11‏/03‏/2024

المطر يكسر شواهد القبور في المساء

 

المطر يكسر شواهد القبور في المساء

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     جِئْتُ إلى السَّرابِ وَحِيدًا / وَذَهَبْتُ إلى الاحْتِضَارِ شَرِيدًا / وَبَقِيَتْ قَطَرَاتُ المَطَرِ عَلى مَساميرِ نَعْشِي/ وَتَصْطَادُ الحَشَرَاتُ نُهُودَ الفَتَيَاتِ في مَوْسمِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وأنا غُربةُ الفِضَّةِ في الشَّفَقِ البَعِيدِ/ أسألُ دَمِي المسفوحَ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ/ كَم سَيَبْقَى جُثماني في ثَلاجةِ المَوْتَى ؟ / البَاعَةُ المُتَجَوِّلُونَ يَبِيعُونَ عِظَامَ المَوْتَى عَلى إشاراتِ المُرُورِ / كَم مَرَّةً يَجِبُ أن أمُوتَ قَبْلَ أن أمُوتَ ؟ / الطريقُ إلى السَّرابِ سَرَابٌ / وَكُرَيَاتُ دَمِي رِمَالٌ مُتَحَرِّكَةٌ / والأمواجُ الفُسْفُورِيَّةُ هَدَمَت القُصُورَ الرَّمليةَ / والأطفالُ يَقْضُونَ وَقْتَ الفَرَاغِ في تَشْرِيحِ جُثةِ البَحْرِ /

     أنا فَأرُ التَّجَارُبِ لا فَأرُ السَّفينةِ / رَأيتُ جُثَثَ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ في حُفَرِ المَجَاري / وأبراجُ الكنائسِ مُزَيَّنةٌ بِرُفَاتِ الرَّاهباتِ في عِيدِ الأنقاضِ / وَالقَرَاصِنَةُ يَجْمَعُونَ أغشيةَ البَكَارَةِ كَطَوَابِعِ البَرِيدِ التَّذكاريةِ / وَالرِّيحُ تَقْتَلِعُ أجْفَانَ النِّسَاءِ الحَجَرِيَّةَ كأشجارِ المَقَابِرِ الزُّجَاجِيَّةِ /

     الفَرَاشَةُ اليَتيمةُ تَخَافُ مِن ضَوْءِ القَمَرِ / وَتُخْفِي حَجْمَ ثَدْيَيْهَا أمامَ النَّخَّاسِ الرُّومَانسِيِّ الأنيقِ / وأنا المنبوذُ في تاريخِ أُمَرَاءِ الحُرُوبِ / أعِيشُ لُغْزًا غَامِضًا في حُقُولِ الصَّلِيلِ وَمَتَاحِفِ الأشلاءِ / بَيْنَ رَغْوَةِ القَهْوَةِ وَرَغْوَةِ الدِّمَاءِ / والاحتضارُ يَكْسِرُ قِنَاعي في أُمْسِيَّاتِ الخريفِ البَارِدَةِ /

     أنا حَنِينُ المَطَرِ إلى أشِعَّةِ القَمَرِ/ قَضَيْتُ حَيَاتي بَاحِثًا عَن السَّرَابِ / لَكِنَّ الرِّيحَ أخْبَرَتْنِي أنَّني أنا السَّرَاب / وكانت عِظَامي المُفَتَّتَةُ هِيَ الشِّعَابَ المَرْجَانِيَّةَ / فلا تَجْرَحُوا مَشَاعِرَ حَفَّارِ القُبُورِ أيُّها القَتلى المَنْسِيُّونَ في المَقَابرِ الجَمَاعِيَّةِ / إنَّ شَوَاهِدَ القُبُورِ كأبوابِ الزَّنازينِ / لَيْسَ عَلَيْهَا سِوَى الأرقام/ أُفَكِّرُ بالدُّودِ الذي سَيَأكُلُ لَحْمَكِ أيَّتُها البُحَيْرَةُ المُضِيئةُ في المساءِ الغامضِ / إنَّ الفُقَرَاءَ يَزْرَعُونَ كُرَيَاتِ دَمِهِم في حُرُوبِ القَبائلِ / كَي يَحْصُدَ الأغنياءُ الغنائمَ / ويَقْتَسِمُوا نُهُودَ السَّبايا / والجَرَادُ يَحْفِرُ الأضرحةَ كَي يَسْرِقَ الأسنانَ الذهبيةَ للأمواتِ/ وَالزَّوَابِعُ المُخْمَلِيَّةُ تُمَثِّلُ بِالجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ تَحْتَ أمطارِ الخريفِ في مَسَاءِ الإعدامِ / والطحالبُ تُزَيِّنُ رُفَاتَ القَتلى في مَوْسِمِ هِجْرَةِ طُيورِ البَحْرِ إلى الحواجزِ العَسكريةِ / وَتَتَعَطَّرُ الفَتَيَاتُ بِالمُبِيداتِ الحَشَرِيَّةِ قَبْلَ ذَبْحِهِنَّ/ في لَيْلَةٍ خَريفيةٍ سِحْرِيَّةٍ بِلا فَرَاشَاتٍ ولا ذِكرياتٍ / وَضَوْءُ القَمَرِ يُطْلِقُ الرَّصَاصَ عَلى حَفَّارِ القُبورِ الأعزلِ/ لَكِنَّ القُبورَ مِنَ الأسْمَنْتِ المُسَلَّحِ / مَاتَ الجُنودُ في مَعركةِ السَّرَابِ بِلا رَوَاتِبَ تَقَاعُدِيَّةٍ ولا أوسمةٍ عَسكريةٍ / وَرُمُوشُ أراملِ الجُنودِ المُتَّشِحَاتِ بِثِيَابِ الحِدَادِ مِنَ البلاستيك / وَلا يَزَالُ عَرَقُ الذُّبَابِ في رَائحةِ الجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ / ولا تَزَالُ رَائِحَةُ الجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ في أَنْفِ الطُّوفَانِ .