14‏/03‏/2024

حضارة للنسيان بين فئران السفينة وفئران التجارب

 

حضارة للنسيان بين فئران السفينة وفئران التجارب

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     في الانقلاباتِ العَسكريةِ يَأكُلُ الجَرَادُ عِظَامَ الفُقَرَاءِ / كَي يُضَاجِعَ الأغنياءُ نِسَاءَهُم بِهُدُوءٍ وَدِيمُقراطيةٍ / وَالقَبَائِلُ المُنْقَرِضَةُ تَرْمِي نُعُوشَ النِّساءِ المُغتَصَبَاتِ في آبارِ النِّفْطِ / وَالمَوْجُ يَزْرَعُ جُلُودَ فِئرانِ السَّفينةِ في حَنَاجِرِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى / والرِّيحُ تُحَنِّطُ فِئرانَ التَّجَارُبِ في أمعاءِ العُشَّاقِ العَاطِلِينَ عَن العَمَلِ / وَالبَعُوضُ يَرْكُضُ في الهياكلِ العَظميةِ للإمَاءِ / وَالزَّوَابِعُ تَكْسِرُ الصَّلِيبَ الحدِيدِيَّ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُها الذِّئبةُ النُّحَاسِيَّةُ / سَيَأكُلُ الصَّدَأُ صَلِيبَكِ مِثْلَ صَهِيلِ الذكرياتِ/ وَيَأكُلُ الدُّودُ صَدْرَكِ مِثْلَ سَرَطَانِ الثَّدْيِ / وَالغُرَبَاءُ وَجَدُوا الأغاني الوَطَنِيَّةَ/ لَكِنَّهُم لَمْ يَجِدُوا الوَطَنَ /

     تَنْتَشِرُ الطحالبُ عَلى أجْفَانِ الصَّبَايا المَجروحاتِ عَاطِفِيًّا / كَمَا تَنْتَشِرُ الأعلامُ المُنَكَّسَةُ في مُدُنِ الهزيمةِ / فيا أيُّها السَّرَابُ / نَحْنُ أخَوَانِ في الرَّضَاعَةِ / فَتَعَالَ نَقْتُل الرَّمْلَ / ونَقْتَسِمُ مِيراثَ الأحزانِ وَتُرَاثَ الذِّكرياتِ / نَثَرَ المَوْجُ شَظَايا جَمَاجِمِ العُشَّاقِ في عَصِيرِ البُرتقالِ / وانكَسَرَتْ أحلامُ الطفولةِ في صَوْتِ الرَّعْدِ/ والرَّمَادُ الزَّهْرِيُّ يُعَلِّمُ العُشَّاقَ الخِيانةَ في مَوْسِمِ التَّطْهِيرِ العِرْقِيِّ/

     عِندَما احترقتِ أيَّتُهَا الفَرَاشَةُ بِمِلْحِ دُمُوعي / غَابَتْ شَمْسِي / لَكِنَّ شَمْسَ قَلْبي لا تَغِيبُ / افْتَرِسِيني أيَّتُها الذِّئبةُ الشَّقراءُ / سَيَكُونُ القَتْلُ الرَّحِيمُ شِعَاري بَيْنَ أحلامِ الطفولةِ وَهَدِيرِ الأمواجِ / وأنا المنبوذُ / أبني مَمْلكتي بَيْنَ رَصاصةِ الرَّحمةِ ونَعْنَاعِ المقابرِ /

     أنا جُثةٌ هَامِدَةٌ / فَيَا أخِي الشَّفَق / ضَعْنِي في كِيسٍ بَلاستيكِيٍّ / وَأَطْلِقْ رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى أحلامِ الحُبِّ الأوَّلِ وَذِكرياتِ المَوْتِ الثاني / سَوْفَ تَعْرِفُ أُمِّي بُوصَلَةَ ضَرِيحي / حِينَ تَصْعَدُ أشجارُ البُرتقالِ مِن رُفَاتي / وَتَمُوتُ الأُنوثةُ في سَنابلِ الفَجْرِ الكَاذِبِ /

     يا مَطَرَ الحَضَارَةِ المَالِحَ / لا تَجْرَحْ مَشَاعِرَ ابْنَةِ حَارِسِ المَقْبَرَةِ في العَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّمُوعِ/ لا تَكْرَهْنِي يا رَمْلَ البَحْرِ / حِينَ تأكلُ العَناكبُ أوعيتي الدَّمويةَ / سَتَمْتَدُّ أنابيبُ النِّفْطِ في شَرَايِينِ نِسَاءِ القَبائلِ / وَيَمُوتُ الأطفالُ جُوعًا في القُصورِ الرَّمليةِ / التي سَيَهْدِمُهَا المَوْجِ في لَيالي الانقلاباتِ العَسكريةِ / أيَّتُها المُدُنُ المُحَطَّمَةُ التي تَبْحَثُ عَن جُثَثِ قَتلاها / إنَّ النَّهْرَ المشلولَ يُطْلِقُ الرَّصَاصَ عَلى النَّخَّاسِ الأعزلِ / لَكِنَّ أثداءَ الجَوَاري مِنَ الأسْمَنْتِ المُسَلَّحِ / وَلَمْ يَعُدْ في مَمَالِكِ الطاعونِ عَذَارَى/ أَكَلَ الجَرَادُ أغشيةَ البَكَارَةِ / وَصَهِيلُ الأحزانِ يَكْتُبُ وَصِيَّةَ البَحْرِ عَلى شَظَايَا جَمَاجِمِ الغَرْقَى / وذَهَبَت النِّسَاءُ إلى المَوْتِ المُضِيءِ / وَبَقِيَ صَدَى الضَّحِكَاتِ في المَمَرَّاتِ المُعْتِمَةِ/ وَذَهَبَ الرِّجالُ إلى الاحتضارِ الدَّافِئِ / وَبَقِيَ صَدَأُ السُّعَالِ في الطُّرُقَاتِ الباردةِ .