23‏/04‏/2025

مواطن عاطل عن الوطن

 

مواطن عاطل عن الوطن

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     أنا الجُنديُّ المَهزومُ / قَتَلَنِي الصَّدَأُ في الأوسمةِ العَسكريةِ / والصَّدى يَمشي تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ في المُدُنِ المهجورةِ / تَرْكُضُ أشلاءُ رُوحِي وشَظَايا قَلْبي في أزِقَّةِ المِيناءِ / كَفِئرانِ السَّفينةِ الخائفةِ مِن أشِعَّةِ القَمَرِ / والجَرَادُ يَأكُلُ خُدُودَ العَرَائِسِ بَيْنَ ذَاكِرَةِ المَسْلَخِ وَبَلاطِ المَطْبَخِ /

     خَانتني مَناديلُ الوَدَاعِ في مَرَافِئِ الكَهْرَمان / والرُّتَبُ العَسكريةُ تُزَيِّنُ جُثَثَ الجُنودِ المجهولةَ / والحَرْبُ الأهْلِيَّةُ بَيْنَ نَبَضَاتِ قَلْبي / تَمْنَعُنِي مِنَ النَّوْمِ في لَيالي الصَّقيعِ / وَصَوْتُ المطرِ يَرْمي أظافري في حَنجرةِ النَّهْرِ/ أركضُ إلى أحزانِ الطُّفولةِ/ كَي أُضِيءَ الشُّموعَ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَحْدَهُ الاحتضارُ هُوَ الضَّوْءُ في آخِرِ النَّفَقِ / وصُنْدُوقُ بَرِيدي كَبَوَّابَةِ المقبرةِ / كِلاهُمَا يَمْشِي إلى الصَّدَأ والصَّدى / وَكُلَّمَا دَخَلْتُ إلى مَقبرةٍ قَرَأتُ اسْمِي على شَوَاهِدِ القُبورِ / قَبْرِي مِن زُجاجٍ / وَدِمَائي مِطْرَقَةٌ / أيُّهَا المَلِكُ المَخلوعُ/ ضَاعَت المَمْلَكَةُ الذهبيةُ / فَلا تَبْحَثْ عَن الأغاني الوطنيةِ / مَاتت الدَّوْلَةُ / فَلا تَبْحَثْ عَن مَحكمةِ أَمْنِ الدَّوْلَةِ / انكَسَرَت الذِّكرياتُ / فَلا تَبْحَث عَن المُخَابَرَاتِ / انتَهَت الحِكَايَاتُ / فَلا تَبْحَثْ عَن المَسْبِيَّاتِ /

     كَسَرَ الرَّاعي مِزْمَارَهُ / وَمَاتَ بَيْنَ شَجَرَةِ الصَّنَوْبَرِ وَعِطْرِ اليَاسَمِين / وَقَطيعُ الأغنامِ يَسِيرُ إلى حَافَةِ الجَبَلِ / وَمِيضُ البَرْقِ يَنْعَكِسُ عَلى الهاويةِ الفِضِّيةِ/ رَمَيْنَا جَثَامِينَ الجُنودِ في حُفَرِ المَجَاري / رَمَيْنَا الأوسمةَ العسكريةَ في حَاوِيَةِ القُمامةِ / والفُقَرَاءُ يَبْحَثُونَ عَن الخُبْزِ في المَزَابِلِ / وَيَأكُلُونَ نُهُودَ نِسَائِهِم / بَيْنَ سِحْرِ الحَضَارَةِ المُقَدَّسِ وَدُسْتُورِ بَرَامِيلِ النِّفْطِ / والعَوَانِسُ يَنْتَظِرْنَ الجُنودَ الذينَ لَن يَعُودُوا مِن المعركةِ / والدُّوَيْلاتُ اللقيطةُ يَحْكُمُهَا البَدْوُ الرُّحَّلُ ورُعْيَانُ الغَنَمِ /

     دَمِي المَنثورُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / يَحْمِيهَا مِنَ العَفَنِ والصَّدى / حَوَاسِّي مُتَوَحِّشَةٌ في المساءِ الحزينِ/وفي دَاخِلِي عَالَمٌ مُوحِشٌ/مَا الفَرْقُ بَيْنَ ضَرِيحٍ مِنَ السِّيراميكِ وضَرِيحٍ مِنَ الرُّخامِ ؟/ يَغسِلُ الأغرابُ جُثماني في نَهْرِ الدُّموعِ / وضَوْءُ القَمَرِ غَسَلَ يَدَيْهِ مِن النِّساءِ الصاعداتِ إلى بَرِيقِ المِقصلةِ / النَّازلاتِ إلى رَائحةِ أعشابِ المَدَافِنِ /

     كُنْ رُومَانسِيًّا واعْشَقْ ذِكْرَيَاتِكَ / قَبْلَ أن تَزُورَكَ القاتلةُ الغامضةُ في قَلْبِ الليلِ / أنا الطِّفْلُ اليتيمُ/ أبيعُ كُرَيَاتِ دَمِي على إشاراتِ المُرورِ/ كَي أشتريَ أكفانًا لأبي الذي تَفَرَّقَ دَمُهُ بَيْنَ القَبائلِ/ عِشْتُ كَي أحْسُبَ عَدَدَ الضَّحَايا / لا تاريخَ للقطيعِ إلا الكُوليرا / تَحَطَّمَتْ أُنوثةُ السنابلِ بَيْنَ المِكْيَاجِ والنِّعَاجِ / والعَبِيدُ يَزْرَعُونَ أظافِرَهُم في لُحُومِ الأمِيرَاتِ بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ .

22‏/04‏/2025

أغنية من زمن الرصاص

 

أغنية من زمن الرصاص

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     بَنَى السَّرابُ عَرْشًا مِن زُجاجِ القِطَارَاتِ / وأنا المَلِكُ المَخلوعُ / أجْلِسُ عَلى مَقْعَدٍ خَشَبِيٍّ في مَحطةِ القِطَارَاتِ الجليديةِ / لا أنتظرُ أحَدًا / ولا أحَدٌ يَنْتَظِرُني /

     أنا الجُنديُّ المَجهولُ بِلا أوسمةٍ ولا مُعْجَبَاتٍ / أنا الجُنديُّ المقتولُ بِلا أضرحةٍ ولا ذِكرياتٍ / جُثَثُ الأُمَّهَاتِ في ثَلاجةِ المَطْبَخِ / وَدَمُ الحَيْضِ السَّاخِنُ على البَلاطِ البَارِدِ / وأشلاءُ الأطفالِ في صُحُونِ المَطْبَخِ / قَصَفَت الطائراتُ زُجَاجَ النَّوافِذِ / وعُمَّالُ الإنقاذِ يَبْحَثُونَ عَن الضَّحايا تَحْتَ أنقاضِ حَنْجَرَتي / أَحْمِلُ أوتادَ خَيْمَتي / وأرْحَلُ مِن شَظَايا رِئتي إلى خُدُودِ المَوْجِ المكسورةِ / آثارُ خُطُوَاتِ النَّوارِسِ على ثَلْجِ الدِّمَاءِ المُخْمَلِيَّةِ/ والزَّوابعُ تَبني مُسْتَقْبَلَهَا في أعشابِ المَدَافِنِ / وقُطَّاعُ الطُّرُقِ سَرَقُوا أسنانَ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ/وأنا الغريبُ/مُتُّ قَبْلَ مِيلادي / وُلِدْتُ بَعْدَ مَوْتي /

     صَوْتُ المطرِ يَتَدَاخَلُ مَعَ صَوْتِ الكَمَانِ في المساءِ الحزينِ/ وَصَوْتُ الرَّصاصِ يُمَزِّقُ قَلْبَ الليلِ/ لا أبناءَ لي أُوَرِّثُهُم فَيْرُوسَ الحضارةِ القاتلَ/ لا أبناءَ لي أُوَرِّثُهُم جُرْثُومةَ الوَطَنِ القاتلةَ /  فَكُنْ رُومَانسِيًّا يا حَارِسَ المَقبرةِ/ حِينَ يَتَزَوَّجُ الخريفُ أشجارَ المقبرةِ / كُنْ عَاطِفِيًّا يا حَفَّارَ القُبورِ / حِينَ يَغتَصِبُ الصَّدَأُ بَوَّابَةَ المقبرةِ / البَحْرُ سَجَّاني وشَقِيقُ حُزني في المساءِ الغريقِ / وأنا أَسْبَحُ في دِمَائي بِلا طَوْقِ نَجَاةٍ/وأركضُ في الليلِ تَحْتَ الأمطارِ الأخيرةِ كَي أُؤرِّخَ للمَوْتِ/انكَسَرَتْ عُرُوشُ السَّرابِ/ والحَمَامُ الزَّاجِلُ يُفَتِّشُ عَن الرَّسائلِ الغَرَامِيَّةِ / التي كَتَبَهَا الخُلَفَاءُ المَهْزُومُونَ للجَوَاري تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ / وَفَوْقَ خَشَبَةِ الإعدامِ /

     ضَاعَ وَطَني في مَرْفَأ جَثامينِ البَحَّارةِ / فصارتْ لُغَةُ العصافيرِ وَطَني / انكَسَرَ قَلْبي بَيْنَ فِئرانِ السَّفينةِ وشُيوخِ القبائلِ/ فصارتْ أبجديةُ الرَّحيلِ قَلبي/ضَاعَتْ بلادي/واقْتَلَعَت الرِّياحُ أوتادَ خَيْمتي/ فَصَارَت القصيدةُ بِلادي / التي أعيشُ فِيها / وأمُوتُ فِيها / عِشْ في لُغَتِكَ أيُّها الذِّئبُ المَنْفِيُّ / لَن تَأتِيَ لَيْلَى/ والزَّوابعُ نَكَّسَتْ أعلامَ القبائلِ/ فَلْتَكُنْ أشلاؤُكَ أثاثًا لأحلامِ الطُّفولةِ في قَاعِ المُسْتَنْقَعِ/ الذي تَحْرُثُهُ أشِعَّةُ القَمَرِ / أنا حارسُ المقبرةِ / أدْهَنُ بَوَّابَةَ المقبرةِ بِدَمِي الطازَجِ / كَي أحْمِيَهَا مِنَ الصَّدَأ / سَنَظَلُّ رُومانسِيِّين / ونُوَاصِلُ استخراجَ الجُثَثِ مِن تَحْتِ أنقاضِ قُلُوبِنا / سَنَظَلُّ صادقين / ونَكْذِبُ عَلى حَفَّارِي قُبورِنا / نُعُوشُنا مُزَرْكَشَةٌ / وشَوَاهِدُ قُبُورِنا مُزَخْرَفَةٌ / وجَدائلُ أُمَّهاتِنا تَحْتَ أنقاضِ بُيُوتِنا/ أنامُ على سَطْحِ بَيْتي في نَزِيفِ الطُّفولةِ البَعيدِ / تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الأخيرةِ / وأزرعُ أظافري في جِلْدِ الذِّكرياتِ/ وأُمِّي نَسِيَتْ حَبْلَ الغسيلِ بَيْنَ قَلْبي وقَبْري / وذَهَبَتْ إلى المَوْتِ .

21‏/04‏/2025

النساء كثيرات لكن قلبي واحد

 

النساء كثيرات لكن قلبي واحد

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

     لَمْ أتَطَهَّرْ مِن ضَجِيجِ نَبَضَاتِ قَلْبي في لَيْلِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / تَبْني النُّسورُ أعشاشَها في أنقاضِ قَلْبي / وَتَخُونُني جِيَفُ الخُيُولِ الخَشَبِيَّةِ عَلى قَشِّ الإسْطَبْلاتِ/ وَدُمُوعُ اللبُؤَاتِ خَانَتْ مِلْحَ البَحْرِ/ لا مُسْتَقْبَلَ للطحالبِ إلا المُسْتَنْقَع / نُهُودُ جَوَاري القُصُورِ مِنَ أسْمَنْتِ الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ/ لَكِنَّ المَوْجَ هَدَمَ القُصورَ الرَّمليةَ / ومَاتَ الأطفالُ على شُطآنِ الغُروبِ / بَرِيقُ نَصْلِ المِقْصَلَةِ في لَيالي الشِّتاءِ / وحَبْلُ المِشْنَقَةِ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُهَا المَلِكَةُ البَاكِيَةُ بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ /

     سَلامًا أيَّتُها الذِّئبةُ الغريبةُ التي تَمُرُّ بِجَانِبِ تابوتي المَنْسِيِّ عَلى الرَّصيفِ/ تَحْتَ أمطارِ الخريفِ الأُرْجُوَانِيَّةِ / أركضُ في أزِقَّةِ المِيناءِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الأخيرةِ / كَي أُصَفِّيَ حِسَابَاتي مَعَ البَحْرِ والذِّكرياتِ ومَناديلِ الوَدَاعِ / والإعصارُ يَبْحَثُ في حُطَامِ سَفِينتي عَنِ الفِئرانِ التي أَكَلَتْ خُدُودَ النِّسَاءِ / وتتناثرُ القلوبُ المكسورةُ في الحِكَايَاتِ / كَمَا تتناثرُ حَبَّاتُ الرُّمَّانِ في الأمطارِ /

     صَوْتُ المطرِ يُحْرِقُ المِلْحَ في دُمُوعي / مَاتَ الرِّجالُ / زَرَعْنَاهُم في المَقَابِرِ الجَمَاعِيَّةِ / وشَوارعُ الطاعونِ خاليةٌ إلا مِنَ الرِّياحِ / والقَنَّاصُ يُطْلِقُ الرَّصاصَ على الحَشَرَاتِ بَعْدَ مَوْتِ البَشَرِ / أنا النَّاجي الوحيدُ مِنَ المَذبحةِ/ نَجَوْتُ كَي أكتبَ قصائدَ الرِّثاءِ للغُرَبَاءِ / وأخترعَ تاريخَ الضَّحايا المَنْسِيِّين / وَأَرْسُمَ جُغرافيا أحْزَانِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ/ وأحْصُلَ على الأوسمةِ الصَّدِئَةِ/ وأعيشَ مُؤرِّخًا للأرضِ المَحروقةِ والجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ / أنا مُؤرِّخُ الخَرَابِ / مَهْزُومٌ أنا لَكِنِّي أمشي تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ / لا نِسَاءٌ يُلْقِينَ عَلَيَّ أكاليلَ الغَارِ / ولا رِجَالٌ يُؤَدُّونَ التَّحِيَّةَ العَسكريةَ لِنَعْشِي /

     أبْحَثُ عَن السَّبايا كَي نَبكيَ في مَملكةِ الذِّكرياتِ/وسَوْفَ يَنمو الكَرَزُ بَيْنَ أعشابِ الأضرحةِ/ أنا الرَّعْدُ الأخيرُ في مَرْفأ الأكْفَانِ / أقْضِي وَقْتَ الفَرَاغِ في تَزيينِ أشجارِ المَقبرةِ وَزَخْرَفَةِ النُّعوشِ / وكانَ عَلَيَّ أنَّ أعْرِفَ أنَّ القَنَّاصَةَ مُنْتَشِرُونَ في أبراجِ الكَنائِسِ / وأنَّ جَدَائِلَ الرَّاهباتِ مُعَلَّقَةٌ على حِيطانِ غُرفةِ الاعترافِ / كالبَراويزِ الخشبيةِ التي يَأكُلُهَا البَقُّ / ضَاعَت الرَّسائلُ / والحَمَامُ الزَّاجِلُ يَبِيضُ في كُرَيَاتِ دَمِي / التي تأخذُ لَوْنَها مِن وَمِيضِ البَرْقِ / فَوْقَ تِلالِ وَطَنِي الضَّائعِ / كأرملةٍ مَنْسِيَّةٍ كالصَّقيعِ في مَحطةِ القِطَاراتِ / تَذهبُ القِطاراتُ ولا تَعُودُ / وَمَدِينةُ الخَوْفِ تُولَدُ بَيْنَ صَفِيرِ القِطاراتِ وصَفَّاراتِ الإنذارِ / ولا وَقْتَ أمامَ السَّرابِ كَي يَغتَصِبَ الصَّحراءَ / جَماجمُ العبيدِ في نَشِيدِ الرِّمَالِ / وحَليبُ السَّبايا في بَراميلِ النِّفْطِ / وأنا النَجَّارُ الأخيرُ في الموانئِ الغارقةِ / صَنَعْتُ التَّوابيتَ / وكَسَرْتُ الصُّلْبَانَ .

20‏/04‏/2025

تفاحة على الصليب

 

تفاحة على الصليب

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

....................

     البَحْرُ عَاجِزٌ جِنْسِيًّا/ لَكِنَّهُ أَنْجَبَ الذِّكرياتِ في مُدُنِ الرَّمَادِ / والأمواجُ تَخُونُ البَحْرَ مَعَ جُثمانِ الإعصارِ / أيُّها البَحَّارُ المشلولُ / لَمْ يَعُدْ في السَّفينةِ غَيْرُ الفِئرانِ / فَكَيْفَ تَهْرُبُ مِن جِلْدِكَ ؟ / كَيْفَ تُهَرِّبُ أحْزَانَكَ ؟ / إنَّ الغريقَ لا يُنقِذُ الغريقَ / أنا والسَّرابُ يَتيمان/ لأنَّ أُمَّنَا الصَّحراءَ ماتت في دِمائي المُتَحَرِّكَةِ كالرِّمَالِ المُتَحَرِّكَةِ / وَلَمَعَانُ أظَافِرِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى يُضِيءُ أزِقَّةَ المِيناءِ أمامَ فِئرانِ السَّفينةِ/جُثَثُ الجُنودِ مَجهولةٌ/والأوسمةُ العَسكريةُ تُزَيِّنُ نُهُودَ الرَّاقِصَاتِ في مَلْهَى الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ /

     دُمُوعُ الأراملِ تَنْهَمِرُ في الشَّايِ بالنَّعناعِ / الذي يَشْرَبُهُ حَفَّارُو القُبورِ / أثناءَ حَفْرِ القُبورِ تَحْتَ أشجارِ الصَّنَوْبَرِ / بَيْنَ شِتَاءِ الأحزانِ البَعِيدِ وأحلامِ الطُّفولةِ المَيْتَةِ / والجَرَادُ يَأكلُ أكفانَ الصَّبايا / الطاهراتِ كَحَبْلِ المِشنقةِ / اللامعاتِ كَنَصْلِ المِقصلةِ /

     أيُّهَا البَحْرُ المقتولُ في حُطَامِ القُلوبِ أوْ حُطَامِ السُّفُنِ / ماتَ الذينَ سَيَأخُذُونَ بِثَأرِكَ / وَصَدَأُ بَوَّابَةِ المقبرةِ يَتَزَوَّجُ دِمَائي / أُفَتِّشُ عَن ضَرِيحِ الفَراشةِ بَيْنَ أوراقِ الخريفِ / وأُشَرِّحُ جُثمانَ البُحَيرةِ في عِيدِ الحُبِّ / حَيْثُ مَاتَ العُشَّاقُ / وَسَالَ حِبْرُ الرَّسائلِ الغَرَامِيَّةِ بَيْنَ رَغْوَةِ الدَّمِ وَرَغْوَةِ القَهْوَةِ /

     العَبِيدُ يُضَاجِعُونَ السَّبايا تَحْتَ المَطَرِ / قُرْبَ أعلامِ القَبائلِ المُنْقَرِضَةِ / وَطُيُورُ البَحْرِ هَاجَرَتْ مِن هَيْكلي العَظْمِيِّ / كَيْفَ أتَنَفَّسُ الذِّكرياتِ والإعصارُ يَصُبُّ رَمْلَ البَحْرِ في قَفَصِي الصَّدْرِيِّ ؟ / سَتَكُونُ جُثتي غَنِيمةَ حَرْبٍ تَحْتَ رَايَاتِ النِّفْطِ المُنَكَّسَةِ / يا بِلادَ السَّرابِ المَنذورةَ لحالةِ الطوارئِ/ يا وَطَنَ الخديعةِ المَتروكَ للأحكامِ العُرفيةِ/ مَتَى تَخْرُجُ الرِّمَالُ الزَّرْقَاءُ مِن شَهيقِ السَّنابلِ الأخْضَرِ ؟/  مَتَى تَخْرُجُ أضرحةُ السِّيراميكِ مِن كُرَيَاتِ دَمِي ؟ / مَتَى يَخْرُجُ التُّفَّاحُ مِن شَوَاهِدِ القُبورِ ؟ /

     أُمِّي زَرَعَت النَّخيلَ في أشلائي / وماتتْ في الغَيْمِ الأحمرِ / وأكْفَاني صَارَتْ حَديقةً للأيتامِ / ويَبْحَثُ ضَوْءُ القَمَرِ عَنِّي بِوَابِلٍ مِنَ الرَّصاصِ/ والشَّركسياتُ يَبْحَثْنَ عَن مَساميرِ نَعْشي بالشُّموعِ /

     جَسَدي للصَّحراءِ / وقَلبي للسَّرابِ / وَدِمَائي هِيَ الوَاحَةُ التي يَجْلِسُ فِيهَا مُلُوكُ الطوائفِ وأُمَرَاءُ الحُرُوبِ / دَمْعي هُوَ الصَّوْلَجَانُ المكسورُ / وتابوتي هُوَ العَرْشُ الضَّائعُ / فَابْحَثْ عَنِّي تَحْتَ أنقاضِ قَلبي / لَمْ يَعُدْ لَدَيَّ بَيْتٌ كَي أُفَتِّشَ تَحْتَ أنقاضِهِ عَن جَدَائِلِ أُمِّي /

     أنا وَرِيثُ الجُرْحِ الذي لا يَلْتَئِمُ/ أنا النَّزِيفُ المسكوبُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / أُحَاوِلُ الخُرُوجَ مِن حِصَارِ الصَّدى لأشلائي / أُحَاوِلُ الهُرُوبَ مِن مُرَاقَبَةِ الصَّدَأ لِرُفَاتي/ والمِلْحُ في دُمُوعي يُصَفِّي حِسَابَاتِهِ مَعَ المَاضِي الذي لا يَمْضِي / وَالحُزْنُ حَاضِرٌ في الغِيَابِ الذي لا يَغِيبُ .

19‏/04‏/2025

ما فائدة الرومانسية إذا كان قلبي ميتًا ؟

 

ما فائدة الرومانسية إذا كان قلبي ميتًا ؟

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     رَنينُ أسوارِ المقابرِ مِثْلُ رَنِينِ أساورِ الفَتَيَاتِ / الصَّدَأُ يأكلُ بَوَّابةَ المقبرةِ / والصَّدى يَلْتَهِمُ قَفَصِي الصَّدْرِيَّ/ أنا صَدى مَناديلِ الوَدَاعِ/ التي تُلْقِيها النِّساءُ عَلى جُثَثِ البَحَّارةِ / وَصَوْتُ المَوْتِ في أعماقي / لأنَّ البَحْرَ يُنادي عَلَيَّ في المساءِ الدَّامي/ وَعُشْبُ الأضرحةِ يَنمو بَيْنَ الأسنانِ الذهبيةِ للنِّساءِ المُغتَصَبَاتِ/ أنا الجائعُ/ أَكَلْتُ جُثمانَ الزَّوبعةِ/ أنا العَطْشَانُ / شَرِبْتُ دَمَ الرِّياحِ /

     الطريقُ إلى البَحْرِ مُغلَقٌ بالحواجزِ العسكريةِ والتَّوابيتِ المُزَخْرَفَةِ / فَكُنْ شُطآنَ الرَّحيلِ في هَيْكلي العَظْمِيِّ / أحلامُ الطُّفولةِ رِمَالٌ مَمْزُوجَةٌ بِدَمِي/والسَّلاحفُ نَسِيَتْ بُيُوضَها في أوعيتي الدَّمويةِ / والأيتامُ يَبْنُونَ القُصورَ الرَّمليةَ بَيْنَ الأظافرِ الفِضِّيةِ والأضرحةِ الرُّخاميةِ / ابتلعَ البَحْرُ الأيتامَ/ وَهَدَمَ المَوْجُ القُصورَ الرَّمليةَ/ والضَّحِيَّةُ تَتَقَمَّصُ جَلَّادَهَا / والبُحَيرةُ مُعْجَبَةٌ بالحُزْنِ الذي اغْتَصَبَهَا / وأنا البَحَّارُ المَنبوذُ / لا أخافُ مِنَ العاصفةِ / أخافُ مِنَ الهُدُوءِ الذي يَسْبِقُ العاصفةَ / 

     أرى الجُنودَ وَهُم يَسْحَبُونَ الجُثَثَ مِن تَحْتَ أنقاضِ البُيُوتِ / أرى الجَرَادَ وَهُوَ يَسْحَبُ جُثماني مِن أحلامِ الطُّفولةِ / أُمِّي تُطَارِدُ أحزانَهَا بَيْنَ أنقاضِ الحُلْمِ وأنقاضِ قَلْبي / والعصافيرُ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ حِبَالِ المشانقِ وحِبَالِ الغسيلِ/والنَّهْرُ غَسَلَ يَدَيْهِ مِنَ الظِّبَاءِ لِكَيْلا تَأتِيَهُ الطَّعْنَةُ في الظَّهْرِ/ يُهَاجِمُ طَيْفُ الشَّركسياتِ قَلبي المكسورَ بَيْنَ قَطَرَاتِ المَطَرِ وأوراقِ الخريفِ / دَمِي حَرْفٌ مَجهولٌ في أبجديةِ الأنقاضِ / وأُنوثةُ حِبَالِ المَشَانِقِ تَتَمَزَّقُ بَيْنَ أعْقَابِ البَنَادِقِ وأعْقَابِ السَّجَائِرِ /  وَالرَّاعِي حَطَّمَ مِزْمَارَهُ / وَقَادَ القَطِيعَ إلى الهاويةِ اللازَوَرْدِيَّةِ /

     صَوْتُ المطرِ يُفَجِّرُ كُرَيَاتِ دَمِي / وأشجارُ المقابرِ تَصْعَدُ مِن ثُقُوبِ جِلْدِي / صَوْتُ الرَّصاصِ لَمْ يَهْدَأ في قَلْبِ الليلِ/ احترقَ قَمِيصُ النَّوْمِ بالدُّموعِ المالحةِ / وَصَارَ الأرَقُ تاريخًا لِمَن لا تاريخَ لَهُ / وَبَرِيقُ المقاصلِ يَنْكَسِرُ بَيْنَ أحلامِ الطُّفولةِ وأحلامِ اليَقَظَةِ /

     الزَّوابعُ الفِضِّيةُ تَجْمَعُ عِظَامَ الأمْوَاتِ كَطَوَابِعِ البَرِيدِ النَّادِرَةِ / وَشَوَاهِدُ القُبُورِ البَازِلْتِيَّةُ صَارَتْ لَوْحَاتٍ زَيْتِيَّةً في مُتْحَفِ الحَرْبِ الأهْلِيَّةِ / والتَّوابيتُ الشَّمعيةُ في مُدُنِ السَّرابِ / والجُثَثُ المَعْدِنِيَّةُ مَصْفُوفةٌ على رَصيفِ المِيناءِ كَصَنَادِيقِ الخُضَارِ/ والإعصارُ فَتَحَ لِطُيُورِ البَحْرِ بَابَ قَفَصِي الصَّدْرِيِّ /

     خَانَتْ قَلْبي الرِّمالُ المُتَحَرِّكَةُ / وَخَذَلَتْنِي فَرَاشَاتُ الرَّحيلِ / دَمُ العَصافيرِ المُلَوَّنةِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / وأنا غُربةُ المِلْحِ في دَمْعِ الزَّوابعِ / لَكِنِّي لَمْ أَخُن المِلْحَ في خُبْزِ أُمِّي / فلا تَكْرَهِيني يا تِلالَ بِلادي الضَّائعةِ .

18‏/04‏/2025

متحف المقابر الجماعية

 

متحف المقابر الجماعية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     المَطَرُ القِرْمِزِيُّ يَسْقِي مَقَابِرَ الغُرَبَاءِ / فَيَنْمُو النَّعناعُ في ثُقوبِ شَوَاهِدِ القُبورِ / أَنقِذْنِي يا ضَوْءَ القَمَرِ مِن أشلائي الكريستالِيَّةِ / شَراييني مُوحِشَةٌ / وَدَمِي مُتَوَحِّشٌ / والخَنَاجِرُ التي تتكاثرُ في شَهيقي وَزَفيري / تَرْسُمُ وُجُوهَ الأمواتِ على زُجاجِ نافذتي / والزَّوابعُ تَرْسُمُ دُمُوعَ العَصَافِيرِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ/والضجيجُ الذي تُلْقِيهِ نَبَضَاتُ قَلْبِي عَلى وِسَادتي يَمْنَعُنِي مِنَ النَّوْمِ/ذَهَبَ أبي إلى المَوْتِ/وَبَقِيَ مُسَدَّسُهُ تَحْتَ الوِسَادَةِ/ذَهَبَتْ أُمِّي إلى المَوْتِ/ وَبَقِيَتْ أَسَاوِرُهَا في صُحُونِ المَطْبَخِ/

     في لَيْلِ الانقلاباتِ العسكريةِ / لَمْ يُفَرِّق الأطفالُ الذينَ يَبِيعُونَ العِلكةَ على إشاراتِ المُرُورِ / بَيْنَ صَوْتِ المَطَرِ وَصَوْتِ الرَّصَاصِ / كُلَّمَا سَمِعْتُ صَوْتَ المَطَرِ تَفَجَّرَتْ أصواتُ المَوْتَى في جِلْدِي/ وَرَأيْتُ في لَمَعَانِ أظافري خُدُودَهُم التي سَيَأكُلُهَا الدُّودُ / لا أبكي على المَوْتَى / أبكي على نَفْسِي / تَنَاثَرَتْ كُرَيَاتُ دَمِي في مَرفأ الجِرذان / كَمَا تَنَاثَرَتْ حَبَّاتُ الرُّمَّانِ بَيْنَ قَطَرَاتِ المَطَرِ الوَهَّاجَةِ / والذِّئبةُ تنتظرُ نُمُوَّ ثَدْيَيْهَا كَي تَفْتَخِرَ بِهِمَا في سُوقِ النِّخَاسَةِ / وَتُتَاجِرُ بِهِمَا في بُورصةِ الرَّقيقِ الأبيضِ/ ويَجُرُّ الأطفالُ نُعُوشَ أُمَّهَاتِهِم في طُرُقَاتِ الطاعون/ وضَفَائِرُ الغَزَالاتِ تتطايرُ بَيْنَ مَساميرِ النُّعوشِ التي يُلَمِّعُهَا ضَوْءُ القَمَرِ / وَبَيْنَ أعمدةِ الكَهْرَبَاءِ التي حَطَّمَهَا الإعصارُ /

     قُتِلَ النَّهْرُ في اشتباكٍ مُسَلَّحٍ مَعَ الذِّكرياتِ / قَتَلْنَاهُ وَمَشَيْنَا في جِنَازَتِهِ / أنا المَنْفَى في أوراقِ الخريفِ / أنا المَنْفِيُّ في قَطَرَاتِ المَطَرِ / أركضُ في شَراييني النُّحاسيةِ / وأتدرَّبُ على كِتابةِ قَصائدِ الرِّثاءِ / وأَزُورُ أطلالَ قَلْبي في عِيدِ السَّرابِ / حِينَ تَرْحَلُ أحلامُ الطُّفولةِ مِن قَمْحِ الغُزاةِ إلى سَنابلِ الغُروبِ / وأُحَنِّطُ أشلائي في لَوْحَاتِ المَتَاحِفِ / حِينَ تُهَاجِرُ الشَّركَسِيَّاتُ مِن أُغْنِيَاتِ الرَّحِيلِ إلى غَابَاتِ الشَّفَقِ /

     الأُمَّهاتُ واقفاتٌ في طَوابيرَ أمامَ الحاجزِ العسكريِّ لاستلامِ جَثامينِ أبنائِهِنَّ / والعبيدُ واقفونَ في طَوابيرَ أمَامَ قَصْرِ المَلِكِ المَخلوعِ لاستلامِ بَراميلِ النِّفْطِ/ وأنا النَجَّارُ الأخيرُ في مَدينةِ السَّرابِ/ جِئْتُ كَي أصْنَعَ نُعُوشَكُم/ فلا تَكْرَهِيني أيَّتُها الرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ / أنا الحَدَّادُ الأخيرُ في مَدينةِ الوَهْمِ / جِئْتُ كَي أصْنَعَ مَسَامِيرَ نُعُوشِكُم / فَلا تَكْرَهِيني أيَّتُها الشُّطآنُ الغارقةُ /

     طَيْفُ الأُنوثةِ المُستحيلةِ يُنِيرُ أوْرِدَتي الحَجَرِيَّةَ في ليالي الشِّتاءِ السِّحريةِ / ويَغسِلُ ألواحَ تابوتي بِمِلْحِ الدُّموعِ السِّرِّيةِ / يا زَائِرَتِي الغامضةَ في السَّحَرِ/ اقْتُلِيني في ليالي الصَّيفِ البَعيدِ / لأنَّ أمطارَ الشِّتاءِ تُحَطِّمُ شَاهِدَ قَبْري.

17‏/04‏/2025

النساء صاحبات الوجوه الأسمنتية

 

النساء صاحبات الوجوه الأسمنتية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     خُدُودُ النِّسَاءِ مِنَ الأسْمَنْتِ المُسَلَّحِ / والأجفانُ مِنَ النُّحَاسِ / أَكْرَهُكِ يا مَدِينةَ الأوهامِ / أكْرَهُكِ يا أوهامَ المدينةِ / فَلا تُحْرِقِي رِئتي بالمطرِ الأزرقِ / إنَّ دَمِي لَيْسَ أزرق /

     الصَّحراءُ مَجروحةٌ عَاطِفِيًّا / بَعْدَ اكتشافِ خِيانةِ الرَّمْلِ في مُتْحَفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَطُفُولةُ البَحْرِ تَكْبَرُ تَحْتَ الحِصَارِ كأشجارِ المقابرِ / والعناكبُ تُضِيءُ البَرَاوِيزَ في غُرفتي الباردةِ / أَجْلِسُ عَلى صُخورِ الشَّاطئِ عِندَ الغُروبِ / وأنتظِرُ القَراصنةَ كَي يَهْدِمُوا قَصْري الرَّمْلِيَّ / والعُشَّاقُ رَحَلُوا مِن شُطآنِ الدَّمْعِ إلى أزِقَّةِ الجِرْذَانِ /

     افْرَحْ أيُّها المشنوقُ الرُّومَانسِيُّ / سَيَكُونُ حَبْلُ مِشْنَقَتِكَ مِنَ الحريرِ / وَاحْزَنْ يَا حَارِسَ المقبرةِ/ لأنَّ دُودةَ القَزِّ مَاتَتْ في مَناديلِ الوَدَاعِ / سَيَأكُلُ الدُّودُ جُثماني الطازَجَ بَيْنَ أضرحةِ السِّيراميك / رَقَبَةُ المَلِكَةِ المَلْسَاءُ تَحْتَ صَخَبِ المِقْصَلَةِ/ وَقُمصانُ النَّوْمِ على حِبَالِ المشانقِ أَوْ حِبَالِ الغسيلِ/ وَجَاءَ مَوْعِدُ الأرَقِ قَبْلَ تنفيذِ حُكْمِ الإعدامِ في الفَجْرِ الكَاذِبِ / الزَّوابعُ أَغْلَقَت السِّيركَ بالشَّمْعِ الأحمرِ / سَقَطَتْ لاعبةُ السِّيركِ عَن حَبْلِ الذِّكرياتِ المُخْمَلِيِّ / وَعَادَ المُهَرِّجُ إلى أطفالِهِ بَاكِيًا في آخِرِ الليلِ / والصَّقيعُ أَغْلَقَ المَلْهَى الليلِيَّ بالشَّمْعِ الأحمرِ / والرَّاقصةُ المشلولةُ نَسِيَتْ مَوْعِدَ العَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ / والكوليرا تَفْتَرِسُ خُدُودُ الأطفالِ تَحْتَ ضَوْءِ أعمدةِ الكَهْرَبَاءِ / في شَوَارِعِ الرَّصَاصِ الحَيِّ / سَيَظَلُّ جُثماني شَوْكَةً في حَلْقِ البُحَيْرَةِ / وأَركضُ في طُرُقَاتِ المساءِ اللازَوَرْدِيِّ وَحِيدًا / كَي أَهْرُبَ مِن جِلْدي الخائنِ الذي يَكْشِفُ أسراري لأشِعَّةِ القَمَرِ المَعْدِنِيَّةِ /

     أَبْنِي مَملكةَ الوَهْمِ بَيْنَ مِلْحِ الدَّمْعِ وَمِلْحِ البَحْرِ / وَفِئرانُ التَّجَارُبِ نَسِيَت الأوسمةَ العسكريةَ في مَعركةِ السَّرابِ / أركضُ في أزِقَّةِ المَرْفَأ الغارقِ كالفأر المذعورِ / أبحثُ عَن بُوصلةِ احتضاري / وأُنَقِّبُ في جِلْدِي عَن خَارطةِ قَبْري / والذِّئبُ الوَحيدُ يُحَاوِلُ إخراجَ الرَّصاصةِ مِن جَسَدِهِ /

     ألْعَبُ بِكُرَيَاتِ دَمِي في الوَقْتِ الضَّائِعِ/ وأبيعُ أشلائي على إشاراتِ المُرُورِ/ كَي أشتريَ نَهْرًا أدْفِنُ فِيهِ أبي / وأقْضِي وَقْتَ الفَرَاغِ في تَشريحِ جُثتي/ كَي أَعْرِفَ هَلْ أنا القاتلُ أَمِ المَقتولُ / والأيتامُ يَقْضُونَ العُطلةَ الصَّيْفِيَّةَ في حَفْرِ القُبُورِ لأُمَّهَاتِهِم / وَذَهَبَت الفَتَيَاتُ إلى بَرِيقِ الاحتضارِ / وَبَقِيَ لَمَعَانُ أظَافِرِهِنَّ عَلى البيانو / تَمُوتُ الذِّكرياتُ في مَعركةِ الوَهْمِ / واللبُؤَاتُ المَجروحاتُ عَاطِفِيًّا تَتَقَاسَمُ كَبْسُولَةَ السِّيَانَيْدِ / كَمَا يَتَقَاسَمُ الفُقَرَاءُ رَغِيفَ الخُبْزِ/ حَبْلُ المِشْنَقَةِ الزُّمُرُّدِيُّ / وأظافرُ السَّجَّانِ مِنَ الكَهْرَمَانِ / وَتَنفيذُ حُكْمِ الإعدامِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ.

16‏/04‏/2025

حظر تجول في هيكلي العظمي

 

حظر تجول في هيكلي العظمي

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

     أنا الجُثْمَانُ المُحَنَّطُ في مَتَاحِفِ الغُزاةِ/ أَحْرُثُ جَسَدَ المطرِ بَحْثًا عَن أحلامِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ / والرِّيَاحُ تَحْرُثُ جَدَائِلَ أُمِّي بَحْثًا عَن نَهْرِ الوَدَاعِ/ وَلَمْ أَسْتَفِدْ مِن أعلامِ القَبائلِ المُنَكَّسَةِ إلا الطَّعْنَ في الظَّهْرِ / وَسَرِقَةَ المِلْحِ مِن خُبْزِ أُمِّي / دِفْءُ فِرَاشِ المَوْتِ في ليالي الخريفِ الباردةِ / والمَوْجُ يَنْكِحُ بَوَّابَةَ المَقبرةِ / والأطفالُ القَتلى يَغرَقُونَ في دِمَائِهِم وَضَفَائِرِ أُمَّهَاتِهِم /

     سَقَطَ تَارِيخُنا عِندَما سَقَطَت الأوسمةُ العسكريةُ في آبارِ النِّفْطِ / وَسَقَطَت الحضارةُ عِندَما سَارَ قَطِيعُ الغَنَمِ إلى حَافَةِ الجَبَلِ / وانكَسَرَ مِزْمَارُ الرَّاعي تَحْتَ وَمِيضِ البَرْقِ / ومَاتَ الرَّاعي والرَّعِيَّةُ /

     كَيْفَ عَرَفَ حَارِسُ المقبرةِ خَارِطَةَ ضَرِيحي بِلا دَلِيلٍ سِيَاحِيٍّ ؟/ كَيْفَ عَرَفَ حَفَّارُ القُبورِ عَنَاوِينَ القَتلى ؟ / كَيْفَ عَرَفَتْ أشجارُ الكَرَزِ رَقْمَ صُندوقِ بَريدي ؟ / تَمُوتُ الرِّمالُ المُتَحَرِّكَةُ في مَعركةِ السَّرابِ / والعناكبُ تأكلُ حَلَمَاتِ النِّساءِ القَتيلاتِ /

     كُنْتُ سَأصِيرُ رُومَانسِيًّا / لَوْ لَمْ يَتَجَسَّد الشَّيطانُ في المَرْأةِ / كُنْتُ سَأصِيرُ شَجَرَةً / لَوْ لَمْ تَتَجَسَّدْ حِبَالُ المشانقِ في السَّنابلِ/ قَلْبي يُرَاوِدُ الرَّصاصةَ عَن نَفْسِها/فيا أيَّتُها الرَّاهبةُ المشلولةُ/ كَيْفَ تَمْشِينَ إلى غُرفةِ الاعترافِ في ليالي الصَّقيعِ ؟ / الصَّليبُ يَحْفِرُ الطريقَ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ كَسِكَّةِ الحديدِ / ونَصْلُ المِقصلةِ بَيْنَ الرِّئَتَيْنِ / فَكَيْفَ تَتَنَفَّسِينَ شَظَايَا الأُنوثةِ ؟ / الحَلِيبُ البَنَفْسَجِيُّ يَسِيلُ عَلى الثَّلْجِ الأزْرَقِ / وأشجارُ البُرتُقَالِ تَطْلُعُ مِنَ الهَيَاكِلِ العَظْمِيَّةِ /

     أنا المَلِكُ المَخْلُوعُ / والسَّبايا فَي قَصْري المهدومِ مَجروحاتٌ عاطفيًّا / دُوَيْلَةٌ لَقِيطَةٌ بَيْنَ مُلوكِ الطوائفِ وشُيوخِ القَبائلِ/ عَلَمٌ مُنَكَّسٌ بَيْنَ شُيوخِ القبائلِ وأُمَرَاءِ الحُرُوبِ / والحَشَرَاتُ تُحَنِّطُ نُهُودَ رَاعِيَاتِ الغَنَمِ في آبَارِ النِّفْطِ /

     أَوْصَى النَّهْرُ بالتَّبَرُّعِ بِأعْضَائِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ للبُحَيْرَةِ الخائنةِ/ وأنا المُهَاجِرُ في أوردتي البلاستيكيةِ/ أحْشُو بُنْدُقِيَّتي بِدُمُوعي كَالذَّخِيرَةِ المَغشوشةِ / وَفِرَاشُ مَوْتي لَوْحَةٌ فَنِّيةٌ في مُتْحَفِ القَبائلِ / التي تَتصارعُ عَلى مِلْحِ الدُّموعِ وآبارِ النِّفْطِ وقُمصانِ النَّوْمِ للجَوَارِي /

     نَبِيعُ كُرَيَاتِ دَمِنَا الحمراءَ على إشاراتِ المُرُورِ الخضراءِ / وَنشتري السَّبايا في سُوقِ النِّخَاسَةِ بالبِطَاقاتِ المَصْرِفِيَّةِ / البَدْوُ الرُّحَّلُ باعوا أعلامَ القبائلِ المُنَكَّسَةَ في سُوقِ الرَّقيقِ الأبيضِ / كَي يُحَوِّلُوا البَدَوِيَّاتِ إلى شَرْكَسِيَّاتٍ / وَرَاعِيَةُ الغَنَمِ تَلْعَبُ التِّنسَ الأرضيَّ بالتَّنُّورَةِ فَوْقَ الرُّكبةِ / حَقًّا /  لا شَرَفٌ لِصَحْرَاءِ الطُّغَاةِ سِوَى السَّرَابِ / ولا تاريخٌ لِمُلُوكِ الطوائفِ سِوَى آبَارِ النِّفْطِ في الرِّمَالِ .

15‏/04‏/2025

جاذبية الحزن في عيون الشركسيات

 

جاذبية الحزن في عيون الشركسيات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     أَحْمِلُ في ألواحِ صَدْرِي ذِكْرَيَاتٍ تُحْرِقُني بِلا رَحْمَةٍ/ فَأَطْلِقِي رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى ذِكْرَياتي التي لا تَرْحَمُنِي/ أركضُ في غَاباتِ القُوقازِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ/ لأكتشفَ الحُزْنَ في عُيونِ الشَّركسياتِ/فَلا تَكْرَهِينِي يَا ضَفَائِرَ أُمِّي/ أنا حُطَامُ السُّفُنِ وأنقاضُ البُيُوتِ وَشَظَايَا المَزهرياتِ / أَحْمِلُ بِذرَةَ النِّهايةِ في بِدَايَةِ شَرَاييني / وأُخَزِّنُ لَوْنَ البَحْرِ في دَمِي اللازَوَرْدِيِّ/ الذي يَنْبُعُ مِن ذَاكِرَةِ أملاحِ الدَّمْعِ / وَيَصُبُّ في أَزِقَّةِ المَوَانِئِ البَعِيدَةِ /

     أنا قَاتِلُ ذَاكِرَةِ السَّرابِ / وضَحِيَّةُ ذِكرياتِ النَّهْرِ / تَفْتَرِسُنِي ظِلالُ الشَّركسياتِ في ليالي الخريفِ الكريستالِيَّةِ / كَمَا يَفْتَرِسُ المَوْجُ القُصُورَ الرَّمليةَ في أحلامِ الطُّفولةِ البَعيدةِ /

     أَيَّتُها الجُثَّةُ المُتَفَحِّمَةُ ذَاتُ الأسنانِ الذهبيةِ / حَبْلُ مِشْنَقتي مِن فِضَّةِ العِشْقِ القَاتِلِ / وَرَقَبَةُ المَلِكَةِ الناعمةُ تَحْتَ مِقْصَلةِ المساءِ الحزينِ / المَقبرةُ شَقَّةٌ مَفروشةٌ / وَشَوَاهِدُ القُبورِ أثاثٌ مُسْتَعْمَلٌ / أنا الغريبُ / أَدْخُلُ إلى أنقاضِ قَلْبي فلا أجِدُ مَن يَسْتَقْبِلُنِي/ أنا المَنبوذُ / أَخْرُجُ مِن أنقاضِ بَيْتِي فلا أَجِدُ مَن يَسْتَقْبِلُنِي/ عُدْتُ مِنَ مَعركةِ العِشْقِ مَهْزُومًا/ وَلَمْ أَجِد امرأةً أبكي عَلى صَدْرِها في أرشيفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَلَم يَعُدْ هُنَاكَ دُوَلٌ / كَي نَكْتُبَ دُسْتُورَهَا بِكُحْلِ الصَّبايا /

     في الفَجْرِ الكاذبِ / تتساقطُ دُموعُ الذِّئبةِ في مَزهرياتِ غُرفةِ الاعترافِ/ ويتساقطُ المطرُ النُّحَاسِيُّ عَلى مَساميرِ نَعْشِي الحديديةِ / ضَوْءُ القَمَرِ يَحْرُثُ شَرَاييني / ويَحْصُدُ كُرَيَاتِ دَمِي بالمِنْجَلِ المُضِيءِ / وَطَيْفُكِ أيَّتُها اللبُؤَةُ المَجروحةُ عَاطِفِيًّا يَحْرُسُ عَالَمِي / وأنتِ خَارِجَ عَالَمِي / تُضِيئِينَ أشجارَ مَقبرتي / وأنتِ في صَخَبِ عِظَامِي /

     كَتَبَ العُشَّاقُ الخَوَنَةُ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ عَلى كَبْسُولاتِ السِّيَانَيْدِ / ونَسُوا أن يَمُوتوا / افْرَحِي يا أرملةَ البَحْرِ / إنَّ ثِيَابَ الحِدَادِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / وَصُحُونُ المطبخِ مَلْفُوفَةٌ بالأكفانِ المغسولةِ بِدَمْعِ البُحَيراتِ / غَسَلْتُ يَدِي مِن دِمَاءِ الغُيومِ / وأنتظرُ ضَوْءَ القَمَرِ كَي يَزْرَعَ خَنْجَرَهُ في ظَهْرِي /

     لا تُنَكِّسُوا الأعلامَ عِندَما يَغتَالُ قَلْبي وَمِيضُ البَرْقِ / لأنَّ الأعلامَ دَائِمًا مُنَكَّسَةٌ / العناكبُ تُزَيِّنُ سَاعَةَ الحائطِ في زِنزانتي / التي تُطِلُّ عَلى شَرَاييني المفتوحةِ في جَسَدِ البَحْرِ/ والمَوْجُ رَمَى أحزانَ العَالَمِ في حَنْجَرَتي / والنَّهْرُ هُوَ الجُنديُّ المهزومُ / يَصْنَعُ مِن أسنانِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ أوسمةً عَسكريةً / أنا المنبوذُ في أوردتي البلاستيكيةِ/ والمُهَاجِرُ مِن ذَاكرةِ الطحالبِ التي تَنْمُو في أوعيتي الدَّمويةِ. 

14‏/04‏/2025

جثة منسية على رصيف الميناء

 

جثة منسية على رصيف الميناء

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     السَّبايا مَقتولاتٌ في غُرفةِ الاعترافِ / وَرُومَانسِيَّاتٌ في طَوَابِيرِ استلامِ الرَّاتِبِ الشَّهْرِيِّ / وأنا المذبوحُ في ليالي الشِّتاءِ اللازَوَرْدِيَّةِ / وَسَوْفَ تُزْهِرُ جُثتي في الرَّبيعِ الدَّامي / أنا مُؤرِّخُ المعاركِ الخاسرةِ / لَكِنَّ طَيْفِي الغريقَ انتصرَ عَلى البَحْرِ في المساءِ الرَّهيبِ /

     سَوْفَ تَرْمِي الزَّوابعُ الأُرْجُوَانِيَّةُ رَمَادَ الجُثَثِ المُحْتَرِقَةِ/بَيْنَ أشجارِ النَّخيلِ في جَزيرةِ السَّرابِ/ أنا تاريخُ الحُبِّ الضائعِ في مَدِينةِ الوَهْمِ / أنا جُغرافيا أحلامِ الطفولةِ الضَّائعةِ في مَملكةِ السَّرابِ / وَمَملكتي لَيْسَتْ في هذا العَالَمِ /

     أنا الرُّبَّانُ المقتولُ بَيْنَ الشِّعَابِ المَرْجَانِيَّةِ وَحُطَامِ السُّفُنِ / فلا تَكْرَهْنِي يا مَوْجَ البَحْرِ / وَعِشْ ذِكْرياتي نِيابةً عَنِّي / وَكُنْ دِفْءَ فِرَاشِ المَوْتِ في عِظَامي / وَكُنْ شَمْعَةَ حَيَاتي في مَمَاتي /

     وَقَعَ سَائِلُ الجَلْيِ في أشلاءِ النِّساءِ عَلى البَلاطِ الباردِ / والعاصفةُ تَجْلِي الصُّحونَ بالسَّائلِ المَنَوِيِّ / وأجنحةُ الجَرَادِ تتساقطُ في شُقُوقِ حَنْجَرتي / والرِّيحُ تُغَيِّرُ جِلْدَهَا بَيْنَ أعشابِ المقابرِ ورَغْوَةِ القَهْوَةِ / التي يَشْرَبُهَا حَفَّارُ القُبورِ في فَترةِ الاستراحةِ / ولا اسْتِرَاحَةَ للمُحَارِبِ سِوَى الدُّمُوع/

     إشَارَةُ المُرُورِ في شَارِعِ التَّوابيتِ خَضْرَاءُ/ لَكِنَّ الأيتامَ يَبِيعُونَ كُرَيَاتِ دَمِي الحمراءَ على إشارةِ المُرُورِ / والشَّظَايا في الحَنَاجِرِ / والزَّوابعُ تَرْسُمُ صُورةَ احتضاري في المساءِ القِرْمِزِيِّ / وَحَبَّاتُ المطرِ تَنهمرُ عَلى خُدُودِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / كَمَا تَنهمرُ أشِعَّةُ القَمَرِ عَلى رُخَامِ ضَرِيحي /

     أطفالُ حَفَّارِ القُبورِ / بَنَادِقُهُم البلاستيكيةُ مَطْلِيَّةٌ بِعُشْبِ الأضرحةِ / سأظلُّ حَيًّا في قَلْبِ امرأةٍ غامضةٍ / تبكي في ليالي الشِّتاءِ وَحيدةً / صَخَبُ الدِّماءِ وَهِيَ تَنْهَمِرُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / وَضَجِيجُ المطرِ وَهُوَ يَكْسِرُ عِظَامَ المَوْتَى الطازَجَةَ /

     مَطْرُودٌ أنا مِن أشِعَّةِ القَمَرِ في قُرْطُبَة / مَقْتُولٌ أنا في ضَوْءِ الشَّمْسِ في غَرْناطة / والأكفانُ البَيْضَاءُ تُغَطِّي أثاثَ المَنَافي الجَلِيدِيَّةِ / مَاتَ أبي في الخريفِ / والبَقُّ أَكَلَ عُكَّازَتَهُ / مَاتَتْ أُمِّي في الشِّتاءِ / والصَّقيعُ أَكَلَ ضَفَائِرَهَا / وأنا مُتُّ في الرَّبيعِ/ ولَيالي الصَّيفِ الأُرْجُوَانِيَّةُ تُحَنِّطُ جُثماني في زُجَاجِ القِطَاراتِ / مَاتَتْ لَيْلَى / والذِّئبُ يُنَظِّفُ أخشابَ تابوتي بأملاحِ دَمْعِهِ / وكَسَرَ ضَوْءُ القَمَرِ مَسَامِيرَ نَعْشِي / والزَّوابعُ البَنَفْسَجِيَّةُ تُلْقِي رُفَاتَ الجُنودِ في حُفَرِ المَجَاري / وفِئرانُ السَّفينةِ تَرْمِي الأوسمةَ العسكريةَ في تِلالِ النُّفَاياتِ/بُورصةُ الإمَاءِ/ وَسِعْرُ غِشَاءِ البَكَارَةِ حَسَبَ سِعْرِ بِرْمِيلِ النِّفْطِ/ والعَوَاصِفُ المُخْمَلِيَّةُ تَكْتُبُ الرَّسَائِلَ الغَرَامِيَّةَ بَيْنَ الخَنَاجِرِ والحَنَاجِرِ .

13‏/04‏/2025

شروط الشفق لتسليم جثتي

 

شروط الشفق لتسليم جثتي

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     الزَّوابعُ تُغنِّي بَيْنَ أسنانِ الضَّحايا وشَوَاهِدِ القُبورِ / لأنَّ مَوْسِمَ تَزَاوُجِ الجَرَادِ بَدَأَ في عِظَامي/ أظافري تُضِيءُ طَرِيقِي في مَرَافِئِ الجِرذان / وَتَلْمَعُ الأمطارُ عَلى حَبْلِ مِشْنَقَتِي كأجفاني النُّحَاسِيَّةِ /

     تَصُبُّ الدِّيدانُ الكُحْلَ في آبارِ القُرَى المَزروعةِ بالحواجزِ العسكريةِ وكَاميراتِ المُرَاقَبَةِ / كَمَا يَصُبُّ الخَلِيفةُ المَنِيَّ والنِّفْطَ في أرحامِ السَّبايا / نَجْمَعُ جَدَائِلَ النِّساءِ المُغتَصَبَاتِ مِثْلَ لَوْحَاتِ المَتَاحِفِ / رَمى المساءُ الأوسمةَ العسكريةَ في أكوامِ النُّفاياتِ في شَوارعِ الحضارةِ / والعَوَاصِفُ تُلْقِي جُثَثَ الجُنودِ المَهْزُومِينَ في حاوياتِ القُمَامَةِ في أزِقَّةِ الدَّمْعِ / فلا تَقْلَقْ يَا سَجَّاني وَسَجِيني / إنَّ الرَّاقصاتِ في المَلاهِي الليلِيَّةِ سَيُحَرِّرْنَ فِلِسْطِين /

     يُضِيءُ مِلْحُ دُمُوعي بَيْنَ الشَّايِ والنَّعناعِ / فَاشَرَبِيني يا سَنَابِلَ بِلادي / كَي أُولَدَ في كُحْلِ البُحَيراتِ / وأمُوتَ في تِلالِ الذِّكرياتِ / النَّهْرُ مُصَابٌ بانفصامِ الشَّخصيةِ / وأنا قَاتِلُ الذاكرةِ وَضَحِيَّةُ الذِّكرياتِ/أُقَدِّمُ أشلائي هَدِيَّةً لابنةِ حَفَّارِ القُبورِ/ بِمُنَاسَبَةِ زَوَاجِ شَوَاهِدِ القُبورِ في حَنْجَرتي/

     مَاتَ الوَطَنُ على أثاتِ المَنَافِي الحَدِيدِيِّ / فَمَا فَائِدَةُ الأغاني الوَطَنِيَّةِ ؟ / مَاتَت الدَّولةُ في ابتساماتِ العُشَّاقِ الخَوَنَةِ / فَمَا فَائِدَةُ مَحْكَمَةِ أمْنِ الدَّولةِ ؟ /

     أعْرِفُ أنَّ ضَوْءَ القَمَرِ سَيَطْعَنُنِي في الظَّهْرِ / أركضُ في شَوارعِ الليلِ وَحِيدًا / وأُحْرِقُ الأرصفةَ القَذِرَةَ بِمِلْحِ دُموعي/ وَدَمِي يَصْرُخُ بِلا وَطَنٍ ولا مَنْفى/ أبكي بلا تاريخٍ ولا جُغرافيا / كَي أتَحَرَّرَ مِن طَيْفِ الشَّركسياتِ في ليالي الشِّتاءِ الحزينةِ /

     أنا المَوْلُودُ في السَّرابِ الأُرْجُوَانِيِّ / المقتولُ في الرِّمَالِ المُتَحَرِّكَةِ / وَكُحْلُ الشَّركسياتِ يَتساقطُ في شَظَايَا جُمْجُمَتِي / سَوْفَ تَمُوتُ أيُّها الذِّئبُ عِندَما لا تَتَوَقَّعُ المَوْتَ / سَوْفَ تَأتِيكَ الطَّعْنَةُ القاتلةُ مِنَ الحُلْمِ الذي لَمْ تَتَخَيَّلْهُ / وَالمَرْأةُ التي تَضْحَكُ لَكَ في لَيالي الصَّيْفِ / هِيَ التي سَتَضَعُ لَكَ السُّمَّ في فِنْجَانِ القَهْوَةِ في لَيْلَةٍ خَريفيةٍ باردةٍ /

     أرجوكَ يَا وَمِيضَ البَرْقِ / إذا وَجَدْتَ جُثتي مُقَطَّعَةً وَمَتْرُوكَةً عَلى الرَّصيفِ / فَادْفِنْ أشلائي في جَدَائِلِ أُمِّي / ولا تَحْزَنْ عَلَيَّ / سَوْفَ أنبعثُ في تِلالِ بِلادي / مُسَدَّسًا ضَوْئِيًّا وذاكرةً تَنقَلِبُ عَلى الذِّكرياتِ / يَا أيُّهَا البَدَوِيُّ الدِّيمُقْرَاطِيُّ/ كُنْ خَنْجَرَ الذاكرةِ بَيْنَ المِكْيَاجِ والنِّعَاجِ/أنا المَنبوذُ بَيْنَ بُكَاءِ الرِّياحِ وأشجارِ الصَّنوبرِ في المَقبرةِ / كُلَّمَا نَظَرْتُ إلى مَرايا الرَّعْدِ رَأيتُ وَجْهَ قَاتِلَتِي / ذَهَبَ الجُنودُ إلى المعركةِ وَلَن يَعُودُوا / ولا تَزَالُ زَوْجَاتُهُم يَنْتَظِرْنَ أمامَ نوافذِ الخريفِ في المساءِ .

12‏/04‏/2025

جرعة زائدة من الذكريات

 

جرعة زائدة من الذكريات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     المطرُ القِرْمِزِيُّ يَصْقُلُ مَرَايَا الإعدامِ / فَلْتَمُتْ أيُّها النَّهْرُ المشلولُ مُرْتَاحَ الضَّمِيرِ / وَدَافِعْ عَن الأندَلُسِ أيُّها البَدَوِيُّ الدِّيمُقْرَاطِيُّ / وَدَافِعْ عَن فِلِسْطِينَ يا رَاعِي الغَنَمِ الليبرالِيَّ /

     صَهِيلُ الذِّكرياتُ هُوَ السَّرَطَانُ الذي سَيَأكُلُ صَدْرَكِ أيَّتُها البُحَيرةُ المغرورةُ / والعصافيرُ اليتيمةُ تَبني أعشاشَها في فُرُوجِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / فيا أيَّتُها السَّاحرةُ العَمْياءُ / سَوْفَ يُحَاصِرُكِ المِلْحُ في دُمُوعِ عَاشِقِكِ وَقَاتِلِكِ / سَيُصْبِحُ الصَّيَّادُ فَريسةً/ ويَنْقَلِبُ السِّحْرُ عَلى السَّاحِرِ / وتَتساقطُ مَساميرُ النُّعوشِ في الأغاني الوَطنيةِ بَعْدَ ضَيَاعِ الوَطَنِ/ وَالعَاصِفَةُ تَنْشُرُ الغسيلَ عَلى حَبْلِ مِشْنَقتي /

     وَدَاعًا أيُّها الأيتامُ الذينَ يَبِيعُونَ عَلى إشاراتِ المُرُورِ العِلْكَةَ ودُسْتُورَ الوَحْدَةِ الوطنيةِ / سَلامًا أيُّها السَّرابُ الذي يَغتَصِبُ الصَّحراءَ بَيْنَ كُرَيَاتِ دَمِي وَنِقَاطِ التَّفتيشِ العَسْكَرِيَّةِ / أنا المَنبوذُ / فَابْحَثِي يا تلالَ الوَهْمِ عَن عَرِيسٍ آخَر/ أنا المهزومُ/ فَابْحَثْ يا وَمِيضَ البَرْقِ عَن رَايَةٍ غَيْرِ مُنَكَّسَةٍ / أنا المكسورُ/ فَابْحَثِي يا أدغالَ الصَّدى عَن فَرِيسةٍ أنيقةٍ / أنا المقتولُ / فَابْحَثِي يا مَناديلَ الوَدَاعِ عَن ضَحِيَّةٍ جَديدةٍ / سَأعِيشُ في قَلْبِ الزَّوابعِ ذَاكِرَةً / لا تَنْقَلِبُ عَلى الذِّكرياتِ / سَأمُوتُ في رِئَةِ العَوَاصِفِ تاريخًا لا يَخُونُ الجُغرافيا / والأغرابُ يَبْنُونَ السُّفُنَ للفِئرانِ وَحِكَايَاتِ البَحَّارَةِ الغَرْقى /

     كُونِي يَا بُحَيْرَةَ الصَّدَأ رُومانسِيَّةً مِثْلَ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ / أجنحةُ الحَشَرَاتِ تَتساقطُ على أغشيةِ البَكَارَةِ في مَوَانِئِ الكُوليرا / وأكْفَاني مَنْسِيَّةٌ في الشَّارِعِ تَحْتَ أمطارِ الخريفِ الليلِيَّةِ / فَاسْمَعْ صَوْتَ المطرِ حِينَ يَرْتَطِمُ بِمَساميرِ نَعْشِي في المساءِ الجارحِ / كُلَّما نَظَرْتُ إلى المِرْآةِ رَأيْتُ وَجْهَ القَنَّاصِ الذي سَيُطْلِقُ عَلَيَّ رَصَاصَةَ الرَّحمةِ /

     كُن عَاطِفِيًّا حِينَ يَسْقُطُ المِكْيَاجُ في حُفَرِ المَجَاري / وَتُصْبِحُ لَيْلَةُ الدُّخلةِ سِفْرَ الخُروجِ مِن جِلْدِ الفَرَاشَاتِ / وتُصْبِحُ مَحاكمُ التَّفتيشِ تاريخًا لأجنحةِ الذُّبَابِ / نَتَوَارَثُ الأعلامَ المُنَكَّسَةَ كالجِيناتِ / وَرَّثَنَا آباؤُنا هَزَائِمَهُم / وذَهَبُوا إلى غُرَفِ النَّوْمِ / نَتَوَارَثُ الهَزَائِمَ كَفَوَاتِيرِ الكَهْرَبَاءِ / فَكُنْ رُومَانسِيًّا حِينَ يُصْبِحُ سِعْرُ العَوَانِسِ حَسَبَ سِعْرِ بِرْمِيلِ النِّفْطِ /

     تُعْرَضُ جُثتي في ثَلاجَةِ المَوْتَى/ كَمَا تُعْرَضُ اللوحاتُ في المَتَاحِفِ/ وأشِعَّةُ القَمَرِ تَدْفِنُنِي لَيْلًا / لِكَيْلا يَنْبُشَ الذُّبَابُ قَبْري / فَيَا أيَّتُهَا البُحَيْرَةُ المشنوقةُ بِضَفَائِرِ شَعْرِهَا / جِينَاتُ حَبْلِ المِشنقةِ في ثُقوبِ جِلْدي / التي تَنْمُو فِيها الطحالبُ / وأنا الرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ في جُغرافيا الوَهْمِ / أنا وَارِثُ الهزائمِ وَتُرَاثُ الأمواجِ / أنا وَصَايَا القَتِيلِ وَوَصِيَّةُ القَاتِلِ .

11‏/04‏/2025

لقد عشت تحت الأرض

 

لقد عشت تحت الأرض

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

     أنا مَيْتٌ مُنْذُ قُرُون / فَكَيْفَ تَقْتُلُوني ؟ / لا تَكْرَهِيني يا أشِعَّةَ الشَّمْسِ / أنا أكْرَهُ نَفْسِي / لا تُدَمِّرْني يا ضَوْءَ القَمَرِ / أنا أُدَمِّرُ نَفْسِي بِنَفْسِي /

     قَطِيعُ الكِلابِ يَتَشَمَّسُ بَيْنَ أكوامِ الجُثَثِ المتروكةِ في الشَّوارعِ/ وأشلائي أُغْنِيَةٌ وَطنيةٌ بَيْنَ الفَرَائِسِ والعَرَائِسِ/ وصُحُونُ المَطْبَخِ المهجورِ هُدْنةٌ بَيْنَ أُمَرَاءِ الطوائفِ وأُمَرَاءِ الحُروبِ /  وَحَلَمَاتُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ تُزَيِّنُ نَصْلَ المِقْصَلةِ كَحَبَّاتِ الكَرَزِ /

     قُتِلْتُ في ظُروفٍ غامضةٍ / وَسُجِّلَت القَضِيَّةُ ضِدَّ مَجهولٍ / عِشْتُ مَجهولًا / وَمُتُّ مَجهولًا / سَلامٌ للأمواتِ الذينَ يُزَيِّنُونَ مَوْتَهُم بِعِظَامِهِم الذهبيةِ/ السَّلامُ عَلى الجُثَثِ ذَاتِ الأسنانِ النُّحَاسِيَّةِ/ إنَّ أمعائي دُسْتُورٌ لِمَملكةِ الوَهْمِ/ التي يَبْنِيهَا شَجَرُ المقابرِ بَيْنَ صَفِيرِ القِطَاراتِ وَصَفَّارَاتِ الإنذارِ /

     لَن يَنْتَصِرَ النَّهْرُ عَلى البُحَيْرَةِ/ لأنَّهُ مَهْزُومٌ مِنَ الدَّاخِلِ/ والشَّفَقُ كَسَرَ قَلْبَ ابنةِ حَارِسِ المقبرةِ/ والشَّظايا تَنَاثَرَتْ بَيْنَ أعشابِ الأضرحةِ / والبَدْوُ الرُّحَّلُ صَارُوا أُمَرَاءَ للمُؤمِنين / ورَاعِي الغَنَمِ صَارَ فَيْلَسُوفًا/ والطاغيةُ صَارَ شَهِيدًا/ وقَاطِعُ الطريقِ صَارَ رَئِيسَ دَوْلَةٍ/ فَابْنِ دَوْلَةَ السَّرابِ بَيْنَ أنقاضِ رِئتي المهجورةِ وأنقاضِ بَيْتِنا المهجورِ /

     أكفاني مِن أجنحةِ الفَرَاشَاتِ / والبَقُّ يَأكُلُ أخشابَ نَعْشِي / سَأمُوتُ في قَلْبِ أُمِّي / وأنبعثُ في الزِّنزانةِ الانفرادِيَّةِ تُفَّاحًا وسَنَابِل / وأشِعَّةُ القَمَرِ تُشَرِّحُ جُثماني لِتَعْرِفَ عِيَارَ رَصَاصَةِ الرَّحمةِ / التي أَطْلَقَهَا عَلَيَّ النَّهْرُ الأعمى / إنَّ وَجْهِي إلى البَحْرِ / لَكِنَّ فِئرانَ السَّفينةِ تأكلُ أشلائي في أزِقَّةِ المِيناءِ / أفتحُ شَوَارِعَ رِئتي أمامَ الغَيْمَاتِ الخضراءِ / لَكِنَّ كُرَيَاتِ دَمِي تَسِيلُ في حُفَرِ المَجَاري في الشَّوارعِ الخَلْفِيَّةِ / وَمِلْحُ دُموعي هُوَ حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ الشَّركسياتِ والبُوسنيَّاتِ /

     كُنْ دِيمُقْرَاطِيًّا أيُّهَا الحُزْنُ / عِندمَا تَبيعُ الأراملُ الخُضَارَ أمامَ المحاكمِ العَسكريةِ / كُنْ رُومَانسِيًّا أيُّها العُشْبُ/عِندَما يَقْتَرِضُ أبي ثَمَنَ أكفاني / ويَدْفِنُ المطَرُ رُفَاتي في الغُيومِ المُخْمَلِيَّةِ /

     الكِلابُ الضَّالَّةُ تَنْبُشُ القُبُورَ بَحْثًا عَن الجَثَامِينِ الطَّازَجَةِ/ والدُّودُ يَأكُلُ خُدُودَ النِّساءِ الطَّرِيَّةَ/ وَحَبْلُ المِشْنَقَةِ يَلْتَفُّ حَوْلَ عُنُقِ البُحَيْرَةِ النَّاعِمِ /

     جُثماني مَنْسِيٌّ عَلى الرَّصيفِ / تَحْتَ الأمطارِ في لَيْلِ الخريفِ / وغَابَةُ القُلوبِ المكسورةِ / تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الجارحةِ / لا تاريخٌ لِجَوَارِحِنَا سِوَى جِيَفِ الطُّيورِ الجارحةِ / ولا جُغرافيا للزَّوبعةِ سِوَى مِطْرَقَةِ التَّوابيتِ الزُّجاجيةِ .

10‏/04‏/2025

في يوم نحس مستمر

 

في يوم نحس مستمر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

     لا تَزَالُ في أُذُنِي دَقَّاتُ الكَعْبِ العَالِي عَلى الرَّصِيفِ/في تِلْكَ الليلةِ الخريفِيَّةِ الباردةِ/ فَلا تَقْتُلِيني أيَّتُها اللبُؤةُ الغامضةُ بِلا مَوْعِدٍ ولا ذِكرياتٍ/ إنَّ أُمِّي تَنْتَظِرُ أن أَعُودَ إلَيْهَا في قَلْبِ الليلِ الرَّهِيبِ / أنا الرُّبَّانُ المنبوذُ / أحْمِلُ جِنْسِيَّةَ الشَّفَقِ / وتاريخي تَكْتُبُهُ فِئرانُ السَّفينةِ/ والبَحَّارَةُ ذَهَبُوا مَعَ عَشِيقَاتِهِم إلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَبَقِيَتْ الرَّسائلُ الغَرَامِيَّةُ في قَاعِ البَحْرِ / وبَقِيَ الشَّايُ الباردُ عَلى ألواحِ التَّوابيتِ / التي نَثَرَهَا المَوْجُ في أزِقَّةِ المَرْفَأ المُعْتِمَةِ /

     البَحْرُ مُصَابٌ بالزَّهايمر / لَكِنَّهُ لَمْ يَنْسَ أن يُغْرِقَنِي / البُحَيْرَةُ مُصَابَةٌ بِسَرَطَانِ الثَّدْيِ / لَكِنَّهَا أَمَرَتْنِي أن أبكيَ عَلى صَدْرِهَا / أَكْمَلْتُ أُسْطُورَتي في اللامَكَانِ / وأَنْهَيْتُ رِسَالَتي في اللازَمَانِ /  وَلَمْ يَعُدْ أمَامِي إلا الاحتضار / لَن تَكْتَمِلَ مُغَامَرَتي إلا بِالمَوْتِ / الذي يُحَنِّطُ الحِبْرَ في شَرَاييني / ويُخَلِّدُني / ويُكْمِلُ دَائِرَةَ الذِّكرياتِ / إنَّ المَوْتَ هُوَ حَيَاتي الجديدةُ / وأنا حُزْنُ المَرَافئِ القَدِيمُ /

     أشِعَّةُ القَمَرِ تُطَهِّرُ أوعيتي الدَّمويةَ مِنَ الطحالبِ والمقاصلِ/وتَنْمُو السَّنابلُ عَلى حَبْلِ مِشْنَقتي / ويَزْرَعُ سَجَّاني لَوْنَ البَحْرِ في دَمِي الأخضرِ/ وابتسامةُ النَّهْرِ الغامضةُ تَحْصُدُ قُضبانَ زِنزانتي / أسْمَعُ صَدَى نِعَالِ النَّخَّاسِينَ بَيْنَ نُهُودِ السَّبايا المَحْقُونةِ بالانقلاباتِ العسكريةِ / والرِّيحُ القِرْمِزِيَّةُ تَسْمَعُ قَرْقَعَةَ عِظَامِ الأمواتِ / في حَدِيقَةِ النُّعوشِ النُّحاسيةِ /

     لا تَفْتَخِرِي بِحَجْمِ ثَدْيَيْكِ يَا ابنةَ حَفَّارِ القُبُورِ / إنَّ سَرَطَانَ الثَّدْيِ مِثْلُ دُودِ المقابرِ / لا يُفَرِّقُ بَيْنَ قُمْصَانِ النَّوْمِ وَثِيَابِ الحِدَادِ / جُثمانُ التُّفاحِ مَحْفُوظٌ في صُندوقِ البَرِيدِ / والحَمَامُ الزَّاجِلُ أُصِيبَ بالزَّهايمر / وأضاعَ رَسائلَ العُشَّاقِ / عَرَقُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ يُزَيِّنُ أعلامَ القَبائلِ المُنَكَّسَةَ / وَحَرْبُ شَوَارِعَ في مَدينةِ الأشباحِ/ وانتشارُ الجُثَثِ في الشَّوارعِ/ بَيْنَ القِطَطِ الضَّالَّةِ والكِلابِ البُولِيسِيَّةِ/ والخَدَمُ يُضَاجِعُونَ المَلِكَاتِ عَلى وَقْعِ النَّشِيدِ الوَطَنِيِّ/ بَعْدَ مَوْتِ الوَطَنِ وَسُقُوطِ الدَّولةِ / ضَاعَتْ قَارُورةُ العِطْرِ في المَزْبَلَةِ / والأغاني الوَطنيةُ كَانَتْ تاريخًا للمَهْزَلَةِ /

     طُيُورُ البَحْرِ نَسِيَتْ عِظَامَهَا في الشَّفَقِ/ وَسَاعِي البَرِيدِ رَمَى الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ في حَنجرةِ البَحْرِ / أُنَقِّبُ عَن كُحْلِ الصَّبايا في تُرابِ المقابرِ / فما فائدةُ أن يَكُونَ قَلْبي تُفاحةً بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبورِ ؟  /  ما فائدةُ أن أكُونَ وَرْدَةً صِنَاعِيَّةً بَيْنَ الأضرحةِ الرُّخَامِيَّةِ ؟ / جُثماني مَنْسِيٌّ تَحْتَ الأمطارِ الوَرْدِيَّةِ / ودُمُوعي تَتَجَمَّدُ في الليلِ تَحْتَ لَمَعَانِ البَارُودِ / سَيَجْمَعُ حَفَّارُ القُبورِ الأزهارَ البلاستيكِيَّةَ في المقبرةِ / وَيَبِيعُهَا عَلى إشاراتِ المُرُورِ / كَي يَشْتَرِيَ طَعَامًا لأطفالِهِ الجِيَاعِ .

09‏/04‏/2025

الطريق إلى المقبرة في ليل الشتاء

 

الطريق إلى المقبرة في ليل الشتاء

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

    ذَهَبَ أبي إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ عُكَّازَتُهُ تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / ذَهَبَتْ أُمِّي إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ ضَفَائِرُها في صُحُونِ المَطْبَخِ / ذَهَبَتْ بَنَاتُ حَفَّارِ القُبُورِ في رِحْلَةٍ مَدْرَسِيَّةٍ إلى شُمُوسِ الأضرحةِ / وَلَم يَرْجِعْنَ / انكسرَ الصَّوْتُ / وانكسرَ الصَّدى / وأنا التَّائِهُ في شَراييني / أبني مَرْفَأَ الدَّمْعِ بَيْنَ الذِّكرياتِ والحَشَرَاتِ /

     الأزهارُ البلاستيكِيَّةُ عَلى قُبُورِ الجِيَاعِ / ثَمَنُهَا كانَ يَكْفِي لإطْعَامِهِم / جُثَثٌ للبَيْعِ في المَزَادِ العَلَنِيِّ/ كُرَيَاتُ دَمِي البَيْضَاءُ للبَيْعِ في السُّوقِ السَّوداءِ/ أَعْشَقُ البُحَيْرَةَ لَكِنِّي لا أَثِقُ بِهَا/ فيا أشجارَ المقبرةِ / كُونِي أنيقةً مِثْلَ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ قَبْلَ لَيْلَةِ الدُّخلةِ / بَيْنَ رُخَامِ الأضرحةِ وأثاتِ المَنَافي /  كَيْفَ أهْرُبُ مِن أظافري يا أُمِّي ؟ / إنَّ أشِعَّةَ القَمَرِ تَغْرِسُ الخَنْجَرَ المَسمومَ في أمعائي / كَيْفَ أهْرُبُ مِن جِلْدِي يا أبي ؟/ إنَّ أرقامَ الزَّنازينِ الانفرادِيَّةِ على أوعيتي الدَّمويةِ / وأنا الجُنديُّ الخاسرُ / أهْرُبُ مِن مَعركةِ الذاكرةِ / وأنامُ على الأسلاكِ الشَّائكةِ في أرشيفِ الضَّحايا /

     اغْتَنِمْ فُرْصَةَ مَوْتِكَ بَيْنَ الفَرَائِسِ والرَّهَائِنِ/ العَاصِفَةُ تَدْفِنُ رُفَاتَ النَّهْرِ تَحْتَ الأعلامِ المُنَكَّسَةِ/ وَكُلَّمَا هَجَمَ الليلُ عَلى عِظَامي المنثورةِ في حَدَائِقِ البُكَاءِ / رَأيْتُ حَنَاجِرَ القَتْلَى عَلى حِيطانِ غُرْفَتي/ ضَوْءُ القَمَرِ يُنَظِّفُ هَيْكَلِي العَظْمِيَّ مِن سُعَالِ اللبُؤَاتِ / وَتَتَسَاقَطُ أجنحةُ الحَشَرَاتِ عَلى نَصْلِ مِقْصَلَتِي / سَأصِيرُ رُومَانسِيًّا عِندَما يَسْقُطُ المِكْيَاجُ في حُفَرِ المَجَاري / سَأصِيرُ عَاطِفِيًّا عِندَما يَرْمِي الفَيَضَانُ قُمْصَانَ النَّوْمِ في حَاوِيَاتِ القُمَامَةِ /

     أيَّتُها الأرملةُ الشَّابَّةُ / ادْفِنِي زَوْجَكِ في أوراقِ الخريفِ / وانشُري الغسيلَ على سُورِ المقبرةِ /ضَعِي خُطَّةً عَسكريةً لاصطيادِ العَرِيسِ الجديدِ / سَوْفَ تَصطادُ الفَرِيسَةُ صَيَّادَهَا/ وَتَتَقَمَّصُ الضَّحِيَّةُ جَلَّادَهَا / إنَّ سُورَ المَقبرةِ يَفْصِلُ بَيْنَ مَلاقِطِ الغسيلِ ومَلاقِطِ الحَوَاجِبِ / كَمَا يَفْصِلُ الحاجِزُ العَسْكَرِيُّ بَيْنَ جُثمانِ أبي وَضَجِيجِ البَحْرِ /

     ازْرَعِيني في الغُيومِ أيَّتُها الرَّصاصةُ / سَيَنْمُو التُّفاحُ في شَظَايَا جُمْجُمَتي/احْصُدِيني في الرِّمالُ أيَّتُها الأمواجُ / سَيَنْمُو البُرتقالُ في هَيْكَلي العَظْمِيِّ / أظافِرُ العَبِيدِ مَغرُوسَةٌ في نُهُودِ المَلِكَاتِ بَعْدَ الانقلابِ العَسْكَرِيِّ / والبَحْرُ يُنَظِّمُ حَفْلًا لِتَأبِينِ البُحَيْرَةِ الخائنةِ / والزَّوابعُ تَجْمَعُ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ لابنةِ حَفَّارِ القُبورِ في المساءِ الرَّهيبِ / أَكَلَتْ أشِعَّةُ القَمَرِ قُمَاشَ أكفاني / وأنا الآنَ أَمُوتُ عَارِيًا / سَامِحْنِي يا أبي / وَلا تَخْجَلِي مِن جَسَدِي يَا طُيُورَ البَحْرِ .

08‏/04‏/2025

مقبرة للسبايا ومطعم للعائلات

 

مقبرة للسبايا ومطعم للعائلات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

     أَحْتَرِقُ مِنَ الدَّاخِلِ/ لأدْفَعَ كُرَيَاتِ دَمِي إلى هَاوِيَةِ الصَّهيلِ/ أتَفَجَّرُ مِنَ الخارِجِ/ لأُضِيءَ جُثمانَ البَحْرِ أمامَ الطُّيُورِ المُهَاجِرَةِ / فَكُنْ أُغْنِيَةً وَطنيةً في دُوَيْلَةٍ لَقِيطَةٍ / كَي تَكْتَشِفَ أجسادَ الأمواتِ تَحْتَ التُّرابِ / وتُضِيءَ أعشابَ المقابرِ أمامَ الدُّودِ فَوْقَ التُّرابِ /

     في المساءِ الجارِحِ / تَرْكُضُ أشجارُ المقابرِ إلى عِظَامي / شَظَايَا جَمَاجِمِ النِّسَاءِ في دَلْوِ البِئْرِ الوَحِيدِ / في القَرْيَةِ التي يُحَاصِرُهَا الجُوعُ والجُثَثُ والحواجزُ العسكريةُ / وأشِعَّةُ القَمَرِ تُحْرِقُ الطحالبَ في الهياكلِ العَظْمِيَّةِ / وَكُلَّمَا نَظَرْتُ في المِرْآةِ رَأيْتُ صُورَةَ قَاتِلِي /

     مَاتَ أبي في لَيْلِ الشِّتاءِ البَعيدِ / ولا تَزَالُ أُمِّي تَحْتَفِظُ بِمَلابِسِهِ في خِزَانَةِ البُكَاءِ/ سَيَنْمُو النَّعناعُ على حَبْلِ مِشْنَقتي / وَيَرْمِي وَمِيضُ البَرْقِ الأزهارَ الصِّنَاعِيَّةَ عَلى ضَرِيحي / والإعصارُ يُؤَدِّي التَّحِيَّةَ العَسْكَرِيَّةَ لِجُثمانِ البَحْرِ /

     الإعدامُ بالكُرْسِيِّ الكَهْرَبَائِيِّ / لَكِنَّ الكَهْرَبَاءَ مَقْطُوعَةٌ عَن مَدِينةِ السَّرَابِ/ والزَّوْبَعَةُ الأُرْجُوَانِيَّةُ تَنْتَظِرُ نُمُوَّ ثَدْيَيْهَا كَي تُتَاجِرَ بِهِمَا/ سلامٌ للعَرَائِسِ اللواتي يَقْضِينَ شَهْرَ العَسَلِ في ثَلاجَةِ الجُثَثِ / والجِنِرَالُ المهزومُ يُلَمِّعُ أَوْسِمَتَهُ العَسْكَرِيَّةَ بِدَمِ الحَيْضِ لِعَشِيقَتِهِ الخائنةِ/ يُبَاعُ الرَّقيقُ الأبيضُ في السُّوقِ السَّوْدَاءِ/ رَنِينُ خَلاخِيلِ النِّسَاءِ في مُدُنِ الكُوليرا/ كَرَنِينِ مَسَامِيرِ النُّعُوشِ في لَيْلِ الانقلاباتِ العَسْكَرِيَّةِ / والمَطَرُ في الليالي الحزينةِ يَكْسِرُ عِظَامَ الأمواتِ /

     غُرْبَةُ ألوانِ الجَثَامِينِ في يَاقُوتِ المَجَازرِ / والمَوْجُ يَرْسَمُ عَلى لَحْمِي خَارِطَةَ الذِّكرياتِ / كَي يُسَهِّلَ عَلى الدِّيدانِ أَكْلَ لَحْمِي في شِتَاءِ المقابرِ / والعُشَّاقُ يَشْرَبُونَ الشَّايَ بالنَّعناعِ بَيْنَ قَطَرَاتِ المَطَرِ وَقَطَرَاتِ دَمِي / سَرَقَتْ قَلْبي الشَّركسياتُ / فَصِرْتُ بَحْرًا أخْرَسَ / بِلا أمواجٍ ولا نَوَارِس / وَشَظَايا جُمْجُمتي في صُحُونِ مَطْبَخِ بَيْتِنا في قُرْطُبَة / لَكِنِّي أركضُ إلى أشِعَّةِ القَمَرِ القَاتِلَةِ في مَسَاءِ الرُّعْبِ / ويَظَلُّ النَّدى عَلى شَوَاهِدِ القُبُورِ في صَبَاحِ البُكَاءِ / فيا أيُّها المَوْتَى / لا تَجْرَحُوا مَشَاعِرَ بَنَاتِ حَفَّارِ القُبُورِ / احْرُسُوا أُنوثةَ السَّنابلِ تَحْتَ وَمِيضِ البَرْقِ / دَافِعُوا عَن عِظَامِ الضَّحايا تَحْتَ طَهَارَةِ التُّرَابِ /

     سَأُدَافِعُ عَن شَرَفِ الغُبارِ في أزِقَّةِ الجِرذانِ / الأمطارُ تَخْتَلِطُ بِكُحْلِ الصَّبايا في مَملكةِ السُّلِّ / لَن أَمُوتَ / سأظلُّ حَيًّا في قُلوبِ الشَّركسياتِ في غاباتِ القُوقاز تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ / لَن أَمُوتَ / سأظلُّ حَيًّا في قُلوبِ البُوسنِيَّاتِ تَحْتَ جُسورِ سَرَاييفو فَوْقَ دُمُوعِ التُّرابِ .

07‏/04‏/2025

عندما أموت ستحبونني

عندما أموت ستحبونني

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     يَنْتَظِرُني مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ بَيْنَ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ والمقابرِ الجمَاعِيَّةِ/ عِشْتُ في مَرْفَأ السَّرَابِ وَحِيدًا / لَم يَعْرِفْ وَجْهِي غَيْرُ البَحْرِ اليَتِيمِ / وَلَم يُحِبَّني غَيْرُ القِطَطِ المُشَرَّدَةِ / لا تاريخٌ لِمِلْحِ دُمُوعي سِوى الأعلامِ المُنَكَّسَةِ / ولا جُغرافيا لِهَيْكَلِي العَظْمِيِّ سِوَى أزِقَّةِ الجَرَادِ / وَعِندَما أَمُوتُ سَتُحِبُّونني/ تُلاحِقُونَ طَيْفِي بَيْنَ أشجارِ الصَّنَوْبَرِ في لَيْلِ الأضرحةِ الأُرْجُوَانِيَّةِ /

     سَامِحُونِي أيُّها الأطفالُ الذينَ يَبِيعُونَ العِلْكَةَ عَلى إشَارَاتِ المُرُورِ / نَسِيتُ البُوظَةَ في ثَلاجَةِ الجُثَثِ / أتَبَادَلُ الرَّسَائِلَ الغَرَامِيَّةَ مَعَ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ / وأجنحةُ الحَشَرَاتِ بُوصَلَةٌ تُرْشِدُ طُيُورَ البَحْرِ إلى مَوْقِعِ قَبْرِي في غَابَاتِ المَطَرِ الوَرْدِيِّ / الأعاصيرُ سَتُطْلِقُ اسْمِي عَلى رَصِيفِ المِيناءِ بَعْدَ اغتيالي / خَدَعَنِي البَحْرُ / لَكِنِّي أعْشَقُ الأمواجَ / خَانَتْنِي الرِّمَالُ / لَكِنِّي أعْشَقُ الصَّحْرَاءَ /

    لا تَضْغَطْ عَلى أعصابي يا دِفْءَ فِرَاشِ المَوْتِ / الجَمَاجِمُ مُعَلَّقةٌ عَلى حَبْلِ الغَسِيلِ / لا تُحْرِقْ ذِكرياتي يَا مَطَرَ الوَدَاعِ / جَدَائِلُ النِّسَاءِ تَحْتَ بَسَاطِيرِ الجُنودِ /

     لَن يَعِيشَ الذِّئبُ في المُسْتَنْقَعِ / الرِّيحُ تُبَلِّطُ البَحْرَ بِرُخَامِ المقابرِ / لَن يَعِيشَ الصَّقْرُ تَحْتَ الأرضِ/ الأمواتُ يُنَقِّبُونَ عَن الذَّهَبِ في مَنَاجِمِ الاحتضارِ / وأنا المنبوذُ / أُفَتِّشُ عَن عُكَّازِ أبي تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / وأُفَتِّشُ عَن كُحْلِ أُمِّي في بِئْرِ الجُثَثِ /

     سَيَذهَبُ العَاشِقَانِ إلى فِرَاشِ الزَّوجيةِ في لَيْلةِ الدُّخلةِ / وأذهبُ إلى فِرَاشِ المَوْتِ في لَيْلَةٍ خريفيةٍ باردةٍ / فيا أيَّتُها العاصفةُ المُخْمَلِيَّةُ / خُذي لِي صُورةً تَذكاريةً وأنا عِلى فِرَاشِ المَوْتِ/ إنَّ احتضاري طَابَعُ بَرِيدٍ تَذكَارِيٌّ / يَلْتَهِمُ البَقُّ بَرَاوِيزَ الذاكرةِ / وتأكلُ الدِّيدانُ لَحْمي الطازَجَ /

     مَصِيرُ الفَراشةِ كَمَصِيرِ الدَّجاجةِ المذبوحةِ في مَطْعَمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / الذي هَجَرَهُ العُشَّاقُ / وَذَهَبُوا إلى المَوْتِ البَطِيءِ / الحُزْنُ في شَظَايَا قَلْبي كَالْمِلْحِ في دَمْعِ عَيْنَيْكِ/ دِفْءُ فِرَاشِ المَوْتِ في ليالي الشِّتاءِ الطويلةِ / وَسُخُونَةُ دَمْعِ العُشَّاقِ عِنْدَ الغُروبِ/ لَحْمي رُخامٌ مُسْتَوْرَدٌ لِتُرَابِ المقابرِ/والزَّوابعُ تُبَلِّطُ حَنجرتي بأجنحةِ الحَشَرَاتِ/ فَابْحَثْ عَن امرأةٍ في حُطَامِ قَلْبِكَ / تَبْكي عَلَيْكَ بَعْدَ مَوْتِكَ / واشْكُر المَوْتَى الذينَ زَيَّنُوا شَوَاهِدَ قُبُورِهِم قَبْلَ مَوْتِهِم / إنَّ دَمَ البَحَّارَةِ الغَرْقى يَتَوَهَّجُ / كَمَا يَتَوَهَّجُ المِلْحُ في دُمُوعِ فِئْرَانِ التَّجَارُبِ /

     أخي ضَوْءَ القَمَرِ / انْزِعْ حُبَّ الشَّركسياتِ مِن شَظَايا قَلْبي / كَي أقْدِرَ أن أنامَ / أنا مُنْذُ قُرُونٍ لا أقْدِرُ أن أنام / أحْتَرِقُ في الدُّنيا / فلا تُحْرِقْني يا إلَهِي في الآخِرَةِ / لا تَجْمَعْ عَلَيَّ حَرِيقَيْن .