27‏/03‏/2025

توابيت زجاجية تحت مطرقة المطر

 

توابيت زجاجية تحت مطرقة المطر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     أُمِّي مَاتتْ / لَكِنِّي أَشُمُّ رَائِحَةَ المُلُوخِيَّةِ في الشِّتاءِ البَعيدِ / الذي يَتَفَجَّرُ في حِيطَانِ بَيْتِنا المهجورِ/ فيا أيُّها الأطفالُ الذينَ يَبْنُونَ القُصورَ الرَّمليةَ عَلى شَاطئِ الرَّحيلِ / إنَّني أرَاكُم عَلى فِرَاشِ المَوْتِ في ذَلِكَ الخريفِ البَعيدِ / أركضُ في طُرُقَاتِ الليلِ بَاكِيًا / قَطَرَاتُ المَطَرِ تَخْتَلِطُ بِدُمُوعي / وَلَن يَرَى دُمُوعي إلا ضَوْءُ القَمَرِ /

     قَلْبي مَات / دَفَنْتُ قَلْبي في الغُيومِ اللازَوَرْدِيَّةِ / تَحَرَّرْتُ مِن جَاذِبِيَّةِ العِشْقِ / خَرَجَ النَّجْمُ مِنَ المَدَارِ كَي يَحْتَرِقَ وَحِيدًا في غَاباتِ الوَدَاعِ / أنا أحزانُ المساءِ / أتَفَجَّرُ لأُضِيءَ أوعيتي الدَّمويةَ للجَرَادِ والقَرَاصِنَةِ / وأركضُ إلى سُورِ المقبرةِ / وَاثِقًا بِحُرُوفِ اسْمِي عَلى شَاهِدِ قَبْري / وَطُيُورُ البَحْرِ تأكلُ أكفاني بَيْنَ أوراقِ الخريفِ وصَفِيرِ القِطَاراتِ التي تَذهَبُ ولا تَعُودُ /

     أكَلَ سَرَطَانُ الثَّدْيِ صَدْرَ البُحَيرةِ / والرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ تَرْمِي التَّنُّورَةَ فَوْقَ الرُّكْبَةِ في حَاوِيَةِ القُمَامَةِ / كُنتُ رُومَانسِيًّا مِثْلَ دِيدَانِ المقابرِ / لَكِنَّ نُهُودَ النِّساءِ المقطوعةَ في أكوامِ المَزَابِلِ / والمِكياجُ يَسِيلُ في حُفَرِ المَجَاري /

     النِّساءُ المَصلوباتُ عَلى أعمدةِ الكَهْرَباءِ في مُدُنِ المَلاريا / والبَعُوضُ يَكْتُبُ دُستورَ الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ / والقَرَاصِنَةُ يَجْمَعُونَ أغشيةَ البَكَارَةِ كَطَوَابعِ البَرِيدِ التَّذكَارِيَّةِ / وَسَوْفَ تُصْبِحُ بَنَاتُ آوَى رُومَانسِيَّاتٍ / حِينَ يَسِيلُ دَمُ الحَيْضِ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ /

     سَأظلُّ مِثْلَ نافذةِ السِّجْنِ وَحِيدًا/ وأبحثُ عَن جَدَائِلِ أُمِّي بَيْنَ قَطَرَاتِ الدَّمْعِ وَقَطَرَاتِ المَطَرِ / وَتَضِيعُ أحلامُ الطُّفولةِ بَيْنَ الخَنْجَرِ المَسمومِ وَرَسَائِلِ السُّجَنَاءِ / قُتِلَ النَّهْرُ في اشتباكٍ مُسَلَّحٍ / ولا تاريخَ لأظافرِ الفَرَاشَاتِ إلا العَطَش / وَنَحْنُ الأطفالُ الأيتامُ / نَتَعَلَّمُ أبجديةَ أشجارِ المقابرِ كَي نَكْتُبَ قَصَائِدَ الرِّثَاءِ / وَنَتَعَلَّمُ الرِّياضياتِ كَي نَحْسُبَ عَدَدَ المساميرِ في نُعُوشِ آبَائِنا /

     لا تُشْفِقِي عَلَيَّ يَا أشِعَّةَ القَمَرِ / إنني أبكي تَحْتَ المَطَرِ في طُرُقَاتِ الجِرذان / لِكَيْلا يَرَى الليلُ دُمُوعي / أبْنِي مَمْلَكَتِي المُنْهَارَةَ بَيْنَ وَمِيضِ البَرْقِ وَلَمَعَانِ عُيُونِ الشَّرْكَسِيَّاتِ / وأعلامُ قَلْبِي مُنَكَّسَةٌ / سَأُمَجِّدُ المَوْتَ قَبْلَ أن أمُوتَ / جُثماني حَجَرُ الزَّاويةِ في قَصْرِي الرَّمْلِيِّ / الذي سَيَهْدِمُهُ المَوْجُ الكَاسِرُ/ وكُلُّ كَاسِرٍ مَكْسُورٌ / أركضُ في شَهيقي المُوحِشِ / وأبكي في صَدْري المُتَوَحِّشِ/ وَدَمْعُ النَّوَارِسِ يَغسِلُ بَلاطَ زِنزانتي/ لَقَد اقتربتُ مِنَ المَوْتِ كَثِيرًا/ أُمِّي أنجَبَتْنِي للمَوْتِ/ وَتَسْتَعِدُّ للبُكَاءِ عَلَيَّ / وِلادتي هِيَ العَدُّ التَّنَازُلِيُّ / ومُنْذُ مِيلادي وأنا أسِيرُ إلى اللَّهِ .