27‏/02‏/2024

الإعدام رميًا بالذكريات

 

الإعدام رميًا بالذكريات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     بَعْدَ الشَّركسياتِ / نَكَّسَت الذِّكرياتُ رَايةَ قَلْبي إلى الأبَدِ / نَامَ البَحْرُ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ /  وأنا آخِرُ طُيورِ البَحْرِ / أحْتَرِقُ في قُلوبِ الشَّركسياتِ / كَي أُضِيءَ الطريقَ أمَامَ مِلْحِ الدُّموعِ /

     خُدُودُ الشَّركسياتِ في الغُروبِ / هِيَ شُرُوقٌ جَدِيدٌ لِقَلْبي المكسورِ / وَرَحَلَتْ طُيورُ البَحْرِ إلى رِئتي كَي تَحْتَرِقَ في شَهيقي / دَفَنْتُ قَلبي في قَلْبِكِ / فاختاري قَبْرًا لَكِ في رِئَتي/ يُشْبِهُ لَوْنُهُ أحلامَ الطفولةِ وأوراقَ الخريفِ/إنَّ أُمِّي تُطَهِّرُ حَبْلَ مِشْنَقتي بِمِلْحِ دُمُوعِها/وأنا الطريدُ في أشلائي المُضيئةِ/ أركُضُ في أدغالِ دَمِي تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ القَاتِلَةِ / كَي أَكْتَشِفَ الحُزْنَ في عُيُونِ الشركسياتِ /

     سَتَبْقَى ضَفائرُ النِّساءِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ في المساءِ المُضَاءِ بالقنابلِ الفُسفوريةِ / سَيَعُودُ الغريبُ مِن الحربِ بلا ذاكرةٍ ولا ذكرياتٍ ولا أوسمةٍ/ وَيَنْمُو النَّعناعُ في فُوَّهَاتِ المَدَافِعِ/ وَتَزْحَفُ الطحالبُ على أجسادِ المُسَدَّسَاتِ المَطْلِيَّةِ بأحمرِ الشِّفاه / كَيْفَ أُصْبِحُ رُومَانسِيًّا وأطيافُ القَتيلاتِ تَتَوَهَّجُ في ثُقُوبِ جِلْدِي ؟ /

     عِندَما غَابَ ظِلُّ الشَّركسياتِ عَن أغصانِ رُوحِي / صِرْتُ أخافُ مِن ظِلِّي/ أخافُ مِنَ النَّاسِ / أخافُ أن أنظُرَ في المِرْآةِ لأنَّ طَيْفَ القَتْلَى يَنبعثُ مِن خُدُودي / وَعَلَيَّ وَحْدِي أن أَتْبَعَ ضَوْءَ الجِنَازةِ في أحلامِ الطفولةِ السَّحيقةِ / دَفَنَ السَّرابُ مَساميرَ نَعْشي في الرِّمالِ المَعْدِنِيَّةِ / فَهَل الأُنوثةُ في الجَسَدِ أَمِ الذِّكرياتِ ؟ / ذَهَبَ البَحْرُ إلى أُمَرَاءِ الحُروبِ / وَذَهَبَت الفَرَاشَاتُ إلى ضَفائرِ النِّساءِ القَتيلاتِ/ اصْعَدْ يا صَفِيرَ القِطاراتِ على خَشَبَةِ الإعدامِ / سَتَكُونُ حَيَاةُ المشنوقِ أطْوَلَ مِن حَبْلِ المِشنقةِ / حَطَّمَ المَسَاءُ أُنوثةَ السَّنابلِ بَيْنَ ثَلاجةِ المَوْتَى وثَلاجةِ المَطْبَخِ /

     استراحةُ المُحَارِبِ الذي يَشْعُرُ بالفَراغِ العَاطفيِّ بَيْنَ الغنائمِ والرَّهائنِ/ وَالفُقَرَاءُ يَبِيعُونَ كُرَيَاتِ دَمِهِم على إشاراتِ المُرورِ/ كَي يَشْتَرُوا مَلابِسَ العِيدِ لأبنائهم القَتلى / بَيْنَ أرشيفِ مُلوكِ الطوائفِ ودُستورِ أُمَرَاءِ الحُروبِ / وَرُعيانُ الغَنَمِ يُمَارِسُونَ الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ البَدويةَ في السُّوقِ السَّوداءِ / بَيْنَ الرَّقيقِ الأبيضِ وَبَرَامِيلِ النِّفْطِ /

     حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ نَهْدَيْكِ أيَّتُها الفراشةُ العَمْيَاءُ / مَتى تَحْتَرِقِينَ بِضَوْءِ دِمَاءِ قَاتِلِكِ الذي يَعْشَقُكِ وَيَخُونُكِ؟/ مَساميرُ نَعْشي صَارَتْ طَوَابِعَ بَرِيدٍ تَذكاريةً / يا حَفَّارَ قَبْري في المساءِ العَمِيقِ/ عِشْ مَوْتَكَ في السَّرابِ / الرِّمالُ تَزْحَفُ في أوعيتي الدَّمويةِ / وَحَبْلُ مِشْنَقتي مِنَ اللازَوَرْدِ / وَنَصْلُ مِقْصَلتي مِنَ الكريستالِ / وأنا الغَرِيبُ بَيْنَ لَوْنِ الغُرُوبِ وَزُجَاجِ القِطَارَاتِ .