05‏/03‏/2024

موسم تزاوج الأمطار في دماء الفقراء

 

موسم تزاوج الأمطار في دماء الفقراء

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     أُمَّةٌ بَدَوِيَّةٌ بَاعَتْ شَرَفَهَا / وَبَحَثَتْ عَن شَرَفِهَا بَيْنَ أفْخَاذِ النِّسَاءِ / النَّشِيدُ الوَطَنِيُّ في الدَّوْلَةِ المُنْقَرِضَةِ يَصْطَادُ أثداءَ النِّسَاءِ / وَيُعَلِّقُهَا عَلى أعمدةِ الكَهْرَبَاءِ مِثْلَ رَايَاتِ القَبَائِلِ / وَرَائحةُ المَطَرِ تُنَظِّفُ مَساميرَ تابوتي مِنَ الصَّدَأ/واللاجئاتُ يَنْشُرْنَ قُمصانَ النَّوْمِ عَلى سُورِ مَقْبرتي/وَخُدُودُ النِّسَاءِ كَالغِرْبَالِ مِن أثَرِ الرَّصاصِ / والفِئرانُ الأُرْجُوَانِيَّةُ تأكلُ جَدائلَ النِّساءِ في الهديلِ المَعْدِنِيِّ / وَطُيُورُ البَحْرِ تَكْسِرُ عِظَامَ الأمواتِ في القُصورِ الرَّمليةِ / التي يَهْدِمُهَا المَوْجُ الأخضرُ في المساءِ الأزرقِ /

     المَدَافِعُ عَلى تِلالِ الوَدَاعِ / والقَنَّاصَةُ في أبراجِ الحَمَامِ / وَجُثماني مَنثورٌ كَشَظايا المرايا في أزِقَّةِ الجِرذان/ والجُثَثُ مَتروكةٌ للقِطَطِ والكِلابِ في طُرُقَاتِ القُمامةِ / والجنودُ المهزومونَ يَبْحَثُونَ عَن الأوسمةِ العَسكريةِ بَيْنَ الأنقاضِ / والعصافيرُ تُلْقِي أشلائي في آبارِ الرَّحيلِ /

     يَرْكُضُ الجَرَادُ في حَناجرِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / والجنودُ الذينَ هَرَبُوا مِنَ المعركةِ / نَسُوا طُبُولَ الحربِ في مَسْرَحِ العَرائسِ/ والبَاعَةُ المُتَجَوِّلُونَ يَبِيعُونَ رُفَاتَ الأراملِ في طُرُقَاتِ الثَّلْجِ المَنْسِيَّةِ / يا أيَّتُهَا الضَّحِيَّةُ التي تَمْدَحُ جَلَّادَهَا / لَن تَجِدِي ضَوْءَ القَمَرِ في المُسْتَنْقَعَاتِ الفُسْفُورِيَّةِ /

     في الليلِ الطويلِ / يَأكُلُ الحُزْنُ قَلْبي نَسْرًا نَسْرًا / أَتَوَهَّجُ في احتضاراتي / وَأُضِيءُ انتحاراتي أمامَ طُيُورِ البَحْرِ / كَي تَعْرِفَ طَرِيقَهَا إلى أكْفَانِ البَحَّارَةِ القَدِيمَةِ / والبَحْرُ يُشَرِّحُ جُثةَ الرِّياحِ بَيْنَ أوراقِ الخريفِ وَرِمَالِ الشُّطآنِ /

     الجُثمانُ الغامضُ المُسَجَّى عَلى عَرَبَةٍ عَسْكَرِيَّةٍ/تَجُرُّهَا الكِلابُ البُوليسيةُ في شَوَارِعَ بِلا أسماء/ تِلْكَ المدينةُ التي تَحْمِلُ شَوَارِعُهَا أرقامَ القَتْلَى / مَاتت الأسماءُ / ولا تاريخَ للأنقاضِ سِوَى الأرقامِ/ والزَّوابعُ تُعَبِّئُ الجُثَثَ وَالخُضَارَ في الأكياسِ البلاستيكيةِ /

     نَسِيَت الأراملُ مَلاقِطَ الحَوَاجِبِ عَلى سُورِ المقبرةِ/قَبْلَ ذَهَابِهِنَّ إلى شَوَاهِدِ القُبُورِ المُزَخْرَفَةِ/يا قَاتِلَتِي في الليلةِ الخريفيةِ الغامضةِ / لَقَدْ سَقَطَت الدُّوَلُ كَقِطَعِ الشُّوكولاتةِ في يَوْمٍ مُشْمِسٍ مُنَاسِبٍ للرَّحَلاتِ المَدْرَسِيَّةِ وَحَفَلاتِ المَشَانِقِ / وَصَارَتْ قَصِيدتي هِيَ دَوْلَتي / لَقَدْ رَحَلَت الفَرَاشَةُ التي أَحْبَبْتُهَا / وَغَطَّتْ نَعْشِي بأجْنِحَتِهَا المُضِيئةِ / وَصَارَتْ أبجديةُ النَّخيلِ هِيَ زَوْجَتي وعَشِيقتي /

     حَبْلُ الغسيلِ مُعَلَّقٌ بَيْنَ سُورِ المقبرةِ والحواجزِ العَسكريةِ / رَمَيْنَا جُثَثَ الجنودِ في صَناديقِ القُمامةِ / وَاحْتَفَلْنَا بِعِيدِ الجُنْدِيِّ المجهولِ / رَمَيْنَا الأوسمةَ العَسكريةَ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / وَاحْتَفَلْنَا بِعِيدِ استقلالِ النُّعُوشِ عَن المساميرِ/وَالعَنَاكِبُ الذهبيةُ تتكاثرُ بَيْنَ أسنانِ الضَّحَايا الفِضِّيةِ.