31‏/01‏/2024

النساء صاحبات الوجوه الأسمنتية

 

النساء صاحبات الوجوه الأسمنتية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............................

     خُدُودُ النِّسَاءِ مِنَ الأسْمَنْتِ المُسَلَّحِ / والأجفانُ مِنَ النُّحَاسِ / أَكْرَهُكِ يا مَدِينةَ الأوهامِ / أكْرَهُكِ يا أوهامَ المدينةِ / فَلا تُحْرِقِي رِئتي بالمطرِ الأزرقِ / إنَّ دَمِي لَيْسَ أزرق /

     الصَّحراءُ مَجروحةٌ عَاطِفِيًّا / بَعْدَ اكتشافِ خِيانةِ الرَّمْلِ في مُتْحَفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَطُفُولةُ البَحْرِ تَكْبَرُ تَحْتَ الحِصَارِ كأشجارِ المقابرِ / والعناكبُ تُضِيءُ البَرَاوِيزَ في غُرفتي الباردةِ / أَجْلِسُ عَلى صُخورِ الشَّاطئِ عِندَ الغُروبِ / وأنتظِرُ القَراصنةَ كَي يَهْدِمُوا قَصْري الرَّمْلِيَّ / والعُشَّاقُ رَحَلُوا مِن شُطآنِ الدَّمْعِ إلى أزِقَّةِ الجِرْذَانِ /

     افْرَحْ أيُّها المشنوقُ الرُّومَانسِيُّ / سَيَكُونُ حَبْلُ مِشْنَقَتِكَ مِنَ الحريرِ / وَاحْزَنْ يَا حَارِسَ المقبرةِ/ لأنَّ دُودةَ القَزِّ مَاتَتْ في مَناديلِ الوَدَاعِ / سَيَأكُلُ الدُّودُ جُثماني الطازَجَ بَيْنَ أضرحةِ السِّيراميك / رَقَبَةُ المَلِكَةِ المَلْسَاءُ تَحْتَ صَخَبِ المِقْصَلَةِ/ وَقُمصانُ النَّوْمِ على حِبَالِ المشانقِ أَوْ حِبَالِ الغسيلِ/ وَجَاءَ مَوْعِدُ الأرَقِ قَبْلَ تنفيذِ حُكْمِ الإعدامِ في الفَجْرِ الكَاذِبِ / الزَّوابعُ أَغْلَقَت السِّيركَ بالشَّمْعِ الأحمرِ / سَقَطَتْ لاعبةُ السِّيركِ عَن حَبْلِ الذِّكرياتِ المُخْمَلِيِّ / وَعَادَ المُهَرِّجُ إلى أطفالِهِ بَاكِيًا في آخِرِ الليلِ / والصَّقيعُ أَغْلَقَ المَلْهَى الليلِيَّ بالشَّمْعِ الأحمرِ / والرَّاقصةُ المشلولةُ نَسِيَتْ مَوْعِدَ العَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ / والكوليرا تَفْتَرِسُ خُدُودُ الأطفالِ تَحْتَ ضَوْءِ أعمدةِ الكَهْرَبَاءِ / في شَوَارِعِ الرَّصَاصِ الحَيِّ / سَيَظَلُّ جُثماني شَوْكَةً في حَلْقِ البُحَيْرَةِ / وأَركضُ في طُرُقَاتِ المساءِ اللازَوَرْدِيِّ وَحِيدًا / كَي أَهْرُبَ مِن جِلْدي الخائنِ الذي يَكْشِفُ أسراري لأشِعَّةِ القَمَرِ المَعْدِنِيَّةِ /

     أَبْنِي مَملكةَ الوَهْمِ بَيْنَ مِلْحِ الدَّمْعِ وَمِلْحِ البَحْرِ / وَفِئرانُ التَّجَارُبِ نَسِيَت الأوسمةَ العسكريةَ في مَعركةِ السَّرابِ / أركضُ في أزِقَّةِ المَرْفَأ الغارقِ كالفأر المذعورِ / أبحثُ عَن بُوصلةِ احتضاري / وأُنَقِّبُ في جِلْدِي عَن خَارطةِ قَبْري / والذِّئبُ الوَحيدُ يُحَاوِلُ إخراجَ الرَّصاصةِ مِن جَسَدِهِ /

     ألْعَبُ بِكُرَيَاتِ دَمِي في الوَقْتِ الضَّائِعِ/ وأبيعُ أشلائي على إشاراتِ المُرُورِ / كَي أشتريَ نَهْرًا أدْفِنُ فِيهِ أبي/ وأقْضِي وَقْتَ الفَرَاغِ في تَشريحِ جُثتي/ كَي أَعْرِفَ هَلْ أنا القاتلُ أَمِ المَقتولُ / والأيتامُ يَقْضُونَ العُطلةَ الصَّيْفِيَّةَ في حَفْرِ القُبُورِ لأُمَّهَاتِهِم / وَذَهَبَت الفَتَيَاتُ إلى بَرِيقِ الاحتضارِ / وَبَقِيَ لَمَعَانُ أظَافِرِهِنَّ عَلى البيانو / تَمُوتُ الذِّكرياتُ في مَعركةِ الوَهْمِ / واللبُؤَاتُ المَجروحاتُ عَاطِفِيًّا تَتَقَاسَمُ كَبْسُولَةَ السِّيَانَيْدِ / كَمَا يَتَقَاسَمُ الفُقَرَاءُ رَغِيفَ الخُبْزِ / حَبْلُ المِشْنَقَةِ الزُّمُرُّدِيُّ/ وأظافرُ السَّجَّانِ مِنَ الكَهْرَمَانِ/ وَتَنفيذُ حُكْمِ الإعدامِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ .

30‏/01‏/2024

حظر تجول في هيكلي العظمي

 

حظر تجول في هيكلي العظمي

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     أنا الجُثْمَانُ المُحَنَّطُ في مَتَاحِفِ الغُزاةِ/ أَحْرُثُ جَسَدَ المطرِ بَحْثًا عَن أحلامِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ / والرِّيَاحُ تَحْرُثُ جَدَائِلَ أُمِّي بَحْثًا عَن نَهْرِ الوَدَاعِ/ وَلَمْ أَسْتَفِدْ مِن أعلامِ القَبائلِ المُنَكَّسَةِ إلا الطَّعْنَ في الظَّهْرِ / وَسَرِقَةَ المِلْحِ مِن خُبْزِ أُمِّي / دِفْءُ فِرَاشِ المَوْتِ في ليالي الخريفِ الباردةِ / والمَوْجُ يَنْكِحُ بَوَّابَةَ المَقبرةِ / والأطفالُ القَتلى يَغرَقُونَ في دِمَائِهِم وَضَفَائِرِ أُمَّهَاتِهِم /

     سَقَطَ تَارِيخُنا عِندَما سَقَطَت الأوسمةُ العسكريةُ في آبارِ النِّفْطِ / وَسَقَطَت الحضارةُ عِندَما سَارَ قَطِيعُ الغَنَمِ إلى حَافَةِ الجَبَلِ / وانكَسَرَ مِزْمَارُ الرَّاعي تَحْتَ وَمِيضِ البَرْقِ / ومَاتَ الرَّاعي والرَّعِيَّةُ /

     كَيْفَ عَرَفَ حَارِسُ المقبرةِ خَارِطَةَ ضَرِيحي بِلا دَلِيلٍ سِيَاحِيٍّ ؟/ كَيْفَ عَرَفَ حَفَّارُ القُبورِ عَنَاوِينَ القَتلى ؟ / كَيْفَ عَرَفَتْ أشجارُ الكَرَزِ رَقْمَ صُندوقِ بَريدي ؟ / تَمُوتُ الرِّمالُ المُتَحَرِّكَةُ في مَعركةِ السَّرابِ / والعناكبُ تأكلُ حَلَمَاتِ النِّساءِ القَتيلاتِ /

     كُنْتُ سَأصِيرُ رُومَانسِيًّا / لَوْ لَمْ يَتَجَسَّد الشَّيطانُ في المَرْأةِ / كُنْتُ سَأصِيرُ شَجَرَةً / لَوْ لَمْ تَتَجَسَّدْ حِبَالُ المشانقِ في السَّنابلِ/ قَلْبي يُرَاوِدُ الرَّصاصةَ عَن نَفْسِها/فيا أيَّتُها الرَّاهبةُ المشلولةُ/ كَيْفَ تَمْشِينَ إلى غُرفةِ الاعترافِ في ليالي الصَّقيعِ ؟ / الصَّليبُ يَحْفِرُ الطريقَ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ كَسِكَّةِ الحديدِ / ونَصْلُ المِقصلةِ بَيْنَ الرِّئَتَيْنِ / فَكَيْفَ تَتَنَفَّسِينَ شَظَايَا الأُنوثةِ ؟ / الحَلِيبُ البَنَفْسَجِيُّ يَسِيلُ عَلى الثَّلْجِ الأزْرَقِ / وأشجارُ البُرتُقَالِ تَطْلُعُ مِنَ الهَيَاكِلِ العَظْمِيَّةِ /

     أنا المَلِكُ المَخْلُوعُ / والسَّبايا فَي قَصْري المهدومِ مَجروحاتٌ عاطفيًّا / دُوَيْلَةٌ لَقِيطَةٌ بَيْنَ مُلوكِ الطوائفِ وشُيوخِ القَبائلِ/ عَلَمٌ مُنَكَّسٌ بَيْنَ شُيوخِ القبائلِ وأُمَرَاءِ الحُرُوبِ / والحَشَرَاتُ تُحَنِّطُ نُهُودَ رَاعِيَاتِ الغَنَمِ في آبَارِ النِّفْطِ /

     أَوْصَى النَّهْرُ بالتَّبَرُّعِ بِأعْضَائِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ للبُحَيْرَةِ الخائنةِ/ وأنا المُهَاجِرُ في أوردتي البلاستيكيةِ/ أحْشُو بُنْدُقِيَّتي بِدُمُوعي كَالذَّخِيرَةِ المَغشوشةِ / وَفِرَاشُ مَوْتي لَوْحَةٌ فَنِّيةٌ في مُتْحَفِ القَبائلِ / التي تَتصارعُ عَلى مِلْحِ الدُّموعِ وآبارِ النِّفْطِ وقُمصانِ النَّوْمِ للجَوَارِي /

     نَبِيعُ كُرَيَاتِ دَمِنَا الحمراءَ على إشاراتِ المُرُورِ الخضراءِ / وَنشتري السَّبايا في سُوقِ النِّخَاسَةِ بالبِطَاقاتِ المَصْرِفِيَّةِ / البَدْوُ الرُّحَّلُ باعوا أعلامَ القبائلِ المُنَكَّسَةَ في سُوقِ الرَّقيقِ الأبيضِ / كَي يُحَوِّلُوا البَدَوِيَّاتِ إلى شَرْكَسِيَّاتٍ / وَرَاعِيَةُ الغَنَمِ تَلْعَبُ التِّنسَ الأرضيَّ بالتَّنُّورَةِ فَوْقَ الرُّكبةِ / حَقًّا /  لا شَرَفٌ لِصَحْرَاءِ الطُّغَاةِ سِوَى السَّرَابِ / ولا تاريخٌ لِمُلُوكِ الطوائفِ سِوَى آبَارِ النِّفْطِ في الرِّمَالِ .

29‏/01‏/2024

جاذبية الحزن في عيون الشركسيات

 

جاذبية الحزن في عيون الشركسيات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

     أَحْمِلُ في ألواحِ صَدْرِي ذِكْرَيَاتٍ تُحْرِقُني بِلا رَحْمَةٍ/ فَأَطْلِقِي رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى ذِكْرَياتي التي لا تَرْحَمُنِي/ أركضُ في غَاباتِ القُوقازِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ/لأكتشفَ الحُزْنَ في عُيونِ الشَّركسياتِ/ فَلا تَكْرَهِينِي يَا ضَفَائِرَ أُمِّي/ أنا حُطَامُ السُّفُنِ وأنقاضُ البُيُوتِ وَشَظَايَا المَزهرياتِ / أَحْمِلُ بِذرَةَ النِّهايةِ في بِدَايَةِ شَرَاييني / وأُخَزِّنُ لَوْنَ البَحْرِ في دَمِي اللازَوَرْدِيِّ / الذي يَنْبُعُ مِن ذَاكِرَةِ أملاحِ الدَّمْعِ / وَيَصُبُّ في أَزِقَّةِ المَوَانِئِ البَعِيدَةِ /

     أنا قَاتِلُ ذَاكِرَةِ السَّرابِ / وضَحِيَّةُ ذِكرياتِ النَّهْرِ / تَفْتَرِسُنِي ظِلالُ الشَّركسياتِ في ليالي الخريفِ الكريستالِيَّةِ / كَمَا يَفْتَرِسُ المَوْجُ القُصُورَ الرَّمليةَ في أحلامِ الطُّفولةِ البَعيدةِ /

     أَيَّتُها الجُثَّةُ المُتَفَحِّمَةُ ذَاتُ الأسنانِ الذهبيةِ / حَبْلُ مِشْنَقتي مِن فِضَّةِ العِشْقِ القَاتِلِ / وَرَقَبَةُ المَلِكَةِ الناعمةُ تَحْتَ مِقْصَلةِ المساءِ الحزينِ / المَقبرةُ شَقَّةٌ مَفروشةٌ / وَشَوَاهِدُ القُبورِ أثاثٌ مُسْتَعْمَلٌ / أنا الغريبُ / أَدْخُلُ إلى أنقاضِ قَلْبي فلا أجِدُ مَن يَسْتَقْبِلُنِي/ أنا المَنبوذُ / أَخْرُجُ مِن أنقاضِ بَيْتِي فلا أَجِدُ مَن يَسْتَقْبِلُنِي/ عُدْتُ مِنَ مَعركةِ العِشْقِ مَهْزُومًا/ وَلَمْ أَجِد امرأةً أبكي عَلى صَدْرِها في أرشيفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَلَم يَعُدْ هُنَاكَ دُوَلٌ / كَي نَكْتُبَ دُسْتُورَهَا بِكُحْلِ الصَّبايا /

     في الفَجْرِ الكاذبِ / تتساقطُ دُموعُ الذِّئبةِ في مَزهرياتِ غُرفةِ الاعترافِ/ ويتساقطُ المطرُ النُّحَاسِيُّ عَلى مَساميرِ نَعْشِي الحديديةِ / ضَوْءُ القَمَرِ يَحْرُثُ شَرَاييني / ويَحْصُدُ كُرَيَاتِ دَمِي بالمِنْجَلِ المُضِيءِ / وَطَيْفُكِ أيَّتُها اللبُؤَةُ المَجروحةُ عَاطِفِيًّا يَحْرُسُ عَالَمِي / وأنتِ خَارِجَ عَالَمِي / تُضِيئِينَ أشجارَ مَقبرتي / وأنتِ في صَخَبِ عِظَامِي /

     كَتَبَ العُشَّاقُ الخَوَنَةُ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ عَلى كَبْسُولاتِ السِّيَانَيْدِ / ونَسُوا أن يَمُوتوا / افْرَحِي يا أرملةَ البَحْرِ / إنَّ ثِيَابَ الحِدَادِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / وَصُحُونُ المطبخِ مَلْفُوفَةٌ بالأكفانِ المغسولةِ بِدَمْعِ البُحَيراتِ / غَسَلْتُ يَدِي مِن دِمَاءِ الغُيومِ / وأنتظرُ ضَوْءَ القَمَرِ كَي يَزْرَعَ خَنْجَرَهُ في ظَهْرِي /

     لا تُنَكِّسُوا الأعلامَ عِندَما يَغتَالُ قَلْبي وَمِيضُ البَرْقِ / لأنَّ الأعلامَ دَائِمًا مُنَكَّسَةٌ / العناكبُ تُزَيِّنُ سَاعَةَ الحائطِ في زِنزانتي/ التي تُطِلُّ عَلى شَرَاييني المفتوحةِ في جَسَدِ البَحْرِ / والمَوْجُ رَمَى أحزانَ العَالَمِ في حَنْجَرَتي / والنَّهْرُ هُوَ الجُنديُّ المهزومُ / يَصْنَعُ مِن أسنانِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ أوسمةً عَسكريةً / أنا المنبوذُ في أوردتي البلاستيكيةِ/ والمُهَاجِرُ مِن ذَاكرةِ الطحالبِ التي تَنْمُو في أوعيتي الدَّمويةِ .

28‏/01‏/2024

جثة منسية على رصيف الميناء

 

جثة منسية على رصيف الميناء

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     السَّبايا مَقتولاتٌ في غُرفةِ الاعترافِ / وَرُومَانسِيَّاتٌ في طَوَابِيرِ استلامِ الرَّاتِبِ الشَّهْرِيِّ / وأنا المذبوحُ في ليالي الشِّتاءِ اللازَوَرْدِيَّةِ / وَسَوْفَ تُزْهِرُ جُثتي في الرَّبيعِ الدَّامي / أنا مُؤرِّخُ المعاركِ الخاسرةِ / لَكِنَّ طَيْفِي الغريقَ انتصرَ عَلى البَحْرِ في المساءِ الرَّهيبِ /

     سَوْفَ تَرْمِي الزَّوابعُ الأُرْجُوَانِيَّةُ رَمَادَ الجُثَثِ المُحْتَرِقَةِ/بَيْنَ أشجارِ النَّخيلِ في جَزيرةِ السَّرابِ/ أنا تاريخُ الحُبِّ الضائعِ في مَدِينةِ الوَهْمِ / أنا جُغرافيا أحلامِ الطفولةِ الضَّائعةِ في مَملكةِ السَّرابِ / وَمَملكتي لَيْسَتْ في هذا العَالَمِ /

     أنا الرُّبَّانُ المقتولُ بَيْنَ الشِّعَابِ المَرْجَانِيَّةِ وَحُطَامِ السُّفُنِ / فلا تَكْرَهْنِي يا مَوْجَ البَحْرِ / وَعِشْ ذِكْرياتي نِيابةً عَنِّي / وَكُنْ دِفْءَ فِرَاشِ المَوْتِ في عِظَامي / وَكُنْ شَمْعَةَ حَيَاتي في مَمَاتي /

     وَقَعَ سَائِلُ الجَلْيِ في أشلاءِ النِّساءِ عَلى البَلاطِ الباردِ / والعاصفةُ تَجْلِي الصُّحونَ بالسَّائلِ المَنَوِيِّ / وأجنحةُ الجَرَادِ تتساقطُ في شُقُوقِ حَنْجَرتي / والرِّيحُ تُغَيِّرُ جِلْدَهَا بَيْنَ أعشابِ المقابرِ ورَغْوَةِ القَهْوَةِ / التي يَشْرَبُهَا حَفَّارُ القُبورِ في فَترةِ الاستراحةِ / ولا اسْتِرَاحَةَ للمُحَارِبِ سِوَى الدُّمُوع/

     إشَارَةُ المُرُورِ في شَارِعِ التَّوابيتِ خَضْرَاءُ/ لَكِنَّ الأيتامَ يَبِيعُونَ كُرَيَاتِ دَمِي الحمراءَ على إشارةِ المُرُورِ / والشَّظَايا في الحَنَاجِرِ / والزَّوابعُ تَرْسُمُ صُورةَ احتضاري في المساءِ القِرْمِزِيِّ / وَحَبَّاتُ المطرِ تَنهمرُ عَلى خُدُودِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / كَمَا تَنهمرُ أشِعَّةُ القَمَرِ عَلى رُخَامِ ضَرِيحي /

     أطفالُ حَفَّارِ القُبورِ / بَنَادِقُهُم البلاستيكيةُ مَطْلِيَّةٌ بِعُشْبِ الأضرحةِ / سأظلُّ حَيًّا في قَلْبِ امرأةٍ غامضةٍ / تبكي في ليالي الشِّتاءِ وَحيدةً / صَخَبُ الدِّماءِ وَهِيَ تَنْهَمِرُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / وَضَجِيجُ المطرِ وَهُوَ يَكْسِرُ عِظَامَ المَوْتَى الطازَجَةَ /

     مَطْرُودٌ أنا مِن أشِعَّةِ القَمَرِ في قُرْطُبَة / مَقْتُولٌ أنا في ضَوْءِ الشَّمْسِ في غَرْناطة / والأكفانُ البَيْضَاءُ تُغَطِّي أثاثَ المَنَافي الجَلِيدِيَّةِ / مَاتَ أبي في الخريفِ / والبَقُّ أَكَلَ عُكَّازَتَهُ / مَاتَتْ أُمِّي في الشِّتاءِ / والصَّقيعُ أَكَلَ ضَفَائِرَهَا / وأنا مُتُّ في الرَّبيعِ/ ولَيالي الصَّيفِ الأُرْجُوَانِيَّةُ تُحَنِّطُ جُثماني في زُجَاجِ القِطَاراتِ / مَاتَتْ لَيْلَى / والذِّئبُ يُنَظِّفُ أخشابَ تابوتي بأملاحِ دَمْعِهِ / وكَسَرَ ضَوْءُ القَمَرِ مَسَامِيرَ نَعْشِي / والزَّوابعُ البَنَفْسَجِيَّةُ تُلْقِي رُفَاتَ الجُنودِ في حُفَرِ المَجَاري / وفِئرانُ السَّفينةِ تَرْمِي الأوسمةَ العسكريةَ في تِلالِ النُّفَاياتِ/بُورصةُ الإمَاءِ/ وَسِعْرُ غِشَاءِ البَكَارَةِ حَسَبَ سِعْرِ بِرْمِيلِ النِّفْطِ/ والعَوَاصِفُ المُخْمَلِيَّةُ تَكْتُبُ الرَّسَائِلَ الغَرَامِيَّةَ بَيْنَ الخَنَاجِرِ والحَنَاجِرِ .

27‏/01‏/2024

شروط الشفق لتسليم جثتي

 

شروط الشفق لتسليم جثتي

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     الزَّوابعُ تُغنِّي بَيْنَ أسنانِ الضَّحايا وشَوَاهِدِ القُبورِ / لأنَّ مَوْسِمَ تَزَاوُجِ الجَرَادِ بَدَأَ في عِظَامي/ أظافري تُضِيءُ طَرِيقِي في مَرَافِئِ الجِرذان / وَتَلْمَعُ الأمطارُ عَلى حَبْلِ مِشْنَقَتِي كأجفاني النُّحَاسِيَّةِ /

     تَصُبُّ الدِّيدانُ الكُحْلَ في آبارِ القُرَى المَزروعةِ بالحواجزِ العسكريةِ وكَاميراتِ المُرَاقَبَةِ / كَمَا يَصُبُّ الخَلِيفةُ المَنِيَّ والنِّفْطَ في أرحامِ السَّبايا / نَجْمَعُ جَدَائِلَ النِّساءِ المُغتَصَبَاتِ مِثْلَ لَوْحَاتِ المَتَاحِفِ / رَمى المساءُ الأوسمةَ العسكريةَ في أكوامِ النُّفاياتِ في شَوارعِ الحضارةِ / والعَوَاصِفُ تُلْقِي جُثَثَ الجُنودِ المَهْزُومِينَ في حاوياتِ القُمَامَةِ في أزِقَّةِ الدَّمْعِ / فلا تَقْلَقْ يَا سَجَّاني وَسَجِيني / إنَّ الرَّاقصاتِ في المَلاهِي الليلِيَّةِ سَيُحَرِّرْنَ فِلِسْطِين /

     يُضِيءُ مِلْحُ دُمُوعي بَيْنَ الشَّايِ والنَّعناعِ / فَاشَرَبِيني يا سَنَابِلَ بِلادي / كَي أُولَدَ في كُحْلِ البُحَيراتِ / وأمُوتَ في تِلالِ الذِّكرياتِ / النَّهْرُ مُصَابٌ بانفصامِ الشَّخصيةِ / وأنا قَاتِلُ الذاكرةِ وَضَحِيَّةُ الذِّكرياتِ/أُقَدِّمُ أشلائي هَدِيَّةً لابنةِ حَفَّارِ القُبورِ/ بِمُنَاسَبَةِ زَوَاجِ شَوَاهِدِ القُبورِ في حَنْجَرتي/

     مَاتَ الوَطَنُ على أثاتِ المَنَافِي الحَدِيدِيِّ / فَمَا فَائِدَةُ الأغاني الوَطَنِيَّةِ ؟ / مَاتَت الدَّولةُ في ابتساماتِ العُشَّاقِ الخَوَنَةِ / فَمَا فَائِدَةُ مَحْكَمَةِ أمْنِ الدَّولةِ ؟ /

     أعْرِفُ أنَّ ضَوْءَ القَمَرِ سَيَطْعَنُنِي في الظَّهْرِ / أركضُ في شَوارعِ الليلِ وَحِيدًا / وأُحْرِقُ الأرصفةَ القَذِرَةَ بِمِلْحِ دُموعي/ وَدَمِي يَصْرُخُ بِلا وَطَنٍ ولا مَنْفى/ أبكي بلا تاريخٍ ولا جُغرافيا / كَي أتَحَرَّرَ مِن طَيْفِ الشَّركسياتِ في ليالي الشِّتاءِ الحزينةِ /

     أنا المَوْلُودُ في السَّرابِ الأُرْجُوَانِيِّ / المقتولُ في الرِّمَالِ المُتَحَرِّكَةِ / وَكُحْلُ الشَّركسياتِ يَتساقطُ في شَظَايَا جُمْجُمَتِي / سَوْفَ تَمُوتُ أيُّها الذِّئبُ عِندَما لا تَتَوَقَّعُ المَوْتَ / سَوْفَ تَأتِيكَ الطَّعْنَةُ القاتلةُ مِنَ الحُلْمِ الذي لَمْ تَتَخَيَّلْهُ / وَالمَرْأةُ التي تَضْحَكُ لَكَ في لَيالي الصَّيْفِ / هِيَ التي سَتَضَعُ لَكَ السُّمَّ في فِنْجَانِ القَهْوَةِ في لَيْلَةٍ خَريفيةٍ باردةٍ /

     أرجوكَ يَا وَمِيضَ البَرْقِ / إذا وَجَدْتَ جُثتي مُقَطَّعَةً وَمَتْرُوكَةً عَلى الرَّصيفِ / فَادْفِنْ أشلائي في جَدَائِلِ أُمِّي / ولا تَحْزَنْ عَلَيَّ / سَوْفَ أنبعثُ في تِلالِ بِلادي / مُسَدَّسًا ضَوْئِيًّا وذاكرةً تَنقَلِبُ عَلى الذِّكرياتِ / يَا أيُّهَا البَدَوِيُّ الدِّيمُقْرَاطِيُّ/ كُنْ خَنْجَرَ الذاكرةِ بَيْنَ المِكْيَاجِ والنِّعَاجِ/ أنا المَنبوذُ بَيْنَ بُكَاءِ الرِّياحِ وأشجارِ الصَّنوبرِ في المَقبرةِ/ كُلَّمَا نَظَرْتُ إلى مَرايا الرَّعْدِ رَأيتُ وَجْهَ قَاتِلَتِي / ذَهَبَ الجُنودُ إلى المعركةِ وَلَن يَعُودُوا / ولا تَزَالُ زَوْجَاتُهُم يَنْتَظِرْنَ أمامَ نوافذِ الخريفِ في المساءِ .

26‏/01‏/2024

جرعة زائدة من الذكريات

 

جرعة زائدة من الذكريات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     المطرُ القِرْمِزِيُّ يَصْقُلُ مَرَايَا الإعدامِ / فَلْتَمُتْ أيُّها النَّهْرُ المشلولُ مُرْتَاحَ الضَّمِيرِ / وَدَافِعْ عَن الأندَلُسِ أيُّها البَدَوِيُّ الدِّيمُقْرَاطِيُّ / وَدَافِعْ عَن فِلِسْطِينَ يا رَاعِي الغَنَمِ الليبرالِيَّ /

     صَهِيلُ الذِّكرياتُ هُوَ السَّرَطَانُ الذي سَيَأكُلُ صَدْرَكِ أيَّتُها البُحَيرةُ المغرورةُ / والعصافيرُ اليتيمةُ تَبني أعشاشَها في فُرُوجِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / فيا أيَّتُها السَّاحرةُ العَمْياءُ / سَوْفَ يُحَاصِرُكِ المِلْحُ في دُمُوعِ عَاشِقِكِ وَقَاتِلِكِ / سَيُصْبِحُ الصَّيَّادُ فَريسةً/ ويَنْقَلِبُ السِّحْرُ عَلى السَّاحِرِ / وتَتساقطُ مَساميرُ النُّعوشِ في الأغاني الوَطنيةِ بَعْدَ ضَيَاعِ الوَطَنِ/ وَالعَاصِفَةُ تَنْشُرُ الغسيلَ عَلى حَبْلِ مِشْنَقتي /

     وَدَاعًا أيُّها الأيتامُ الذينَ يَبِيعُونَ عَلى إشاراتِ المُرُورِ العِلْكَةَ ودُسْتُورَ الوَحْدَةِ الوطنيةِ / سَلامًا أيُّها السَّرابُ الذي يَغتَصِبُ الصَّحراءَ بَيْنَ كُرَيَاتِ دَمِي وَنِقَاطِ التَّفتيشِ العَسْكَرِيَّةِ / أنا المَنبوذُ / فَابْحَثِي يا تلالَ الوَهْمِ عَن عَرِيسٍ آخَر/ أنا المهزومُ/ فَابْحَثْ يا وَمِيضَ البَرْقِ عَن رَايَةٍ غَيْرِ مُنَكَّسَةٍ / أنا المكسورُ/ فَابْحَثِي يا أدغالَ الصَّدى عَن فَرِيسةٍ أنيقةٍ / أنا المقتولُ / فَابْحَثِي يا مَناديلَ الوَدَاعِ عَن ضَحِيَّةٍ جَديدةٍ / سَأعِيشُ في قَلْبِ الزَّوابعِ ذَاكِرَةً / لا تَنْقَلِبُ عَلى الذِّكرياتِ / سَأمُوتُ في رِئَةِ العَوَاصِفِ تاريخًا لا يَخُونُ الجُغرافيا / والأغرابُ يَبْنُونَ السُّفُنَ للفِئرانِ وَحِكَايَاتِ البَحَّارَةِ الغَرْقى /

     كُونِي يَا بُحَيْرَةَ الصَّدَأ رُومانسِيَّةً مِثْلَ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ / أجنحةُ الحَشَرَاتِ تَتساقطُ على أغشيةِ البَكَارَةِ في مَوَانِئِ الكُوليرا / وأكْفَاني مَنْسِيَّةٌ في الشَّارِعِ تَحْتَ أمطارِ الخريفِ الليلِيَّةِ / فَاسْمَعْ صَوْتَ المطرِ حِينَ يَرْتَطِمُ بِمَساميرِ نَعْشِي في المساءِ الجارحِ / كُلَّما نَظَرْتُ إلى المِرْآةِ رَأيْتُ وَجْهَ القَنَّاصِ الذي سَيُطْلِقُ عَلَيَّ رَصَاصَةَ الرَّحمةِ /

     كُن عَاطِفِيًّا حِينَ يَسْقُطُ المِكْيَاجُ في حُفَرِ المَجَاري / وَتُصْبِحُ لَيْلَةُ الدُّخلةِ سِفْرَ الخُروجِ مِن جِلْدِ الفَرَاشَاتِ / وتُصْبِحُ مَحاكمُ التَّفتيشِ تاريخًا لأجنحةِ الذُّبَابِ / نَتَوَارَثُ الأعلامَ المُنَكَّسَةَ كالجِيناتِ / وَرَّثَنَا آباؤُنا هَزَائِمَهُم / وذَهَبُوا إلى غُرَفِ النَّوْمِ / نَتَوَارَثُ الهَزَائِمَ كَفَوَاتِيرِ الكَهْرَبَاءِ / فَكُنْ رُومَانسِيًّا حِينَ يُصْبِحُ سِعْرُ العَوَانِسِ حَسَبَ سِعْرِ بِرْمِيلِ النِّفْطِ /

     تُعْرَضُ جُثتي في ثَلاجَةِ المَوْتَى/ كَمَا تُعْرَضُ اللوحاتُ في المَتَاحِفِ/ وأشِعَّةُ القَمَرِ تَدْفِنُنِي لَيْلًا / لِكَيْلا يَنْبُشَ الذُّبَابُ قَبْري / فَيَا أيَّتُهَا البُحَيْرَةُ المشنوقةُ بِضَفَائِرِ شَعْرِهَا / جِينَاتُ حَبْلِ المِشنقةِ في ثُقوبِ جِلْدي / التي تَنْمُو فِيها الطحالبُ / وأنا الرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ في جُغرافيا الوَهْمِ / أنا وَارِثُ الهزائمِ وَتُرَاثُ الأمواجِ / أنا وَصَايَا القَتِيلِ وَوَصِيَّةُ القَاتِلِ .

25‏/01‏/2024

لقد عشت تحت الأرض

 

لقد عشت تحت الأرض

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

     أنا مَيْتٌ مُنْذُ قُرُون / فَكَيْفَ تَقْتُلُوني ؟ / لا تَكْرَهِيني يا أشِعَّةَ الشَّمْسِ / أنا أكْرَهُ نَفْسِي /     لا تُدَمِّرْني يا ضَوْءَ القَمَرِ / أنا أُدَمِّرُ نَفْسِي بِنَفْسِي /

     قَطِيعُ الكِلابِ يَتَشَمَّسُ بَيْنَ أكوامِ الجُثَثِ المتروكةِ في الشَّوارعِ/ وأشلائي أُغْنِيَةٌ وَطنيةٌ بَيْنَ الفَرَائِسِ والعَرَائِسِ/ وصُحُونُ المَطْبَخِ المهجورِ هُدْنةٌ بَيْنَ أُمَرَاءِ الطوائفِ وأُمَرَاءِ الحُروبِ /  وَحَلَمَاتُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ تُزَيِّنُ نَصْلَ المِقْصَلةِ كَحَبَّاتِ الكَرَزِ /

     قُتِلْتُ في ظُروفٍ غامضةٍ / وَسُجِّلَت القَضِيَّةُ ضِدَّ مَجهولٍ / عِشْتُ مَجهولًا / وَمُتُّ مَجهولًا / سَلامٌ للأمواتِ الذينَ يُزَيِّنُونَ مَوْتَهُم بِعِظَامِهِم الذهبيةِ/ السَّلامُ عَلى الجُثَثِ ذَاتِ الأسنانِ النُّحَاسِيَّةِ/ إنَّ أمعائي دُسْتُورٌ لِمَملكةِ الوَهْمِ/ التي يَبْنِيهَا شَجَرُ المقابرِ بَيْنَ صَفِيرِ القِطَاراتِ وَصَفَّارَاتِ الإنذارِ /

     لَن يَنْتَصِرَ النَّهْرُ عَلى البُحَيْرَةِ/ لأنَّهُ مَهْزُومٌ مِنَ الدَّاخِلِ/ والشَّفَقُ كَسَرَ قَلْبَ ابنةِ حَارِسِ المقبرةِ/ والشَّظايا تَنَاثَرَتْ بَيْنَ أعشابِ الأضرحةِ / والبَدْوُ الرُّحَّلُ صَارُوا أُمَرَاءَ للمُؤمِنين / ورَاعِي الغَنَمِ صَارَ فَيْلَسُوفًا/ والطاغيةُ صَارَ شَهِيدًا/ وقَاطِعُ الطريقِ صَارَ رَئِيسَ دَوْلَةٍ/ فَابْنِ دَوْلَةَ السَّرابِ بَيْنَ أنقاضِ رِئتي المهجورةِ وأنقاضِ بَيْتِنا المهجورِ /

     أكفاني مِن أجنحةِ الفَرَاشَاتِ / والبَقُّ يَأكُلُ أخشابَ نَعْشِي / سَأمُوتُ في قَلْبِ أُمِّي / وأنبعثُ في الزِّنزانةِ الانفرادِيَّةِ تُفَّاحًا وسَنَابِل / وأشِعَّةُ القَمَرِ تُشَرِّحُ جُثماني لِتَعْرِفَ عِيَارَ رَصَاصَةِ الرَّحمةِ / التي أَطْلَقَهَا عَلَيَّ النَّهْرُ الأعمى / إنَّ وَجْهِي إلى البَحْرِ / لَكِنَّ فِئرانَ السَّفينةِ تأكلُ أشلائي في أزِقَّةِ المِيناءِ / أفتحُ شَوَارِعَ رِئتي أمامَ الغَيْمَاتِ الخضراءِ / لَكِنَّ كُرَيَاتِ دَمِي تَسِيلُ في حُفَرِ المَجَاري في الشَّوارعِ الخَلْفِيَّةِ / وَمِلْحُ دُموعي هُوَ حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ الشَّركسياتِ والبُوسنيَّاتِ /

     كُنْ دِيمُقْرَاطِيًّا أيُّهَا الحُزْنُ / عِندمَا تَبيعُ الأراملُ الخُضَارَ أمامَ المحاكمِ العَسكريةِ / كُنْ رُومَانسِيًّا أيُّها العُشْبُ/عِندَما يَقْتَرِضُ أبي ثَمَنَ أكفاني / ويَدْفِنُ المطَرُ رُفَاتي في الغُيومِ المُخْمَلِيَّةِ /

     الكِلابُ الضَّالَّةُ تَنْبُشُ القُبُورَ بَحْثًا عَن الجَثَامِينِ الطَّازَجَةِ/ والدُّودُ يَأكُلُ خُدُودَ النِّساءِ الطَّرِيَّةَ/ وَحَبْلُ المِشْنَقَةِ يَلْتَفُّ حَوْلَ عُنُقِ البُحَيْرَةِ النَّاعِمِ /

     جُثماني مَنْسِيٌّ عَلى الرَّصيفِ / تَحْتَ الأمطارِ في لَيْلِ الخريفِ / وغَابَةُ القُلوبِ المكسورةِ / تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الجارحةِ / لا تاريخٌ لِجَوَارِحِنَا سِوَى جِيَفِ الطُّيورِ الجارحةِ / ولا جُغرافيا للزَّوبعةِ سِوَى مِطْرَقَةِ التَّوابيتِ الزُّجاجيةِ .

24‏/01‏/2024

في يوم نحس مستمر

 

في يوم نحس مستمر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     لا تَزَالُ في أُذُنِي دَقَّاتُ الكَعْبِ العَالِي عَلى الرَّصِيفِ/في تِلْكَ الليلةِ الخريفِيَّةِ الباردةِ/ فَلا تَقْتُلِيني أيَّتُها اللبُؤةُ الغامضةُ بِلا مَوْعِدٍ ولا ذِكرياتٍ / إنَّ أُمِّي تَنْتَظِرُ أن أَعُودَ إلَيْهَا في قَلْبِ الليلِ الرَّهِيبِ / أنا الرُّبَّانُ المنبوذُ/ أحْمِلُ جِنْسِيَّةَ الشَّفَقِ / وتاريخي تَكْتُبُهُ فِئرانُ السَّفينةِ/ والبَحَّارَةُ ذَهَبُوا مَعَ عَشِيقَاتِهِم إلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَبَقِيَتْ الرَّسائلُ الغَرَامِيَّةُ في قَاعِ البَحْرِ / وبَقِيَ الشَّايُ الباردُ عَلى ألواحِ التَّوابيتِ / التي نَثَرَهَا المَوْجُ في أزِقَّةِ المَرْفَأ المُعْتِمَةِ /

     البَحْرُ مُصَابٌ بالزَّهايمر / لَكِنَّهُ لَمْ يَنْسَ أن يُغْرِقَنِي / البُحَيْرَةُ مُصَابَةٌ بِسَرَطَانِ الثَّدْيِ / لَكِنَّهَا أَمَرَتْنِي أن أبكيَ عَلى صَدْرِهَا / أَكْمَلْتُ أُسْطُورَتي في اللامَكَانِ / وأَنْهَيْتُ رِسَالَتي في اللازَمَانِ /  وَلَمْ يَعُدْ أمَامِي إلا الاحتضار / لَن تَكْتَمِلَ مُغَامَرَتي إلا بِالمَوْتِ / الذي يُحَنِّطُ الحِبْرَ في شَرَاييني / ويُخَلِّدُني / ويُكْمِلُ دَائِرَةَ الذِّكرياتِ / إنَّ المَوْتَ هُوَ حَيَاتي الجديدةُ / وأنا حُزْنُ المَرَافئِ القَدِيمُ /

     أشِعَّةُ القَمَرِ تُطَهِّرُ أوعيتي الدَّمويةَ مِنَ الطحالبِ والمقاصلِ/وتَنْمُو السَّنابلُ عَلى حَبْلِ مِشْنَقتي / ويَزْرَعُ سَجَّاني لَوْنَ البَحْرِ في دَمِي الأخضرِ/ وابتسامةُ النَّهْرِ الغامضةُ تَحْصُدُ قُضبانَ زِنزانتي / أسْمَعُ صَدَى نِعَالِ النَّخَّاسِينَ بَيْنَ نُهُودِ السَّبايا المَحْقُونةِ بالانقلاباتِ العسكريةِ / والرِّيحُ القِرْمِزِيَّةُ تَسْمَعُ قَرْقَعَةَ عِظَامِ الأمواتِ / في حَدِيقَةِ النُّعوشِ النُّحاسيةِ /

     لا تَفْتَخِرِي بِحَجْمِ ثَدْيَيْكِ يَا ابنةَ حَفَّارِ القُبُورِ / إنَّ سَرَطَانَ الثَّدْيِ مِثْلُ دُودِ المقابرِ / لا يُفَرِّقُ بَيْنَ قُمْصَانِ النَّوْمِ وَثِيَابِ الحِدَادِ / جُثمانُ التُّفاحِ مَحْفُوظٌ في صُندوقِ البَرِيدِ / والحَمَامُ الزَّاجِلُ أُصِيبَ بالزَّهايمر / وأضاعَ رَسائلَ العُشَّاقِ / عَرَقُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ يُزَيِّنُ أعلامَ القَبائلِ المُنَكَّسَةَ / وَحَرْبُ شَوَارِعَ في مَدينةِ الأشباحِ/ وانتشارُ الجُثَثِ في الشَّوارعِ/ بَيْنَ القِطَطِ الضَّالَّةِ والكِلابِ البُولِيسِيَّةِ/ والخَدَمُ يُضَاجِعُونَ المَلِكَاتِ عَلى وَقْعِ النَّشِيدِ الوَطَنِيِّ/ بَعْدَ مَوْتِ الوَطَنِ وَسُقُوطِ الدَّولةِ / ضَاعَتْ قَارُورةُ العِطْرِ في المَزْبَلَةِ / والأغاني الوَطنيةُ كَانَتْ تاريخًا للمَهْزَلَةِ /

     طُيُورُ البَحْرِ نَسِيَتْ عِظَامَهَا في الشَّفَقِ/ وَسَاعِي البَرِيدِ رَمَى الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ في حَنجرةِ البَحْرِ / أُنَقِّبُ عَن كُحْلِ الصَّبايا في تُرابِ المقابرِ / فما فائدةُ أن يَكُونَ قَلْبي تُفاحةً بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبورِ ؟  /  ما فائدةُ أن أكُونَ وَرْدَةً صِنَاعِيَّةً بَيْنَ الأضرحةِ الرُّخَامِيَّةِ ؟ / جُثماني مَنْسِيٌّ تَحْتَ الأمطارِ الوَرْدِيَّةِ / ودُمُوعي تَتَجَمَّدُ في الليلِ تَحْتَ لَمَعَانِ البَارُودِ / سَيَجْمَعُ حَفَّارُ القُبورِ الأزهارَ البلاستيكِيَّةَ في المقبرةِ / وَيَبِيعُهَا عَلى إشاراتِ المُرُورِ / كَي يَشْتَرِيَ طَعَامًا لأطفالِهِ الجِيَاعِ .

23‏/01‏/2024

الطريق إلى المقبرة في ليل الشتاء

 

الطريق إلى المقبرة في ليل الشتاء

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     ذَهَبَ أبي إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ عُكَّازَتُهُ تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / ذَهَبَتْ أُمِّي إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ ضَفَائِرُها في صُحُونِ المَطْبَخِ / ذَهَبَتْ بَنَاتُ حَفَّارِ القُبُورِ في رِحْلَةٍ مَدْرَسِيَّةٍ إلى شُمُوسِ الأضرحةِ / وَلَم يَرْجِعْنَ / انكسرَ الصَّوْتُ / وانكسرَ الصَّدى / وأنا التَّائِهُ في شَراييني / أبني مَرْفَأَ الدَّمْعِ بَيْنَ الذِّكرياتِ والحَشَرَاتِ /

     الأزهارُ البلاستيكِيَّةُ عَلى قُبُورِ الجِيَاعِ / ثَمَنُهَا كانَ يَكْفِي لإطْعَامِهِم / جُثَثٌ للبَيْعِ في المَزَادِ العَلَنِيِّ/ كُرَيَاتُ دَمِي البَيْضَاءُ للبَيْعِ في السُّوقِ السَّوداءِ/ أَعْشَقُ البُحَيْرَةَ لَكِنِّي لا أَثِقُ بِهَا/ فيا أشجارَ المقبرةِ / كُونِي أنيقةً مِثْلَ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ قَبْلَ لَيْلَةِ الدُّخلةِ / بَيْنَ رُخَامِ الأضرحةِ وأثاتِ المَنَافي /  كَيْفَ أهْرُبُ مِن أظافري يا أُمِّي ؟ / إنَّ أشِعَّةَ القَمَرِ تَغْرِسُ الخَنْجَرَ المَسمومَ في أمعائي / كَيْفَ أهْرُبُ مِن جِلْدِي يا أبي ؟/ إنَّ أرقامَ الزَّنازينِ الانفرادِيَّةِ على أوعيتي الدَّمويةِ / وأنا الجُنديُّ الخاسرُ / أهْرُبُ مِن مَعركةِ الذاكرةِ / وأنامُ على الأسلاكِ الشَّائكةِ في أرشيفِ الضَّحايا /

     اغْتَنِمْ فُرْصَةَ مَوْتِكَ بَيْنَ الفَرَائِسِ والرَّهَائِنِ/ العَاصِفَةُ تَدْفِنُ رُفَاتَ النَّهْرِ تَحْتَ الأعلامِ المُنَكَّسَةِ/ وَكُلَّمَا هَجَمَ الليلُ عَلى عِظَامي المنثورةِ في حَدَائِقِ البُكَاءِ / رَأيْتُ حَنَاجِرَ القَتْلَى عَلى حِيطانِ غُرْفَتي/ ضَوْءُ القَمَرِ يُنَظِّفُ هَيْكَلِي العَظْمِيَّ مِن سُعَالِ اللبُؤَاتِ / وَتَتَسَاقَطُ أجنحةُ الحَشَرَاتِ عَلى نَصْلِ مِقْصَلَتِي / سَأصِيرُ رُومَانسِيًّا عِندَما يَسْقُطُ المِكْيَاجُ في حُفَرِ المَجَاري / سَأصِيرُ عَاطِفِيًّا عِندَما يَرْمِي الفَيَضَانُ قُمْصَانَ النَّوْمِ في حَاوِيَاتِ القُمَامَةِ /

     أيَّتُها الأرملةُ الشَّابَّةُ / ادْفِنِي زَوْجَكِ في أوراقِ الخريفِ / وانشُري الغسيلَ على سُورِ المقبرةِ / ضَعِي خُطَّةً عَسكريةً لاصطيادِ العَرِيسِ الجديدِ / سَوْفَ تَصطادُ الفَرِيسَةُ صَيَّادَهَا/ وَتَتَقَمَّصُ الضَّحِيَّةُ جَلَّادَهَا / إنَّ سُورَ المَقبرةِ يَفْصِلُ بَيْنَ مَلاقِطِ الغسيلِ ومَلاقِطِ الحَوَاجِبِ / كَمَا يَفْصِلُ الحاجِزُ العَسْكَرِيُّ بَيْنَ جُثمانِ أبي وَضَجِيجِ البَحْرِ /

     ازْرَعِيني في الغُيومِ أيَّتُها الرَّصاصةُ/ سَيَنْمُو التُّفاحُ في شَظَايَا جُمْجُمَتي / احْصُدِيني في الرِّمالُ أيَّتُها الأمواجُ/ سَيَنْمُو البُرتقالُ في هَيْكَلي العَظْمِيِّ / أظافِرُ العَبِيدِ مَغرُوسَةٌ في نُهُودِ المَلِكَاتِ بَعْدَ الانقلابِ العَسْكَرِيِّ / والبَحْرُ يُنَظِّمُ حَفْلًا لِتَأبِينِ البُحَيْرَةِ الخائنةِ / والزَّوابعُ تَجْمَعُ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ لابنةِ حَفَّارِ القُبورِ في المساءِ الرَّهيبِ / أَكَلَتْ أشِعَّةُ القَمَرِ قُمَاشَ أكفاني / وأنا الآنَ أَمُوتُ عَارِيًا / سَامِحْنِي يا أبي / وَلا تَخْجَلِي مِن جَسَدِي يَا طُيُورَ البَحْرِ .

22‏/01‏/2024

مقبرة للسبايا ومطعم للعائلات

 

مقبرة للسبايا ومطعم للعائلات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     أَحْتَرِقُ مِنَ الدَّاخِلِ/ لأدْفَعَ كُرَيَاتِ دَمِي إلى هَاوِيَةِ الصَّهيلِ/ أتَفَجَّرُ مِنَ الخارِجِ/ لأُضِيءَ جُثمانَ البَحْرِ أمامَ الطُّيُورِ المُهَاجِرَةِ / فَكُنْ أُغْنِيَةً وَطنيةً في دُوَيْلَةٍ لَقِيطَةٍ / كَي تَكْتَشِفَ أجسادَ الأمواتِ تَحْتَ التُّرابِ / وتُضِيءَ أعشابَ المقابرِ أمامَ الدُّودِ فَوْقَ التُّرابِ /

     في المساءِ الجارِحِ / تَرْكُضُ أشجارُ المقابرِ إلى عِظَامي / شَظَايَا جَمَاجِمِ النِّسَاءِ في دَلْوِ البِئْرِ الوَحِيدِ / في القَرْيَةِ التي يُحَاصِرُهَا الجُوعُ والجُثَثُ والحواجزُ العسكريةُ / وأشِعَّةُ القَمَرِ تُحْرِقُ الطحالبَ في الهياكلِ العَظْمِيَّةِ / وَكُلَّمَا نَظَرْتُ في المِرْآةِ رَأيْتُ صُورَةَ قَاتِلِي /

     مَاتَ أبي في لَيْلِ الشِّتاءِ البَعيدِ / ولا تَزَالُ أُمِّي تَحْتَفِظُ بِمَلابِسِهِ في خِزَانَةِ البُكَاءِ/ سَيَنْمُو النَّعناعُ على حَبْلِ مِشْنَقتي / وَيَرْمِي وَمِيضُ البَرْقِ الأزهارَ الصِّنَاعِيَّةَ عَلى ضَرِيحي / والإعصارُ يُؤَدِّي التَّحِيَّةَ العَسْكَرِيَّةَ لِجُثمانِ البَحْرِ /

     الإعدامُ بالكُرْسِيِّ الكَهْرَبَائِيِّ / لَكِنَّ الكَهْرَبَاءَ مَقْطُوعَةٌ عَن مَدِينةِ السَّرَابِ/ والزَّوْبَعَةُ الأُرْجُوَانِيَّةُ تَنْتَظِرُ نُمُوَّ ثَدْيَيْهَا كَي تُتَاجِرَ بِهِمَا/ سلامٌ للعَرَائِسِ اللواتي يَقْضِينَ شَهْرَ العَسَلِ في ثَلاجَةِ الجُثَثِ / والجِنِرَالُ المهزومُ يُلَمِّعُ أَوْسِمَتَهُ العَسْكَرِيَّةَ بِدَمِ الحَيْضِ لِعَشِيقَتِهِ الخائنةِ/ يُبَاعُ الرَّقيقُ الأبيضُ في السُّوقِ السَّوْدَاءِ/ رَنِينُ خَلاخِيلِ النِّسَاءِ في مُدُنِ الكُوليرا/ كَرَنِينِ مَسَامِيرِ النُّعُوشِ في لَيْلِ الانقلاباتِ العَسْكَرِيَّةِ / والمَطَرُ في الليالي الحزينةِ يَكْسِرُ عِظَامَ الأمواتِ /

     غُرْبَةُ ألوانِ الجَثَامِينِ في يَاقُوتِ المَجَازرِ / والمَوْجُ يَرْسَمُ عَلى لَحْمِي خَارِطَةَ الذِّكرياتِ / كَي يُسَهِّلَ عَلى الدِّيدانِ أَكْلَ لَحْمِي في شِتَاءِ المقابرِ / والعُشَّاقُ يَشْرَبُونَ الشَّايَ بالنَّعناعِ بَيْنَ قَطَرَاتِ المَطَرِ وَقَطَرَاتِ دَمِي / سَرَقَتْ قَلْبي الشَّركسياتُ / فَصِرْتُ بَحْرًا أخْرَسَ / بِلا أمواجٍ ولا نَوَارِس / وَشَظَايا جُمْجُمتي في صُحُونِ مَطْبَخِ بَيْتِنا في قُرْطُبَة / لَكِنِّي أركضُ إلى أشِعَّةِ القَمَرِ القَاتِلَةِ في مَسَاءِ الرُّعْبِ / ويَظَلُّ النَّدى عَلى شَوَاهِدِ القُبُورِ في صَبَاحِ البُكَاءِ / فيا أيُّها المَوْتَى / لا تَجْرَحُوا مَشَاعِرَ بَنَاتِ حَفَّارِ القُبُورِ / احْرُسُوا أُنوثةَ السَّنابلِ تَحْتَ وَمِيضِ البَرْقِ / دَافِعُوا عَن عِظَامِ الضَّحايا تَحْتَ طَهَارَةِ التُّرَابِ /

     سَأُدَافِعُ عَن شَرَفِ الغُبارِ في أزِقَّةِ الجِرذانِ / الأمطارُ تَخْتَلِطُ بِكُحْلِ الصَّبايا في مَملكةِ السُّلِّ / لَن أَمُوتَ / سأظلُّ حَيًّا في قُلوبِ الشَّركسياتِ في غاباتِ القُوقاز تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ / لَن أَمُوتَ / سأظلُّ حَيًّا في قُلوبِ البُوسنِيَّاتِ تَحْتَ جُسورِ سَرَاييفو فَوْقَ دُمُوعِ التُّرابِ .

21‏/01‏/2024

عندما أموت ستحبونني

 

عندما أموت ستحبونني

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     يَنْتَظِرُني مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ بَيْنَ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ والمقابرِ الجمَاعِيَّةِ/ عِشْتُ في مَرْفَأ السَّرَابِ وَحِيدًا / لَم يَعْرِفْ وَجْهِي غَيْرُ البَحْرِ اليَتِيمِ / وَلَم يُحِبَّني غَيْرُ القِطَطِ المُشَرَّدَةِ / لا تاريخٌ لِمِلْحِ دُمُوعي سِوى الأعلامِ المُنَكَّسَةِ / ولا جُغرافيا لِهَيْكَلِي العَظْمِيِّ سِوَى أزِقَّةِ الجَرَادِ / وَعِندَما أَمُوتُ سَتُحِبُّونني/ تُلاحِقُونَ طَيْفِي بَيْنَ أشجارِ الصَّنَوْبَرِ في لَيْلِ الأضرحةِ الأُرْجُوَانِيَّةِ /

     سَامِحُونِي أيُّها الأطفالُ الذينَ يَبِيعُونَ العِلْكَةَ عَلى إشَارَاتِ المُرُورِ / نَسِيتُ البُوظَةَ في ثَلاجَةِ الجُثَثِ / أتَبَادَلُ الرَّسَائِلَ الغَرَامِيَّةَ مَعَ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ / وأجنحةُ الحَشَرَاتِ بُوصَلَةٌ تُرْشِدُ طُيُورَ البَحْرِ إلى مَوْقِعِ قَبْرِي في غَابَاتِ المَطَرِ الوَرْدِيِّ / الأعاصيرُ سَتُطْلِقُ اسْمِي عَلى رَصِيفِ المِيناءِ بَعْدَ اغتيالي / خَدَعَنِي البَحْرُ / لَكِنِّي أعْشَقُ الأمواجَ / خَانَتْنِي الرِّمَالُ / لَكِنِّي أعْشَقُ الصَّحْرَاءَ /

    لا تَضْغَطْ عَلى أعصابي يا دِفْءَ فِرَاشِ المَوْتِ / الجَمَاجِمُ مُعَلَّقةٌ عَلى حَبْلِ الغَسِيلِ / لا تُحْرِقْ ذِكرياتي يَا مَطَرَ الوَدَاعِ / جَدَائِلُ النِّسَاءِ تَحْتَ بَسَاطِيرِ الجُنودِ /

     لَن يَعِيشَ الذِّئبُ في المُسْتَنْقَعِ / الرِّيحُ تُبَلِّطُ البَحْرَ بِرُخَامِ المقابرِ / لَن يَعِيشَ الصَّقْرُ تَحْتَ الأرضِ/ الأمواتُ يُنَقِّبُونَ عَن الذَّهَبِ في مَنَاجِمِ الاحتضارِ / وأنا المنبوذُ / أُفَتِّشُ عَن عُكَّازِ أبي تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / وأُفَتِّشُ عَن كُحْلِ أُمِّي في بِئْرِ الجُثَثِ /

     سَيَذهَبُ العَاشِقَانِ إلى فِرَاشِ الزَّوجيةِ في لَيْلةِ الدُّخلةِ / وأذهبُ إلى فِرَاشِ المَوْتِ في لَيْلَةٍ خريفيةٍ باردةٍ / فيا أيَّتُها العاصفةُ المُخْمَلِيَّةُ / خُذي لِي صُورةً تَذكاريةً وأنا عِلى فِرَاشِ المَوْتِ / إنَّ احتضاري طَابَعُ بَرِيدٍ تَذكَارِيٌّ/ يَلْتَهِمُ البَقُّ بَرَاوِيزَ الذاكرةِ / وتأكلُ الدِّيدانُ لَحْمي الطازَجَ /

     مَصِيرُ الفَراشةِ كَمَصِيرِ الدَّجاجةِ المذبوحةِ في مَطْعَمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / الذي هَجَرَهُ العُشَّاقُ / وَذَهَبُوا إلى المَوْتِ البَطِيءِ/ الحُزْنُ في شَظَايَا قَلْبي كَالْمِلْحِ في دَمْعِ عَيْنَيْكِ / دِفْءُ فِرَاشِ المَوْتِ في ليالي الشِّتاءِ الطويلةِ / وَسُخُونَةُ دَمْعِ العُشَّاقِ عِنْدَ الغُروبِ/ لَحْمي رُخامٌ مُسْتَوْرَدٌ لِتُرَابِ المقابرِ/والزَّوابعُ تُبَلِّطُ حَنجرتي بأجنحةِ الحَشَرَاتِ/ فَابْحَثْ عَن امرأةٍ في حُطَامِ قَلْبِكَ / تَبْكي عَلَيْكَ بَعْدَ مَوْتِكَ / واشْكُر المَوْتَى الذينَ زَيَّنُوا شَوَاهِدَ قُبُورِهِم قَبْلَ مَوْتِهِم / إنَّ دَمَ البَحَّارَةِ الغَرْقى يَتَوَهَّجُ / كَمَا يَتَوَهَّجُ المِلْحُ في دُمُوعِ فِئْرَانِ التَّجَارُبِ /

     أخي ضَوْءَ القَمَرِ / انْزِعْ حُبَّ الشَّركسياتِ مِن شَظَايا قَلْبي / كَي أقْدِرَ أن أنامَ / أنا مُنْذُ قُرُونٍ لا أقْدِرُ أن أنام / أحْتَرِقُ في الدُّنيا / فلا تُحْرِقْني يا إلَهِي في الآخِرَةِ / لا تَجْمَعْ عَلَيَّ حَرِيقَيْن .

20‏/01‏/2024

غربة الفراشات بين أوراق الخريف

 

غربة الفراشات بين أوراق الخريف

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

     أكتبُ جَدْوَلَ الضَّرْبِ عَلى حَدِيدِ نافذةِ سِجْني / كَي أعْرِفَ أرقامَ الزَّنازين / وَأحْسُبَ عَدَدَ الجُثَثِ المَجهولةِ / والزَّوابعُ الأُرْجُوَانِيَّةُ تَنْشُرُ الحواجزَ العَسكريةَ بَيْنَ الحُبِّ الأوَّلِ المَنْسِيِّ وأحلامِ الطُّفولةِ الضائعةِ / والخَنْجَرُ المَسمومُ بَيْنَ شَهيقي وَزَفيري / فَكَيْفَ أُقَبِّلُ جَثَامِينَ الأطفالِ عَلى خَشَبَةِ الإعدامِ ؟ /

     النِّساءُ كَثيراتٌ كَحِبَالِ المشانقِ/ لَكِنَّ القَلْبَ وَاحِدٌ كَنَصْلِ المِقْصَلَةِ / فَاخْتَرْ شَاهِدَ قَبْرِكَ /  لأنَّ حَفَّارَ القُبورِ سَيَخْتَارُ مَوْقِعَ قَبْرِكَ/ واخْتَرْ قُمَاشَ أكْفَانِكَ / لأنَّ الدُّودَ سَيَخْتَارُ خَارِطَةَ لَحْمِكَ / وَدَع المَوْتَ يَجِدْكَ حَيًّا/ ولا حَياةَ للسَّرابِ إلا في الصَّحراءِ /

     ما فائدةُ أطفالِ الأنابيبِ إذا كانَ الشَّعْبُ يَعِيشُ كالجِرْذَانِ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ ؟  /    يا أيُّهَا النَّهْرُ المَشلولُ / لا تَرْضَعْ مِنَ البُحَيرةِ العَمْياءِ حتى تأخُذَ بِثَأرِها / رَفَعْنا الرَّايةَ البَيضاءَ في سُوقِ الحضارةِ السَّوداءِ / وَرَمَيْنا الأوسمةَ العَسكريةَ في حَاويةِ القُمامةِ /

     كُرَيَاتُ دَمي مَصابيحُ مُعَلَّقَةٌ في سَقْفِ زِنزانتي / وَعِظامي مَنثورةٌ في شَارِعِ الذِّكرياتِ الذي يَحْمِلُ اسْمِي / أُذَوِّبُ جَمَاجِمَ النِّسَاءِ في الشَّايِ الأخضرِ / كَي يَشْرَبَهُ دَمِي الأحمرُ / وترتاحَ أعصابي الأُرْجُوَانِيَّةُ / كَيْفَ أضْحَكُ وجَدَائِلُ النِّساءِ المقتولاتِ عَلى زُجاجِ نافذتي ؟/ كَيْفَ أنامُ وَصُرَاخُ البَحَّارَةِ الغَرْقَى في ثُقُوبِ جِلْدِي ؟ / كَيْفَ أُغَنِّي وآثارُ الرَّصاصِ عَلى حِيطانِ غُرفتي ؟ /

     قَلْبي مَات / لَكِنِّي رُومانسِيٌّ كَحَفَّارِ القُبورِ / أركضُ في شَوارعِ الليلِ وَحِيدًا / أُطَارِدُ أحلامَ الطُّفولةِ الضَّائعةَ التي تُطَارِدُني / وَأُطْلِقُ رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى الذِّكرياتِ التي لا تَرْحَمُ / لَكِنَّ ضَوْءَ القَمَرِ يَكْسِرُ مَسَامِيرَ نَعْشِي/ والزَّوابعُ تُحْرِقُ أكفاني/ لَن أمُوتَ عَارِيًا/ خُدُودُ أُمِّي هِيَ نَعْشِي / وَضَفَائِرُ الغَيْمَاتِ هِيَ أكفاني /

     شَظَايَا العِشْقِ القَاتِلِ تَتساقطُ في رِئتي كَقَطَرَاتِ المَطَرِ / أنا القَنَّاصُ الذي يُطْلِقُ الرَّصَاصَ عَلى الجِرذانِ الكريستالِيَّةِ / التي تَرْكُضُ في أوعيتي الدَّمويةِ / وَبَرِيقُ أظافرِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى يُضِيءُ طَرِيقَ الأسماكِ في حُطَامِ السُّفُنِ / فيا أيَّتُها البُحَيْرَةُ اللازَوَرْدِيَّةُ التي تَعْشَقُنِي وَتَخُونُنِي/ اكْتُبِي رَقْمَ زِنزانتي عَلى كَبْسُولَةِ السِّيَانَيْدِ/ التي سَيَبْلَعُهَا النَّوْرَسُ الأخيرُ في المساءِ القِرْمِزِيِّ/ ذَهَبْتُ إلى فِرَاشِ المَوْتِ/ وَذَهَبَتْ بَنَاتُ آوَى إلى فِرَاشِ الزَّوْجِيَّةِ/ هَاجَرْتُ مِن دِمَائي اللزِجَةِ/ وَبَقِيَ المُسَدَّسُ تَحْتَ الوِسَادَةِ/ سَافَرْتُ في أشلاءِ القَتْلَى / وَبَقِيَ الخَنْجَرُ في صُنْدُوقِ البَرِيدِ .

19‏/01‏/2024

مشاعر البحيرة قبل موتها في أحضان القمر

 

مشاعر البحيرة قبل موتها في أحضان القمر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     لِمَاذا تُخَطِّطُ لاغتيالي يَا ضَوْءَ القَمَرِ ؟ / أنامُ والمُسَدَّسُ تَحْتَ وِسَادتي / وَسُعَالُ أبي في لَيالي الشِّتاءِ يَخْلَعُ جِلْدِي / وَأُمِّي ذَهَبَتْ إلى المَوْتِ وَحِيدَةً / وَبَقِيَتْ جَدَائِلُ شَعْرِها عَلى مَرايا المساءِ القِرْمِزِيِّ / وأجنحةُ الذُّبابِ تُزَيِّنُ نَافذةَ سِجْني التي تُطِلُّ عَلى دِمَائي / التي تَتساقطُ في حُفَرِ المَجَاري / وَدُمُوعُ البَنَاتِ تَنْهَمِرُ في آبارِ القُرى المَنْسِيَّةِ /

     هَدَمَ الأطفالُ القُصورَ الرَّمليةَ / وَرَكَضُوا إلى البَحْرِ كَي يَمُوتوا في خُدُودِ المَوْجِ / وَبَقِيَتْ ألعابُ الأطفالِ عَلى شَاطِئِ الرَّحيلِ / ومَناديلُ الوَدَاعِ عَلى رَصِيفِ المِيناءِ تَحْتَ بَساطيرِ العَسْكَرِ /

     أيُّها التَّائهُ في غُربةِ المعنى بَيْنَ اليَاقُوتِ والمَطَرِ / كُنْ مُتَفَائِلًا / واعْشَقْ أشجارَ المقابرِ / وابْنِ مَمْلَكَتِكَ بَيْنَ حَبْلِ الغسيلِ وحَبْلِ مِشْنَقَتِكَ / أيُّها المَلِكُ المُتَوَّجُ عَلى عَرْشِ السَّرابِ بَيْنَ حُطَامِ رُوحِكَ وحُطَامِ سَفِينَتِكَ / كُنْ مُتَوَاضِعًا / وابْتَسِمْ أمامَ فِئرانِ التَّجَارُبِ في طُرُقاتِ الكُوليرا / وألْقِ التَّحِيَّةَ عَلى بَاعَةِ الخُضَارِ أمامَ المحاكمِ العَسكريةِ /

     غُرْبَةُ اللبُؤَاتِ في زُرقةِ الشُّطآنِ / وأجنحةُ الذُّبابِ تَتساقطُ في فَناجينِ القَهْوةِ الباردةِ / التي تَرَكَها العُشَّاقُ عَلى طَاولاتِ المطاعمِ/ وذَهَبُوا إلى بَريقِ الاحتضارِ الشَّاسعِ/ أرتدي نَظَّاراتٍ سَوْدَاء/ وأركضُ في لَيْلِ الوَدَاعِ / لِكَيْلا يَرى المطرُ دُمُوعي /

     مَحطةُ القِطَاراتِ خَالِيَةٌ كَقَفَصِي الصَّدْرِيِّ / وبَارِدَةٌ كَمَسَامِيرِ نَعْشي / وأنا الغريبُ المنبوذُ / أجْلِسُ عَلى مَقْعَدٍ خَشَبِيٍّ قَديمٍ في المحطةِ / لا أنتظِرُ أحَدًا / ولا أحَدٌ يَنْتَظِرُني / أكَلَ البَقُّ خَشَبَ المَقَاعِدِ / وأكَلَ ضَوْءُ القَمَرِ أعصابي /

     لا تَخَافُوا مِن ظِلالِ المَوْتَى / مَا دَامَ دَمِي عَلى زُجاجِ نافذتي يَحْرُسُ أعلامَ القبائلِ المُنَكَّسَةَ / ويَكْتَبُ قَصائدَ المديحِ للبَعُوضِ / أركضُ في شَوارعِ الليلِ وَحِيدًا / قَلبي مَكْسُورٌ كَبَرِيقِ الأمطارِ عَلى أجسادِ الفُقراءِ / لا أبناءَ لِي يَحْمِلُونَ اسْمِي / ويَرْفَعُونَ حَبْلَ مِشْنَقتي تَذكَارًا / وَحْدَهَا شَوَارِعُ الدَّمْعِ تَحْمِلُ اسْمِي / أظافري تَتَوَهَّجُ كَنَصْلِ المِقْصَلةِ / وَتُضِيءُ الطريقَ أمامَ فِئرانِ التَّجَارُبِ / والجَرَادُ يَأكُلُ خُدُودي/فلا تَكْرَهِيني يا أُمِّي/وأشِعَّةُ القَمَرِ تُحَطِّمُ هَيْكَلي العَظْمِيَّ/فلا تَكْرَهْني يا أبي/

     عِشْتُ تَحْتَ الأرضِ / فلا تَخْدَعْ طَيْفِي أيُّها التُّرابُ الفِضِّيُّ / مُتُّ تَحْتَ الأرضِ / فلا تَخُنْ وَجْهي أيُّها الضَّبابُ الوَرْدِيُّ / كُنْتُ غَرِيبًا مِثْلَ ظِلِّ امرأةٍ غامضةٍ عَلى خَاتَمِ الخُطُوبةِ المكسورِ / والبَقُّ أَكَلَ أخشابَ الصُّلْبانِ / والرَّاهباتُ سائراتٌ إلى الدَّيْرِ القديمِ تَحْتَ ثُلوجِ الوَدَاعِ الدَّامِيَةِ .

18‏/01‏/2024

عرس النهر هو مأتم البحر

 

عرس النهر هو مأتم البحر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     ذَهَبَتْ طُيُورُ البَحْرِ إلى الفَجْرِ الكَاذِبِ / وَلَمْ تَرْجِعْ / الجُثَثُ مَتْرُوكَةٌ عَلى الأرصفةِ القَذِرَةِ / وَحَفَّارُ القُبورِ ذَهَبَ إلى احتضارِهِ / كَي يَسْتَلِمَ الرَّاتبَ الشَّهْرِيَّ / والأُمَّهاتُ يَنْتَظِرْنَ أمامَ الحواجزِ العسكريةِ لاستلامِ جَثامينِ أبنائِهِنَّ / والفُقَرَاءُ يَنْتَظِرُونَ مَوْتَهُم في طَوَابِيرِ استلامِ الخُبْزِ /

     ذَهَبَ الرِّجالُ إلى البَحْرِ وَلَم يَعُودُوا / بَقِيَتْ حَقَائِبُهُم شَاهِدَةً على اغتيالِ ذِكْرَيَاتِهِم وانكسارِ أحلامِ الطفولةِ/ الرَّاهباتُ مَصْلُوباتٌ عَلى الصُّلبانِ المكسورةِ / والزَّوابعُ صَلَبَت الحَمَامَ الزَّاجِلَ عَلى أبراجِ الكَنَائِسِ / لأنَّهُ أضاعَ مُضَادَّاتِ الاكتئابِ ورَسَائِلَ العُشَّاقِ / وأنا الطائرُ الغريبُ / أتَفَجَّرُ لأُضِيءَ أجنحةَ الفَراشاتِ / وأُحْرِقَ أحزانَ السُّنونو في الدُّروبِ / وأصْلُبَ الصَّليبَ عَلى الصَّليبِ / والقَنَّاصُ المشلولُ يُطْلِقُ الرَّصَاصَ عَلى نُهُودِ الفَتَيَاتِ قَبْلَ لَيْلَةِ الدُّخلةِ / وعِظَامُ الأمواتِ هِيَ سِفْرُ الخُروجِ مِن لَيْلةِ الدُّخلةِ / وَيَرْكُلُ الأيتامُ جَمَاجِمَ أُمَّهَاتِهِم في أزِقَّةِ السُّلِّ مِثْلَ كُرَةِ القَدَمِ /

     أيَّتُها الزَّهرةُ البلاستيكِيَّةُ في لَيْلِ الشِّتاءِ/ إنَّ دُمُوعَكِ تَحْفِرُ اسْمَ الرَّحيلِ عَلى خَشَبَةِ صَلِيبِكِ / وسَرَطَانُ الثَّدْيِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ صَدْرِكِ والصَّليبِ/ وأشلاءُ طُيورِ البَحْرِ عَلى فُرشاةِ أسنانِ حَارِسِ المقبرةِ/ وكانَ حُلْمي أن أكونَ نَجَّارًا / حتى أَصْنَعَ نُعُوشَ البَحَّارَةِ / أوْ حَدَّادًا / حتى أَصْنَعَ أبوابَ السُّجونِ في رِئتي / الجَرَادُ يُنَظِّفُ أوعيتي الدَّمويةَ مِنَ القَرَابينِ والذِّكرياتِ / وَجُلُودُ الفِئرانِ تُغطِّي نافذةَ قَلْبي / فَكَيْفَ سَيَمُوتُ قَلْبي تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ وَحِيدًا ؟ /

     الجُثَثُ المُضيئةُ تُزَيِّنُ حِيطانَ غُرفتي / والأضرحةُ النُّحاسيةُ تُزَيِّنُ أوردةَ النَّهْرِ البلاستيكيةَ / وعِظَامُ الغَرْقَى تُزَيِّنُ أثاثَ بَيْتي / والرَّاهباتُ مَصْلُوباتٌ عَلى أبراجِ الكنائسِ / وأنا مَصْلُوبٌ عَلى عَمُودِ الكَهْرباءِ أمامَ أنقاضِ بَيْتي/ فَكَيْفَ يُنْقِذُ القَتيلُ القَتيلَ وَكُلُّنا مَرَايا مُهَشَّمَةٌ ؟ / كَيْفَ يُنْقِذُ الغريبُ الغريبَ وَكُلُّنا مَزْهَرِيَّاتٌ مَكسورةٌ ؟ /

     ضَوْءُ القَمَرِ يَكتبُ وَصِيَّتي عَلى حِيطانِ زِنزانتي / وسَجَّاني الرُّومانسِيُّ رَمَى مِفتاحَ زِنزانتي في حَنجرةِ البَحْرِ/ والطحالبُ تَنمو في حَنجرتي/ أعلامُنا مُنَكَّسَةٌ كأجنحةِ العصافيرِ المَيْتَةِ / وأبناؤُنا يَصْنَعُونَ مَجْدَ أعدائِنا / سَوْفَ تَنقَلِبُ الذِّكرياتُ عَلى ذَاكرتي / كَما يَنقَلِبُ دَمُ الحَيْضِ عَلى أُنوثةِ السَّنابلِ/ سَوْفَ يَنْمُو حُزْنُ المساءِ الخريفيِّ في عِظَامِ صَدْرِي/كَمَا يَنْمُو النَّهْدَانِ في صَدْرِ الذُّبابةِ /

     أنا الغريبُ في مِلْحِ البَحْرِ / المُغتَرِبُ عَن مِلْحِ دُمُوعي / والزَّوابعُ تَرْمِي جَثامينَ الجُنودِ في آبارِ الذاكرةِ / فَيَا أيُّها النَّهْرُ الباكي في ذَاكرةِ الصَّهيلِ / اسكُن في قُلُوبِ الشَّركسياتِ لِكَيْلا تَمُوتَ .

17‏/01‏/2024

قُبلة الوداع على زجاج القطارات

 

قُبلة الوداع على زجاج القطارات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     فِئرانُ التَّجَارُبِ حَائرةٌ بَيْنَ حُطَامِ قَلبي وحُطامِ سَفينتي/ حَاوِلي اصطيادي أيَّتُها البُحَيرةُ العَانِسُ/ أخافُ مِنَ الوَحْشِ السَّاكِنِ فِيَّ / أخافُ مِنَ الذِّكرياتِ التي تَتَدَفَّقُ كالنَّهْرِ المشلولِ بَيْنَ ألواحِ صَدْري وألواحِ نَعْشي / نُهُودُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ مُحَنَّطَةٌ في كَهْرَمَانِ المَتَاحِفِ / مَتاحفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / والنِّسَاءُ المُتَوَحِّشَاتُ يَرْكُضْنَ في غَابَةِ الذِّكرياتِ / بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ / وَقَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ/ وَحُكُومَةُ الوَحْدةِ الوَطنيةِ خَتَمَتْ فُرُوجَ السَّبايا بالشَّمْعِ الأحمرِ/ وَالعَبِيدُ يَغتَصِبُونَ الأميراتِ بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ / وَقَبْلَ سُقُوطِ النَّشيدِ الوَطنيِّ في آبَارِ الدَّمِ /

     حَبْلُ مِشْنَقتي مَجْدُولٌ مِن ضَفائرِ الفَتَيَاتِ المجروحاتِ عَاطِفِيًّا / وَنَصْلُ مِقْصَلتي مَصنوعٌ مِن أقراطِ النِّسَاءِ المَنْسِيَّاتِ في المقابرِ الجمَاعِيَّةِ / أَهْرُبُ مِنَ الرُّومانسيةِ مِثْلَما أَهْرُبُ مِن جِلْدي / لأنَّ الاحتضارَ تَجَسَّدَ في أُنوثةِ السَّنابلِ/ وَأُهَرِّبُ ظِلالَ النِّساءِ الدَّمويةَ في فُرشاةِ أسناني المكسورةِ / لأنَّ الشَّيطانَ سَكَنَ في جَسَدِ المَرْأةِ/

     بَعْدَ سُقُوطِ جُدرانِ السِّجْنِ في حَنجرةِ البَحْرِ/ صَارَ السُّجَنَاءُ يَكْتُبُونَ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ على أوعيتي الدَّمويةِ / التي يَبِيعُهَا الأيتامُ عَلى إشاراتِ المُرُورِ / والدُّوَيلاتُ اللقيطةُ تَنكَسِرُ كَقِطَعِ الشُّوكولاتةِ تَحْتَ وَمِيضِ البَرْقِ/ والأعلامُ المُنَكَّسَةُ مَغسولةٌ بِحَليبِ الأمِيرَاتِ اللواتي يَتَكَاثَرْنَ كَبُيُوضِ الحَشَرَاتِ في مَمَالِكِ الجُوعِ والعَطَشِ / وَأشِعَّةُ القَمَرِ تَشْهَدُ أنَّني مَذبُوحٌ كَالحُلْمِ /

     لا تَجْرَحي مَشاعرَ حَفَّارِ القُبورِ يا أشجارَ المقبرةِ/ الصَّدَأُ يَغتَصِبُ بَوَّابَةَ المقبرةِ / وَفِئرانُ السَّفينةِ تَأكُلُ جَثَامِينَ البَحَّارَةِ / والصَّدَى يَسْرِقُ شَوَاهِدَ القُبورِ مِن زَهْرِ الليمونِ وأرشيفِ القَرَابين / والخَلِيفةُ الذي لَمْ يَنْتَخِبْهُ غَيْرُ القَنَّاصَةِ وَكِلابِ الحِرَاسَةِ / يَكْتُبُ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ للجَوَارِي المُسْتَحِمَّاتِ بالمُبيداتِ الحَشَرِيَّةِ / المُتَعَطِّرَاتِ بالبَارُودِ المَغشوشِ وَدَمِ الحَيْضِ الكريستالِيِّ /

     كَأنَّني قَد عِشْتُ قَبْلَ حَياتي في مَماتي / حَياتي رَجْعُ الصَّدى / وَدَمِي يَبْحَثُ عَنِ الصَّوْتِ في أشلائي اللازَوَرْدِيَّةِ/ مَاتَ المُسَافِرُ بَيْنَ الشَّفَقِ وصَفِيرِ القِطَاراتِ/ وَبَقِيَتْ حَقيبةُ السَّفَرِ شَاهِدَةً عَلى أحلامِ الغُروبِ / والأطفالُ يَبْنُونَ القُصورَ الرَّمليةَ عَلى شَاطِئِ الرَّحيلِ في لَيْلِ الانقلاباتِ العسكرية/ ثُمَّ يَهْدِمُونَهَا في نَهَارِ القُلوبِ المكسورةِ/ يَدْفِنُونَ أُمَّهَاتِهِم في حَنجرةِ البَحْرِ/ وَيَبِيعُونَ عَلى إشاراتِ المُرُورِ رُؤوسَهُم المقطوعةَ / وَيَصْطَادُونَ فِئرانَ التَّجَارُبِ في سَراديبِ مَحْكَمةِ أمْنِ الدَّولةِ/ لَكِنَّ الدَّولةَ مُمَزَّقَةٌ كأعلامِ القَبائلِ المُنْقَرِضَةِ .

16‏/01‏/2024

طبول الحرب على مسرح العرائس

 

طبول الحرب على مسرح العرائس

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     دَفَنَ البَحَّارُ حُبَّهُ الأوَّلَ في الشَّايِ بالنَّعناعِ / وَشَظَايا الجماجمِ لا تَزَالُ عَلى رَصيفِ المِيناءِ / فَرَاشَةٌ مَكْسُورةُ الأجنحةِ / لَكِنَّهَا تَمْشِي في جِنازتي عِندَ الفَجْرِ / انقلبت الرِّسالةُ عَلى الرَّسُولِ / والحَمَامُ الزَّاجِلُ نَسِيَ الرَّسائلَ عَلى نافذة زِنزانتي / وَدَخَلَ في خُدُودِ البَحْرِ وَلَمْ يَخْرُجْ / وانقلبَ السِّحْرُ عَلى السَّاحِرِ / لَكِنَّ المُشَعْوِذَ يُشَكِّلُ حُكُومةَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ /

     لَسْتُ وَصِيًّا عَلى مَشَاعِرِ البَحْرِ / أنا الرُّبَّانُ الغريقُ / وفِئرانُ السَّفينةِ تأكلُ أحلامَ الطُّفولةِ / يَتَوَهَّجُ المِلْحُ في خُبْزِ أُمِّي / لِيُضِيءَ طَريقي إلى حَبْلِ المِشْنَقةِ المَجدولِ مِن شَعْرِ بَناتِ أفكاري /

     جِلْدي هُوَ النَّشيدُ الوَطنيُّ للدُّوَيْلاتِ اللقيطةِ / لَكِنَّ الأعلامَ مُنَكَّسَةٌ / والسَّبايا جَالساتٌ عَلى شَاطِئِ الأمطارِ / يَنْتَظِرْنَ سُفُنَ القَرَاصِنَةِ / فيا وَمِيضَ البَرْقِ البَعِيدَ/ عَلِّمْني القِراءةَ والكِتابةَ كَي أقْرَأَ اسْمِي عَلى شَاهِدِ قَبْري / وأكتبَ تاريخَ مِيلادي في شَهادةِ وَفَاتي /

     أنا طَعَامُ الدُّودِ تَحْتَ أمطارِ المقبرةِ / جَهِّزِي العَشَاءَ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ يا قَاتِلَتِي الغامضة / عَلَّمَنِي المساءُ الرِّياضياتِ كَي أحْسُبَ عَدَدَ الجُثَثِ المجهولةِ في المقابرِ الجماعِيَّةِ / وَخَبَّأْنَا الأكفانَ النُّحَاسِيَّةَ في الأكياسِ البلاستيكِيَّةِ / والزَّوابعُ نَثَرَتْ شَظَايا جُمْجُمتي بَيْنَ زَهْرِ الليْمُونِ / وَنُهُودُ السَّبايا مَدْهُونةٌ بالزَّرنيخِ الطازَجِ وأحلامِ الطُّفولةِ البَعيدةِ /

     رُفاتي هُوَ النَّشيدُ الوَطنيُّ لِقَطيعِ الغَنَمِ / وَأعلامُ القَبائلِ تُزَيِّنُ الدِّيمقراطيةَ البَدَوِيَّةَ / دَيمقراطيةَ رُعيانِ الغَنَمِ بَعْدَ انقراضِ الغَنَمِ / وَتَنتظرُ الفَراشاتُ المشلولةُ صَفِيرَ القِطَاراتِ في مَملكةِ الصَّقيعِ / كَمَا تَنتظرُ الجَوَاري أن يَفُضَّ الخَلِيفةُ أغشيةَ البَكَارَةِ /

     أفْلَتَت الفَرِيسةُ العَمْيَاءُ مِنَ الصَّيادِ الأعمى / وَمُسْتَقْبَلُ القِطَطِ في أزِقَّةِ الجِرذان / وَمُسْتَقْبَلُ الفَرَاشاتِ في طُرُقَاتِ الكُوليرا/ وَمُسْتَقْبَلِي وَرَاءَ ظَهْرِي/ماتَ المُسْتَقْبَلُ / إنَّ الماضي هُوَ المُسْتَقْبَلُ/

     شَراييني مَفتوحةٌ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / وجُثَثُ الفُقَرَاءِ تُصْبِحُ حَوَاجِزَ عَسْكَرِيَّةً بَيْنَ الزَّيْتِ والزَّعْتَرِ / والأكفانُ البلاستيكِيَّةُ مَنقوعةٌ في مَاءِ البِئْرِ / وَفُوَّهَاتُ المَدَافِعِ صَارَتْ أعشاشًا لِطُيُورِ البَحْرِ بَعْدَ مَوْتِ البَحْرِ في أحضانِ الشَّفَقِ البَعِيدِ /

     ماذا أفعلُ يا أشِعَّةَ القَمَرِ ؟ / سَوْفَ تَزُورُني سَاحِرَةٌ غامضةٌ في لَيْلةٍ خَريفيةٍ باردةٍ / كَي تَقْتُلَنِي بِدَمٍ بَارِدٍ / هَلْ أفتحُ لَهَا بَابَ قَلْبي أَمْ بَابَ بَيْتي ؟ / هَلْ تُطْلِقُ عَلَيَّ رَصاصةَ الرَّحمةِ أَمْ تُطْلِقُ الذِّكرياتِ التي لا تَرْحَمُ ؟ .