06‏/03‏/2024

الشركسية هي الشمس في ظلمات دمي

 

الشركسية هي الشمس في ظلمات دمي

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     الحُزْنُ في عُيُونِ الشَّركسياتِ البَرِيئَةِ / وَرَائِحَةُ المَطَرِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / كِلاهُمَا يَأكُلُ قلبي وَرْدَةً وَرْدَةً/ طَيْفُ الشَّركسياتِ عَلى زُجَاجِ القِطَارَاتِ/لَكِنَّ الصَّقِيعَ في مَحطةِ القِطَاراتِ يَأكُلُ لَحْمِي/ وَيَشْرَبُ ذِكْرَياتي / افْرَحِي يَا أُمِّي/ يَنْتَظِرُني مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ بَيْنَ عِظَامِ الأمْوَاتِ المَنْسِيَّةِ في المَدَافِنِ اللازَوَرْدِيَّةِ / وَحْدَهُ ضَوْءُ القَمَرِ هُوَ الشَّاهِدُ عَلى دُمُوعِ الشَّركسياتِ في لَيالي الخريفِ القِرْمِزِيَّةِ /

     بَعْدَ اختفاءِ وُجُوهِ الشَّركسياتِ في الشَّفَقِ البَعِيدِ/صِرْتُ أخافُ مِن نَفْسِي/أخافُ مِنَ الناسِ/ أخافُ مِنَ المَرَايا / أخافُ مِنَ الذِّكرياتِ / صِرْتُ فَأرًا مَنبوذًا يَهْرُبُ مِن أنيابِ الماضي / أنا الشَّاةُ الجَرْبَاءُ التي تَهْرُبُ مِنَ الذَّبْحِ في مُدُنِ الطاعونِ / عِشْنَا في مَملكةِ السَّرابِ كَي نَحْفَظَ أرقامَ الضَّحَايا / وَلَمْ يُعَلِّمُوني في مَدْرَسَةِ القَرَابينِ الفَرْقَ بَيْنَ المَسْرَحِ وَالمَسْلَخِ /

     في ليالي الخَرِيفِ المُقْمِرَةِ يَتَوَهَّجُ الكُحْلُ في عُيونِ الشَّركسياتِ / في ليالي الشِّتاءِ الحزينةِ تَلْمَعُ الفِضَّةُ في خُدُودِ الشَّركسياتِ / وأنا الرَّاحِلُ مِن دِمَائي الكِلْسِيَّةِ / وأنا الرَّحيلُ مِن غَاباتِ القُوقازِ إلى أشِعَّةِ القَمَرِ / والصَّدَأُ يَكتبُ الأغاني الوَطنيةَ بَيْنَ مَساميرِ النُّعوشِ وَبَوَّابَاتِ المقابرِ /

     طَيْفُ الشَّركسياتِ يُحَاصِرُنِي في شِتَاءِ الدُّموعِ / كَمَا يُحَاصِرُ شَجَرُ المقابرِ أضرحةَ الغُرَبَاءِ في الغُروبِ / وأوراقُ الخريفِ تتساقطُ عَلى جَدَائلِ الشَّركسياتِ / وَتَرْحَلُ طُيُورُ البَحْرِ إلى الأضرحةِ القِرْمِزِيَّةِ/ كَمَا تَرْحُلُ وُجُوهُ الشَّركسياتِ إلى الشَّفَقِ الأُرْجُوَانِيِّ / ضَاعَ الوَطَنُ في الأغاني الوَطنيةِ / لَكِنَّ قَلْبَ الشَّركسيةِ الغامضةِ هُوَ وَطَنِي وَمَنْفَايَ/ وأنا الغريبُ المَنْسِيُّ بَيْنَ مَقاعدِ مَحطةِ القِطَارَاتِ وَصَقِيعِ الذِّكرياتِ / وَعِظَامُ الضَّحايا تُزَيِّنُ جُدرانَ غُرفتي كالأوسمةِ العَسكريةِ الصَّدِئَةِ /

     تاريخي مَاتَ في المساءِ الفَيْرُوزِيِّ/ والأمواجُ دَفَنَتْهُ في أرْوَاحِ الشَّركسياتِ / بَرِيقُ عَيْنَيْكِ أيَّتُهَا الفَرَاشَةُ يُحْرِقُ أجْنِحَتَكِ / وَيَفْتَرِسُ رُفَاتي الذي يُزَيِّنُ لَوْحَاتِ المتاحفِ / والأغرابُ يَكْتُبُونَ الأغاني الوَطنيةَ بَيْنَ رَغْوَةِ قَهْوَتي وَرَغْوَةِ دِمَائي / وَأشِعَّةُ القَمَرِ تُحْرِقُ الطحالبَ التي تَنْمُو عَلى جُثماني في قَاعِ المُسْتَنْقَعِ/رُوحِي مَاتتْ مِثْلَ صَهِيلِ المَوْجِ/ وَدَفَنْتُهَا في أرواحِ الشَّركسياتِ التي تَحْرُسُ قَناديلَ زِنزَانتي / انكَسَرَتْ أحلامُ الطفولةِ كَشَظَايَا المَزهرياتِ/ وَخَبَّأتُ طُفولتي في مَرايا الشَّركسياتِ/ بَيْنَ وَمِيضِ البَرْقِ وَصَوْتِ الرَّعْدِ/ أُخَزِّنُ مِلْحَ دُمُوعي في رُموشِ الشَّركسياتِ/ حُزني مَات/ وَدَفَنْتُهُ في أحزانِ الشَّركسياتِ في لَيْلِ الشِّتاءِ/ وَغَسَلْتُ يَدِي مِن النِّساءِ / وَكَسَرْتُ أُنوثةَ السَّنابلِ / وأطفأتُ شُمُوعَ الذِّكرياتِ/ وَرَحَلْتُ مِن شَراييني النُّحَاسِيَّةِ / وَوَضَعْتُ استقالتي عَلى مَكْتَبِ البُحَيْرَةِ الغامضةِ.