31‏/12‏/2023

المسدسات في المزهريات

 

المسدسات في المزهريات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     إذا كَانَ لَمَعَانُ عُيُونِ الشَّرْكَسِيَّاتِ مَنْفَايَ وَغُرْبَتِي / فَإنَّ لُغتِي هِيَ وَطَني / لَكِنَّ أشلائي بِلا جِنْسِيَّةٍ / وأركضُ إلى آثَارِ نَزِيفِ اليَمَامِ عَلى الثلجِ الأخضرِ/ لا تَاجٌ سِوَى شَجَرِ المقابرِ / وَلا عَرْشٌ سِوَى الرِّمَالِ المُتَحَرِّكَةِ / يَلْمَعُ المطَرُ في طُفُولَةِ البَنَادِقِ / وسَقَطَ دَمُ العُشَّاقِ الأحمرُ في الشَّايِ الأخضرِ / وَحَفَّارُ القُبُورِ يَشْرَبُ شَايًا بالنَّعناعِ تَحْتَ أشجارِ المقبرةِ / وَالفِئْرَانُ تُوَدِّعُ الرُّبَّانَ قَبْلَ غَرَقِ السَّفينةِ في أحزانِ الغُرُوبِ /

     قَلْبِي هُدْنةٌ بَيْنَ الشَّرْكَسِيَّاتِ والبُوسنِيَّاتِ / أَرْكُضُ تَحْتَ جُسُورِ سَرَاييفو نَشِيدًا للنُّعوشِ الزُّجَاجِيَّةِ / وأبكي تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ/ لَمْ تَجِئْ أُمِّي لِتَمْسَحَ دُمُوعي / وَلَمْ تَجِئْ غَابَاتُ القُوقازِ لِتَزْرَعَ رِئَتي بَيْنَ المرايا والمزهرِيَّاتِ / لَيْتَنِي أتَحَرَّرُ مِن أطْيَافِ الشَّرْكَسِيَّاتِ عِندَ الغُرُوبِ / لَيْتَنِي أتَحَرَّرُ مِن ظِلالِ البُوسنِيَّاتِ عَلى خُدُودِ النَّهْرِ /

     أنا خَائِفٌ يا أُمِّي / أشِعَّةُ القَمَرِ تَخْلُعُ جِلْدِي / وتُحْرِقُ قَاعَ المُسْتَنْقَعِ في ليالي الشِّتاءِ الدَّامي / وسَنَابِلُ الشَّفَقِ تَطْلُعُ مِن ثُقُوبِ جِلْدِي / وَأجفانُ القَتْلَى عَلى زُجاجِ نافذتي في المساءِ الفِضِّيِّ / فَكَيْفَ أنامُ بَيْنَ المُسَدَّسَاتِ والذِّكْرَيَاتِ ؟ /

     مَاتتْ أزهارُ المقابرِ بَعْدَ جُرْعَةٍ زَائِدَةٍ مِنَ الذِّكرياتِ / والحَيَوَاناتُ المَنَوِيَّةُ في أقفاصِ حَدِيقَةِ الحَيَوَاناتِ / ولا تَزَالُ رَائِحَةُ الجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ في أنفِي / وطَعْمُ بُرتقالِ المَوْتِ في شُقُوقِ جِلْدِي /

     رَمَيْنا جُثَثَ الجُنودِ في حَاوِيَاتِ القُمامةِ / ورَفَعْنا الرَّايةَ البَيضاءَ في مَعركةِ الوَهْمِ / والرِّياحُ تُلْقِي رُفاتي في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / وَمَسَاحِيقُ الغسيلِ سَتُخْفِي رَائِحَةَ الجُثَثِ في الليلِ الطويلِ /

     أيَّتُها الرَّاهبةُ المشلولةُ التي تُحَدِّقُ في مَزْهَرِيَّاتِ غُرفةِ الاعترافِ / سَوْفَ يَنكَسِرُ الصَّليبُ بَيْنَ صَدْرِكِ وسَرَطَانِ الثَّدْيِ / والغريبُ يُحَدِّقُ في بَرَاوِيزِ غُرفةِ التَّحقيقِ /

     أنا الطِّفْلُ الوَحيدُ في مَملكةِ السُّلِّ / أخافُ مِن لَمَعَانِ أظافري في لَيْلِ الشِّتاءِ / وأتْبَعُ أثَرَ دِمَائي عَلى ثَلْجِ الطُّرُقَاتِ / وأشلائي تَتساقطُ في أكوابِ الشَّايِ الباردِ / الذي نَسِيَ العُشَّاقُ أن يَشْرَبُوهُ / وذَهَبُوا إلى ضَوْءِ الاحتضارِ في آخِرِ النَّفَقِ / والأمطارُ البَنَفْسَجِيَّةُ تَتساقطُ عَلى النُّعوشِ النُّحَاسِيَّةِ / والفَيَضَانُ يَرْمي في حُفَرِ المَجَاري أسنانَ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ /

     الرِّيحُ تَلْعَبُ الغُولفَ في ثُقُوبِ جِلْدِي / وأنا ألعبُ بِكُرَيَاتِ دَمِي في أزِقَّةِ الوَحْلِ / وَرُعْيَانُ الغَنَمِ يَمْنَحُونَ الجوائزَ للفَلاسِفَةِ / والرَّاقِصَاتُ يَحْكُمْنَ عَلى شَرِيفاتِ قُرَيْشٍ .

30‏/12‏/2023

الجثث لا تزال في الثلاجات

 

الجثث لا تزال في الثلاجات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     إنَّ دُودَ المقابرِ مِثْلُ سَرَطَانِ الثَّدْيِ / كِلاهُمَا يَأكلُ صَدْرَكِ / انكسرَ قَلْبُكِ/ وسَقَطَت القِلادةُ في الوَحْلِ / انكَسَرَتْ جَدَائِلُ النِّسَاءِ بَيْنَ السَّائِلِ المَنَوِيِّ وَسَائِلِ الجَلْيِ / والغُرَبَاءُ يَمْشُونَ إلى المقبرةِ تَحْتَ أمطارِ المساءِ الخريفِيِّ /

     يَمُوتُ الرِّجَالُ في مَعَارِكِ الوَهْمِ/كَمَا تَمُوتُ فِئْرَانُ التَّجَارُبِ تَحْتَ أنقاضِ البُيُوتِ/ وَقَعَ سَائِلُ الجَلْيِ عَلى البَلاطِ / والنِّسَاءُ يَغْسِلْنَ صُحُونَ المَطْبَخِ بالسَّائِلِ المَنَوِيِّ / والرِّيحُ تَغسِلُ حِيطَانَ السِّجْنِ بِدَمِ الحَيْضِ /

     انكَسَرَ جَيْشُ السَّرَابِ/ وبَقِيَت الأطرافُ الصِّنَاعِيَّةُ للجُنُودِ تَذكَارًا للحُبِّ الضَّائعِ وأحلامِ الطفولةِ / مَاتت الفَراشةُ / لَكِنَّ الذُّبابَ يَحْتَفِظُ بِمَلابِسِهَا في الخِزانةِ الحدِيدِيَّةِ الصَّدِئَةِ / رَمَى الشَّاطِئُ الحزينُ أخشابَ البيانو في مَوْقَدَةِ المساءِ / وَسَقَطَ كُحْلُ بَنَاتِ آوَى في آبَارِ الدَّمْعِ / وَبَقِيَ قَمِيصُ النَّوْمِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ وَحِيدًا / وَمَاتت الحِكَايَاتُ عَلى أجنحةِ النَّوَارِسِ / والبَحْرُ كَتَبَ اسْتِقَالَتَهُ عَلى أوراقِ الخريفِ/انتشرَ الصَّمْتُ بَيْنَ نُعُوشِ الجُنودِ والأوسمةِ العَسْكَرِيَّةِ/وانتَهَت اللعبةُ/

     الصَّحْرَاءُ في قَلْبي / والخريفُ في دَمِي / وَصَوْتُ الرَّصَاصِ في جِلْدِي / قُتِلَ المُغنِّي / وتَكَاثَرَتْ بُيُوضُ الحَشَرَاتِ في حَنْجَرَتِهِ / وَبَقِيَ الكَمَانُ تَحْتَ المَطَرِ وَحِيدًا / وَرَائِحَةُ البَحْرِ تُحْرِقُ أخشابَ التَّوابيتِ في لَيْلِ الشِّتاءِ / وطَعْمُ حَبْلِ المِشْنَقَةِ يُحْرِقُ أخشابَ البيانو في صَبَاحِ الإعدامِ /

     جُثماني حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ الشَّرْكَسِيَّاتِ والبُوسنِيَّاتِ/ وَضَرِيحي ضَائِعٌ بَيْنَ غَابَاتِ القُوقازِ وجُسُورِ سَرَاييفو/ وَدَمْعِي هُوَ الحَدُّ الفَاصِلُ بَيْنَ طُيُورِ البَحْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ / سَيَعُودُ الطائِرُ إلى البَحْرِ / كَمَا يَعُودُ الطِّفْلُ إلى حِضْنِ أُمِّهِ / سَيَعُودُ الرَّمْلُ إلى الصَّحْرَاءِ / كَمَا يَعُودُ السَّجِينُ إلى صَدْرِ زَوْجَتِهِ/نَسِيَ الأطفالُ الشُّوكولاتةَ في ثَلاجَةِ المَوْتى/ وَذَهَبُوا إلى أدغالِ الفَجْرِ الكَاذِبِ كَي يَدْفِنُوا أُمَّهَاتِهِم/ وَالنَّهْرُ المَشلولُ يَبِيعُ العِلْكَةَ عَلى إشَارَاتِ المُرُورِ في مُدُنِ الطاعون /

     صُورَةُ أثاثِ المَنَافِي في المرايا المكسورةِ / والشَّظايا جِنْسِيَّةُ الأغرابِ / والوَهْمُ تاريخُ السُّفُنِ الغارقةِ / فيا أيُّها المقتولُ بَيْنَ حَبَّاتِ المطَرِ وَحَبَّاتِ التُّفاحِ / أنتَ المَصْلُوبُ بِلا صَلِيبٍ / فَاكْسِر الصَّليبَ / وَاتْبَعْ ظِلالَكَ نَحْوَ ضَوْءِ الجِنَازَةِ / وَاصْعَدْ مِن شَظَايا قَلْبي مُسَدَّسَاتٍ وَذِكْرَيَاتٍ / وَاهْبِطْ في تَجَاعِيدِ الفَرَاشَةِ بَنَادِقَ وَخَنَادِقَ / وَضَوْءُ القَمَرِ يَنْتَشِلُ الجُثَثَ مِنَ النَّهْرِ في مَوْسِمِ تَزَاوُجِ الذُّبَابِ في الزِّنزانةِ الانفِرَادِيَّةِ .

29‏/12‏/2023

حاجز عسكري بين الزيت والزعتر

 

حاجز عسكري بين الزيت والزعتر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     أغْلَقَت الزَّوابعُ قَلْبي بالشَّمْعِ الأحمرِ/ فَافْتَحِي قَلْبي أيَّتُها الشَّركسيةُ بِلَمَعَانِ عُيونِكِ/ واذْهَبِي إلى العَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ / مَعَ أعاصيرِ قَلْبِي المكسورِ كَشَظَايَا اليَاقُوتِ / كُلَّمَا نَطَقْتُ اسْمَكِ أمامَ أشجارِ الغُروبِ / أحْسَسْتُ بِرَائحةِ اليَاسَمِينِ في خُيوطِ أكفاني /

     وَضَعَ البَحْرُ اسْتِقَالَتَهُ عَلى مَكْتَبِ الإعصارِ / وأنا المُهَاجِرُ مِن أظافري / الغريقُ في دَمْعِ البُرتقالِ / أبْحَثُ عَن شَظَايَا جُمْجُمَتِي في سُفُنِ القَرَاصِنَةِ / ورَمْلُ الشُّطآنِ الحزينةِ يُوَقِّعُ عَلى قَرَارِ إعدامي/ سَنُدَافِعُ عَن حُقوقِ المَرْأةِ بَعْدَ مَوْتِ المَرْأةِ / سَأكُونُ رُومَانسِيًّا بَعْدَ مَوْتِ قَلْبي / ودَائِمًا يَصِلُ العُشَّاقُ إلى حَبْلِ المِشْنَقةِ مُتَأخِّرِين / وَالقِطَارُ يَذهَبُ ولا يَعُودُ / والمحكومُ بالإعدامِ يَتَذَكَّرُ جَدَائِلَ أُمِّهِ في الخريفِ البَعِيدِ / والبَحَّارةُ الغَرْقَى يُنَادُونَ عَلى أُمَّهَاتِهِم تَحْتَ صَوْتِ المطرِ/ والحضارةُ تَتساقطُ كأحجارِ الشِّطْرَنجِ في مُدُنِ الطاعون/ بَيْنَ صَفِيرِ القِطَارَاتِ وصَفَّاراتِ الإنذارِ /

     في مُدُنِ الوَهْمِ / أشلاءُ النِّساءِ عِندَ نِقَاطِ التَّفتيشِ العَسْكَرِيَّةِ / والأيتامُ يَنتظرونَ استلامَ جَثَامِينِ آبَائِهِم عِندَ الحواجزِ العسكريةِ/ مُدُنٌ للكُوليرا وصَوْتِ الرَّصاصِ وصَوْتِ المطرِ / والطحالبُ الذهبيةُ تُضِيءُ هَيْكَلي العَظْمِيَّ/ وَنَسِيَ الغُبارُ جُثَّةَ الجُنديِّ في أرضِ المعركةِ / لكنَّ الأوسمةَ العسكريةَ تُزَيِّنُ أشلاءَهُ المُتَطَايِرَةَ/ والإعصارُ أجبرَ الرِّمَالَ المُتَحَرِّكَةَ عَلى تَقديمِ استقالتها للصَّحراءِ / والصحراءُ تَنْبُتُ بَيْنَ قَطَرَاتِ دَمِي وقَطَرَاتِ المَطَرِ / والسَّنابلُ تَخْرُجُ مِن شُقُوقِ قَلْبي المكسورِ /

     أيُّها النَّسْرُ العَجُوزُ الذي يَعِيشُ مُرَاهَقَتَهُ المُتَأخِّرَةَ بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبُورِ / لَقَدْ ضَاعَ سَرَطَانُ الثَّدْيِ بَيْنَ مَلاقِطِ الغَسِيلِ ومَلاقِطِ الحَوَاجِبِ / وأشجارُ الخريفِ نَسِيَتْ حَبْلَ الغسيلِ عَلى سُورِ المقبرةِ / وحَفَّارُ القُبورِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ رَبطةِ العُنُقِ وحَبْلِ المِشْنَقةِ / فَكُنْ وَسيمًا أيُّها السَّرابِ كَشَجَرِ المقابرِ / كَي تَقْبَلَكَ الصَّحراءُ زَوْجًا وجَلَّادًا في مَوْسِمِ الخِيَانَةِ الأُرْجُوَانِيَّةِ /

     أيُّها الطِّفْلُ المَنبوذُ الذي يَخْتَبِئُ مِن أُمِّهِ / بَيْنَ فِرَاشِ المَوْتِ والحقيبةِ المدرسيةِ / هَل تَعْرِفُ أيْنَ يَقَعُ قَبْري؟/ أرى خُدُودَ فَرَاشَةٍ غَامِضَةٍ بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبورِ / عِندَ غُروبِ الشَّمْسِ في بَحْرِ الدُّموعِ/ طِلاءُ أظافِرِ العَرَائِسِ عَلى خَشَبَةِ الإعدامِ / والمِكياجُ يَتساقطُ في حُفَرِ المَجَاري / سَقَطَت الأقنعةُ عَن وَجْهِ النَّهْرِ / وَلا مُسْتَقْبَلَ للجَرَادِ سِوَى الغَرَقِ في عَرَقِ النِّسَاءِ وأحزانِ المَسَاءِ / وأعلامُ القَبائلِ مُنَكَّسَةٌ بَيْنَ أجنحةِ الفَرَاشَاتِ وَتَجَاعِيدِ الذُّبَابِ / وَتَبْحَثُ فِئرانُ التَّجَارُبِ عَن أشلائي في حُطَامِ السُّفُنِ / صَوْتُ المطَرِ كَسَرَ صَوْتَ البيانو / والمُغنِّي يَرْكُضُ إلى قَبْرِ أبِيهِ تَحْتَ الأمطارِ القِرْمِزِيَّةِ .

28‏/12‏/2023

عشاء على ضوء الشموع مع جثمان امرأة غامضة

 

عشاء على ضوء الشموع مع جثمان امرأة غامضة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     حَيَاةُ المَشنوقِ أطْوَلُ مِن حَياةِ الشَّانِقِ / فَلْيَكُن المَوْجُ حَبْلَ مِشْنَقتي كَي أتَذَكَّرَ حَبْلَ الغسيلِ على سَطْحِ بَيْتِنا المهجورِ / وَشُطآنُ الغُروبِ تَعيشُ مُرَاهَقَتَهَا المُتَأخِّرَةَ بَيْنَ حِبَالِ المشانقِ وحِبَالِ الغسيلِ / تَنكسِرُ ضَفائرُ البُحَيرةِ تَحْتَ مَلاقِطِ الغسيلِ / كَمَا تَنكسِرُ أُنوثةُ الرِّمالِ بَيْنَ صُحُونِ المطبخِ ومَلاقِطِ الحَوَاجِبِ / والعُشَّاقُ نَسُوا الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ بَيْنَ صَفَّاراتِ الإنذارِ والحواجزِ العسكريةِ/ والمطرُ كَسَرَ القِيثارةَ / وماتَ اللحْنُ تَحْتَ المطرِ / والزَّوابعُ تَبْحَثُ عَن نَعْشِ المُغنِّي /

     وُلِدْنا في لَيْلِ الشِّتاءِ الدَّمَوِيِّ / لَكِنَّنا كِذبَةُ نَيْسَان / كَذَبْنا عَلى جَدائلِ أُمَّهاتِنا / كَذَبْنا عَلى الحُبِّ / وَعَشِقْنا بَناتِ آوَى كَي نُؤرِّخَ لأحلامِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ / أثاثُ المَنَافي يُحَاصِرُ مَوْقَدَةَ الخريفِ في لَيالي التَّطهيرِ العِرْقِيِّ/ وَالبَحْرُ يَغارُ عَلى البُحَيرةِ مِن سَرَطَانِ الثَّدْيِ /

     مَاتتْ ظِلالي في الفَجْرِ الكاذبِ / لَكِنِّي أزرعُ نَعناعَ المقابرِ بَيْنَ الذِّكرياتِ المُوحِشَةِ والأُنُوثةِ المُتَوَحِّشَةِ / وَضَعْنا الجثامينَ النُّحَاسِيَّةَ في الأكياسِ البلاستيكِيَّةِ / وطَيْفُ الشَّركسياتِ يُلْهِمُني ويَذْبَحُني / ضَوْءُ القَمَرِ يَنْسُجُ أكفاني بَيْنَ حَبَّاتِ الكَرَزِ وَحَبَّاتِ اليَاقُوتِ / لا تاريخٌ لأشلائي سِوَى الرَّكْضِ في غَاباتِ القُوقازِ / ولا جُغرافيا لِدُموعي سِوَى السُّقوطِ عَلى أجنحةِ الفَرَاشَاتِ /

     كَسَرَ عَصَا المايسترو حُزْنُ المساءِ/وطُبُولُ الحربِ تُقْرَعُ عَلى مَسْرَحِ الدُّمى/لا يَقِينٌ سِوَى حَبْلِ المِشْنَقةِ الذي يَتَقَمَّصُ حَبْلَ الغسيلِ/ولا شَكٌّ سِوَى خَشَبَةِ الإعدامِ التي تَتَقَمَّصُ خَشَبَةَ المَسْرَحِ/

     تَلْمَعُ أظافري النُّحَاسِيَّةُ في سَرَاديبِ مَحكمةِ التَّفتيشِ / كَمَا تَلْمَعُ أسنانُ النِّساءِ في المقابرِ الجماعِيَّةِ / جُثماني مَنارةٌ عَلى شَاطئِ الوَدَاعِ / تُرْشِدُ طُيُورَ البَحْرِ إلى بُكاءِ البَحْرِ / تَتَوَهَّجُ ضَفائرُ الرَّاهباتِ في أدْيِرَةِ الثلجِ الأخضرِ / وَكُرَيَاتُ دَمِي تَتساقطُ كَحَبَّاتِ المطرِ في الرِّمالِ المُتَحَرِّكَةِ /

     أُفَاوِضُ السَّرابَ عَلى السَّرابِ/ وأركضُ إلى الصَّحراءِ البَعيدةِ/ لَكِنَّ الصَّحراءَ في قَلْبي/ والسَّرابَ بَيْنَ دَمِي والرِّئَتَيْن / أنا وِصَايَةُ الرِّيحِ عَلى النَّهْرِ / وأنا الوَصِيُّ عَلى غُبارِ الشَّوارعِ / أنا الوَصِيُّ والوَصِيَّةُ والوِصَايَةُ / شَجَرُ المقابرِ يَكتبُ وَصِيَّتي / وحَفَّارُ القُبورِ تَرَكَ جُثماني عَلى سُورِ المقبرةِ / وذَهَبَ إلى زَبَدِ البَحْرِ / كَي يَسْتَلِمَ الرَّاتِبَ الشَّهْرِيَّ / سَفِينتي تَغرَقُ / فَكَيْفَ أَعُودُ إلى رَصِيفِ المِيناءِ وَحِضْنِ أُمِّي القتيلةِ ؟/ رَفَعْتُ الرَّايةَ البَيضاءَ عَلى كُرَيَاتِ دَمِي البَيْضَاءِ / والدُّودُ يأكلُ جُثتي الأُرْجُوَانِيَّةَ/ لا تَتَجَسَّسْ عَلَيَّ يَا ضَوْءَ القَمَرِ/ إنَّ دُموعي تَحْفِرُ وِسَادتي في لَيْلِ الشِّتاءِ الطويلِ/ وكُلَّمَا فَكَّرْتُ بالرُّومانسيةِ / رَأيْتُ مَلَكَ المَوْتِ / وعِندَما أمُوتُ / سَتَمُوتُ أحلامي في صَدْري .

27‏/12‏/2023

القمر الوحيد وليالي بنات آوى

 

القمر الوحيد وليالي بنات آوى

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     وَمِيضُ البَرْقِ فَوْقَ الجثامينِ الطازَجةِ/والبَحْرُ زِيرُ نِسَاء/ لأنَّهُ احتضنَ جُثَثِ النِّساءِ الحزيناتِ في ليالي الشِّتاءِ المُضِيئةِ / ودَمُ الحَيْضِ لِجَوَارِي القَصْرِ يَسِيلُ عَلى ثَلْجِ الأشلاءِ الأزرقِ / في لَيْلِ الانقلاباتِ العَسكرِيَّةِ / ويَنكسِرُ لَمَعَانُ عُيُونِ النِّساءِ في صُحُونِ المَطْبَخِ / كما تنكسِرُ أجنحةُ العَصافيرِ في الخريفِ الباردِ/ وَالعَوَاصِفُ لَمْ تُفَرِّقْ في حُروبِ القَبائلِ بَيْنَ ثَلاجةِ المَطْبَخِ وثَلاجةِ الجُثَثِ / أبْنِي قَصْري الرَّمْلِيَّ بَيْنَ أعلامِ القَراصنةِ الرُّومانسِيِّينَ وأعلامِ القَبائلِ المُنقَرِضَةِ/ والرِّيحُ تَكْسِرُ أجراسَ الكنائسِ في ليالي الشِّتاءِ الدَّامِيَةِ / والأطفالُ يَقْضُونَ العُطلةَ الصَّيفيةَ في غَسْلِ أكفانِ آبائِهِم وتَغسيلِ جُثَثِهِم/وأحزاني رَصاصةٌ بَيْنَ رَغيفِ الخُبْزِ وتُفَّاحِ النُّعُوشِ /

     أيَّتُها المَرْأةُ الآتيةُ مِن لَيْلِ الخريفِ المُفْعَمِ بِرَائحةِ التَّوابيتِ والجَوَّافةِ والذِّكرياتِ/ أسْمَعُ دَقَّاتِ قَلْبِكِ / وأسْمَعُ ضَجِيجَ أصَابِعِكِ عَلى بَابِ بَيْتي / وأعْرِفُ أنَّكِ جِئْتِ إلَيَّ في مُنْتَصَفِ الليلِ كَي تَقْتُلِينِي / وأنا أجْلِي الصُّحُونَ في مَطْبَخِ الجُثَثِ والأمطارِ / سَوْفَ تَظَلُّ أشِعَّةُ القَمَرِ وَرَاءَ الغُيومِ الحزينةِ شَاهِدَةً عَلى قَتْلِي وَمَوْتِ الحُبِّ/سَيَظَلُّ الليلُ الجارحُ شَاهِدًا عَلى غَرَقِ سَفينتي وغَرَقِ العِشْقِ في قَلْبي / أنا النَّوْرَسُ المُجَرَّدُ مِن جِنْسِيَّةِ البَحْرِ / أركضُ في خَنادقِ دَمِي ولا أصِلُ /

     أركضُ في الفَجْرِ الكَاذِبِ / لكنَّ مِشْنَقتي صَادقةٌ / وَطَنٌ مَنْذُورٌ لِنَهْرِ الدِّماءِ / مَصِيرٌ مَنْذُورٌ للمِلْحِ/ المِلْحُ في دَمْعِي/ المِلْحُ في خُبْزِ أُمِّي / المِلْحِ في جَسَدِ البَحْرِ / فَكَيْفَ أكُونُ حَبَّةَ كَرَزٍ بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبورِ ؟ / أبيعُ كُرَيَاتِ دَمِي في طُرُقَاتِ المَرْفَأ اللازَوَرْدِيِّ / كَمَا يَبيعُ الأطفالُ العِلْكَةَ عَلى إشاراتِ المُرُورِ / والبَحْرُ يَدْرُسُ الرِّياضياتِ كَي يَحْسُبَ عَدَدَ الرَّصَاصَاتِ في رِئَةِ النَّهْرِ /

     كالطِّفْلِ المَنبوذِ الذي عَرَفَ أنَّ أُمَّهُ تَخُونُ أبَاهُ /كانَ شَاطِئُ الغُروبِ في ذاكرةِ المحاكمِ العسكرِيَّةِ/يا ثَلْجَ الدِّماءِ/لا تَبْحَثْ عَن سَاعَةِ الحائطِ في سِجْني/إنَّ سِجْني بِلا حِيطان/وَدِّعُوا الرُّبَّانَ أيُّها البَحَّارةُ/وَلا تَكْرَهُوا فِئرانَ السَّفينةِ/إنَّ السَّفينةَ تَغرَقُ/لا ذِكْرَيَاتٌ ولا حِكَايَات/كُلُّ شَيْءٍ مَات/

     قَلْبي المُوحِشُ في مَملكةِ النِّسَاءِ المُتَوَحِّشَاتِ / فَامْدَحْني يا حَفَّارَ القُبورِ / مَقْبَرتي مِنَ الرُّخامِ المُسْتَوْرَدِ / والنَّباتاتُ البلاستيكِيَّةُ تُزَيِّنُ قَبْري/ وأنتَ تنتظِرُ الرَّاتِبَ الشَّهْرِيَّ في ليالي الخَوْفِ / وُلِدْتُ في لَيْلَةٍ خَريفيةٍ بَاردةٍ/ لَكِنِّي أحترِقُ مِنَ الدَّاخِلِ / لأُضِيءَ الطريقَ أمامَ دُودِ المقابرِ /  أنا المَصلوبُ على قَلْبي المكسورِ / أركُضُ كالطِّفْلِ اليَتيمِ بَيْنَ حُطَامِ قَلْبي وحُطَامِ سَفينتي / والرَّاهباتُ مَصْلُوباتٌ عَلى أبراجِ الكَنائسِ في لَيالي الصَّقيعِ الوَهَّاجَةِ .

26‏/12‏/2023

اشتباك مسلح بين النهر والبحر

 

اشتباك مسلح بين النهر والبحر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     ذِكْرَياتي طُيورٌ كَاسِرَةٌ / لَكِنَّ قَلْبي مَكْسُورٌ / تَبيعُ اليَتيماتُ العِلكةَ في المحاكمِ العَسكريةِ / ونَسِيَ الحَمَامُ الزَّاجِلُ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ عَلى نافذةِ الزِّنزانةِ/ وصَارَ يَغسِلُ بَلاطَ الزِّنزانةِ بِحَلِيبِ السَّجِينَاتِ / قَبْري بَيْتُ الوَحْشَةِ/ وَجَسَدي طَعَامُ الدُّودِ / فَخُذْ يا شَجَرَ الليلِ رَبطةَ عُنُقي تَذكارًا للحُبِّ الضَّائعِ في الوَطَنِ الضَّائعِ / إنَّ قَمِيصَ النَّوْمِ هُوَ فِرَاشُ المَوْتِ /

     المَوْجُ يَصنعُ التَّوابيتَ مِن الأثاثِ المُسْتَعْمَلِ في بَيْتِنا المهجورِ / والقَنَّاصُ في المَنَارَةِ عِندَ شَاطِئِ الوَدَاعِ / يُرَاقِبُ طُيُورَ البَحْرِ وَهِيَ تُحَلِّقُ فَوْقَ جُثَثِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ/ أيَّتُهَا الصَّحراءُ الباكيةُ / دُودُ المقابرِ سَيَأكُلُ ثَدْيَيْكِ اللذَيْنِ تَفتخِرِينَ بِهِمَا تَحْتَ رَاياتِ القَراصنةِ ورَاياتِ القَبائلِ / وحِيطانُ السِّجْنِ تَتَبَوَّلُ عَلى أجسادِ السُّجَنَاءِ / وسَوْفَ تَجْلِي السَّبايا صُحُونَ المطبخِ في لَيْلِ الانقلاباتِ العَسكرِيَّةِ/ فَساتينُ السَّهرةِ تَحترِقُ كأجنحةِ الجَرَادِ في الشَّتاءِ الدَّامِي/ ذَهَبَت العَرَائِسُ إلى الاحتضارِ الضَّوْئِيِّ / والسَّائِلُ المَنَوِيُّ عَلى خَشَبِ الأثاثِ أوْ خَشَبِ النُّعوشِ / ذَهَبَت الصَّبايا إلى المَوْتِ / وبَقِيَتْ مَلاقِطُ الغسيلِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / وَبَقِيَتْ قُمْصَانُ النَّوْمِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ /

     أخافُ أن أنظُرَ في الشَّفَقِ / كُلَّمَا نَظَرْتُ في الشَّفَقِ رَأيْتُ وَجْهَكِ / فَكَيْفَ أهْرُبُ مِن وَجْهَكِ وفي كُرَيَاتِ دَمِي شُطآنٌ وأعاصيرُ وحَوَاجِزُ عَسكريةٌ ؟ / نَسِيَت الفَتَيَاتُ طِلاءَ الأظافرِ عَلى مَلاقِطِ الغسيلِ / ورَحَلْنَ إلى مَحطةِ القِطَاراتِ في الغُروبِ / فيا أيُّها النَّهْرُ المشلولُ / لماذا تَلْعَبُ بِمَشَاعِرِ البُحَيرةِ ؟ / أحلامُ الطُّفولةِ جَالِسَةٌ عَى كُرْسِيٍّ مُتَحَرِّكٍ أمامَ مَوْقَدَةِ الخريفِ / والانطفاءُ هُوَ شَريعةُ الذاكرةِ وشَرْعِيَّةُ الذِّكرياتِ / وسُورُ المقبرةِ يَكتبُ الأغاني الوَطنيةَ في مَملكةِ القبائلِ المُتَنَاحِرَةِ /

     أُولَدُ مِن مَوْتِي / حِينَ تُصْبِحُ ضَفَائِرُكِ أيَّتُها الشَّركسيةُ حَبْلَ مِشْنَقتي / أبدأُ مِن نِهَايتي / حِينَ تُصْبِحُ أزرارُ قَمِيصِكِ مَسَامِيرَ نَعْشِي / أُضِيءُ مِن انطفائي / حِينَ تُصْبِحُ خُدُودُكِ شَاهِدَ قَبْري / وسَوْفَ أركضُ إلى الضَّوْءِ في آخِرِ النَّفَقِ /

     الزَّوبعةُ طِفْلةٌ يَتيمةٌ تَركضُ تَحْتَ أشجارِ المقابرِ/ في الخريفِ المُمْتَلِئِ بالجُثَثِ المجهولةِ وأوسمةِ الجُنودِ القَتْلَى / أنا مَلِكُ الغُبارِ / أجلسُ عَلى عَرْشِ السَّرابِ / تَاجِي هُوَ انكسارُ المَوْجِ عَلى نوافذِ القُصورِ الرَّمليةِ / صَوْلَجَانِي هُوَ جُثمانِ البَحْرِ عِندَ الغُروبِ/ وحَبَّاتُ العَرَقِ عَلى جِبَاهِ الشَّركسياتِ هِيَ حَبَّاتُ اليَاقُوتِ في مَملكةِ الذِّكرياتِ / التي تَحْيَا في جِلْدِي ولا تَمُوت / وَلْتَكُنْ أكْفَاني مِن أجنحةِ الفَرَاشَاتِ / أنا السَّاحِرُ المَسْحُورُ / أنا الذاكرةُ والذِّكرياتُ .

25‏/12‏/2023

أمنيتي المستحيلة أن أرى الشركسيات في الأندلس

 

أمنيتي المستحيلة أن أرى الشركسيات في الأندلس

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     الحُبُّ الضَّائعُ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ القَتيلةِ / وأحلامُ الطُّفولةِ في مَرافئِ الجِرذان / تُبْحِرُ السُّفُنُ ولا تَعُودُ / تَذْهَبُ أُمِّي إلى المَوْتِ ولا تَعُودُ / يَقِيسُ الليلُ خُدُودَ الشَّركسياتِ بأغاني الرَّحيلِ / وأقِيسُ أظافري باحتضاراتِ الذُّبَابِ / وكُلَّمَا تَفَجَّرَ المساءُ في ثُقوبِ جِلْدي / رَأيتُ وُجوهَ القَتلى عَلى زُجاجِ نافذتي / ولا رِسالةَ في صُندوقِ البَريدِ إلا الصَّدَأ /

     بُكاءُ الأمواجِ في الليالي الكريستالِيَّةِ / يُخَبِّئُ أحزانَ الغاباتِ في لَمَعَانِ عُيُونِ الشَّركسياتِ / والبَيْتُ مَهجورٌ كَدَمْعِ النَّوارسِ/والأكفانُ البَيضاءُ تُغطِّي الأثاثَ المُسْتَعْمَلَ/ شَوارعُ السُّلِّ مُحَاصَرَةٌ بِنِقَاطِ التَّفتيشِ العَسْكَرِيَّةِ / ودَمُ الأطفالِ يَسِيلُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ /

     أركُضُ في أحلامِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ وَرَاءَ طَيْفِ النِّساءِ الغامضاتِ/العائشاتِ في قِطَاراتِ الشَّفَقِ/ المقتولاتِ في غَابَاتِ السَّحَرِ / وَمَن أحَبَّ حُلْمًا عُذِّبَ بِهِ / الطِّفْلُ المنبوذُ يَحْفَظُ جُثمانَ أُمِّهِ في ثلاجةِ المطبخِ / ويُخَبِّئُ الأيتامُ نُعُوشَ آبَائِهِم في الحقائبِ المدرسيةِ/ مَاتت النِّساءُ في الغُروبِ البعيدِ/ وبَقِيَتْ فَساتينُ الأعْرَاسِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ/ وَضَاعَتْ مَلاقِطُ الحَوَاجِبِ بَيْنَ مَلاقِطِ الغسيلِ/ وثلاجةُ المطبخِ هِيَ ثلاجةُ المَوْتَى/وصَوْتُ الرَّصاصِ في خُدُودِ الفَرَاشَاتِ/ وآثارُ الرَّصاصِ على نوافذِ غُرفتي/ بَراءةُ الأطفالِ بَيْنَ مَساميرِ النُّعوشِ الصَّدِئَةِ وتُفاحِ المقابرِ الجماعِيَّةِ / لا تَقْلَقْ عَلَيَّ يا أبي / سَوْفَ يُزْهِرُ رُفاتي بَيْنَ أوراقِ الخريفِ بُرتقالًا وذِكْرَيَاتٍ / لا ذَاكِرَةٌ سِوَى مَلاقِطِ الغسيلِ على سُطُوحِ البُيُوتِ المهجورةِ / ولا تابوتٌ سِوَى خَشَبِ الأثاتِ المُسْتَعْمَلِ في المنافي الكِلْسِيَّةِ /

     فِئرانُ التَّجَارُبِ في المقابرِ المَلَكِيَّةِ / وأنا الغريبُ في أدغالِ الغُروبِ / رَأيْتُ انكسارَ الطيورِ الكاسرةِ / وكُلُّ كَاسِرٍ مَكْسُورٌ / رَأيْتُ سُقُوطَ الدُّوَلِ الذابلةِ / وكُلُّ زَهْرِةٍ ذَابِلَةٍ يَقْطِفُها صَوْتُ الأمواجِ/ والأيتامُ يَجْمَعُونَ جَدَائِلَ أُمَّهَاتِهِم في صَناديقِ الأسلحةِ / التي نَسِيَهَا الجُنودُ في مَعركةِ الوَهْمِ / وهَرَبُوا إلى بَرِيقِ الأوسمةِ العسكريةِ في السَّرابِ /

     اعْرِفِي أرشيفَ ذِكرياتي مِنَ الأحزانِ/ التي يُذَوِّبُها المساءُ في لَمَعَانِ عُيُوني/ تُهَاجِرُ أحزانُ النَّهْرِ مِن أجنحةِ النُّسورِ إلى دَمِي الأخضرِ/ كَمَا يُهَاجِرُ الكَرَزُ مِن خُدُودِ الشَّركسياتِ إلى دَمْعِي المالحِ / لا تَكْرَهِينِي يا أُمِّي / سَيَنْمُو التُّفَّاحُ في هَيْكلي العَظْمِيِّ / ويُصْبِحُ جُثماني حَدِيقةً بلا أسوارٍ ولا  ذِكْرَيَاتٍ / مَسَامِيرُ النُّعوشِ صَدِئَةٌ كَصُحُونِ المَطْبَخِ في بَيْتِنا المَهجورِ في الأندَلُسِ / لا تَقْلَقْ يا ضَوْءَ القَمَرِ / إنَّ جَيْشَ البَدْوِ الرُّحَّلِ سَيُحَرِّرُ الأندَلُسَ .

24‏/12‏/2023

غرفة التعذيب بين المزهريات والمرايا

 

غرفة التعذيب بين المزهريات والمرايا

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     حَلِيبُ السَّبايا يَغْسِلُ بَلاطَ الزَّنازين / والزُّهورُ البلاستيكِيَّةُ عَلى شَوَاهِدِ القُبورِ النُّحَاسِيَّةِ / رَمَى النَّهْرُ تَوابيتَ العُشَّاقِ في حَاوِيَاتِ القُمامةِ/ وصَارَ رُومانسِيًّا في مُدُنِ المَلاريا/ نَزَعَ المَسَاءُ خَوَاتِمَ الخُطُوبَةِ مِن أصابعِ القَتْلَى / ومَنَادِيلُ الوَدَاعِ مَنْسِيَّةٌ تَحْتَ بَساطيرِ الجُنودِ عَلى رَصيفِ المِيناءِ /

     الرَّاهِبَةُ المَشلولةُ مَصْلُوبةٌ عَلى بُرْجِ الكَنيسةِ / لَكِنَّ الصَّليبَ يَتَأرْجَحُ بَيْنَ ثَدْيَيْهَا المَقْطُوعَيْن / اللذَيْنَ سَرَقَهُمَا صُرَاخُ الثُّلُوجِ / لا صَلِيبَ سِوَى جِلْدِ النَّهْرِ / ومَزْهَرِيَّةُ غُرفةِ الاعترافِ هِيَ الزِّنزانةُ الانفرادِيَّةُ / وَهَاجِسُ المرأةِ الغامضةِ يُلاحِقُنِي في الغُروبِ / وطَيْفُ أُنوثةِ السَّنابلِ في السَّحَرِ صَارَ رَقْمًا عَلى بَابِ زِنزانتي / وأرقامُ السُّجَنَاءِ أهَمُّ مِن أسمائهم / وسَوْفَ أخُونُ رِئتي اليُمنى مَعَ اليُسرى/

     العَنَاكِبُ الذهبيةُ في أوعيتي الدَّمويةِ / وحَبَّاتُ الكَرَزِ تَنمو في هَيْكَلي العَظْمِيِّ / أمشي في المساءِ إلى البَحْرِ المقتولِ / بَيْنَ الحواجزِ العَسكرِيَّةِ وقَطَرَاتِ المطرِ/ أمشي إلى كُرَيَاتِ دَمي التي تَفْصِلُ بَيْنَ صَفَّاراتِ الإنذارِ وجُثمانِ النَّهْرِ/ وأركضُ في سُجُونِ قَلْبي / وأعيشُ في زَنازينِ الرُّوحِ / لأكْتَشِفَ الحُزْنَ في لَمَعَانِ عُيونِ الشَّركسياتِ /

     يَبني الأيتامُ القُصورَ الرَّمليةَ بَيْنَ دَقَّاتِ قَلْبي وَضَرَبَاتِ الفأسِ في جَسدِ البَحْرِ / والأيتامُ يَعْرِفُونَ بَعْضَهُم / كما يَعْرِفُ النَّوْرَسُ الغريقُ جِنْسِيَّةَ أعشابِ البَحْرِ / العَاشِقَانِ جَالِسَانِ في مَطْعَمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / ولا يَعْرِفَانِ مَشَاعِرَ الدَّجاجِ عِندَ ذَبْحِهِ /

     الأجفانُ المَعْدِنِيَّةُ للنِّساءِ المَجروحاتِ عاطِفِيًّا / وَرَقَبَةُ النَّهْرِ تَحْتَ المِقْصَلةِ / والطحالبُ الذهبيةُ تنمو في أظَافِرِهِ الصَّدِئَةِ / أكفانُ الجَوَاري مِن فَرْوِ الثعالبِ/ والكِلابُ الضَّالَّةُ تَغسِلُ مَساميرَ النُّعوشِ بِدَمِ الحَيْضِ / أعيشُ مُرَاهَقَتِي المُتَأخِّرَةَ بَيْنَ جُثَثِ النِّساءِ في المقابرِ الجماعِيَّةِ / ودَمِي مُؤرِّخُ هِجرةِ الذُّبَابِ مِن خَشَبَةِ المَسْرَحِ إلى خَشَبَةِ المَذبَحِ / مَساميرُ النُّعُوشِ في صُحونِ المطبخِ /

     سَلامًا أيُّهَا الصَّقْرُ الذي لا يَرى دُمُوعَهُ إلا ضَوْءُ القَمَرِ/رَحَلَت النِّسَاءُ إلى أعلامِ القَرَاصنةِ قُرْبَ بُكاءِ البَحْرِ/ وتَرَكْنَ دَبابيسَ الذاكرةِ في مَناديلِ الوَدَاعِ / أنا كَاسِرُ الصَّليبِ / أُهَاجِرُ مِنَ الغُروبِ إلى الغُروبِ/ فيا أيَّتُها الرَّاهبةُ المشلولةُ / لا تَكْتُبِي وَصِيَّتَكِ عَلى رُفَاتي الأخضرِ / إنَّ أبراجَ الكنائسِ هِيَ أبراجُ السُّجُونِ في صَحْرَاءِ الدَّمْعِ والياقوتِ/وضَريحي في أجفانِ المساءِ مِنَ الأحجارِ الكريمةِ / أنا البَحَّارُ القَتِيلُ/ وَلَمْ ألْعَبْ بِمَشَاعِرِ فِئرانِ السَّفينةِ/ لأنَّ حُزْنِي فَأرُ تَجَارُب/ لَقَدْ صَدَقْتَ أيُّها السَّرابُ/ سَوْفَ يَنكسِرُ بَرِيقُ عُيونِ النِّساءِ كَمَا تَنكسِرُ الرُّومانسِيَّةُ في صُحُونِ المَطْبَخِ .

23‏/12‏/2023

مملكة البدو الرحل بلا عرش ولا صولجان

 

مملكة البدو الرحل بلا عرش ولا صولجان

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     وَدَاعًا أيَّتُهَا الفَرَاشَةُ الوَحيدةُ في المطرِ / تَنكسِرُ الأجنحةُ كَمَرَايَا الصَّقيعِ / ومِلْحُ دُموعي يَخُونُ لَمَعَانَ أظافري / والبَقُّ يَأكُلُ أخشابَ نَعْشِي في مملكةِ السُّلِّ/لماذا تُريدُ اغتيالي يا كَرَزَ الأضرحةِ ؟/ إنَّ جُثماني هُوَ النَّشيدُ الوَطَنِيُّ للدُّوَيْلاتِ اللقيطةِ / فلا تَكْرَهْنِي يا أبي / وَلا تَحْزَنِي عَلَيَّ يا أُمِّي /

     عَادَت الصَّبَايا إلى الأرضِ الخَرَابِ / لا بَحْرٌ يُولَدُ في أوردةِ الغُروبِ / ولا شَمْسٌ تَطْلُعُ مِن أخشابِ التَّوابيتِ / أنا الرُّبَّانُ التَّائِهُ في العَاصِفَةِ / لا عَرْشٌ إلا الدَّمْع / ولا دُسْتُورٌ إلا السَّراب /

     أيُّها القاتلُ المقتولُ / لا تَلْعَبْ بِمَشَاعِرِ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ / عِظَامُ الضَّحايا في صَحْنِ العَدَسِ / والضُّيوفُ لَن يَأتوا / والأفعى تَلْتَفُّ حَوْلَ ضَوْءِ القَمَرِ/ والعَصافيرُ تَخِيطُ أكفاني بَيْنَ قَطَرَاتِ المَطَرِ وحَبَّاتِ العَرَقِ عَلى جِبَاهِ الشَّركسياتِ / وكُلَّمَا زُرْتُ ضَريحَكِ/ تَفَجَّرَتْ رَائحةُ النَّعناعِ في عِظَامي /

     المَطَرُ الذهبيُّ وَدَمْعُ أُمِّي الفِضِّيُّ يَغسِلانِ فِرَاشَ المَوْتِ / يَقِفُ القَطِيعُ عَلى حَافَةِ الجَبَلِ / كَمَا يَقِفُ الشَّجَرُ في المقبرةِ الزُّجَاجِيَّةِ / وأنا القتيلُ بَيْنَ أوراقِ الخريفِ وصَوْتِ الرَّعْدِ / لا أقْدِرُ أن أُدَافِعَ عَن البُحَيرةِ حِينَ يَجُرُّ النَّمْلُ جُثَّتَهَا/ أنا المنبوذُ بَيْنَ أعقابِ السَّجائرِ وأعقابِ البَنادقِ / لا أقْدِرُ أن أحْمِيَ مَساميرَ نَعْشي مِنَ الصَّدأ والصَّدى / خَبَّأتُ جُثمانَ العاصفةِ في صُندوقِ البَريدِ الفارغِ / الذي سَيَأكُلُهُ الصَّدَأُ في أعيادِ السَّرابِ الوَهَّاجِ /

     لا تَفتخِري يا دُودةَ الذاكرةِ بِحَجْمِ ثَدْيَيْكِ / إنَّني أفتخِرُ بِحَجْمِ مِشْنَقتي / لا دُستورَ لِمَملكةِ الجِرذانِ سِوَى سَرَطَانِ الثَّدْيِ / لماذا تَرْكُضِينَ يا أشجارَ المقابرِ في لَمَعَانِ أظافري / لماذا تَنامِينَ يا شُطآنَ اليَاقُوتِ في شُقوقِ جِلْدي / لا أمْلِكُ إلا جِلْدي / والإعصارُ يَغتصِبُ أمواجَ البَحْرِ /

     أيَّتُها الغريبةُ في مَمَالِكِ السَّبايا / الحَلِيبُ الأسْوَدُ عَلى فُرشاةِ أسنانِكِ / والرَّسائلُ الغرامِيَّةُ عَلى مَساميرِ نَعْشِكِ/ والأقنعةُ هِيَ تاريخُ الكُوليرا في المُدُنِ المهجورةِ / والبَحْرُ يَكتبُ وَصِيَّتَهُ عَلى عِظَامِ الغَرْقَى/ وأنا المُهَاجِرُ مِن حَبْلِ الغسيلِ عَلى سَطْحِ بَيْتِنَا / إلى حَبْلِ مِشْنَقتي عَلى رَصِيفِ المِيناءِ/

     أُصَلِّي قِيَامَ الليلِ قَبْلَ إعْدَامي عِندَ الفَجْرِ / سَأبْنِي مَمْلَكتي بَيْنَ جَدائلِ أُمِّي وأجنحةِ الجَرَادِ / وأسألُ الرِّمَالَ المُتَحَرِّكَةَ / كَيْفَ أَهْرُبُ مِن جِلْدِي وَطَيْفُ الشَّركسياتِ في الشَّفَقِ يُحَاصِرُنِي ؟ /

     الشُّعُوبُ فِئرانُ تَجَارُب / وَفِئرانُ السَّفينةِ أكَلَتْ جُثَثَ البَحَّارَةِ / والرُّبَّانُ المشلولُ أَحْرَقَ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ / والرَّاهبةُ العَمْياءُ نَسِيَتْ كَبْسُولةَ السِّيَانَيْدِ بَيْنَ حُبُوبِ مَنْعِ الحَمْلِ/ والنَّهْرُ يَشْرَبُ دَمْعَ المساءِ / ويأكلُ أعشابَ المقابرِ / ولا أحَدَ يَنْتَشِلُ الجُثَثَ في مَدينةِ الوَهْمِ .

22‏/12‏/2023

مستقبل مشرق بين الأكفان والجراد

 

مستقبل مشرق بين الأكفان والجراد

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     أيُّها الطِّفْلُ الجائعُ / سَتَأكُلُ جُثمانَ أُمِّكَ / أيُّها اليَتيمُ العَطْشَان / سَتَشْرَبُ حَليبَ البَنادقِ / البُحَيرةُ تُرْضِعُ ضَوْءَ القَمَرِ / فَابْحَثْ عَن سُنبلةٍ بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبورِ كَي تُرْضِعَكَ / حَيَاتي رَقْمٌ عَلى بَابِ زِنزانتي / والعَاصِفَةُ تُطْلِقُ الرَّصاصَ عَلى النَّهْرِ الأعزلِ /

     كَسَرَ المساءُ قُلُوبَ النِّساءِ / والرِّمالُ الهَمَجِيَّةُ تُعَلِّمُ البَحْرَ الحضارةَ/ لا ضَفَائِرَ للرَّاهباتِ سِوى مَساميرِ الصُّلْبانِ/ وَلَمَعَانُ عُيونِ الشَّركسياتِ يُضِيءُ طَريقي إلى الكَرَزِ المنثورِ عَلى نَصْلِ مِقْصَلتي /

جُدرانُ بَيْتي مُزَيَّنةٌ بالنُّعوش الكريستالِيَّةِ / والأيتامُ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الأثاثِ المُسْتَعْمَلِ وأخشابِ النُّعُوشِ / عِشْتُ حَيَاتي بَيْنَ الرُّومانسيةِ والذِّكرياتِ كَي أَصِيرَ طَعَامًا للدُّودِ /

     الأرنبُ المذبوحُ بَيْنَ أوراقِ الخريفِ / وَبَرِيقُ أظافري هُوَ بَرِيقُ الخناجِرِ في جِلْدِ الرِّياحِ / وَنُهُودُ النِّساءِ المقطوعةُ مُلْقَاةٌ في حَاوِيَاتِ القُمَامَةِ / الرَّصاصُ الحَيُّ بَيْنَ رَغْوَةِ الدَّمِ وَرَغْوَةِ القَهْوَةِ / وَصَاحِبَاتُ الدَّمِ الأزرقِ يَشْرَبْنَ الشَّايَ الأخضرَ / في مَقْهَى التَّوابيتِ الذي يُطِلُّ عَلى بَحْرِ الدُّموعِ/ تَتساقطُ دُموعُ البَنَاتِ في آبارِ النِّفْطِ أوْ آبارِ القُرى المَنْسِيَّةِ / ويَنكسِرُ الصَّليبُ بَيْنَ العَوَانِسِ والكَنَائِسِ / وأبراجُ الكَنائسِ هِيَ أبراجُ الحِرَاسَةِ في سُجُونِ الرِّمالِ المُتَحَرِّكَةِ /

     كُنْ رُومَانسِيًّا أيُّهَا السَّرَابُ/ إنَّ المَطَرَ يَجْرَحُ خُدُودَ البُحَيْرَةِ / هَل أنا المُخَلِّصُ في مُسْتَنْقَعِ الزَّوجاتِ الخائناتِ ؟ / هَل أنا صَفِيرُ القِطَارِ بَيْنَ دُموعِ العُشَّاقِ وأمطارِ الذِّكرياتِ ؟/ أشِعَّةُ القَمَرِ تَخْلَعُ جِلْدِي / ولا أرى في مِرْآتِي إلا لَمَعَانَ المُسَدَّسَات / وكُلُّ شَيْءٍ مَات/

     أرى في الشَّفَقِ وُجُوهَ الشَّركسياتِ / فَكَيْفَ أُطْلِقُ رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى الذِّكرياتِ ؟ / أحزاني هِيَ صَفَّارةُ إنذارٍ بَيْنَ دَمِي والبَحْرِ / وعِظَامُ النَّوارِسِ القَتيلةِ هِيَ دُستورُ الدَّولةِ البُوليسِيَّةِ/ رُخَامٌ أسْوَدُ في سُوقِ الرَّقيقِ الأبيضِ / ولاعِبُ القِمَارِ قَلَبَ الطاولةَ عَلى المُقَامِرِين / خَسِرَ حَفَّارُ القُبورِ أشجارَ المقبرةِ في لُعْبَةِ قِمَارٍ / ولَيْسَ أمَامَهُ إلا المَوْت / وطُيُورُ البَحْرِ تُنَظِّفُ شَوَاهِدَ القُبورِ مِن الغُبارِ/ والمساءُ يَغْسِلُ أعشابَ المقابرِ بِدَمْعِ النِّسَاءِ / نُخَبِّئُ جَمَاجِمَ النُّسورِ العاجزةِ جِنسِيًّا في الحقائبِ المدرسِيَّةِ / والطِّفْلُ المشلولُ رَأى أبَاهُ يُجَامِعُ أُمَّهُ في لَيْلَةٍ خَريفِيَّةٍ بَاردةٍ /

     يَرْحَلُ الصَّيْفُ مِن خُدودِ الصَّبايا / ويَغتَصِبُ الشِّتاءُ عِظَامَهُنَّ في الليلِ الطويلِ / مَاتَ الرِّجالُ في أزِقَّةِ الجَرَادِ / وما زَالَت النِّساءُ يُجَهِّزْنَ قُمصانَ النَّوْمِ في لَيْلَةِ الدُّخلةِ / هَيَاكِلُنَا العَظْمِيَّةُ أرشيفٌ للأرقِ / وأشلاؤُنا سِفْرُ الخُرُوجِ مِن أمطارِ المساءِ / والأحزانُ في دَمِنَا لا تَنَامُ / والدَّمُ لا يَنَامُ .

21‏/12‏/2023

رائحة الجثث تحت أنقاض البيوت

 

رائحة الجثث تحت أنقاض البيوت

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     لا رَاياتُ القَبائلِ تُظَلِّلُ هَيْكلي العَظْمِيَّ / ولا جَدَائِلُ أُمِّي تَحْرُسُ أوعيتي الدَّمويةَ/ سَيَدْفِنُنِي المساءُ في أوراقِ الخريفِ / ويَتَخَلَّصُ مِن جُثماني سَريعًا / ما فائدةُ رُومَانسِيَّةِ الشُّطآنِ إذا كانَ البَحْرُ عَاجِزًا جِنسِيًّا ؟ / ما فائدةُ ذَاكِرَةِ الوَدَاعِ إذا كانَ سَرَطَانُ الثَّدْيِ ابتلعَ صَدْرَ البُحَيرةِ ؟ /

     أرصفةُ المُدُنِ البَعيدةِ لَهَا رَائحةٌ كَعَرَقِ النِّسَاءِ المَجروحاتِ عاطفيًّا / كَسَرَتْ لَيالي الخريفِ قَلْبَ الفَراشةِ / وشَظَايَا حُزني كَشَظَايا المزهرياتِ / التي حَطَّمَهَا صَوْتُ الرَّعْدِ / عِشْتُ حَيَاتي كَي أضَعَ الأرقامَ عَلى الجُثَثِ المجهولةِ / وأُنَظِّفَ شَوَاهِدَ القُبورِ مِنَ الغُبارِ والحِكَاياتِ / وأُؤرِّخَ لأحلامِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ / وأحْرُسَ أرشيفَ الأمواتِ مِنَ الأمواتِ / عِشْتُ حَيَاتي كَي أدْفِنَ الفَرَاشَاتِ في أجفانِ الرِّياحِ / وأنتظِرَ فَرَاشَةً تَدْفِنُنِي في السَّحَرِ / وكانَ قلبي مَقْعَدًا للانتظارِ في مَحطةِ القِطَاراتِ /

     كُونِي سَمِينةً أيَّتُها الذُّبَابَةُ / احْرِصِي عَلى حَجْمِ ثَدْيَيْكِ / إنَّ دُودَ المقابرِ ما زَالَ يَنتظِرُ / لا خارطةٌ للحَطَبِ سِوى مَوْقَدَةِ الشِّتَاءِ / ولا ذِكرياتٌ للجَرَادِ سِوى أرقامِ الزَّنازين /

     عِظَامُ المَوْتَى هِيَ الأُغْنِيَاتُ الوَطنيةُ في المَنَافي الجليدِيَّةِ / كَيْفَ أعْشَقُكِ وأجنحةُ الحَشَرَاتِ تَتَكَسَّرُ في لَمَعَانِ عَيْنَيْكِ ؟ / كَيْفَ أغْسِلُ بَلاطَ زِنزانتي بِمِلْحِ دُموعي وفِرَاشُ المَوْتِ مِن فَرْوِ الثعالبِ ؟ / كَيْفَ أمُوتُ وجَدَائِلُ النِّساءِ مَرْبُوطةٌ بِمَساميرِ نَعْشِي ؟/ مَشَيْنَا إلى حِصَارِ بَيْرُوتَ أوْ حِصَارِ ستالينغراد / وكانت الرَّاهباتُ يَبْكِينَ عِندَ غُروبِ الشَّمْسِ فَوْقَ جُثمانِ البَحْرِ /

     جُدْرَانُ بَيْتي مَطْلِيَّةٌ بأشلاءِ الضَّحايا / وهَيْكَلي العَظْمِيُّ مُزَيَّنٌ بِطَحَالبِ المُسْتَنْقَعَاتِ / التي اغْتَصَبَهَا ضَوْءُ القَمَرِ / وأخشابُ البيانو صَارَتْ حَطَبًا في مَوْقَدَةِ الشِّتاءِ الحزينِ / أنتظِرُ صُدورَ حُكْمِ إعدامي/ كما تَنتظِرُ ابنةُ السَّرابِ بُرُوزَ ثَدْيَيْهَا/ أزِقَّةُ السُّلِّ في المِيناءِ المهجورِ مُعَبَّدَةٌ بأغشية البَكَارَةِ / لا بَكَارَةٌ للسَّنَابلِ إلا المُسدَّسات/ ولا طَهَارةٌ للحُزْنِ إلا الذِّكريات /

     جَدائلُ النِّساءِ تَحْتَ بَساطيرِ العَسْكَرِ/ويَدْرُسُ العُشَّاقُ الرُّومانسيةَ في لَيْلَةِ الانقلابِ العَسكريِّ/ وأعيشُ مُرَاهَقَتِي المُتَأخِّرَةَ بَيْنَ عِظَامِ الضَّحايا ومَصابيحِ المَرْفَأ / أضاعَ البَحْرُ جُثَّةَ أُمِّهِ / وأضاعَ الغُروبُ جُثَثَ البَحَّارَةِ / ضَوْءُ القَمَرِ يَزْرَعُ طَحَالِبَ المُسْتَنْقَعَاتِ في صَناديقِ البَريدِ المهجورةِ / والحَمَامُ الزَّاجِلُ أضَاعَ رَسائلَ العُشَّاقِ / والعُشَّاقُ يَنتظِرونَ في مَحطةِ القِطَاراتِ / ويَمُوتُونَ على رَصيفِ المِيناءِ / أشْنُقُ ذِكْرَياتي بِضَفَائِرِ الفَتَيَاتِ / وأنشُرُ هَيْكَلي العَظْمِيَّ عَلى حَبْلِ الغسيلِ فَوْقَ سَطْحِ بَيْتِنَا المهجورِ / ولا تَزَالُ رَائحةُ الجُثَثِ في ثُقوبِ جِلْدِي .

20‏/12‏/2023

الشعوب الرخيصة والدويلات اللقيطة

 

الشعوب الرخيصة والدويلات اللقيطة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     دَمُ الحَيْضِ يَجْرَي عَلى مِكْيَاجِ الأقنعةِ كالنَّهْرِ الأعمى / لا تاريخٌ للرُّومانسيةِ سِوى الجثامين / ولا جُغرافيا لِرَبطةِ العُنُقِ سِوى حَبْلِ المِشنقةِ / سَقَطَتْ أشلاءُ العُشَّاقِ في عَصيرِ البُرتقالِ / والأكفانُ مُبْتَلَّةٌ بالمطرِ والشَّايِ الأخضرِ / والدَّمُ أخضرُ كَحُقُولِ الدَّولةِ البُوليسِيَّةِ / ذَهَبَ الرِّجالِ إلى المَوْتِ والذِّكرياتِ / وذَهَبَت النِّساءُ إلى الاحتضارِ والحِكاياتِ / كُلُّ شَيْءٍ مات /

     يُعَلِّقُ المساءُ التَّوابيتَ على أوعيتي الدَّمويةِ / كما يُعَلِّقُ الإعصارُ البَرَاوِيزَ عَلى حِيطانِ الذاكرةِ/ وتَركضُ أشجارُ المقبرةِ إلى البَحْرِ في الفَجْرِ الكَاذِبِ / الحَشَرَاتُ مُحَنَّطَةٌ في دُمُوعِ الفَتَيَاتِ النُّحَاسِيَّةِ/ ومَعْجُونُ الأسنانِ عِندَ جُثةٍ مَجهولةِ الهُوِيَّة/ لا مُسْتَقْبَلَ للنُّعوشِ سِوى المساميرِ/ أفتخِرُ بِمِقْصَلَتِي العَجُوزِ في هَيْكلي العَظْمِيِّ/ كَما تَفتخِرُ المرأةُ بِحَجْمِ ثَدْيَيْهَا/ والفِئرانُ تأكلُ جُثماني بَيْنَ حُطَامِ سَفينتي الغارقةِ وأنقاضِ قَلْبي المكسورِ / فلا تَكْرَهْني أيُّها القَمَرُ / ولا تَحْزَني عَلَيَّ أيَّتُها الشَّمْسُ/ أركضُ في شَوارعِ السُّلِّ/ مُحَاصَرًا بِرَاياتِ القَبائلِ / ومَحْصُورًا في أحلامِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ / لا جُغرافيا لِسُعالي سِوى الرِّمالِ المُتَحَرِّكَةِ / جُثماني أمامي يَلْمَعُ كَخَنْجَرِ الذِّكرياتِ / وجُثمانُ أبي وَرائي يَتَوَهَّجُ كأشجارِ الشَّفَقِ / والزَّوابعُ تَسْكُبُ دَمِي في حُفَرِ المَجَاري /

     شُعُوبٌ مِنَ الرَّمْلِ الأزرقِ / تَعيشُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / والأعلامُ مُنَكَّسَةٌ في الصَّباحِ / ومَرْفُوعةٌ على أفخاذِ النِّساءِ في المساءِ / أَشُكُّ في كُرَيَاتِ دَمِي / لا يَقِينَ إلا حَبْلُ مِشْنَقتي / أخْلَعُ جِلْدي بأظافري البلاستيكيةِ / كَي أبْحَثَ عَن ابتساماتِ المُخْبِرِينَ في شَراييني / وأُفَتِّشَ عَن ضَحِكَاتِ الزَّوجاتِ الخائناتِ في عِظَامي/أنا بَرِيءٌ كَمِلْحِ البَحْرِ/ لَكِنَّ أزرارَ قَمِيصِ البَحْرِ مِن أسنانِ النِّساءِ المُغتَصَبَاتِ / أنا المطرودُ مِن دَمِي / التَّائِهُ في أزِقَّةِ شَراييني / أنا وقِطَطُ الشَّوارعِ وأشجارُ المقابرِ نَشْعُرُ بالفَراغِ العاطفيِّ/والرَّصَاصُ الحَيُّ يَملأ الفراغَ العاطفيَّ/ لِيَصِيرَ النَّزِيفُ رُومانسِيًّا كالسَّرابِ/الحواجزُ العَسكريةُ تتكاثرُ في الشَّوارعِ كَبُيُوضِ الحَشَرَاتِ/ والمَوْجُ يَكْسِرُ حَنجرةَ البَحْرِ/ والبَحَّارةُ الغَرْقَى لَن يَعُودُوا إلى الغِنَاءِ/والإعصارُ يَدْهَنُ نُهُودَ السَّبايا المقطوعةَ بالمُبِيداتِ الحَشَرِيَّةِ /

     تُفَّاحَةٌ حَجَرِيَّةٌ بَيْنَ مِلْحِ الدُّموعِ ومِلْحِ البَحْرِ / وشَظَايَا جَمَاجِمِ النِّساءِ تَتساقطُ في مِلْحِ الطعامِ/ والغريبُ يُلَمِّعُ غِمْدَ سَيْفِهِ بِمِلْحِ دُمُوعِهِ / لا دُسْتُورٌ لِمُدُنِ المِلْحِ إلا السَّراب / ولا تاريخٌ للأعلامِ المُنَكَّسَةِ إلا البُكاء / وأنا المَنبوذُ السَّمَاوِيُّ / أُولَدُ بَيْنَ حُطَامِ قَلبي وحُطَامِ سَفينتي / والنَّهْرُ طِفْلٌ يَجْمَعُ أشلاءَ أُمِّهِ في حَقِيبَتِهِ المدرسيةِ / والبُحَيْرَةُ المَشلولةُ وَاقِفَةٌ أمامَ جُثمانِ أبِيها .

19‏/12‏/2023

طابور السبايا أمام السوبر ماركت

 

طابور السبايا أمام السوبر ماركت

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     سَرَطَانُ الثَّدْيِ مِثْلُ دُودِ المقابرِ / كِلاهُما يَلْتَهِمُ صُدُورَ النِّساءِ / والزَّوابعُ تَكتشفُ مقابرَ جماعِيَّةً في حَنجرةِ البَحْرِ / فَيَا قَلْبي المكسورَ / كُن عَنيفًا مِثْلَ ضَوْءِ القَمَرِ / حِينَ يَحْفِرُ قَاعَ المُسْتَنْقَعِ / ويُنَقِّبُ عَن عِظَامِ الضَّحايا / سَيُصْبِحُ المساءُ الحزينُ رُومانسِيًّا / حِينَ تَسْتَحِمُّ النِّساءُ بالمُبِيداتِ الحَشَرِيَّةِ / وتَضَعُ البُحَيرةُ اسْتِقَالَتَهَا عَلى مَكْتَبِ البَحْرِ /

     العاصفةُ تَقضي وَقْتَ فَرَاغِهَا في تَشريحِ جُثةِ النَّهْرِ / والأطفالُ يَقْضُونَ العُطلةَ الصَّيفيةَ في تَشريحِ جُثَثِ أُمَّهَاتِهِم / دَمِي طَلَّقَ البُحَيرةَ / لأنَّ القصيدةَ هِيَ زَوْجتي وعَشِيقتي / أبنائي قَتَلُوني / وكأنَّ بَنَاتِ أفكاري بَنَاتُ آوَى / التاريخُ مِثْلُ الجنينِ / كِلاهُمَا يأتي مَعَ الدَّمِ / والمرايا في غُرفةِ إعدامي خَانَتْ جُثماني / والبَاعَةُ المُتَجَوِّلُونَ يَبِيعُونَ الأزهارَ الصِّنَاعِيَّةَ أمامَ المحاكمِ العسكريةِ /

     لا مَقبرةٌ لِعِظَامِ الأسماكِ / ولا جِنْسِيَّةٌ لأشلاءِ الرُّبَّانِ / فَلْيَكُنْ حُزْنُ البَحْرِ نَهْرًا بِلا ضِفَافٍ / يُحَاوِلُ البَحَّارَةُ الهربَ مِنَ السَّفينةِ قَبْلَ غَرَقِهَا/ لَكِنَّ فِئرانَ السَّفينةِ تأكلُ جُثَثَ البَحَّارَةِ في السَّحَرِ /

يَشْعُرُ النَّهْرُ بِالفَرَاغِ العَاطِفِيِّ / وأزرعُ السَّنابلَ في فِرَاشِ المَوْتِ / لأنَّ احتضاري صُورةُ الشِّتاءِ عَلى مَزهرياتِ المساءِ / وبُكائي صُورةُ النَّوَارِسِ عَلى بَريقِ الخناجِرِ / كَسَرْتُ أجنحةَ الفَرَاشَةِ / وَبَحَثْتُ عَن الحُبِّ الأوَّلِ بَيْنَ أكوامِ الجُثَثِ / وبَحَثْتُ عَن أحلامِ الطفولةِ بَيْنَ أكْوَامِ البَعُوضِ /

     أيُّها الطِّفْلُ الذي يَضَعُ جُثمانَ أُمِّهِ في حَقِيبَتِهِ المدرسيةِ/ويَرْحَلُ إلى الغُروبِ/أيْنَ بَيْتُكَ المهجورُ؟/ الفَيَضَانُ يَكْسِرُ البَرَاوِيزَ عَلى الحِيطانِ / وَمَسَامِيرُ نَعْشِي هِيَ الأثاثُ المُسْتَعْمَلُ في بَيْتَ الجَرَادِ / والزَّوبعةُ الأُرْجُوَانِيَّةُ تُفَتِّشُ عَن الحَشَرَاتِ في أنقاضِ قَلْبي/ ونَسِيَ المَوْجُ الفَيْرُوزِيُّ جُثَثَ الأطفالِ على الأراجيحِ الكريستالِيَّةِ / التي تَهْتَزُّ بَيْنَ أشِعَّةِ القَمَرِ وأجفانِ السَّبايا/ فَكُن وَاثِقًا بِضَوْءِ القَمَرِ/ حِينَ تَخُونُكَ قَطَرَاتُ النَّدى عَلى شَجَرِ المقابرِ/ كُن مُنْتَمِيًا إِلى جَدَائِلِ أُمِّكَ / حِينَ يُسْقِطُ المساءُ عَنْكَ جِنسِيَّةَ المَطَرِ /

     جُثماني حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ النَّهارِ والليلِ / وشَراييني صَفَّارةُ إنذارٍ بَيْنَ الصَّيفِ والشِّتاءِ / الأضرحةُ تَمْتَلِئُ بِرَائحةِ شَمْسِ الشِّتاءِ / وأشِعَّةُ القَمَرِ تَكْسِرُ شَوَاهِدَ القُبورِ في الليلِ الطويلِ / فَاجْمَعْ خُيُوطَ أكفانِ الرِّيحِ في حَنْجَرتي/ وخَزِّنْ شَظَايا قَلبي الوحيدِ في مَنَادِيلِ الوَدَاعِ/ لا إسْطَبْلاتٌ للمُلوكِ المَخلوعين / ولا ذِكْرَياتٌ للمَلِكَاتِ السَّبايا / الأراملُ جَالِسَاتٌ عَلى شَاطِئِ الرَّحيلِ / يَنْتَظِرْنَ القَراصنةَ الرُّومانسِيِّين / وفِئرانُ المِيناءِ المهجورِ تَنتظِرُ جُثَثَ البَحَّارَةِ الغَرْقَى .

18‏/12‏/2023

امرأة متزوجة تعاني من الفراغ العاطفي

 

امرأة متزوجة تعاني من الفراغ العاطفي

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     لا تَكْرَهي المرايا/ لا تَكْسِري المزهرِيَّات/ ضَوْءُ القُلوبِ مَات / سَقَطَتْ كَبْسُولةُ السِّيَانَيْدِ في قَارُورةِ العِطْرِ / والحَمَامُ الزَّاجِلُ أضاعَ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ في مُدُنِ الطاعون / أيْنَ سَيَذهَبُ الرَّمادُ بَعْدَ حَرْقَ جُثمانِ الفَراشةِ ؟ / السَّبايا مَصْلُوباتٌ على أعمدةِ الكَهْرباءِ في طُرُقاتِ السُّلِّ / والنَّهْرُ يُطَالِبُ بِدَمِ الأشجارِ / الذي تَسْكُبُهُ الرِّياحُ في حُفَرِ المَجَاري /

     هَرَبَتْ فِئرانُ السَّفينةِ إلى الدَّورةِ الدَّمويةِ للبَحْرِ / وجُثَثُ البَحَّارةِ تَتَعَفَّنُ في أزِقَّةِ المِيناءِ / وسَقَطَ حَليبُ المَلِكَاتِ في آبارِ النِّفْطِ/ والويسكي في نُهُودِ السَّبايا / والخُلَفَاءُ حَائِرُونَ بَيْنَ بَراميلِ النِّفْطِ وَبَرِيقِ المُسدَّساتِ / جَدَائِلُ البُحَيرةِ مَقْصُوصةٌ / والحَشَرَاتُ الذهبيةُ تَضَعُ البَيْضَ في قُمصانِ النَّوْمِ / ولَمْ تُفَرِّق السَّبايا بَيْنَ الدَّورةِ الدَّمويةِ والدَّورةِ الشَّهريةِ /

     لا تَكْرَهْنِي يا أبي / حِينَ تَخْرُجُ الفِئرانُ مِن ثُقوبِ جِلْدي/ يَنكَسِرُ لَمَعَانُ عُيُونِ النِّساءِ في مَرايا الخريفِ / والدُّموعُ تَحْفِرُ خَنَادِقَ الذِّكرياتِ في خُدودِ الأيتامِ / وأشجارُ المقبرةِ عَشيقتي الخائنةُ وسَجَّانتي المُخْلِصَةُ / وُجُوهُ الزَّوجاتِ الخائناتِ تُحَاصِرُ قَلْبَ البَحْرِ في الشِّتاءِ الدَّامي /

     أَزُورُ مُتْحَفَ الخريفِ عِندَ الغُروبِ/ كَي أرى جُثَّتي المُحَنَّطَةَ في مِلْحِ الدُّموعِ / وَضَعَ الأغرابُ الجثامينَ النُّحَاسِيَّةَ في الأكياسِ البلاستيكِيَّةِ / فما فائدةُ الأثاثِ الجديدِ في عِمَارَةٍ آيِلَةٍ للسُّقوطِ ؟/

     تَتفجَّرُ أُنوثةُ البُحَيراتِ بَيْنَ رَائحةِ البَصَلِ في مَطَابِخِ الوَأدِ / وبَيْنَ رَائحةِ العِطْرِ في المقابرِ الجماعِيَّةِ / لكنَّ الخِيانةَ وَاحدةٌ / فيا أيُّها العاشقُ الغريبُ / سَوْفَ تَقْتُلُكَ المرأةُ الغامضةُ في لَيْلَةٍ خَريفيةٍ باردةٍ / وأنا المنبوذُ / دَخَلْتُ في عُزلةِ الرِّياحِ الشَّمْسِيَّةِ / قَمَرًا بِلا ذِكرياتٍ ولا عَشيقات / قَمَرًا مَات / فارْحَمِي المَوْجَ المذبوحَ تَحْتَ صَوْتِ الرَّعْدِ / أيَّتُها القاتلةُ المقتولةُ / إنَّ بَرِيقَ عَيْنَيْكِ يَتَفَجَّرُ في جِلْدِي/ ويَفْتَرِسُنِي في لَيالي الشِّتاءِ الطويلةِ/ ذَهَبَت الصَّبايا إلى شُموعِ الاحتضارِ / وتَرَكْنَ مَلاقِطَ الحواجبِ على حِبَالِ الغسيلِ / فلا تَحْزَنْ عَلَيَّ يا صَوْتَ الرَّصاصِ / إنَّ حَبْلَ الغسيلِ هُوَ حَبْلُ مِشْنَقتي /

     دَخَلَت الصَّحراءُ في السَّرابِ الأوَّلِ والرَّقصةِ الأخيرةِ / دُودُ المقابرِ يَأكلُ صُدورَ النِّساءِ كَسَرَطَانِ الثَّدْيِ / انكَسَرَت الخَلاخِيلُ بَيْنَ أجنحةِ الحَمَامِ الزَّاجِلِ / وَذَابَ الكُحْلُ في عَصيرِ الليمونِ الذي نَسِيَ العُشَّاقُ أن يَشْرَبُوهُ / وَطُبُولُ الحربِ على خَشَبَةِ المَسْرَحِ أوْ خَشَبَةِ الإعدامِ / لا مُسْتَقْبَلٌ للصَّحراءِ إلا السَّراب / ولا حُلْمٌ للرِّمالِ المُتَحَرِّكَةِ إلا الضَّباب .

17‏/12‏/2023

رحلة إلى مدينة الكوابيس

 

رحلة إلى مدينة الكوابيس

للشاعر / إبراهيم أبو عواد

........................

     أيَّتُها الرَّاقصةُ عَلى ثُلوجِ الدَّمِ / تَفْتَخِرِينَ بأدغالِ صَدْرِكِ المُتَوَحِّشِ / وأفتخِرُ بِغاباتِ مِشْنقتي المُوحِشَةِ / هل يَستطيعُ صَدْرُكِ أن يَهْرُبَ مِن سَرَطَانِ الثَّدْيِ ؟ / هَل يَستطيعُ جِلْدِي أن يَهْرُبَ مِن حَبْلِ الِمشنقةِ ؟ /

     سَلامًا أيُّهَا الذِّئبُ العَاجِزُ جِنسِيًّا / عِشْتَ تَحْتَ الأرضِ كَي تُؤرِّخَ للحُبِّ الضَّائِعِ / تَلْمَعُ أظافري في لَيْلِ الشِّتاءِ / كَما تَلْمَعُ السَّكاكينُ عَلى جَسَدِ البُحَيرةِ / والقُلوبُ المكسورةُ هِيَ بُوصلةُ الرُّبَّانِ الضَّائعةِ بَيْنَ أحزانِ المَوْجِ وفِئرانِ السَّفينةِ /

     أيُّها النَّهْرُ الأُمِّيُّ / لا تَقْرَأْ كِتابًا إلا دَمِي / ولا تَكْتُبْ اعترافًا إلا وَصِيَّتِي / تَجُرُّ القِطَطُ المنبوذةُ أمعائي في طُرُقَاتِ المِيناءِ المهجورِ / وقَفَصِي الصَّدْرِيُّ صَارَ زِنزانةً انفرادِيَّةً للعَصَافِيرِ والأراملِ /

     الرُّومانسِيَّةُ اختراقٌ أمْنِيٌّ / فَازْرَع الحواجزَ العَسكريةَ بَيْنَ شَراييني التي تَخُوضُ حَرْبًا أهلِيَّةً  /  إنَّ الإعصارَ يُعْلِنُ هُدنةً في أوْعِيتي الدَّمويةِ / وصَفَّاراتُ الإنذارِ تَفْصِلُ بَيْنَ مَساميرِ نَعْشِي وجَدائلِ أُمِّي / لا تاريخٌ في قَلبي سِوى وُجوهِ الضَّحايا / ولا جُغرافيا في حَنجرتي سِوى أشلاءِ النَّوارسِ /

     يَرْكُضُ الأيتامُ إلى شِتَاءٍ بِلا ذِكرياتٍ/ فيا أيُّها الطِّفلُ المنبوذُ تَحْتَ المطرِ الجارِحِ / سَيَأكُلُ الذُّبَابُ أكفانَكَ/ فَلْتَمُتْ عَارِيًا تَحْتَ الأعلامِ المُنَكَّسَةِ / أَكَلَ الصَّدَأُ الأوسمةَ العسكريةَ / وأَكَلَ الصَّدى وُجوهَ الأراملِ / والنَّهْرُ اليتيمُ هُوَ الآكِلُ المأكولُ/وقَلبي هُوَ الكاسِرُ المكسورُ/ نَسِيَ المطرُ جُثمانَ الفَراشةِ عَلى فُرشاةِ أسناني/ وذَهَبَ إلى احتضاراتِ المساءِ الوَهَّاجةِ / وجَاءَ مَوْعِدُ الحَصَادِ/ وَلَمْ أُجَهِّزْ فِرَاشَ المَوْتِ / غَسَلْتُ بَلاطَ زِنزانتي التي تُطِلُّ على البَحْرِ بالدَّمِ والدَّمْعِ والصَّابونِ / تتناثرُ أشلاءُ النِّساءِ في صُحونِ المطبخِ/والعاصفةُ تَزرعُ السَّنابلَ في جُمْجُمتي/ والشَّفَقُ يَبْحَثُ عَن مِنْجَلِ الوَدَاعِ كَي يَحْصُدَ / والسَّيْفُ عَلى رَقَبَةِ التُّفَّاحةِ / وجُثَثُ الأطفالِ عَلى أراجيحِ القَمَرِ /

     أيُّهَا النَّهْرُ المُشَرَّدُ في طُرُقَاتِ الدِّماءِ / أعْرِفُ أنَّ البَحْرَ حَرَمَكَ مِنَ المِيراثِ / فَلْيَكُنْ جُثماني مِيراثًا لَكَ وتُرَاثًا للسَّرابِ / تَغْرَقُ مَناديلُ الوَداعِ في مُسْتَنْقَعِ الذِّكرياتِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ / وتَنمو الطحالبُ في حَنجرةِ المُغنِّي / والشَّجَرُ يُطْلِقُ الرَّصَاصَ الحَيَّ عَلى النَّهْرِ الأعزلِ /

     المَطَرُ عِندَ الفَجْرِ/ وتابوتي في حَديقةِ بَيْتِنا / وَصَوْتُ البيانو المكسورُ سَرَقَ ذِكرياتي في وَطَني المسروقِ/ لا مَعْنى للرُّومانسيةِ يا هَيْكَلي العَظْمِيَّ / سَتَمُوتُ الذِّكرياتُ في قلبي المكسورِ / ويأتي مَلَكُ المَوْتِ / وتَتَسَاقَطُ دُموعُ النِّساءِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / ويَنتشرُ الصَّمْتُ في أسْمَنْتِ الحِيطان.

16‏/12‏/2023

الأنقاض الوهاجة

 

الأنقاض الوهاجة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     أمامَ البيانو جُثَّةُ امرأةٍ تَرْتَدِي تَنُّورَةً فَوْقَ الرُّكْبَةِ / نَسِيَت القَتيلاتُ مَلاقِطَ الحَوَاجِبِ على سُورِ المقبرةِ / ونَسِيَ السُّجَنَاءُ عُيُونَ الكِلابِ البُوليسِيَّةِ بَيْنَ أشجارِ الوَدَاعِ/ نافذةُ بَيْتي تُطِلُّ على قَبْري / والأثاثُ المُسْتَعْمَلُ يَصِيرُ أخشابًا للتَّوابيتِ/ وأنا المنبوذُ في شَظايا قَلبي المكسورِ/ المَنْفِيُّ في شَراييني الزُّجاجيةِ التي يُحَطِّمُهَا الخريفُ /

     صَارَتْ مَلاقِطُ الغسيلِ أُغْنِيَةً وَطَنِيَّةً في مَوَاسِمِ ضَيَاعِ الوَطَنِ / وأنا المقتولُ تَحْتَ أغصانِ المساءِ / أركضُ في مَتَاهَةِ رِئتي/ وأعْرِفُ أنَّ لَمَعَانَ أظافري يَخُونُنِي / وأَشُكُّ في كُرَيَاتِ دَمي / لكنَّ حَبْلَ المِشنقةِ يَقِيني وقَرِيني / والنَّهْرُ يَنَامُ وَالمُسَدَّسُ تَحْتَ وِسَادَتِهِ / وحَفَّارُ القُبورِ يُعَلِّمُ أشجارَ المقبرةِ الكِفَاحَ المُسَلَّحَ بَيْنَ جَدائلِ اليَتيماتِ وأوراقِ الخريفِ /

     طَيْفُ المَرْأةِ الغامضةِ يَقْتُلِني في الخريفِ / ويُحْيِيني في الشِّتاءِ / وأنا الظِّلُّ الغامضُ بَيْنَ مَقَاصِلِ الوَدَاعِ وخَنَاجِرِ الذِّكرياتِ / دَفَنْتُ قلبي في دُموعِ الشَّركسياتِ/ وذَهَبْتُ إلى فِرَاشِ المَوْتِ / لِكَيْلا تَرى أُمِّي دُموعي /

     يا أشِعَّةَ القَمَرِ في الخريفِ البَعيدِ / ماذا تُريدِينَ مِن أُمِّي ؟ / أُمِّي مَاتتْ / تَابُوتُهَا مِن أخشابِ المطبخِ / وأكفانُها في الصُّحُونِ / والذِّكرياتُ تَكْسِرُ زُجَاجَ النَّوافذِ في الشِّتاءِ الغَامضِ / والعَنْكَبُوتُ العَجُوزُ تُضِيءُ قَبْرَ الفَراشةِ/ والليلُ هَجَمَ عَلَيَّ في مَحطةِ القِطاراتِ بَيْنَمَا كُنْتُ أَمُوتُ / فِرَاشُ المَوْتِ مُمَدَّدٌ على المقاعِدِ الخشبيةِ/ وصَفِيرُ القِطاراتِ يَخْلَعُ جِلْدي/ وأنا القَتيلُ الرُّومانسِيُّ/ أزْرَعُ عِظَامي بَيْنَ صَفَّاراتِ الإنذارِ والحواجِزِ العَسكريةِ / وَأبْنِي ذِكْرياتي بَيْنَ شَاهِدِ القَبْرِ ونَعناعِ الشَّاي/ والأطفالُ يَقْضُونَ العُطلةَ الصَّيْفِيَّةَ في البَحْثِ عَن رُفَاتِ الضَّحايا في المقابرِ الجماعِيَّةِ /

     خَلْفِي رَاياتُ القَبائلِ المُنَكَّسَةُ / وَأَمَامِي أعلامُ القَراصنةِ / وَدَمِي صَارَ النَّشيدَ الوطنيَّ للسُّفُنِ الغارقةِ / يَنْتَشِرُ القَنَّاصَةُ والكِلابُ البُوليسِيَّةُ بَيْنَ رَغْوَةِ الدَّمِ ورَغْوَةِ القَهْوَةِ/ خَبَّأْنَا جُثَثَ أُمَّهَاتِنا في خِزَاناتِ المطبخِ / وصَنَعْنَا نُعُوشَ آبائِنَا مِن أخشابِ السُّفُنِ الغارقةِ /

     أيُّها السَّجينُ في شَرايينِ الرِّياحِ / نافذةُ سِجْنِكَ تُطِلُّ على أوْرِدَتي النُّحَاسِيَّةِ / ذَهَبَ دَمُ البُحَيرةِ هَدَرًا / ولا أَحَدَ يُطَالِبُ بِدَمِ القِطَطِ المُشَرَّدَةِ / البَحْرُ مَقتولٌ في الذِّكرياتِ / والرَّمْلُ مَوْلُودٌ في المزهرِيَّاتِ / ولا مُسْتَقْبَلَ لَكَ سِوَى الأمواجِ الكريستالِيَّةِ / والإعصارُ يُلَمِّعُ مَساميرَ نَعْشِكَ بِمِلْحِ الطعامِ/الذي نَسِيَتْهُ أُمُّكَ على النَّارِ في الشِّتاءِ الحزينِ/وَذَهَبَتْ إلى لَمَعَانِ الاحتضارِ في آخِرِ الليلِ.