13‏/03‏/2024

أول وآخر حب في حياتي

 

أول وآخر حب في حياتي

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

     قَلبي مَات / دَفَنْتُهُ في قُلوبِ الشَّركسياتِ / وَعِشْتُ مَوْتي في مَحطةِ القِطَاراتِ بَيْنَ الصَّقيعِ الأُرْجُوَانِيِّ وَشَوَاهِدِ القُبُورِ المُزَخْرَفَةِ / والرِّيحُ كَتَبَت اسْمِي عَلى نَصْلِ مِقْصَلتي / والمساءُ وَضَعَ قِنَاعِ البَحْرِ بَيْنَ رَسَائِلِ الجنودِ القَتلى / التي تَحْتَرِقُ في مَوْقَدَةِ الشِّتاءِ البَعِيدِ /

     أيَّتُهَا الظَّبْيَةُ التي تُحَطِّمُ ظِلالي وَتَغْتَالُني في لَيالي الخريفِ بِلا رَحمةٍ / أطْلِقِي عَلى صَهِيلِ ذِكْرَياتي رَصَاصَةَ الرَّحمةِ / وَخُذِي حَبْلَ مِشْنَقتي تَذكَارًا للحُبِّ الضَّائِعِ / وَحَرِّرِيني مِن مَناديلِ الوَداعِ عَلى رَصيفِ المِيناءِ/ إنَّ رُمُوشَكِ تَسْحَبُ جُثماني مِن قَاعِ المُسْتَنْقَعِ/ وَلَيْسَ في جُثماني سِوَى طَيْفِكِ أيَّتُهَا الغريبةُ /

     أيَّتُها البُحَيْرَةُ في المساءِ الزَّهْرِيِّ / اترُكِيني كَي أسألَ الليلَ الطويلَ عَن ضَفائرِ أُمِّي / وأسألَ عِظَامي في المَتَاحِفِ المُغلَقَةِ بالشَّمْعِ الأحمرِ / كَيْفَ أتَحَرَّرُ مِن رَائحةِ المَطَرِ في خُدُودِ الشَّركسياتِ ؟ / أنا الصَّحراءُ / بَحَثْتُ عَن السَّرَابِ كَي أقْتُلَهُ / لَكِنِّي عَرَفْتُ أنَّني أنا السَّرَاب / فَكَيْفَ أقْتُلُ نَفْسِي بِنَفْسِي ؟/ أنا المنبوذُ في الأغاني الوَطَنِيَّةِ/ رَمَيْنَا رُفَاتَ الجنودِ في آبارِ الوَدَاعِ/ أنا التَّائِهُ بَيْنَ رَايَاتِ القَبَائِلِ / رَمَيْنَا أكفانَ النِّساءِ في آبارِ البِترولِ / سَأخْتَبِئُ في جَدَائِلِ أُمِّي / إذا اغْتَالَنِي كُحْلُ الشَّركسياتِ في المساءِ الخريفيِّ الجارِحِ/ لَمْ نَسْتَفِدْ مِنَ الحضارةِ إلا التَّطْهِيرَ العِرْقِيَّ/ وَلَمْ نَسْتَفِد مِن الأغاني الوَطَنِيَّةِ إلا ضَيَاعَ الوَطَنِ / فيا سَجَّاني الرُّومَانسِيَّ / لا تَكْسِرْ نافذةَ زِنزانتي التي تُطِلُّ عَلى البَحْرِ الأخيرِ / سَتَخِيطُ الأراملُ أكفانَ النَّوَارِسِ كَمَا تَخِيطُ أشجارُ المقابرِ أعلامَ الدُّوَيْلاتِ البَدَوِيَّةِ اللقيطةِ / وكُلُّ الأعلامِ مُنَكَّسَةٌ /

     يا قَاتِلتي الغامضةَ في لَيالي الهَلَعِ/ إنَّ أعشابَ المَقابرِ تَنْمُو بَيْنَ فِرَاشِ الزَّوجيةِ وَفِرَاشِ المَوْتِ/ خُذي فِرَاشَ المَوْتِ تَذكَارًا للحُبِّ الضَّائِعِ وأحلامِ الطفولةِ المكسورةِ / سَتَعُودُ الطيورُ إلى البَحْرِ في المساءِ الحزينِ / وَيَرْكُضُ الجَرَادُ في قَفَصِي الصَّدْرِيِّ/ وَتَضَعُ الحَشَرَاتُ بُيُوضَهَا في حَنْجَرتي / لَكِنِّي أُدَافِعُ عَن شَرَفِ البُحَيْرَةِ في زَمَنِ الانقلاباتِ العَسكريةِ / فلا تَكْرَهْنِي يا نَهْرَ الرُّفَاتِ / سَأجْلِسُ عَلى عَرْشِ البَحْرِ بَعْدَ اغتيالِ البَحْرِ / يا رِمَالَ البَحْرِ الوَرْدِيَّةَ / خُذي صُورةً تَذكاريةً مَعَ جُثماني الوَهَّاجِ / أقِيسُ البَنَادِقَ بِصَهِيلِ الذكرياتِ / وَيُخَبِّئُ الجُنودُ الخاسِرُونَ ضَفَائِرَ أُمَّهَاتِهِم في فُوَّهَاتِ المَدَافِعِ / وَسَوْفَ يَنْمُو الكَرَزُ في المُسَدَّسَاتِ ذَاتَ مَسَاء / وأكفانُ الفُقَرَاءِ تَصِيرُ فَسَاتِينَ لليَتِيماتِ في مَمَالِكِ الطاعونِ / وَتَنْشُرُ اللاجئاتُ الغسيلَ وَمَنَادِيلَ الوَدَاعِ عَلى أشجارِ المَدَافِنِ .