرُّحَّلُ يُنَقِّبُونَ عَن النِّفْطِ في فُرُوجِ نِسَاءِ القَبَائِلِ /

     لا تَخُنْ أشلائي أيُّهَا المَوْجُ الوَرْدِيُّ / نَحْنُ صَدِيقَانِ مُنذُ وِلادةِ السَّرابِ في الصَّحراءِ / افْتَرَقْنَا في طُرُقَاتِ البَحْرِ الحزينةِ / وَالْتَقَيْنَا عَلى خَشَبَةِ الإعدامِ / هَاجَرَت العَصافيرُ مِن نَهْرِ الرُّفاتِ إلى شَظايا رِئتي / كَي تُحْرِقَ أجْنِحَتَهَا بَيْنَ شَهيقي وَزَفيري / وَتَمُوتَ في قلبي المكسورِ وَحِيدَةً /

     في مَملكةِ الطاعونِ/تأكلُ العَناكبُ الذهبيةُ أوعيتي الدمويةَ/أُصِيبَ المايسترو بالشَّلَلِ/ وَسَقَطَتْ عَصَاهُ عَلى خَشَبَةِ المَسْرَحِ أوْ خَشَبَةِ الإعدامِ/أنا مُؤرِّخُ الحُبِّ الضَّائعِ/عِشْتُ مَمَاتي في حَيَاتي/ وَدَفَنْتُ جُثمانَ أبي في الغُيومِ الحمراءِ / وَعُدْتُ إلى مَوْتي كَي أبْحَثَ عَن أحلامِ الطفولةِ البَعيدةِ /

     كِعُلَبِ السَّرْدِينِ تُبَاعُ العَوَانِسُ في مَسْرَحِ العَرَائِسِ/ مَاتَ الرَّاعِي مَسْمُومًا / وَالعَاصِفَةُ القِرْمِزِيَّةُ كَسَرَتْ مِزْمَارَهُ الحَجَرِيَّ / وَالقَطِيعُ يَسِيرُ إلى حَافَةِ الجَبَلِ/ فاترُكْني يا بَرِيقَ المَطَرِ/ أَطْلِقْ سَرَاحي يَا مَسَاءَ الأحزانِ/ كَي أركُضَ وَراءَ وَمِيضِ البَرْقِ البَعِيدِ في نَزِيفِ المَاضِي / الذي يَتَشَظَّى بَيْنَ ضَوْءِ الجِنَازَةِ العَسكريةِ ورَاياتِ القَبائلِ المَكسورةِ .