04‏/03‏/2024

أحلام الطفولة بين الرومانسية الضائعة والكفاح المسلح

 

أحلام الطفولة بين الرومانسية الضائعة والكفاح المسلح

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     أنا جُثةٌ هَامدةٌ في انتظارِ رَصاصةِ الرَّحمةِ / لَكِنَّ بَرِيقَ عُيونِ الشَّركسياتِ لَمْ يَرْحَمْ عِظَامِي في المَسَاءِ القِرْمِزِيِّ / أظافري مَنْسِيَّةٌ بَيْنَ حُطَامِ السُّفُنِ وحُطَامِ قلبي / وأوراقُ الخريفِ تتساقطُ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / الذي تُرَتِّبُهُ أُمِّي في مَسَاءِ الطُّفولةِ البَعيدِ /

     أرْثِي نَفْسِي بَعْدَ مَقْتَلِهَا وأَرِثُهَا/ كَي أُولَدَ بَيْنَ سَنابلِ الغُروبِ وخُدودِ الشَّركسياتِ / أنا حَارِسُ شَاهِدِ قَبْرِ حَفَّارِ القُبورِ / الكِلابُ البُوليسيةُ تُحَاصِرُ أبراجَ الكَنائسِ / وَحِبَالُ المشانقِ مَجْدُولةٌ مِن ضَفائرِ الرَّاهباتِ المَجروحاتِ عاطفيًّا / وَالقَنَّاصُ الأعمى يُطْلِقُ الرَّصاصَ على أفْخَاذِ النِّساءِ في مَملكةِ الطاعونِ / والخُيُولُ النَّحيلةُ تَجُرُّ العَرَبَاتِ المُحَمَّلَةَ بالتَّوابيتِ المُزَخْرَفَةِ في أزِقَّةِ الجِرْذَانِ /

     افْرَحْ أيُّها النَّخَّاسُ في السُّوقِ السَّوداءِ / إنَّ النَّفْطِ يَنْبُعُ مِن حَلَمَاتِ السَّبايا في سُوقِ الرَّقيقِ الأبيضِ / والبَدَوِيَّةُ ترعى الأغنامَ بالتَّنُّورةِ القَصيرةِ / وتَغرَقُ في المِكياجِ / كَمَا تَغرَقُ الأعلامُ المُنَكَّسَةُ في الأغاني الوَطنيةِ / وَطَنٌ ضَائعٌ بَيْنَ المِكْيَاجِ والنِّعَاجِ /

     ذَهَبَتْ أُنوثةُ السَّنابلِ إلى الاحتضارِ الذهبيِّ/ وَبَقِيَ عَرَقُ النِّساءِ عَلى البيانو الوَحيدِ تَحْتَ المَطَرِ/ لَمْ أُشَاهِدْ لَمَعَانَ عَيْنَيْكِ أيَّتُها الفَرَاشَةُ/ لَكِنِّي أعْرِفُ أنَّكِ سَتَمْشِينَ في جِنازتي/ سَوْفَ يَنتشرُ القَنَّاصةُ في أبراجِ الحَمَامِ بَعْدَ ضَياعِ رَسائلِ العُشَّاقِ / وتَنتشرُ جُثَثُ الضَّحايا في الشَّوارعِ / كَيْفَ تَضحكينَ أيَّتُها الذُّبَابَةُ وصَدْرُكِ تَحْتَ الاحتلالِ ؟ / البَقُّ أكَلَ خَشَبَةَ الصَّليبِ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ / وَسَرَطَانُ الثَّدْيِ أكَلَ صَدْرَكِ / لَقَد جَمَعْتِ المَجْدَ مِن أطرافِهِ ! /

     صَوْتُ الرَّعْدِ في ليالي الخريفِ يَكْسِرُ أسنانَ الأمواتِ / والشِّتاءُ يُشَرِّحُ جُثةَ الزَّوبعةِ في الفَجْرِ الكاذبِ / وَيَبِيعُ الأطفالُ عِظَامَ آبائِهِم القَتْلَى عَلى إشاراتِ المُرُورِ تَحْتَ الأمطارِ النُّحَاسِيَّةِ / وَحَبَّةُ الكَرَزِ التي نَسِيَهَا المَوْجُ في هَيْكَلي العَظْمِيِّ صَارَتْ بُندقيةً /

     الخَنْجَرُ المَسمومُ بَيْنَ نَهْدَيْكِ أيَّتُها الغَزَالَةُ المَشلولةُ / وَصَلِيلُ أسنانِ النِّساءِ الفَقِيرَاتِ هُوَ النَّشِيدُ الوَطَنِيُّ للدُّوَيْلاتِ البَدَوِيَّةِ اللقِيطَةِ / وَضَاعَتْ رَائحةُ المَطَرِ بَيْنَ الجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ التي ألْقَاهَا الغُزاةُ في طُرُقَاتِ القُمامةِ / وَرَحَلَ الغُرَبَاءُ مِن بُيُوتِهِم / وَبَقِيَتْ آثَارُ الرَّصَاصِ عَلى الحِيطانِ /

     هَنِيئًا لَكَ أيُّها الجَلَّادُ / تَسْمَعُ مَدِيحَ ضَحَايَاكَ في مَوْسِمِ القَرَابين / فَكُن قَائِدَنا الرَّمْزَ بَعْدَ سُقوطِ الرُّموزِ في أبجديةِ النَّخيلِ / وَكُن المُخَلِّصَ كَي تُنْقِذَنا مِن مِلْحِ الدُّموعِ في تَوَهُّجِ الصَّهيلِ / إنَّ رَغْوَةَ القَهْوَةِ في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ تُنَظِّفُ دُخَانَ القَرَابينِ مِن أرشيفِ الوَدَاعِ .