25‏/02‏/2024

الحب في مدن السراب

 

الحب في مدن السراب

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............................

     فُرُوجُ الإمَاءِ هِيَ آبارُ نِفْطٍ في حَضارةِ البَدْوِ الرُّحَّلِ / لَكِنَّ الرِّمَالَ الدَّمَوِيَّةَ تُغَطِّي جَثامينَ الأغرابِ / والنِّساءُ مَصْلُوباتٌ عَلى أعمدةِ الكَهْرَباءِ في مُدُنِ السَّرَابِ / وكُلَّمَا هَرَبَ الجُنودُ مِن المعركةِ مَنَحَهُمُ العَطَشُ الأوسمةَ العسكريةَ /

     تَرْمِي العَرائسُ نُهُودَهُنَّ طُعْمًا لاصطيادِ الرِّجالِ القَتْلى/ وجُثَثُ الضَّحايا سَاخنةٌ كالبيتزا في المطاعمِ الفارغةِ / التي تَرَكَهَا العُشَّاقُ / وَرَكَضُوا وَراءَ ضَوْءِ المَوْتِ / مِلْحُ دُموعي هُوَ الحَاجِزُ العَسكريُّ بَيْنَ حَبْلِ الغسيلِ وَثِيَابِ الحِدَادِ / يا أيُّها الطائرُ المذبوحُ بَيْنَ صَفيرِ القِطَاراتِ وَصَفَّاراتِ الإنذارِ / مَتى تَعُودُ إلى البَحْرِ ؟ / كُلُّ القَتْلَى يَمْشُونَ إلى نوافذِ الخريفِ / كُلُّ السَّنابلِ المُحترقةِ تَمْشِي إلى البَحْرِ في لَيْلِ الانقلاباتِ العَسكريةِ / وَكُحْلُ النِّساءِ يَتساقطُ على أبراجِ المُرَاقَبَةِ في المُعْتَقَلاتِ /

     قُتِلَ النَّهْرُ في ظُروفٍ غامضةٍ / والذِّكرياتُ تَطْعَنُ الفَراشةَ في الظَّهْرِ / والبَعُوضةُ تَنتظرُ نُمُوَّ ثَدْيَيْها / كَي تُتاجرَ بِهما في مَمالكِ المَلاريا / والمِقْصَلةُ هِيَ الأُنثى الوَحيدةُ التي تَتَزَيَّنُ لِي في لَيْلِ الشِّتاءِ الطويلِ / وَشَظَايا رِئتي هِيَ أعشاشُ الطيورِ الجارحةِ في مَساءِ الأحزانِ الجارحِ /

     بَرِيقُ أظافري يُنَظِّفُ الأوسمةَ العسكريةَ مِنَ الصَّدَأ/ بَيْنَ حُروبِ الوَهْمِ وَمُدُنِ الخِيانةِ / وأسعارُ الجَوَاري حَسَبَ سِعْرِ بِرميلِ النِّفْطِ / لَمْ يَعُدْ هُنَاكَ أكفان / وَضَعْنَا جَثامينَ الشُّهداءِ في أكياسِ الخُضَارِ البلاستيكيةِ / والعناكبُ تَبْني بُيُوتَها في فُرُوجِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / والطحالبُ تُزَيِّنُ خُدُودَ الرَّاهباتِ في غُرفةِ الاعترافِ الزُّجاجيةِ/ والزَّوابعُ تَحْفَظُ جَدْوَلَ الضَّرْبِ كَي تَحْسُبَ أعدادَ الضَّحايا في المُدُنِ المَذعُورَةِ / نَحْنُ الأبناءُ القَتلى/ نَعيشُ مَوْتَنَا كَي نُصَحِّحَ أخطاءَ آبائِنا القاتلةَ / والبَعُوضُ في مَمالكِ المَلاريا يَدْرُسُ الرِّياضياتِ / كَي يَبْنِيَ نَشِيدَ السَّرابِ حَجَرًا حَجَرًا / بَيْنَ أرقامِ الضَّحايا الرُّومانسِيِّينَ وأرقامِ الزَّنازينِ الانفراديةِ / كَيْفَ أهْرُبُ مِن جِلْدي ؟ / وُلِدْتُ في هَذِهِ المَقبرةِ / وَمُتُّ في هَذِهِ المَقبرةِ/ لا مُسْتَقْبَلَ للغريبِ سِوى الذِّكرياتِ / ولا مُسْتَقْبَلَ للطحالبِ سِوى المُسْتَنْقَعَاتِ /

     حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُها الذُّبابةُ/ كَيْفَ تَهْرُبِينَ مِن أوسمةِ الجنودِ المهزومين ؟ / كَيْفَ تُهَرِّبِينَ أثاثَ البَيْتِ المهجورِ في تَوابيتِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى؟/ وَيَظَلُّ مِلْحُ الدُّموعِ عَلى مَساميرِ النُّعوشِ/ 

     يا مَوْجَ البَحْرِ / عِش احتضارَكَ في السَّرابِ / كَي تَرَى الرِّمالَ الزَّرْقَاءَ في شَرايينِ الفُقَراءِ / وَتَرَى الصَّحراءَ في قَلْبي / قَلْبي الذي دَفَنْتُ فِيهِ أُمِّي / وَتَظَلُّ الصَّحراءُ شَاهِدَةً عَلى اغتيالي .