24‏/02‏/2024

حطام القلوب وحطام السفن

 

حطام القلوب وحطام السفن

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     أُمِّي تُنَظِّفُ صَدَأَ مَسَامِيرَ نَعْشِي بِمِلْحِ دُمُوعِهَا في لَيَالي الخريفِ / وَرُعْيَانُ الغَنَمِ يَدْرُسُونَ الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ البَدَوِيَّةَ في مَحكمةِ أَمْنِ الدَّولةِ / بَعْدَ ضَياعِ الدَّولةِ وانقراضِ القَبائلِ / كُلُّ الأعلامِ مُنَكَّسَةٌ / فَتَعَالَي يَا أُمِّي كَي نَبْحَثَ عَن رَقْمِ جُثةِ أبي بَيْنَ الأرقامِ /

     تَقَاعَدَ حَفَّارُ القُبورِ في بَرَاري الأُغْنِيَاتِ وَالحِكَايَاتِ / فَتَعَالَوْا نُهَنِّئ القَتْلَى والقَتِيلاتِ / أكَلَت القِطَطُ الضَّالَّةُ جُثماني في طَريقِ السَّرابِ / لأنَّ الحُزْنَ نَسِيَ أن يَدْفِنَنِي في خُدودِ أُمِّي / تَتَسَاقَطُ أشِعَّةُ القَمَرِ عَلى خُدودِ الشَّركسياتِ / كَمَا يَتَسَاقَطُ وَمِيضُ البَرْقِ عَلى رُخَامِ ضَرِيحي /

     أُغْلِقَ السِّيركُ بالشَّمْعِ الأحمرِ / وَمَشَى المُهَرِّجُ تَحْتَ المطَرِ حَزِينًا / سَيَبْكِي المُهَرِّجُ أمامَ مِرْآتِهِ في لَيْلِ العَوَاصِفِ وَحِيدًا / ذَاهِبٌ أنا لِتَبْلِيطِ البَحْرِ / كَي أَدْفِنَ قَلْبي فِيهِ / وأزرعَ النَّعناعَ في شَوَاهِدِ القُبورِ / والسَّرابُ التقمَ ثَدْيَ الصَّحراءِ / وَمَاتا مَعًا في تاريخِ الشُّموسِ المكسورةِ /

     ماتت السَّنابلُ في رِئَتي / فلماذا يَحْرُثُ المَطَرُ جَسَدي كَحُقُولِ الرَّصَاصِ الحَيِّ ؟ / أعلامُ القَبائلِ مُنَكَّسَةٌ بَيْنَ رَغْوَةِ دَمِ الحَيْضِ وقَهْوَةِ العُشَّاقِ الباردةِ / السَّبايا مَصْلُوباتٌ على أجسادِ المُلوكِ/ والرِّياحُ تُوَزِّعُ الأوسمةَ العَسكريةَ على الجنودِ الهاربينَ مِنَ المعاركِ / كَمَا تُوَزِّعُ الزَّوجاتُ الخائناتُ البطاطا في مَطاعمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / وماتت الذِّئبةُ المَجروحةُ عاطفيًّا / وَبَقِيَ جُثْمَانُهَا في ثَلَّاجَةِ المَطْبَخِ / وأشلاءُ اليَتَامَى تتساقطُ في صُحونِ المطبخِ كالمطرِ الحامضِ /

     كالطِّفْلِ الذي عَرَفَ أنَّ أُمَّهُ تَخُونُ أبَاهُ / كانَ تاريخُ البَحَّارةِ الغَرْقى / بَيْنَ فِئرانِ السَّفينةِ وَفِئرانِ التَّجَارُبِ / أنا الفأرُ الذي رَفَضَ الهُروبَ مِنَ السَّفينةِ الغارقةِ / نَحْنُ اليتامى في طُرُقَاتِ النِّسيانِ / قَضَيْنا حَيَاتَنَا في تصحيحِ أخطاءِ آبائِنا / كُلَّمَا نَظَرْتُ في مَرايا الخريفِ رَأيْتُ جَسَدي عَلى فِرَاشِ المَوْتِ في المساءِ البَعيدِ / أيُّهَا الأمْوَاتُ في مَملكةِ الوَهْمِ / لا تَلْعَبُوا بأعصابِ حَفَّارِ القُبورِ/

     امرأةٌ تَرْمِي صَدْرَهَا كَقِطْعَةِ الجُبْنِ لإيقاعِ الفأرِ في المِصْيَدةِ / وأنا الرُّبَّانُ التائهُ بَيْنَ حُطَامِ قلبي وَحُطَامِ سَفينتي/ تَسْتَحِمُّ المَلِكَاتُ بالمُبِيداتِ الحَشَريةِ / وَتَسْتَحِمُّ جَوَاري القَصْرِ المَهْدُومِ بالسَّائلِ المَنَوِيِّ / وَجَاءَ مَوْعِدُ الحَصَادِ أيَّتُهَا السَّنابلُ الضَّوئيةُ / وأنا الضَّائعُ في أوعيتي الدَّمويةِ / أبكي عَلى مَقْتَلِ البُحَيرةِ في المساءِ الغامضِ/ والبَحْرُ يَرْثِي البُحَيرةَ وَيَرِثُهَا/وَجَسَدُ البُحَيرةِ كالغِربالِ مِن أثَرِ الرَّصاصِ/كُلُّنا سَبَايا/ لَكِنَّ سُوقَ النِّخَاسَةِ مُغلَقٌ بالشَّمْعِ الأحمرِ / والعاشِقُونَ يَأكلونَ جُثَثَ الضَّحايا عَلى العَشَاءِ بِلا ضَوْءٍ ولا شُمُوعٍ / مَاذَا اسْتَفَادَتْ فِئْرَانُ التَّجَارُبِ مِن دُسْتُورِ الدَّوْلَةِ القَذِرَةِ ؟ .