12‏/03‏/2024

لن تتخيلي كم أتعذب بدونك

 

لن تتخيلي كم أتعذب بدونك

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

     جَسَدي هُوَ السَّرَابُ الوَهَّاجُ / وَدَمْعِي في ليالي الخريفِ هُوَ الرَّمْلُ / وأنا الغريبُ يا غَريبة / نَبْحَثُ عَن قَطَرَاتِ المَطَرِ التي تَنْحِتُ اسْمَيْنَا عَلى شَاهِدِ القَبْرِ الزُّجَاجِيِّ / والأيتامُ يَهْدِمُونَ القُصورَ الرَّمليةَ قَبْلَ أن يَهْدِمَهَا المَوْجُ النُّحَاسِيُّ / أرى في احتضارِ البُحَيْرَاتِ شَبَابي / أرى في انتحارِ الأنهارِ طُفُولتي / مَاتَ الأيتامُ في طُرُقِاتِ الكُوليرا جُوعًا/ وَجَدُوا الأغاني الوَطنيةَ/ لَكِنَّهم لَمْ يَجِدُوا الخُبْزَ/ وَسَوْفَ نَشتري الأزهارَ الصِّناعيةَ كَي نَضَعَهَا عَلى قُبُورِهِم المُزَخْرَفَةِ /

     نَسِيَت الأُمَّهَاتُ جُثَثَ أبنائِهِنَّ في ثَلاجةِ المَطْبَخِ/ وَضَفَائِرُهُنَّ تَتَكَسَّرُ بَيْنَ السَّائِلِ المَنَوِيِّ وسَائِلِ الجَلْيِ/ وَتَلْمَعُ أظافرُ الفَتَيَاتِ في أزِقَّةِ الجِرذان/ وأشلاءُ الضَّحايا عَلى أزرارِ قُمصانِ النَّوْمِ / وَالحُزْنُ مُزِيلُ عَرَقٍ للإمَاءِ قَبْلَ اغتصابِهِنَّ في مُعَسْكَرَاتِ الاعْتِقَالِ / والعناكبُ تَسْبَحُ في أوعيتي الدَّمويةِ/ والجرادُ يَأكُلُ أغشيةَ البَكَارَةِ للأميراتِ بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ / وَنَسِيَت الرَّاهباتُ حُبُوبَ مَنْعَ الحَمْلِ عَلى مَقَاعِدِ الكَنيسةِ / وَرَحَلَت اليَتِيمَاتُ مِن فِرَاشِ الزَّوْجِيَّةِ إلى فِرَاشِ المَوْتِ /

     سَوْفَ تُصْبِحُ الحَضَارةُ رُومَانسِيَّةً / عِندَما يَبْصُقُ المُخْبِرُونَ عَلى نُهُودِ النِّسَاءِ المُمْتَلِئَةِ بِدُسْتورِ الوَحْدَةِ الوَطنيةِ / وَتَسْبَحُ ضَفَادِعُ المُسْتَنْقَعَاتِ في لُعَابِ القَتْلَى / يا أيَّتُها الحَضَارةُ الضَّائعةُ بَيْنَ بُكَاءِ الأطفالِ وَبُكَاءِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / أيْنَ خَارطةُ المَقابرِ الجَمَاعِيَّةِ ؟ / أيْنَ بُوصَلَةُ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ؟/ سِكَّةُ حَدِيدٍ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ يَا مَدِينَةَ الحُزْنِ للقِطَارَاتِ المُحَمَّلَةِ بِجَثَامِينِ الجُنودِ القَتْلَى / وَلُحُومُ البَنَاتِ مُزَيَّنَةٌ بالطحالبِ في أعراسِ الدَّمِ / خُذْنا إلى هَزيمةٍ جَديدةٍ في حُرُوبِكَ القَبَلِيَّةِ يا فَخَامَةَ المُهَرِّجِ / إنَّ أعلامَ القَبائلِ المُنَكَّسَةَ تَنْهَمِرُ في آبارِ النِّفْطِ مِثْلَ كُحْلِ العَوَانِسِ / يا أيُّها السَّرابُ الجالسُ على عَرْشِ الأنقاضِ / ما فائدةُ الحضارةِ إذا كانَ العَبيدُ يَبْحَثُونَ عن رَغيفِ الخُبْزِ في مُدُنِ الهزيمةِ ؟/ ما فائدةُ التاريخِ إذا كانت الجواري يَبْحَثْنَ عَن أغشيةِ البَكَارَةِ في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ؟/أُوصِيكَ يا نَهْرَ الحُطَامِ أن تَجْلِسَ مَكَاني بَعْدَ اغتيالي / رَائحةُ الكَرَزِ في عِظَامِ العُشَّاقِ / الذينَ يَتَشَمَّسُونَ تَحْتَ أشجارِ المقابرِ في صَبَاحِ الانقلابِ العَسكريِّ /

     في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ تَنْمُو نَبَاتَاتُ الزِّينَةِ عَلى أمعاءِ النِّسَاءِ المَشنوقاتِ / وفي المقابرِ الجَمَاعِيَّةِ تَنْبُتُ الكُوليرا في عِظَامِ الأطفالِ اليَتَامى / فلا تَكْرَهِيني يا بُحَيْرَةَ الرَّمَادِ العَذرَاءَ / إنَّ الأغاني الوَطَنِيَّةَ تَنْتَشِرُ كَالسُّيُوفِ الخَشَبِيَّةِ في أرشيفِ الانقلاباتِ العَسْكَرِيَّةِ / وَطَنٌ مَات / وَكُلُّ شَيْءٍ مَات / وَلَمْ يَعُدْ هُنَاكَ شَيْءٌ نَبْكِي عَلَيْهِ .