29‏/02‏/2024

مكياج السبايا يتساقط على الحواجز العسكرية

 

مكياج السبايا يتساقط على الحواجز العسكرية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     عِندَما تَذُوبُ الحضارةُ تَحْتَ صَليلِ السُّيوفِ / كَما يَذوبُ المِكياجُ تَحْتَ شَمْسِ الظهيرةِ / عِشْ في قَلْبِ امرأةٍ غَامضةٍ لِيُصْبِحَ دَمُكَ حَضارةً / بَيْنَ مُلوكِ الطوائفِ وَتُجَّارِ الحُروبِ / جَاءَ الاحتضارُ الشَّاسِعُ أيَّتُها اللبُؤَةُ / دُودُ القُبورِ سَيَأكُلُ ثَدْيَيْكِ / اللذَيْنِ تَفتخرينَ بِهِمَا أمامَ جُثَثِ الجنودِ القَتلى المَنْسِيِّينَ في المعركةِ / والدُّوَيْلاتُ البَدويةُ اللقيطةُ يَحْكُمُهَا رُعيانُ الغَنَمِ / الذِينَ يُسَمُّونَ أنفُسَهُم أُمَرَاءَ المُؤمِنين /

     ضَوْءُ القَمَرِ يُحْرِقُ خُدُودَ البُحَيْرَاتِ / وَصَوْتُ المطرِ يَحْفِرُ جِلْدي كالرَّصاصِ الحَيِّ في مُدُنِ الأمْوَاتِ / ذَهَبَ الجُنودُ المَجْهُولُونَ إلى المَوْتِ في أرضِ المَعركةِ / ولَمَ يَتْرُكُوا وَرَاءَهُم مَجْدًا ولا أوسمةً/ هُرُوبُ الجِنرالاتِ مِنَ الذِّكرياتِ / وَفِرَارُ الصَّبايا مِنَ الحَكَايَا / وَطَنٌ يَسْقُطُ عَلى أرشيفِ الضَّحايا / كَمَا تَسْقُطُ مَلاقِطُ الغسيلِ عَلى سُطوحِ القِطاراتِ / وَطَنٌ مات / كُلُّ شَيْءٍ مات /

     في مَملكةِ الرَّمْلِ المُخْمَلِيِّ / يَخُونُ السَّرابُ الصَّحراءَ / وَتَطْعَنُ الصَّحراءُ البَحْرَ في الظَّهْرِ / وَيَطفو دَمُ السُّنونو عَلى سَطْحِ النِّفْطِ / وَعِطْرُ قَاتِلتي يَقُودُني إلَيْها في مَساءٍ خَريفيٍّ / بِلا قَمَرٍ ولا قُبُور/ لا أبناءَ لِي يَحْمِلُونَ اسْمِي / جُثتي تَحْمِلُ اسْمَ قَلبي / وأنا أحْمِلُ اسْمَ نَفْسِي / وأرِثُ نَفْسِي بَعْدَ مَوْتِهَا / وأرثي نَفْسِي بَعْدَ اغتيالِها / أنا الوَارِثُ والمَوْرُوثُ والتُّرَاثُ والمِيراثُ / أنا وَصِيَّةُ البُحَيْرَاتِ / أنا وِصَايَةُ القَاتلِ على الضَّحِيَّةِ /

     صُرَاخُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ يَذُوبُ في صَوْتِ المَطَرِ في لَيالي الهَلَعِ / وَصَفَّاراتُ الإنذارِ في مَملكةِ الإمَاءِ / وَالحَمَامُ الزَّاجِلُ نَسِيَ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ بَيْنَ أبراجِ الكَنائسِ وأبراجِ المُعْتَقَلاتِ / سَوْفَ يَلتقي الغريبُ مَعَ الغريبةِ / عِندَما تَلتقي ضَفائرُ الرَّاهباتِ مَعَ الصُّلبانِ البلاستيكيةِ /  والكِلابُ البُوليسيةُ تَنتظرُ عِندَ أبراجِ الكَنائسِ / والأغرابُ يَقْتَسِمُونَ الغنائمَ في نَهارِ الضَّحايا / وَيُوَزِّعُونَ الرَّهائنَ في لَيْلِ السَّبايا /

     لا تَزَالُ جُثَثُ النِّسَاءِ على أرْصِفَةِ الوَدَاعِ في مُدُنِ القُمَامَةِ/ وَالمَوْجُ هَدَمَ القُصُورَ الرَّمليةَ تَحْتَ وَمِيضِ البَرْقِ/ وَنَسِيَ الأيتامُ الشُّوكولاتةَ في ثَلاجَةِ المَوْتَى / يا رَمْلَ البَحْرِ / عَلِّمْنِي جَدْوَلَ الضَّرْبِ/ إنَّ القَتلى أرقامٌ/ وَكُرَيَاتُ دَمِي سَبَايا/ نُعُوشُ الجُنودِ مَصْفُوفةٌ في عَرَبَاتِ القِطَارِ كَصَناديقِ الخُضَارِ / والأُمَّهَاتُ يَنْتَظِرْنَ الصَّقيعَ في مَحطةِ القِطَاراتِ الفارغةِ / سَأمُوتُ في الشَّفَقِ الزَّهْرِيِّ / وَأُولَدُ في قَلْبِ شَركسيةٍ غامضةٍ / تَركضُ في أدغالِ الغُروبِ / بَيْنَ مِلْحِ الدَّمْعِ وَصَلِيلِ الوَدَاعِ .

28‏/02‏/2024

طيور البحر في موسم البكاء

 

طيور البحر في موسم البكاء

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     زِنزانتي تُطِلُّ عَلى البَحْرِ الأخيرِ / وَطُيُورُ البَحْرِ تُعَقِّمُ بَلاطَ الزِّنزانةِ بِمِلْحِ الدُّموعِ / والطائراتُ قَصَفَتْ حِبَالَ الغسيلِ / فَسَقَطَتْ ثِيَابُ الحِدَادِ عَلى سَطْحِ الوَدَاعِ أوْ سَطْحِ البَحْرِ / افْرَحُوا أيُّها الضَّحايا / يَنْتَظِرُكُم مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ في المَقَابرِ الجَمَاعِيَّةِ / ولا دُسْتُورَ إلا التَّطْهِيرُ العِرْقِيُّ /

     ضَفائرُ الرَّاهباتِ مَرْبُوطةٌ بِمَساميرِ الصُّلبانِ / وأجنحةُ الفَراشاتِ عَالِقةٌ بالأسلاكِ الشَّائكةِ على أسوارِ المُعْتَقَلاتِ / انكَسَرَتْ أُنوثةُ أشجارِ المقابرِ بَيْنَ الطَّاغِيَةِ المُقَدَّسِ وَبَرِيقِ المُسَدَّسِ /

     أخَذَت الشَّركسيةُ قلبي/ وَدَخَلَتْ في ذَاكرةِ الشَّفَقِ / وما زِلْتُ أنتظرُ عَوْدَتَهَا / كما تنتظرُ الأراملُ عَوْدَةَ أبنائِهِنَّ القَتْلى مِنَ الحَرْبِ / لَيْتَنِي سَألْتُكِ يَا سَجَّانتي قَبْلَ أن تَمُوتِي/ هَل تُحِبِّينَنِي ؟ /

     بَعْدَ الشَّركسياتِ/ صِرْتُ سَرَابًا يُظِّلَلُ الحَطَبَ الأخْضَرَ / وأنتظرُ طُيُورَ البَحْرِ كَي تَدْفِنَنِي في ذَاكرةِ الشَّفَقِ / بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ جُثةً هامدةً أنتظرُ رَصاصةَ الرَّحمةِ / كَي أموتَ مَرَّتَيْن /

     إنَّ حَيَاتي مَوْتٌ / وَمَوْتي مَوْتٌ / فَاكْتَشِفْ أُنوثةَ القصيدةِ في أبجديةِ المَوْتِ / وَعِشْ حَيَاتَكَ وَمَوْتَكَ في قَلْبِ امرأةٍ لِتَظَلَّ طَيْفًا في المساءِ الوَرْدِيِّ / عِندَما تَسْقُطُ الحضارةُ كَمَلاقِطِ الغسيلِ / وَتَنْكَسِرُ الدُّوَلُ كَقِطَعِ الشُّوكولاتةِ /

     كُوني عَشيقةَ السَّرابِ أيَّتُها الصَّحراءُ / لا تاريخَ لِشُطآنِ الاحتضارِ سِوى الرِّمالِ / والأيتامُ يَبْنُونَ القُصورَ الرَّمليةَ على جُثَثِ أُمَّهَاتِهِم/والسَّلاحفُ تَضَعُ بُيُوضَهَا في حَناجرِ النِّساءِ البَاكِيَاتِ / وَالمَوْجُ قَادِمٌ كَي يَهْدِمَ القُصورَ الرَّمليةَ وَذَاكرةَ الرَّحيلِ /

     خُدودُ النِّساءِ مِنَ الأسْمَنْتِ المُسَلَّحِ / لَكِنَّ قَلبي أعْزَلُ في مُوَاجَهَةِ أحلامِ الطفولةِ والرُّومانسيةِ الضَّائعةِ / والأمواتُ الذينَ رَحَلُوا لَمْ يَرْحَلُوا مِن قَلبي / أنا حَفَّارُ القُبورِ في المقابرِ الكريستاليةِ / أُعْلِنُ انتصاري عَلى رُفَاتِ الأشجارِ المُضيئةِ / أنا حَارِسُ المُسْتَنْقَعَاتِ في لَيالي الصَّيْفِ المُقْمِرَةِ / أُعْلِنُ انتصاري عَلى طَحَالِبِ القُلوبِ المكسورةِ /

     أيُّها الشَّاطِئُ الفَيْرُوزِيُّ / ابْحَثْ عَن البَحْرِ الضَّائعِ بَيْنَ الفَنادقِ والخنادقِ / سَأبحثُ عَن وَطني الضَّائعِ بَيْنَ دُستورِ مُلوكِ الطوائفِ ودِيمُقراطيةِ أُمَرَاءِ الحُروبِ / إنَّ جُرْحي كَالمَوْجِ / لِهُ حِصَّةٌ في جَسَدِ البَحْرِ / وأنا السَّرابُ أَخُونُ الصَّحراءَ مَعَ الرِّمالِ / وَلِي حِصَّةٌ في ذِكرياتِ القَتلى / وَأملاحُ دَمْعي لَوْحَةٌ مَنْسِيَّةٌ في مُتْحَفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ/ افْرَحْ يا سَجَّاني/ إنَّ البَدْوَ الرُّحَّلَ يُحَرِّرُونَ فِلِسْطِين / افْرَحِي يا قَاتِلَتي / إنَّ رُعْيَانَ الغَنَمِ يُحَرِّرُونَ الأندَلُسَ .

27‏/02‏/2024

الإعدام رميًا بالذكريات

 

الإعدام رميًا بالذكريات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     بَعْدَ الشَّركسياتِ / نَكَّسَت الذِّكرياتُ رَايةَ قَلْبي إلى الأبَدِ / نَامَ البَحْرُ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ /  وأنا آخِرُ طُيورِ البَحْرِ / أحْتَرِقُ في قُلوبِ الشَّركسياتِ / كَي أُضِيءَ الطريقَ أمَامَ مِلْحِ الدُّموعِ /

     خُدُودُ الشَّركسياتِ في الغُروبِ / هِيَ شُرُوقٌ جَدِيدٌ لِقَلْبي المكسورِ / وَرَحَلَتْ طُيورُ البَحْرِ إلى رِئتي كَي تَحْتَرِقَ في شَهيقي / دَفَنْتُ قَلبي في قَلْبِكِ / فاختاري قَبْرًا لَكِ في رِئَتي/ يُشْبِهُ لَوْنُهُ أحلامَ الطفولةِ وأوراقَ الخريفِ/إنَّ أُمِّي تُطَهِّرُ حَبْلَ مِشْنَقتي بِمِلْحِ دُمُوعِها/وأنا الطريدُ في أشلائي المُضيئةِ/ أركُضُ في أدغالِ دَمِي تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ القَاتِلَةِ / كَي أَكْتَشِفَ الحُزْنَ في عُيُونِ الشركسياتِ /

     سَتَبْقَى ضَفائرُ النِّساءِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ في المساءِ المُضَاءِ بالقنابلِ الفُسفوريةِ / سَيَعُودُ الغريبُ مِن الحربِ بلا ذاكرةٍ ولا ذكرياتٍ ولا أوسمةٍ/ وَيَنْمُو النَّعناعُ في فُوَّهَاتِ المَدَافِعِ/ وَتَزْحَفُ الطحالبُ على أجسادِ المُسَدَّسَاتِ المَطْلِيَّةِ بأحمرِ الشِّفاه / كَيْفَ أُصْبِحُ رُومَانسِيًّا وأطيافُ القَتيلاتِ تَتَوَهَّجُ في ثُقُوبِ جِلْدِي ؟ /

     عِندَما غَابَ ظِلُّ الشَّركسياتِ عَن أغصانِ رُوحِي / صِرْتُ أخافُ مِن ظِلِّي/ أخافُ مِنَ النَّاسِ / أخافُ أن أنظُرَ في المِرْآةِ لأنَّ طَيْفَ القَتْلَى يَنبعثُ مِن خُدُودي / وَعَلَيَّ وَحْدِي أن أَتْبَعَ ضَوْءَ الجِنَازةِ في أحلامِ الطفولةِ السَّحيقةِ / دَفَنَ السَّرابُ مَساميرَ نَعْشي في الرِّمالِ المَعْدِنِيَّةِ / فَهَل الأُنوثةُ في الجَسَدِ أَمِ الذِّكرياتِ ؟ / ذَهَبَ البَحْرُ إلى أُمَرَاءِ الحُروبِ / وَذَهَبَت الفَرَاشَاتُ إلى ضَفائرِ النِّساءِ القَتيلاتِ/ اصْعَدْ يا صَفِيرَ القِطاراتِ على خَشَبَةِ الإعدامِ / سَتَكُونُ حَيَاةُ المشنوقِ أطْوَلَ مِن حَبْلِ المِشنقةِ / حَطَّمَ المَسَاءُ أُنوثةَ السَّنابلِ بَيْنَ ثَلاجةِ المَوْتَى وثَلاجةِ المَطْبَخِ /

     استراحةُ المُحَارِبِ الذي يَشْعُرُ بالفَراغِ العَاطفيِّ بَيْنَ الغنائمِ والرَّهائنِ/ وَالفُقَرَاءُ يَبِيعُونَ كُرَيَاتِ دَمِهِم على إشاراتِ المُرورِ/ كَي يَشْتَرُوا مَلابِسَ العِيدِ لأبنائهم القَتلى / بَيْنَ أرشيفِ مُلوكِ الطوائفِ ودُستورِ أُمَرَاءِ الحُروبِ / وَرُعيانُ الغَنَمِ يُمَارِسُونَ الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ البَدويةَ في السُّوقِ السَّوداءِ / بَيْنَ الرَّقيقِ الأبيضِ وَبَرَامِيلِ النِّفْطِ /

     حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ نَهْدَيْكِ أيَّتُها الفراشةُ العَمْيَاءُ / مَتى تَحْتَرِقِينَ بِضَوْءِ دِمَاءِ قَاتِلِكِ الذي يَعْشَقُكِ وَيَخُونُكِ؟/ مَساميرُ نَعْشي صَارَتْ طَوَابِعَ بَرِيدٍ تَذكاريةً / يا حَفَّارَ قَبْري في المساءِ العَمِيقِ/ عِشْ مَوْتَكَ في السَّرابِ / الرِّمالُ تَزْحَفُ في أوعيتي الدَّمويةِ / وَحَبْلُ مِشْنَقتي مِنَ اللازَوَرْدِ / وَنَصْلُ مِقْصَلتي مِنَ الكريستالِ / وأنا الغَرِيبُ بَيْنَ لَوْنِ الغُرُوبِ وَزُجَاجِ القِطَارَاتِ .

26‏/02‏/2024

عروش البعوض والملوك أبناء السبايا

 

عروش البعوض والملوك أبناء السبايا

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     بَقِيَ جُثماني في زُقَاقِ الفِئرانِ وَحِيدًا / لأنَّ حَفَّارَ القُبورِ أُحِيلَ عَلى التَّقَاعُدِ / والبَرِيقُ في عُيونِ الفَرَاشَاتِ هُوَ أرشيفٌ لِشَظايا قلبي المكسورِ/لَيْتَنِي أَجِدُ امرأةً تَقْتَلِعُ حُبَّ الغَزَالَةِ الغَامِضَةِ مِن قَلْبي/ لِتُرِيحَني مِنَ العَذَابِ في لَيْلِ الشِّتاءِ / وَتَحْرُسَ جِلْدِي مِن مِلْحِ دُمُوعي الحَارِقِ /

     السَّلامُ عَلَيْكِ أيَّتُها اللبُؤَةُ أيْنَمَا كُنتِ / في أضرحةِ النَّعناعِ أوْ في الغُيومِ الحمراءِ / في نَهْرِ الرُّفَاتِ أَوْ في بُحَيْرَةِ المساءِ / لَن أَهْرُبَ مِن ذِكْرَياتي / أنا الرُّبَّانُ الذي سَيَغْرَقُ مَعَ السَّفينةِ التي أَحَبَّهَا / لَن أَهْرُبَ مِنَ المعركةِ/ إنَّ المُلوكَ المهزومِينَ يَقِيسُونَ نُهُودَ السَّبايا بالأوسمةِ العَسكريةِ /

     الخَنْجَرُ المَسمومُ بَيْنَ نَهْدَيْكِ أيَّتُها الذُّبَابَةُ العَمْياءُ / وَسَرَطَانُ الثَّدْيِ يَأكُلُ صَدْرَكِ / كَيْفَ تَهْرُبِينَ مِن رَصاصةِ القَنَّاصِ الذي يَعْشَقُكِ ويَقْتُلُكِ ؟ / نامَ المُهَرِّجُ في الشَّارعِ بَعْدَ إغلاقِ السِّيركِ بالشَّمْعِ الأحمرِ / وَذَهَبَت الرَّاهباتُ الغامضاتُ إلى ضَوْءِ الاحتضارِ / وَبَقِيَتْ حُبُوبُ مَنْعِ الحَمْلِ في مَزْهَرِيَّاتِ غُرفةِ الاعترافِ /

     الدُّوَيْلاتُ البَدويةُ اللقيطةُ / وَجَيْشُ البَدْوِ الرُّحَّلِ يَسْتَعِدُّ لِتَحريرِ فِلِسْطِين / وَدَمُ الحَيْضِ للجَوَاري يَطْفُو عَلى سَطْحِ النِّفْطِ في تَوَابِيتِ الضَّحايا / مَا فَائدةُ إنجابِ الأبناءِ إذا كَانَ مَصِيرُهُم القَتْلَ ؟ / مَا فَائدةُ شَواهدِ القُبورِ المُزَخْرَفَةِ إذا كانت الجُثَثُ في الشَّوارعِ ؟/ مَا فَائدةُ الوَحْدَةِ الوَطنيةِ إذا كانَ الضَّحايا في المَقابرِ الجَمَاعِيَّةِ ؟/مَا فَائدةُ الصَّابونِ إذا كان السُّجَنَاءُ يَغْسِلُونَ بَلاطَ الزَّنازينِ بِدِمَائِهِم ؟/ مَا فَائدةُ الحُبِّ الأوَّلِ إذا كَانتْ ذِكْرَيَاتُنا تُولَدُ في التَّطهيرِ العِرْقِيِّ ؟ /

     أيَّتُها العُصْفُورَةُ التي يَتساقطُ كُحْلُهَا كأوراقِ الخريفِ على أعصابِ الرِّياحِ في المساءِ الحزينِ / عَلِّمِيني الرِّياضياتِ كَي أُفَرِّقَ بَيْنَ رَقْمِ جُثماني وَرَقْمِ زِنزانتي / قَلبي يُطِلُّ عَلى ضَفائرِ البُحَيْرَةِ الشَّمْعِيَّةِ / وَزِنزانتي تُطِلُّ عَلى البَحْرِ / وطَيْفُ الظِّبَاءِ في مَحطةِ القِطَاراتِ يَخْلَعُ جِلْدي / ويُضِيءُ مِلْحَ دُمُوعي عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ /

     النِّسَاءُ المُتَعَطِّرَاتُ بالْمُبيداتِ الحَشَرِيَّةِ يَمْشِينَ في الجِنازةِ العَسكريةِ/ وأنا المنبوذُ في شَراييني/ تَفَرَّقَ دَمِي بَيْنَ القَبَائِلِ المَهزومةِ / وَأَصْنَعُ مِنَ الأسنانِ الذهبيةِ للجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ أوسمةً عَسكريةً / للجُنودِ الهاربينَ مِن ذَاكِرَةِ المَعركةِ إلى مَعركةِ الذاكرةِ /

     خَلَقَنِي اللَّهُ وَحِيدًا/ وَعِشْتُ وَحِيدًا / وَسَأعُودُ إلَيْهِ وَحِيدًا / سَيَظَلُّ مِلْحُ دُمُوعي عَلى الوِسَادَةِ / سَتَظَلُّ أحْزَانُ الطُّفولةِ على فِرَاشِ المَوْتِ / سَتَظَلُّ ثِيَابُ القَتِيلِ المَنْسِيِّ في الخِزَانَةِ القَدِيمَةِ .

25‏/02‏/2024

الحب في مدن السراب

 

الحب في مدن السراب

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............................

     فُرُوجُ الإمَاءِ هِيَ آبارُ نِفْطٍ في حَضارةِ البَدْوِ الرُّحَّلِ / لَكِنَّ الرِّمَالَ الدَّمَوِيَّةَ تُغَطِّي جَثامينَ الأغرابِ / والنِّساءُ مَصْلُوباتٌ عَلى أعمدةِ الكَهْرَباءِ في مُدُنِ السَّرَابِ / وكُلَّمَا هَرَبَ الجُنودُ مِن المعركةِ مَنَحَهُمُ العَطَشُ الأوسمةَ العسكريةَ /

     تَرْمِي العَرائسُ نُهُودَهُنَّ طُعْمًا لاصطيادِ الرِّجالِ القَتْلى/ وجُثَثُ الضَّحايا سَاخنةٌ كالبيتزا في المطاعمِ الفارغةِ / التي تَرَكَهَا العُشَّاقُ / وَرَكَضُوا وَراءَ ضَوْءِ المَوْتِ / مِلْحُ دُموعي هُوَ الحَاجِزُ العَسكريُّ بَيْنَ حَبْلِ الغسيلِ وَثِيَابِ الحِدَادِ / يا أيُّها الطائرُ المذبوحُ بَيْنَ صَفيرِ القِطَاراتِ وَصَفَّاراتِ الإنذارِ / مَتى تَعُودُ إلى البَحْرِ ؟ / كُلُّ القَتْلَى يَمْشُونَ إلى نوافذِ الخريفِ / كُلُّ السَّنابلِ المُحترقةِ تَمْشِي إلى البَحْرِ في لَيْلِ الانقلاباتِ العَسكريةِ / وَكُحْلُ النِّساءِ يَتساقطُ على أبراجِ المُرَاقَبَةِ في المُعْتَقَلاتِ /

     قُتِلَ النَّهْرُ في ظُروفٍ غامضةٍ / والذِّكرياتُ تَطْعَنُ الفَراشةَ في الظَّهْرِ / والبَعُوضةُ تَنتظرُ نُمُوَّ ثَدْيَيْها / كَي تُتاجرَ بِهما في مَمالكِ المَلاريا / والمِقْصَلةُ هِيَ الأُنثى الوَحيدةُ التي تَتَزَيَّنُ لِي في لَيْلِ الشِّتاءِ الطويلِ / وَشَظَايا رِئتي هِيَ أعشاشُ الطيورِ الجارحةِ في مَساءِ الأحزانِ الجارحِ /

     بَرِيقُ أظافري يُنَظِّفُ الأوسمةَ العسكريةَ مِنَ الصَّدَأ/ بَيْنَ حُروبِ الوَهْمِ وَمُدُنِ الخِيانةِ / وأسعارُ الجَوَاري حَسَبَ سِعْرِ بِرميلِ النِّفْطِ / لَمْ يَعُدْ هُنَاكَ أكفان / وَضَعْنَا جَثامينَ الشُّهداءِ في أكياسِ الخُضَارِ البلاستيكيةِ / والعناكبُ تَبْني بُيُوتَها في فُرُوجِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / والطحالبُ تُزَيِّنُ خُدُودَ الرَّاهباتِ في غُرفةِ الاعترافِ الزُّجاجيةِ/ والزَّوابعُ تَحْفَظُ جَدْوَلَ الضَّرْبِ كَي تَحْسُبَ أعدادَ الضَّحايا في المُدُنِ المَذعُورَةِ / نَحْنُ الأبناءُ القَتلى/ نَعيشُ مَوْتَنَا كَي نُصَحِّحَ أخطاءَ آبائِنا القاتلةَ / والبَعُوضُ في مَمالكِ المَلاريا يَدْرُسُ الرِّياضياتِ / كَي يَبْنِيَ نَشِيدَ السَّرابِ حَجَرًا حَجَرًا / بَيْنَ أرقامِ الضَّحايا الرُّومانسِيِّينَ وأرقامِ الزَّنازينِ الانفراديةِ / كَيْفَ أهْرُبُ مِن جِلْدي ؟ / وُلِدْتُ في هَذِهِ المَقبرةِ / وَمُتُّ في هَذِهِ المَقبرةِ/ لا مُسْتَقْبَلَ للغريبِ سِوى الذِّكرياتِ / ولا مُسْتَقْبَلَ للطحالبِ سِوى المُسْتَنْقَعَاتِ /

     حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُها الذُّبابةُ/ كَيْفَ تَهْرُبِينَ مِن أوسمةِ الجنودِ المهزومين ؟ / كَيْفَ تُهَرِّبِينَ أثاثَ البَيْتِ المهجورِ في تَوابيتِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى؟/ وَيَظَلُّ مِلْحُ الدُّموعِ عَلى مَساميرِ النُّعوشِ/ 

     يا مَوْجَ البَحْرِ / عِش احتضارَكَ في السَّرابِ / كَي تَرَى الرِّمالَ الزَّرْقَاءَ في شَرايينِ الفُقَراءِ / وَتَرَى الصَّحراءَ في قَلْبي / قَلْبي الذي دَفَنْتُ فِيهِ أُمِّي / وَتَظَلُّ الصَّحراءُ شَاهِدَةً عَلى اغتيالي .

24‏/02‏/2024

حطام القلوب وحطام السفن

 

حطام القلوب وحطام السفن

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     أُمِّي تُنَظِّفُ صَدَأَ مَسَامِيرَ نَعْشِي بِمِلْحِ دُمُوعِهَا في لَيَالي الخريفِ / وَرُعْيَانُ الغَنَمِ يَدْرُسُونَ الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ البَدَوِيَّةَ في مَحكمةِ أَمْنِ الدَّولةِ / بَعْدَ ضَياعِ الدَّولةِ وانقراضِ القَبائلِ / كُلُّ الأعلامِ مُنَكَّسَةٌ / فَتَعَالَي يَا أُمِّي كَي نَبْحَثَ عَن رَقْمِ جُثةِ أبي بَيْنَ الأرقامِ /

     تَقَاعَدَ حَفَّارُ القُبورِ في بَرَاري الأُغْنِيَاتِ وَالحِكَايَاتِ / فَتَعَالَوْا نُهَنِّئ القَتْلَى والقَتِيلاتِ / أكَلَت القِطَطُ الضَّالَّةُ جُثماني في طَريقِ السَّرابِ / لأنَّ الحُزْنَ نَسِيَ أن يَدْفِنَنِي في خُدودِ أُمِّي / تَتَسَاقَطُ أشِعَّةُ القَمَرِ عَلى خُدودِ الشَّركسياتِ / كَمَا يَتَسَاقَطُ وَمِيضُ البَرْقِ عَلى رُخَامِ ضَرِيحي /

     أُغْلِقَ السِّيركُ بالشَّمْعِ الأحمرِ / وَمَشَى المُهَرِّجُ تَحْتَ المطَرِ حَزِينًا / سَيَبْكِي المُهَرِّجُ أمامَ مِرْآتِهِ في لَيْلِ العَوَاصِفِ وَحِيدًا / ذَاهِبٌ أنا لِتَبْلِيطِ البَحْرِ / كَي أَدْفِنَ قَلْبي فِيهِ / وأزرعَ النَّعناعَ في شَوَاهِدِ القُبورِ / والسَّرابُ التقمَ ثَدْيَ الصَّحراءِ / وَمَاتا مَعًا في تاريخِ الشُّموسِ المكسورةِ /

     ماتت السَّنابلُ في رِئَتي / فلماذا يَحْرُثُ المَطَرُ جَسَدي كَحُقُولِ الرَّصَاصِ الحَيِّ ؟ / أعلامُ القَبائلِ مُنَكَّسَةٌ بَيْنَ رَغْوَةِ دَمِ الحَيْضِ وقَهْوَةِ العُشَّاقِ الباردةِ / السَّبايا مَصْلُوباتٌ على أجسادِ المُلوكِ/ والرِّياحُ تُوَزِّعُ الأوسمةَ العَسكريةَ على الجنودِ الهاربينَ مِنَ المعاركِ / كَمَا تُوَزِّعُ الزَّوجاتُ الخائناتُ البطاطا في مَطاعمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / وماتت الذِّئبةُ المَجروحةُ عاطفيًّا / وَبَقِيَ جُثْمَانُهَا في ثَلَّاجَةِ المَطْبَخِ / وأشلاءُ اليَتَامَى تتساقطُ في صُحونِ المطبخِ كالمطرِ الحامضِ /

     كالطِّفْلِ الذي عَرَفَ أنَّ أُمَّهُ تَخُونُ أبَاهُ / كانَ تاريخُ البَحَّارةِ الغَرْقى / بَيْنَ فِئرانِ السَّفينةِ وَفِئرانِ التَّجَارُبِ / أنا الفأرُ الذي رَفَضَ الهُروبَ مِنَ السَّفينةِ الغارقةِ / نَحْنُ اليتامى في طُرُقَاتِ النِّسيانِ / قَضَيْنا حَيَاتَنَا في تصحيحِ أخطاءِ آبائِنا / كُلَّمَا نَظَرْتُ في مَرايا الخريفِ رَأيْتُ جَسَدي عَلى فِرَاشِ المَوْتِ في المساءِ البَعيدِ / أيُّهَا الأمْوَاتُ في مَملكةِ الوَهْمِ / لا تَلْعَبُوا بأعصابِ حَفَّارِ القُبورِ/

     امرأةٌ تَرْمِي صَدْرَهَا كَقِطْعَةِ الجُبْنِ لإيقاعِ الفأرِ في المِصْيَدةِ / وأنا الرُّبَّانُ التائهُ بَيْنَ حُطَامِ قلبي وَحُطَامِ سَفينتي/ تَسْتَحِمُّ المَلِكَاتُ بالمُبِيداتِ الحَشَريةِ / وَتَسْتَحِمُّ جَوَاري القَصْرِ المَهْدُومِ بالسَّائلِ المَنَوِيِّ / وَجَاءَ مَوْعِدُ الحَصَادِ أيَّتُهَا السَّنابلُ الضَّوئيةُ / وأنا الضَّائعُ في أوعيتي الدَّمويةِ / أبكي عَلى مَقْتَلِ البُحَيرةِ في المساءِ الغامضِ/ والبَحْرُ يَرْثِي البُحَيرةَ وَيَرِثُهَا/وَجَسَدُ البُحَيرةِ كالغِربالِ مِن أثَرِ الرَّصاصِ/كُلُّنا سَبَايا/ لَكِنَّ سُوقَ النِّخَاسَةِ مُغلَقٌ بالشَّمْعِ الأحمرِ / والعاشِقُونَ يَأكلونَ جُثَثَ الضَّحايا عَلى العَشَاءِ بِلا ضَوْءٍ ولا شُمُوعٍ / مَاذَا اسْتَفَادَتْ فِئْرَانُ التَّجَارُبِ مِن دُسْتُورِ الدَّوْلَةِ القَذِرَةِ ؟ .

23‏/02‏/2024

الحنين إلى القتلى في المدن الميتة

 

الحنين إلى القتلى في المدن الميتة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

....................

     يَا قَاتِلَتِي المُتَوَحِّشَةَ في عِظَامِي المُفَتَّتَةِ / المُوحِشَةَ في أشلائي الوَهَّاجَةِ / كُوني رَحيمةً / وَأطْلِقِي رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى الذِّكرياتِ التي لا تَرْحَمُ/ وَكُونِي كَالمِلْحِ سَاكِنَةً في دَمْعِي وَبَحْرِي وَخُبْزِي/ سَيَعُودُ الطِّفْلُ الغريبُ إلى حِضْنِ أُمِّهِ / وَتَعُودُ الجَارِيَةُ إلى سَرِيرِ سَيِّدِهَا /

     سَامِحْني يا سَجَّاني / مُتُّ عَارِيًا / لأنَّ الجَرَادَ أكَلَ قُماشَ أكفاني / سَامِحِيني يا زِنزَانتي /  بَقِيَتْ جُثتي في الشَّارعِ / لأنَّ حَفَّارَ القُبورِ ذَهَبَ لاستلامِ رَاتِبِهِ الشَّهْرِيِّ / ذَهَبَت الرَّاهباتُ إلى الانتحارِ / وَبَقِيَتْ حُبُوبُ مَنْعِ الحَمْلِ في مَزْهَرِيَّاتِ غُرفةِ الاعترافِ / وَالحَمَامُ الزَّاجِلُ نَسِيَ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ بَيْنَ بَلاطِ المَطْبَخِ وَبَوَّابَةِ المَسْلَخِ/

     أنا النَّخَّاسُ العَاطِلُ عَنِ العَمَلِ / لأنَّ سُوقَ النِّخَاسَةِ مُغلَقٌ بالشَّمْعِ الأحمرِ / والأيتامُ يَدْرُسُونَ تاريخَ العَبِيدِ والسَّبايا / مِن رَعْيِ الغَنَمِ حَتَّى بَيْعِ فِلِسْطِين / والنَّوَارِسُ تُبَلِّطُ البَحْرَ بأوسمةِ الجُنودِ المَهزومين / فَادْعَم المَلاهِي الليلِيَّةَ لِحِمَايَةِ الوَحْدَةِ الوَطنيةِ /

     أيُّهَا الأمواتُ / لا تَجْرَحُوا مَشَاعِرَ حَفَّارِ القُبورِ/ كُلُّنَا رَاحِلُون/ انتهَتْ ذِكْرَيَاتُ المساءِ البَعِيدِ / وانكَسَرَتْ أحلامُ الطفولةِ بَيْنَ سَنابلِ المَوْتِ وَزَنابقِ الاحتضارِ / وَالبَحَّارَةُ يُوَدِّعُونَ الرُّبَّانَ قَبْلَ غَرَقِ السَّفينةِ / وَفِئرانُ السَّفينةِ سَتَأكُلُ جُثمانَ الرُّبَّانِ تَحْتَ ظِلالِ الشَّفَقِ / وَالخَنْجَرُ المَسمومُ بَيْنَ الرِّئَتَيْن / والبَدْوُ الرُّحَّلُ يُنَقِّبُونَ عَن النِّفْطِ في فُرُوجِ نِسَاءِ القَبَائِلِ /

     لا تَخُنْ أشلائي أيُّهَا المَوْجُ الوَرْدِيُّ / نَحْنُ صَدِيقَانِ مُنذُ وِلادةِ السَّرابِ في الصَّحراءِ / افْتَرَقْنَا في طُرُقَاتِ البَحْرِ الحزينةِ / وَالْتَقَيْنَا عَلى خَشَبَةِ الإعدامِ / هَاجَرَت العَصافيرُ مِن نَهْرِ الرُّفاتِ إلى شَظايا رِئتي / كَي تُحْرِقَ أجْنِحَتَهَا بَيْنَ شَهيقي وَزَفيري / وَتَمُوتَ في قلبي المكسورِ وَحِيدَةً /

     في مَملكةِ الطاعونِ/تأكلُ العَناكبُ الذهبيةُ أوعيتي الدمويةَ/أُصِيبَ المايسترو بالشَّلَلِ/ وَسَقَطَتْ عَصَاهُ عَلى خَشَبَةِ المَسْرَحِ أوْ خَشَبَةِ الإعدامِ/أنا مُؤرِّخُ الحُبِّ الضَّائعِ/عِشْتُ مَمَاتي في حَيَاتي/ وَدَفَنْتُ جُثمانَ أبي في الغُيومِ الحمراءِ / وَعُدْتُ إلى مَوْتي كَي أبْحَثَ عَن أحلامِ الطفولةِ البَعيدةِ /

     كِعُلَبِ السَّرْدِينِ تُبَاعُ العَوَانِسُ في مَسْرَحِ العَرَائِسِ/ مَاتَ الرَّاعِي مَسْمُومًا / وَالعَاصِفَةُ القِرْمِزِيَّةُ كَسَرَتْ مِزْمَارَهُ الحَجَرِيَّ / وَالقَطِيعُ يَسِيرُ إلى حَافَةِ الجَبَلِ/ فاترُكْني يا بَرِيقَ المَطَرِ/ أَطْلِقْ سَرَاحي يَا مَسَاءَ الأحزانِ/ كَي أركُضَ وَراءَ وَمِيضِ البَرْقِ البَعِيدِ في نَزِيفِ المَاضِي / الذي يَتَشَظَّى بَيْنَ ضَوْءِ الجِنَازَةِ العَسكريةِ ورَاياتِ القَبائلِ المَكسورةِ .

22‏/02‏/2024

النشيد الوطني لبساطير العسكر

 

النشيد الوطني لبساطير العسكر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     ذَهَبَت النِّساءُ إلى الاغتصابِ في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ/ وَبَقِيَتْ جُثَثُ الأطفالِ عَلى أراجيحِ حَديقةِ المَوْتِ / تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الحَجَرِيَّةِ/ وابْنَةُ حَفَّارِ القُبورِ نَسِيَتْ مَلاقِطَ الحواجِبِ تَحْتَ أشجار المقبرةِ / فَيَا أيُّها الغريبُ/ الْتَقِطْ لِي صُورةً تَذكاريةً بِجَانِبِ جُثتي الأثريةِ في مَتاحفِ الوَهْمِ/

     أشِعَّةُ القَمَرِ تَحْرُثُ جِلْدِي / كَمَا تَحْرُثُ تَوابيتُ العُشَّاقِ قَاعَ المُسْتَنْقَعِ/ يَنتهي تَاريخُ الجَرَادِ في مُدُنِ السَّرابِ / وَحَقائبُ المَلِكَاتِ مَصنوعةٌ مِن جُلودِ العَبيدِ/ وَحِبَالُ المشانقِ مَجْدُولةٌ مِن شَعْرِ السَّبايا / فَابْحَثْ أيُّهَا المَوْجُ القِرْمِزِيُّ عَن فَرَاشَةٍ تَبْكي عَلَيْكَ بَعْدَ مَوْتِكَ / وَتَنْشُرُ ثِيَابَ الحِدَادِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / الذي يَفْصِلُ بَيْنَ أشلاءِ الأيتامِ وَفُوَّهَاتِ المَدَافِعِ / قَصَفَت الطائراتُ حَبْلَ الغسيلِ / واختفى عِطْرُ الزَّوابعِ مِن مَناديلِ الوَدَاعِ / وَسَقَطَ كُحْلُ الغَزَالاتِ في المُسْتَنْقَعَاتِ /

     شَظَايا جَماجمِ العُشَّاقِ تَغرَقُ في الشَّايِ الأخضرِ المَتْرُوكِ للحَشَرَاتِ والذِّكرياتِ / وَالرِّيحُ تُلْقِي رُفَاتَ الجُنودِ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ/ والأوسمةُ العَسكريةُ في حَاوياتِ القُمامةِ / والصَّدَأُ أكَلَ مَساميرَ نَعْشي وأوسمتي العسكريةَ / التي مَنَحَنِي إيَّاها البَعُوضُ / بَعْدَ هُرُوبي مِن مَعركةِ العِشْقِ/

     أُجَدِّدُ شَبابي في المَقَابرِ الجَمَاعِيَّةِ / وأعِيشُ مُرَاهَقَتِي المُتَأخِّرَةَ في الزَّنازينِ الانفرادِيَّةِ / لا نِسَاءٌ يَتَشَمَّسْنَ في ثُقُوبِ جِلْدي / ولا نافذةٌ لِزِنزانتي تُطِلُّ عَلى البَحْرِ / أُطَارِدُ أحلامَ الطفولةِ الضَّائعةَ بَيْنَ الأكفانِ المُضيئةِ وَطُيورِ البَحْرِ البَاكِيَةِ/والقَنَّاصُ الأعمى يَقِفُ بَيْنَ بُرْجِ الكَنيسةِ وَبُرْجِ الحَمَامِ/ وَيُطْلِقُ الرَّصَاصَ عَلى نُهُودِ النِّسَاءِ وَقِطَطِ الشَّوارعِ / أضاعَ الحَمَامُ الزَّاجِلُ رَسَائِلَ العُشَّاقِ بَيْنَ طَعْمِ التُّفَّاحِ وَرَائِحَةِ الرِّمَاحِ / وانكَسَرَتْ أُنوثةُ السَّنابلِ في طَيْفِ الغُروبِ / نَحْنُ خَاسِرُونَ في المَعاركِ/ لَكِنَّنَا نَبْني أقواسَ النَّصْرِ عَلى أجسادِ الفُقَرَاءِ/ والأراملُ يَنْثُرْنَ أكاليلَ الغَارِ عَلى جَثامينِ الجُنودِ/ الذينَ هَرَبُوا مِنَ المَعاركِ / كَي يُجَامِعُوا زَوْجَاتِهِم عَلى خَشَبَةِ المَسْرَحِ /

     عِندَما تُصَابُ أشجارُ المقابرِ بِسَرَطَانِ الثَّدْيِ/تَرْكُضُ ابنةُ حَفَّارِ القُبورِ إلى ضَرِيحِهَا في الغُروبِ/ وَتَسْبَحُ خُدُودُ النَّوَارِسِ في الغُيومِ الحمراءِ / سَتَنْتَهِي الحَرْبُ يا حَفَّارَ قَبْري / لكنَّ الجنودَ القَتلى لَن يَعُودُوا إلى أُمَّهَاتِهِم/ وَلَن تَعُودَ الأراملُ الشَّابَّاتُ إلى ذِكْرَيَاتِهِم/ سَتَنْمُو الجَوَّافَةُ في فُوَّهَاتِ المَدَافِعِ/ وَتَتساقطُ أوراقُ الخريفِ عَلى المُسَدَّسَاتِ المَطْلِيَّةِ بأحْزَانِ الطُّفولةِ / اكتشفَ البَدْوُ الرُّحَّلُ آبارَ النِّفْطِ بَيْنَ أفخاذِ النِّسَاءِ / وَدَمُ الحَيْضِ للرَّاهباتِ عَلى الثلجِ الأزرقِ الذي يُغَطِّي أجراسَ الكَنائسِ / والصَّليبُ بَيْنَ نَهْدَي الذِّئبةِ هُوَ أرشيفُ الاحتضاراتِ في المَسَاءِ الزَّهْرِيِّ .

21‏/02‏/2024

ملح البحر وملح الدموع

 

ملح البحر وملح الدموع

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     عِندَما غَابتْ وُجُوهُ الشَّركسياتِ في الغَيْمِ الوَرْدِيِّ / عِندَ غُرُوبِ الشَّمْسِ في البَحْرِ البَعِيدِ / غَابَ القَمَرُ في قَلْبي المكسورِ / وانطفأتُ مِثْلَ الشُّموعِ في شَهَادَةِ وَفَاتي / أنا السَّجينُ في زِنزانةِ الذِّكرياتِ المفتوحةِ أمامَ البَحْرِ/ المُغلَقَةِ أمامَ قَلْبي/وَعِندَما أنطِقُ اسْمَكِ يا سَجَّانتي/ تَنتشِرُ رَائحةُ اليَاسَمِينِ في ثِيَابي / وَأُوَقِّعُ عَلى حُكْمِ إعدامي / لا حِبْرٌ للوَصِيَّةِ / ولا قِنَاعٌ للضَّحِيَّةِ /

     مِلْحُ دُمُوعي هُوَ حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ صَوْتِ المَطَرِ الأُرْجُوَانِيِّ والجُثَثِ المتروكةِ في الشَّوارعِ / بَكَيْتُ على صَدْرِ الرِّياحِ تَحْتَ المَطَرِ/ قلبي لا يَزَالُ مُعَلَّقًا بأغصانِ الذِّكرياتِ/ والمُقَاتِلُونَ المُرْتَزِقَةُ قَتَلَهُمُ النِّسْيَانُ / ولا يَزَالُونَ في ثَلَّاجَاتِ المَوْتَى / وأعلامُ القَبائلِ المُنَكَّسَةُ بَيْنَ أفْخَاذِ النِّسَاءِ /

     عِشْتُ كَي أرى الحَضَارةَ تَنْكَسِرُ في خِيَامِ اللاجئين/ كَمَا تَنْكَسِرُ قِطَّعَةُ السُّكَّرِ في قَهْوَةِ العُشَّاقِ الباردةِ / التي تَرَكُوها على طَاولاتِ المَطاعمِ المُوحِشَةِ / وَذَهَبُوا إلى بَرِيقِ الاحتضارِ في غَاباتِ الخريفِ/ وَقْعُ أقدامِ النَّخَّاسِينَ عَلى نُهُودِ السَّبايا المقطوعةِ / كالحِبْرِ في دُستورِ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / والجُثَثُ المُتَفَحِّمَةُ ذَاتُ الأسنانِ الذهبيةِ / هِيَ لَوْحَاتٌ في مَتَاحِفِ التَّطْهِيرِ العِرْقِيِّ /

     أيْنَ سَتُدْفَنُ أيُّها الغريبُ في لَيْلِ الرُّعُودِ ؟/ قَلْبُ أُمِّكَ صَارَ قَبْرًا لِطُيورِ البَحْرِ/ والزَّوابعُ لا تَزالُ تَبْحَثُ عَن جُثمانِ أبِيكَ / وأشجارُ المقبرةِ مَاتتْ بَعْدَ جُرعةٍ زَائدةٍ مِنَ الذِّكرياتِ /

     هَل يَقْدِرُ الصَّليبُ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أن يَحْرُسَكِ مِن سَرَطَانِ الثَّدْيِ ؟ / المساءُ غَامِضٌ كالجُثَثِ المجهولةِ / لا عَشَاءٌ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ القِرْمِزِيَّةِ / ولا شُمُوعٌ في غَابَةِ المَطَرِ الأُرْجُوَانِيِّ / ذَهَبَ العَاشِقُونَ إلى شُمُوعِ المَوْتِ / وَبَقِيَ مِلْحُ الدُّموعِ عَلى نَصْلِ المِقْصَلةِ / يَشْعُرُ النَّهْرُ الباكي بالفراغِ العاطفيِّ في طَرِيقِهِ إلى أضرحةِ الغُروبِ / وَتَرْكُضُ بَسَاتِينُ الكَرَزِ في هَيْكَلِي العَظْمِيِّ / والأرملةُ الشَّابَّةُ نَسِيَتْ مَلاقِطَ الغسيلِ عَلى سُورِ المقبرةِ / وَذَهَبَتْ إلى احتضاراتِ الشَّفَقِ /

     أنا نَوْرَسٌ غَامِضٌ / لَكِنَّ البَحْرَ يَطْعَنُنِي في الظَّهْرِ / أنا الطائرُ الذبيحُ أُضِيءُ الليلَ بأحزاني / لَكِنِّي مَصْلُوبٌ عَلى أعمدةِ الكَهْرَباءِ / أنا غُربةُ الفِضَّةِ في مُدُنِ الخِيانةِ الذهبيةِ / قَضَيْتُ حَيَاتي بَاحِثًا عَن جُثماني/ لَكِنِّي وَجَدْتُ جُثمانَ أبي عِندَ الحاجِزِ العَسكريِّ/الذي يَفْصِلُ بَيْنَ رَمْلِ الشَّاطِئِ ونَبَضَاتِ قَلْبي / والأطفالُ يَقْضُونَ العُطلةَ الصَّيفيةَ في انتشالِ جُثَثِ أُمَّهَاتِهِم مِن تَحْتِ الأنقاضِ /

     ثِقْ بالسَّرابِ يا دَمِي المُعَلَّبَ كالسَّرْدِين / إنَّ الصَّحراءَ أُمُّنَا التي لا تَخُونُ / وَنَحْنُ نَخُونُ أشلاءَنا مَعَ رِمَالِ الكَهْرَمَانِ / ولا تَكْرَه البَحْرَ إذا أغْرَقَ أشلاءَنا / وُلِدْنا غَرْقى / وَنَمُوتُ غَرْقى .

20‏/02‏/2024

الموت الغامض لعازفة البيانو

 

الموت الغامض لعازفة البيانو

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     مَاتَتْ عَازِفَةُ البيانو تَحْتَ المَطَرِ في لَيْلَةٍ غَامِضَةٍ / قَتَلَهَا الوَهْمُ وَمَشَى في جِنَازَتِهَا / وَمِيضُ البَرْقِ يُطَهِّرُ أخشابَ تابُوتي مِنَ البَقِّ / والأوسمةُ العَسكريةُ مَصْبُوغةٌ بِحَليبِ بَنَاتِ آوَى/ أَحِنُّ إلى تِلْكَ الفَرَاشَةِ الغامضةِ التي تَزُورُني في قَلْبِ الليلِ / كَي تَغْتَالَ ذِكْرَياتي كالذُّبابِ / وَتُحَطِّمَ أحلامَ طُفولتي كَمَزْهَرِيَّاتِ بَيْتِنَا المهجورِ/ وَالأُغْنِيَاتُ الجميلةُ مَلِيئَةٌ بِمِلْحِ الدُّمُوعِ / مَا فَائِدَةُ أن تَدْهَنَ العَرُوسُ ثَدْيَيْهَا بالمُبِيداتِ الحَشَرِيَّةِ في مَدِينَةِ الاحْتِضَارِ ؟ / مَا فَائِدَةُ أن تَتَعَطَّرَ جُثَّةُ اللبُؤَةِ بِدَمْعِ الأسَدِ في غَابَةِ الاحْتِرَاقِ ؟/مَا فَائِدَةُ أن يَرُشَّ الرَّصَاصُ الحَيُّ السُّكَّرَ عَلى المَوْتِ في لَيْلِ الخَرِيفِ؟/

     نُسَجِّلُ وَصَايا التُّفاحِ عَلى عِظَامِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى/وَحَارِسُ ثَلاجَةِ المَوْتَى يُمَارِسُ الجِنْسَ مَعَ جُثةِ القَتيلةِ الغامضةِ / وَطُيُورُ البَحْرِ تَبْحَثُ عَن مَعنى البَحْرِ في المُسْتَنْقَعَاتِ الجَافَّةِ/ التي تَحْرُثُهَا أشِعَّةُ القَمَرِ/ وتَزْرَعُهَا بالألغامِ الأرضيةِ / وَنَحْنُ البَدْوُ الرُّحَّلُ / بِعْنَا أعلامَ القَبائلِ مِن أجْلِ بَراميلِ النِّفْطِ/ وَبَحَثْنا عَن المَعْنَى في عَالَمٍ يَنْتَحِرُ / وذَهَبَت النِّساءُ إلى الاحتضارِ / وَبَقِيَتْ ثِيَابُ الحِدَادِ وَقُمْصَانُ النَّوْمِ عَلى حِبَالِ الغسيلِ / فَوْقَ سُطُوحِ الوَدَاعِ التي تَقْصِفُهَا الطائراتُ والذِّكرياتُ /

     في المساءِ السَّحِيقِ/ يَكُونُ لِجُثماني رَائِحَةُ البُرتقالِ / وَيَكُونُ لِجِلْدِي طَعْمُ الكَرَزِ / يَسِيلُ كُحْلُ البناتِ الموؤداتِ عَلى أزرارِ قَمِيصِ حَفَّارِ القُبورِ / وَقَمِيصي لَيْسَ قَمِيصَ عُثمان / فلماذا تُتَاجِرُ القَبَائِلُ بأشلائي وَدَمِي تَفَرَّقَ بَيْنَ القَبَائِلِ ؟/ أنا ونَهْرُ التَّوَابيتِ شَقِيقَان / رَضِعْنَا مِن ثَدْيِ العَاصِفَةِ / لَكِنَّ مِقْصَلتي بِطَعْمِ الجَوَّافَةِ / ومِقْصَلَتَهُ بِطَعْمِ الذِّكرياتِ / وافْتَرَقْنَا في مَرْفَأ الأوهامِ الذهبيةِ /

     يَحْرُثُ الفُقَرَاءُ أثداءَ المَلِكَاتِ في مَوْسِمِ الانقلاباتِ العَسكريةِ / الأعلامُ مُنَكَّسَةٌ / وَمُلُوكُ الطوائفِ يَكْتُبُونَ دُستورَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ بِدِمَاءِ الضَّحايا المَنْسِيِّين / ذَابَتْ أسماءُ السُّجَنَاءِ في حَديدِ النَّوافذِ التي تُطِلُّ عَلى بَحْرِ الرُّفاتِ / والسُّجَنَاءُ يَحْمِلُونَ أرقامَ الزَّنَازين / إنَّ الأرقامَ هِيَ الأسماءُ /

     يُحَدِّدُ البَدْوُ الرُّحَّلُ أسعارَ العَرائسِ حَسَبَ سِعْرِ بِرْمِيلِ النِّفْطِ / وَالرِّيحُ تَنحِتُ اسْمِي عَلى شَاهِدِ القَبْرِ في المساءِ الماطِرِ / حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُها المقتولةُ بِدَمْعِ عَاشِقِكِ / المَوْلُودَةُ في ذَاكِرَةِ الشَّفَقِ / إنَّ دَمِي الأخْضَرَ يَسِيلُ في طُرُقَاتِ المُدُنِ الخائنةِ / وَيَحْمِي بَوَّابَةَ المقبرةِ الغامضةِ مِنَ الصَّدَأ / تَنْثُرُ العَوَاصِفُ شَظايا جُمْجُمتي عَلى أرصفةِ القُمامةِ في مُدُنِ الكُوليرا /

     قَتِيلٌ أنتَ في مَملكةِ السَّرَابِ الكِلْسِيَّةِ / مَوْلُودٌ أنتَ في قَلْبِ امرأةٍ غامضةٍ / وَبَسَاتِينُ الكَرَزِ صَارَتْ مَقَابِرَ جَمَاعِيَّةً للجُثَثِ المَجهولةِ / التي تَحْمِلُ أرقامًا كأرقامِ الزَّنازينِ الانفرادِيَّةِ .

19‏/02‏/2024

سمفونية الشتاء البعيد

 

سمفونية الشتاء البعيد

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     الزَّوابعُ تَبْحَثُ عَن جُثمانِ المايسترو المَشلولِ تَحْتَ الأنقاضِ / والدِّيدانُ تأكلُ عَصَاهُ التي سَقَطَتْ عَلى خَشَبَةِ المَسْرَحِ أوْ خَشَبَةِ الإعدامِ / لا فَرْقَ بَيْنَ مَقبرةٍ زُجَاجِيَّةٍ وَمَقبرةٍ كريستاليةٍ / لأنَّ ضَوْءَ القَمَرِ يُحَطِّمُ شَوَاهِدَ القُبورِ في الليلِ الرَّهيبِ / حِبَالُ المشانقِ مِن ضَفائرِ أُمَّهَاتِنا القَتيلاتِ في مُدُنِ السَّرابِ / سَأمُوتُ مِثْلَ عُثمانَ مَخْذُولًا وَعَطْشَان / لَكِنَّ النَّدى يَتَجَمَّعُ في الصَّباحِ عَلى شَاهِدِ قَبْري/ والأمطارُ تَسْقِي في المساءِ حَشَائِشَ المقبرةِ/ آثَارُ أقدامِ البَحْرِ عَلى جُلُودِ الأيتامِ / الذينَ بَنَوا القُصورَ الرَّمليةَ / ثُمَّ ذَهَبُوا إلى الشَّفَقِ البَعيدِ / وَلَمْ يَعُودُوا /

     البُحَيْرَةُ تبكي عَلى قَبْرِ البَحْرِ / وَالسَّرَابُ هُوَ الأمَلُ الأخيرُ في حَيَاةِ الصَّحراءِ / تَقَاعَدَ حَارِسُ المَقبرةِ / فَتَعَالَوْا نَمْدَح المَوْتَى / الفَراشةُ المشلولةُ عَاطِلَةٌ عَنِ العَمَلِ / وأنا أعْمَلُ دَلِيلًا سِيَاحِيًّا في المَقابرِ الجَمَاعِيَّةِ / المُسْتَقْبَلُ السِّيَاسِيُّ للبَعُوضِ هُوَ دُسْتُورُ المُسْتَنْقَعَاتِ / لا مُسْتَقْبَلَ للمُسْتَقْبَلِ إلا عَرْشُ المَاضِي / الأوسمةُ العسكريةُ في حَاوياتِ القُمامةِ / وَجُثَثُ الجُنودِ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / وَقُمْصَانُ النَّوْمِ لأراملِ الجُنودِ في مَتَاحِفِ التَّطْهِيرِ العِرْقِيِّ / وَتَنْتَشِرُ أشلائي في أزِقَّةِ الجِرذان / كَمَا يَنْتَشِرُ مِلْحُ الدُّموعِ في كَلِمَاتِ الأغاني / والقَتْلَى في الشَّوَارعِ / والجَرْحَى يَنتظرونَ دَوْرَهُم / نَسِيَ المساءُ أسماءَ الضَّحايا / وصَارَتْ أرقامُ الضَّحايا دُسْتُورًا للوَحْدةِ الوَطنيةِ /

     عِندَما تَضِلُّ الطريقَ أيُّها النَّهْرُ / اتْبَعْ سُعَالَ أبِيكَ في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ / وارْكُضْ وَرَاءَ جَدَائِلِ أُمِّكَ في المَقابرِ الجَمَاعِيَّةِ/الخَنْجَرُ المَسمومُ بَيْنَ الرِّئَتَيْن/والرُّمْحُ الذهبيُّ في أمْعَاءِ الزَّوْبَعَةِ / لَكِنِّي أركضُ إلى البَحْرِ في الفَجْرِ الكَاذِبِ/ المطرُ يَزرعُ شَظايا قَلبي في شَواهدِ القُبورِ عِندَ الغُروبِ/

     مِلْحُ دُمُوعي هُدْنةٌ بَيْنَ صَوْتِ المَطَرِ وَصَوْتِ الرَّصاصِ / وَقُطَّاعُ الطُّرُقِ يَكْتُبُونَ دُستورَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / وجُيوشُ البَدْوِ الرُّحَّلِ سَتُحَرِّرُ فِلِسْطِينَ في عِيدِ النِّفْطِ/وأعلامُ القَبائلِ المُنَكَّسَةُ مُزَيَّنَةٌ بِمَسَامِيرِ العُرُوشِ الضَّائِعَةِ/ وَمَنْسِيَّةٌ بَيْنَ صُحُونِ المَطْبَخِ وثَلاجةِ الجُثَثِ/

     عِندَما يَكْتُبُ حَفَّارُ القُبورِ دُسْتُورَ الاحتضارِ / تُصْبِحُ عِظَامي هِيَ قَانونَ المقابرِ / عِندَما يَتساقطُ كُحْلُ أشجارِ المقابرِ / يُصْبِحُ رُفَاتي كُحْلًا لِطُيُورِ البَحْرِ/ عِندَما تَمُوتُ الدَّولةِ بَيْنَ أجسادِ الفُقَرَاءِ / تُصْبِحُ أشلائي هِيَ مَحْكَمَةَ أمْنِ الدَّوْلَةِ / عِندَما يَبِيعُ الأيتامُ العِلْكَةَ على إشاراتِ المُرُورِ / تُصْبِحُ كُرَيَاتُ دَمِي رَقِيقًا أبيضَ في السُّوقِ السَّوْدَاءِ / عِندَما يَهْرُبُ أُمَرَاءُ الحُرُوبِ مِنَ الحُرُوبِ / تُصْبِحُ مَسَامِيرُ نَعْشِي هُدْنَةً بَيْنَ القَاتلِ والقَتيلِ .

18‏/02‏/2024

رعشة الحب الأول في الوطن المقتول

 

رعشة الحب الأول في الوطن المقتول

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     الإعْصَارُ يَجْمَعُ شَظَايَا قَلْبي/ بَيْنَ رِعْشَةِ الحُبِّ الأوَّلِ وأنينِ الرَّصاصةِ الأُولَى / لَيْتَني الْتَقَيْتُ بالشَّركسياتِ في الأندَلُسِ / كانتْ أوردتي أعشاشًا للعَصافيرِ المُلَوَّنَةِ كَحِبَالِ المشانقِ / وكانتْ أظافري أرقامًا لِشَظايا قَلبي المكسورِ / وأرشيفًا للانقلاباتِ العَسكريةِ في مَمالكِ السَّرابِ /

     وَحِيدٌ أنا / لا امرأةٌ تَبْكِي عَلَيَّ بَعْدَ اغتيالي الرُّومانسِيِّ / وَلا عُشْبَةٌ تَنْمُو عِندَ شَاهِدِ قَبْري المَطموسِ / صَوْتُ أُمِّي مِثْلُ صَفِيرِ القِطَاراتِ المكسورِ / بَيْنَ مَدينةِ الخَدِيعةِ وَلَيْلِ الشِّتاءِ /

     لماذا أركضُ وَراءَ السَّرابِ؟/ أملاحُ دَمْعي هِيَ الصَّحراءُ/ وَكُرَيَاتُ دَمِي هِيَ الرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ/ كَيْفَ أهْرُبُ مِن مِشْنَقتي وجَسَدي هُوَ مِشْنَقتي ؟ / النَّهْرُ يَبكي فَوْقَ أنقاضِ مَنْزِلِهِ عَلى أطفالِهِ الذينَ دُفِنُوا تَحْتَهُ / كَيْفَ أَفِرُّ مِن نِهَايتي وأنا أحْمِلُ بِذرَةَ نِهَايتي في قَلْبي ؟ /

     دَخَلَت الفَراشةُ في المَدَارِ كَي تَحْتَرِقَ وَحِيدَةً / بِلا عُشَّاقٍ ولا شُمُوعٍ / فَاكْتُبْ قَصائدَ الرِّثاءِ   يا حُزْنَ اليَاسَمِينِ في طَرِيقِ الرُّفَاتِ / صَوْتُ المَطَرِ مَخْلُوطٌ بِرَائحةِ البارُودِ / ومَاتت الأجسادُ /  وَبَقِيَ أرشيفُ الرَّصَاصِ الحَيِّ / نَسِيَتْ طُيورُ البَحْرِ ضَوْءَ المَنَارَةِ / ونَسِيَ السَّجِينُ أن يَمْدَحَ سَجَّانَهُ في الطريقِ إلى خَشَبَةِ الإعدامِ / وأعلامُ القَبائلِ المُنْقَرِضَةِ مُلَوَّنةٌ بِنَفْطِ الصَّحْرَاءِ وحَلِيبِ الإمَاءِ /

     حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُها الأرملةُ الشَّابَّةُ / والجُنودُ هَرَبُوا مِن مَعركةِ السَّرَابِ إلى سَرَابِ المعركةِ / تَقَاعَدَ حَفَّارُ القُبُورِ / واستلمَ مُكافأةَ نِهايةِ الخِدمةِ / فَتَعَالَوْا نُهَنِّئ الأمواتَ / ونُعَانِق أشجارَ المقبرةِ / أعيشُ وَحِيدًا / لأنني سَأمُوتُ وَحِيدًا / فَاعْشَقْ حُزْنَكَ يا نَهْرَ الرُّفَاتِ / وَارْكُضْ إلى أشِعَّةِ القَمَرِ/ وَكُن عَاشِقًا لِدَمِي الذي يَسِيلُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ/ لا دَوْلَةٌ وَرائي/ ولا رَايَةٌ أمَامِي/ كُلُّ الدُّوَلِ مُنْهَارَةٌ / وَكُلُّ الأعلامِ مُنَكَّسَةٌ / وانتهت اللعبةُ / وهَدَمَ الأطفالُ القُصورَ الرَّمليةَ / انكَسَرَتْ خُدُودُ البَحْرِ / وَحَانَ مَوْعِدُ الغَرَقِ / انكَسَرَتْ سَنَابِلُ الغُروبِ / وَحَانَ مَوْعِدُ الحَصَادِ /

     يا بُحَيْرَةَ الرَّمَادِ / اعْشَقِي الرِّمَالَ الفُسْفُورِيَّةَ / إنَّ الصَّحَرَاءَ هِيَ أُمُّنَا القَاسِيَةُ / أظافري تُضِيءُ مَمَرَّاتِ مَحَاكِمِ التَّفتيشِ أمامَ المحكومينِ بالإعدامِ / وَضَفَائِرُ البَنَاتِ تُنِيرُ كَلِمَاتِ الأغاني الوَطَنِيَّةِ أمامَ فِئرانِ التَّجَارُبِ/ وأشلائي صَابُونٌ لِتَنظيفِ بَلاطِ السُّجونِ/ وَمِلْحُ دُمُوعِي هُدْنةٌ بَيْنَ نافذةِ السِّجْنِ وَطُيُورِ البَحْرِ/نَسِيَ الإعصارُ نُهُودَ النِّسَاءِ عَلى أسلاكِ الكَهْرَبَاءِ في مُدُنِ الحَطَبِ المُنْطَفِئَةِ/ كَمَا نَسِيَ المَوْجُ ثِيَابَ الحِدَادِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ/ وَرَحَلَ الأغرابُ/ وَبَقِيَت الجُثَثُ المجهولةُ في بُستانِ الكَرَزِ .

17‏/02‏/2024

حاولي اصطيادي أيتها العانس

 

حاولي اصطيادي أيتها العانس

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     شَوَاهِدُ القُبُورِ عِندَ الغُروبِ الجَارِحِ/ لَهَا رَائِحَةُ التُّفاحِ الحزينِ / تتناثرُ حَبَّاتُ التُّفاحِ بَيْنَ مَساميرِ النُّعوشِ / كما تتناثرُ قَطَرَاتُ المطَرِ بَيْنَ جَثامينِ البَحَّارَةِ الغَرْقى / الفَجْرُ الكَاذِبُ يَدْفِنُ هَيْكَلي العَظْمِيَّ في قَاعِ المُسْتَنْقَعِ الذي يَحْرُثُهُ ضَوْءُ القَمَرِ / ومِلْحُ الدُّموعِ تاريخٌ لِقِيَامَةِ الطحالبِ مِن ثُقُوبِ جِلْدِي /

     جَاءَ سَرَطَانُ الثَّدْيِ كَصَفِيرِ القِطَارَاتِ / وَنَسِيَت النِّسَاءُ حَمَّالاتِ الصَّدْرِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَضَفَائِرُ البَنَاتِ مُعَلَّقَةٌ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / وَالصَّمْتُ البَارِدُ يَفْتَرِسُ مَمَرَّاتِ البُيُوتِ المهجورةِ /

     بَيْنَ قلبي ودِمَائي حَاجِزٌ عَسكريٌّ/ وَطُيُورُ البَحْرِ تُنْكِرُ وَجْهِي في الليلِ الكَهْرَمَانيِّ / أنا الغريقُ في السُّكَّرِ الذي يَرُشُّهُ المساءُ عَلى مَوْتي/ وَلَكِنْ لِي حِصَّةٌ مِن مِلْحِ البَحْرِ/ أُهَنِّئُ السَّرَابَ لأنَّهُ فازَ بِجُثةِ الصَّحراءِ / وأنا النَّسْرُ العَجُوزُ أتَغَذَّى عَلى جُثَثِ المَهزومينَ في حُرُوبِ الوَهْمِ المُقَدَّسَةِ /

     بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ / سَوْفَ يُضَاجِعُ العَبِيدُ الأمِيرَاتِ تَحْتَ المَطَرِ الرَّصَاصِيِّ / في أزِقَّةِ الفِئرانِ وَشَوَارِعِ القُمامةِ / الذاكرةُ انقَلَبَتْ عَلى الذِّكرياتِ / ونَسِيَ الإعصارُ جُثمانَ النَّهْرِ في غَابَةِ النَّخيلِ الباكي / وَالكَرَادِلَةُ وَضَعُوا الصُّلْبَانَ في فُرُوجِ الرَّاهِبَاتِ المُغتَصَبَاتِ في أدْيِرَةِ الصَّقيعِ /

     لا تَفْقِدِي الأملَ أيَّتُها البُحَيْرَةُ العَانِسُ/حَاوِلي اصطيادي في الوَطَنِ الضَّائِعِ / ماتت الدَّوْلَةُ / وَصَارَتْ مَحكمةُ أمْنِ الدَّوْلَةِ مَهجورةً / والأيتامُ يَلْعَبُونَ عَلى أطلالِهَا كُرَةَ القَدَمِ / كُوني الفَرِيسةَ والصَّيَّادَ / سَتَأكُلُ الجِرذانُ المُخْمَلِيَّةُ ثَدْيَيْكِ المَهْجُورَيْنِ كَسَرَطَانِ الثَّدْيِ / كُلُّ شَيْءٍ ضَاعَ في مَمالكِ الضَّيَاعِ / كُلُّ شَيْءٍ مَاتَ في مُدُنِ المَوْتِ /

     أيَّتُها الذِّئبةُ التي تَنمو الطحالبُ بَيْنَ نَهْدَيْهَا / كَيْفَ أنسى رَائحةَ الجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ في أرشيفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ ؟ / كَيْفَ أنسى رَائحةَ السَّجَّادِ المُزَرْكَشِ في مَمَرَّاتِ مَحاكمِ التَّفتيشِ ؟ / كَيْفَ أنْسَى رَائِحَةَ الرُّخَامِ المُلَوَّنِ في المَقَابِرِ الجَمَاعِيَّةِ ؟ /

     جاءَ الاحتضارُ في المساءِ الماطِرِ / وَبَقِيَ قَمِيصُ النَّوْمِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / فَمَا فَائِدَةُ العَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ ؟ / الأطفالُ الذينَ يَبِيعُونَ العِلْكَةَ عَلى إشاراتِ المُرُورِ رُومَانسِيُّون / لَكِنَّهُم يَمُوتون / وَشَجَرَةُ التُّفاحِ الوَحِيدَةُ التي زَرَعَهَا أبي/ مَاتتْ في قَلْبي مِثْلَ طَائِرٍ آلِيٍّ / وَحَبْلُ مِشْنقتي لَهُ طَعْمُ البُرتقالِ / وأنا الطُّعْمُ والصَّيادُ والفَرِيسَةُ / أتقدَّمُ إلى الاحْتِضَارِ بِلا طُفُولَةٍ ولا ذِكْرَياتٍ/ وَضَعَتْ أحزانُ الشِّتاءِ السُّمَّ في قَهْوَةِ حَفَّارِ القُبورِ / وَبَقِيَت الجُثَثُ عَلى الأرصفةِ القَذِرَةِ في مُدُنِ الوَهْمِ .

16‏/02‏/2024

انهيار الحضارة والبحث عن السبايا

 

انهيار الحضارة والبحث عن السبايا

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     هَرَبَ الجُنديُّ مِنَ المعركةِ / ونَسِيَ المُسَدَّسَ بَيْنَ ثَدْيَي أرْمَلَتِهِ / والأوسمةُ العسكريةُ تُزَيِّنُ فُرُوجَ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / يَا أيُّها النَّخَّاسُ الذي يَجْمَعُ حَمَّالاتِ الصَّدْرِ للجَوَارِي مِثْلَ طَوَابِعِ البَرِيدِ النَّادِرَةِ / إنَّ مِلْحَ الدُّموعِ تَنَاثَرَ في أزِقَّةِ المَرَافئِ المَهجورةِ /

     اعتزلَ حَفَّارُ القُبُورِ العَمَلَ السِّيَاسِيَّ / فَتَعَالَوْا نُهَنِّئ الأمواتَ / أركضُ في أزِقَّةِ المِيناءِ بَاحِثًا عَن أكْفَاني البلاستيكِيَّةِ / وَالحَمَامُ الزَّاجِلُ يَبِيضُ على أعلامِ القَراصنةِ / وَرَسَائِلُ العُشَّاقِ غَرِقَتْ في البَحْرِ كأحزانِ البَحَّارَةِ الفُقَرَاءِ / وَفِئرانُ السَّفينةِ أكَلَتْ جُثمانَ الرُّبَّانِ /

     انكَسَرَتْ مَلامِحُ وُجُوهِنَا في أحزانِ الشِّتاءِ / وَمَاتتْ أسماؤُنا في أرشيفِ الضَّحايا ودُستورِ الوَحْدَةِ الوَطنيةِ / وصارت الأرقامُ هُوِيَّةً لأشلائِنا ونُعُوشِنَا / نَسِيَ نَهْرُ الرَّمادِ جَدْوَلَ الضَّرْبِ / فَكَيْفَ يَضَعُ الأرقامَ عَلى الجُثَثِ المجهولةِ ؟ /

     لماذا تَلعبُ بأعصابي أيُّها البَحْرُ ؟ / أعْطِني بُوصلةً كَي أعْرِفَ قَبْرَ أبي في رِمَالِ الشُّطآنِ / امْنَحْنِي ضَوْءَ المَنَارَةِ البَعِيدَ / كَي أتناولَ العَشَاءَ عَلى ضَوْءِ الشُّمُوعِ مَعَ جُثماني /

     أحِبِّيني أَو اكْرَهِيني/ إنَّ قَلْبي مات/ وحَوَاسِّي مُعَلَّقَةٌ عَلى حَبْلِ المِشْنَقَةِ/كَثِيَابِ الحِدَادِ المُعَلَّقَةِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / آثارُ أقدامِ الغُزاةِ على أثداءِ السَّبايا / ولا تاريخَ لأشجارِ المقبرةِ سِوى أسماءِ القَتْلَى وأرقامِ السُّجَناءِ/ لَن يَحْصُلَ الجُنودُ على أوسمةٍ بَعْدَ مَوْتِهِم/ لَن تُوضَعَ صُوَرُهُم عَلى حِيطانِ المَتَاحِفِ/لَن يَتَذَكَّرَ أسماءَهُم سِوَى أُمَّهَاتِهِم/كُلُّنَا مُرْتَزِقَةٌ في حَرْبِ السَّرابِ/بِلا رِمَالٍ ولا صَحراء/

     وَحْدِي في قَلْبِ الليلِ / لا شَيْءَ يُضِيءُ الغُبارَ على شَاهِدِ قَبْري سِوَى لَمَعَانِ أظَافِرِ قَاتِلَتِي / وَحَفَّارُ القُبورِ اكتشفَ مَعنى الحَضَارَةِ بَيْنَ القَرَاصِنَةِ وَقُطَّاعِ الطُّرُقِ / ذَهَبَتْ عَازِفَةُ البيانو إلى المَوْتِ تَحْتَ المطرِ / وَبَقِيَ طِلاءُ أظافِرِها عَلى البيانو / وَسَالَ عَرَقُهَا عَلى رَائِحَةِ أشجارِ الكَرَزِ في خَرِيفِ الإعدامِ / ذَهَبَت الغريباتُ إلى صَفِيرِ القِطَاراتِ البَعِيدِ / وَبَقِيَ دَمُ الحَيْضِ عَلى المَقَاعِدِ الخَشَبيةِ في مَحَطةِ القِطَاراتِ الباردةِ /

     أنا المنبوذُ الذي رَأى في مَرايا المَسَاءِ كُحْلَ الصَّبايا وَهُوَ يَنْهَمِرُ في أغمادِ السُّيوفِ / أنا الغريبُ الذي رَأى في مَزهرياتِ الوَدَاعِ دَمْعَ الفُقَرَاءِ وَهُوَ يَتَدَفَّقُ عَلى الخناجرِ المسمومةِ / أنا الجُنديُّ المجهولُ الذي رَأى في مَعركةِ الوَهْمِ الرَّصَاصَ الحَيَّ وَهُوَ يُمَزِّقُ أعلامَ القَبائلِ المُنَكَّسَةَ / أنا العَرِيسُ الذي رَأى في لَيْلَةِ الدُّخلةِ وُجُوهَ القَتلى وَهِيَ تَلْتَصِقُ عَلى زُجاجِ النافذةِ .

15‏/02‏/2024

شركسية تقف أمام ضريحي تحت أشعة القمر

 

شركسية تقف أمام ضريحي تحت أشعة القمر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ أخافُ مِن نَفْسِي / بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ أخافُ مِنَ الناسِ / بَعْدَ الشَّركسياتِ/صِرْتُ أخافُ أن أنظُرَ في المِرْآةِ/ بَعْدَ الشَّركسياتِ/ قَلْبي مَات/بَعْدَ الشَّركسياتِ/ كُلُّ شَيْءٍ مَات / بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ جُثَّةً هَامِدَةً / أنتظرُ الشَّفَقَ كَي يُطْلِقَ عَلَيَّ رَصَاصَةَ الرَّحمةِ / كَي تَرْحَمَنِي الذِّكرياتُ في لَيْلِ الشِّتاءِ الطويلِ / عِندَمَا غَابَ وَجْهُكِ عَن حَياتي/ واخْتَفَى في الشَّفَقِ البَعِيدِ/ انطفأتْ حَيَاتي/ وَمَاتت الشَّمْسُ في قَلْبي/ وَاخْتَفَيْتُ عَن هَذا العَالَمِ / لأنَّ العَالَمَ فِي أحزاني قَد اخْتَفَى / أرجوكَ أيُّها الشَّفَقُ / انزِعْ حُبَّ الشَّركسياتِ مِن عِظَامي / كَي أرتاحَ مِن احتراقِ أعصابي/ ويَرتاحَ دَمِي مِن صَهيلِ الذِّكرياتِ/ بَرَاءَةُ أحلامِ الطُّفولةِ في خُدُودِ الشَّركسياتِ التي تَنْهَمِرُ عَلَيْهَا أشِعَّةُ القَمَرِ / كَمَا يَنْهَمِرُ وَمِيضُ البَرْقِ عَلى رُخَامِ الأضرحةِ / سَأَبْنِي بُرْجًا للحَمَامِ الزَّاجِلِ بَيْنَ بَرِيقِ المُسَدَّسِ وتَاريخِ الغُزاةِ المُقَدَّسِ/ أركضُ في غَاباتِ القُوقازِ تَحْتَ صَوْتِ الرَّعْدِ / كَي أَقْتُلَ الحُزْنَ في عُيونِ الشَّركسياتِ / وَجْهُ الشَّركسيةِ هُوَ الضَّوْءُ في آخِرِ النَّفَقِ / لَكِنِّي فَأرُ السَّفينةِ الذي مَاتَ مَعَ البَحَّارَةِ الغَرْقَى / وفي لَيالي الشِّتاءِ القِرْمِزِيَّةِ / يُهَاجِمُنِي طَيْفُ الشَّركسياتِ كَذِئبٍ جَائِعٍ / وَتَفْتَرِسُنِي الذِّكرياتُ كَجَدَائِلِ البُحَيْرَاتِ قَبْلَ جَفَافِهَا / وأرى أسنانَ القَتْلى عَلى زُجَاجِ نافذتي المكسورِ / فَكَيْفَ أنامُ مَعَ جُثماني ؟ / لا أنامُ إلا وَالمُسَدَّسُ تَحْتَ وِسَادَتِي المنقوعةِ في مِلْحِ الدُّموعِ/ كَيْفَ أنامُ ؟/ نَسِيَتْ أُمِّي دَبابيسَ حِجَابِهَا عَلى وِسَادتي / وَذَهَبَتْ إلى بَرِيقِ الاحتضارِ/ كَيْفَ أنامُ ؟/دَمُ أبي الذي تَفَرَّقَ بَيْنَ القَبائلِ / يَكْسِرُ زُجَاجَ نافذتي في المساءِ السَّحيقِ/

     انتهت الحَرْبُ / ولا تَزَالُ الأُمَّهَاتُ يَنْتَظِرْنَ عَوْدَةَ أبْنَائِهِنَّ / الذينَ لَن يَعُودُوا / وبَنَى الحَمَامُ أعْشَاشَهُ في فُوَهَّاتِ المَدَافِعِ/ والأيتامُ يَلْعَبُونَ بالقَنَابِلِ التي لَمْ تَنْفَجِرْ/والبَاعَةُ المُتَجَوِّلُونَ يَبِيعُونَ الأطرافَ الصِّناعِيَّةَ عَلى إشاراتِ المُرُورِ المُحَطَّمَةِ / أنا المُهَرِّجُ الذي يُضْحِكُ النَّاسَ/ ثُمَّ يَعُودُ إلى بَيْتِهِ لِيَبْكِيَ أمامَ المِرْآةِ وَحِيدًا/أنا الذاكرةُ المُهَشَّمَةُ/ تَفْتَرِسُنِي الذِّكرياتُ في طُرُقَاتِ المساءِ الماطرِ/ هَل أنا الصَّيادُ أَمِ الفَرِيسَةُ ؟ / أخافُ أن أَمُوتَ في زِنزانةٍ لا تُطِلُّ نَافِذَتُهَا عَلى البَحْرِ / وَطَنٌ ضَاعَ بَيْنَ القَتْلَى والجِيَاعِ/ زَوْجَتي الصَّحْرَاءُ/عَشِيقتي الرِّمَالُ/ لِمَاذا تَلْهَثِينَ وَرائي أيَّتُها العَانِسُ؟/ أنا صَفْقَةٌ تِجَارِيَّةٌ للقَرَاصِنَةِ / أنا أعلامُ القبائلِ المُنَكَّسَةُ / جُثماني مُخْتَبَرٌ لِفِئْرَانِ التَّجَارُبِ أَوْ فِئْرَانِ السَّفينةِ الغارقةِ/ سَيُصْبِحُ رُفَاتي الطازَجُ كُحْلًا في عُيونِ بَناتِ حَفَّارِ القُبورِ / والأغرابُ يَنْقُلُونَ جُثَثَ قَتْلاهُم بالشَّاحناتِ إلى مَدينةِ الوَهْمِ/ والعَبِيدُ يُضَاجِعُونَ الأميراتِ تَحْتَ المطرِ أثناءَ الانقلابِ العَسْكَرِيِّ .

14‏/02‏/2024

متحف الأشلاء البشرية

 

متحف الأشلاء البشرية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

     ادْفِنِي جُثماني بِسُرْعَةٍ يا طُيورَ البَحْرِ/ قَبْلَ أن تأكلَ الطحالبُ جُثماني / وَيَتَضَايَقَ البَحْرُ مِن رَائِحَةِ أشلائي / ذَهَبَ قِطَارُ الغُروبِ وَلَمْ يَرْجِعْ / تَلاشَى صَفِيرُ القِطَارِ / وَبَقِيَ مِلْحُ الدُّمُوعِ عَلى زُجَاجِ القِطَارِ /

     عِندَما تَخُونُنِي رِمَالُ الشَّاطئِ الفَيْرُوزِيَّةُ / أَسِيرُ إلى حَنجرةِ البَحْرِ / كالقَطِيعِ السَّائِرِ إلى حَافَةِ الجَبَلِ / أَشِعَّةُ القَمَرِ تَبْحَثُ عَن جُثماني في غَاباتِ الدَّمْعِ/ لَكِنِّي حَيٌّ في قَلْبِ امرأةٍ غَامِضَةٍ تبكي في قَلْبِ الليلِ/ نَسِيَت اليَتيماتُ مَلاقِطَ الغسيلِ عَلى سُورِ المقبرةِ / لَكِنَّ ثِيَابَ الحِدَادِ بَقِيَتْ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / سَوْفَ تَنْمُو حَبَّاتُ التُّوتِ في الهَيَاكِلِ العَظْمِيَّةِ كَحَبَّاتِ المَطَرِ / وأنا الغريبُ المنبوذُ في مُدُنِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَأثداءُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ مِنَ الأسْمَنْتِ المُسَلَّحِ /

     الحَيَوَانَاتُ المَنَوِيَّةُ في أقفاصِ حَديقةِ المَقابرِ الجَمَاعِيَّةِ / والعَوَاصِفُ تَرُشُّ مِلْحَ البَحْرِ عَلى طَعَامِ السُّجَنَاءِ / فَابْحَثْ عَن امرأةٍ تَمشي بالكَعْبِ العالي في جِنَازَتِكَ / تتناثرُ قَطَرَاتُ المَطَرِ عَلى حَبْلِ المِشْنَقَةِ الكريستالِيِّ / وتَفَرَّقَ دَمُ الفَرَاشَةِ المُحْتَضَرَةِ بَيْنَ القَبائِلِ المُنْقَرِضَةِ /

     أيَّتُها اللبُؤَةُ الغامضةُ في لَيْلِ الخريفِ / لا يَزَالُ في أُذُنِي صَوْتُ الكَعْبِ العالي / وَهُوَ يَدُقُّ عَلى الرَّصيفِ / أيُّها القائدُ المهزومُ / لا تَزَالُ رَائحةُ الجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ في أَنفِي / مَاتت السنابلُ في قَلْبي / أزرعُ الذِّكرياتِ في خُدودِ المساءِ/ وَرَحِيلُنا عِندَ الفَجْرِ يا جُثمانَ أبي/ جَاءَ وَمِيضُ البَرْقِ كَي يَحْصُدَ عِظَامي / إنَّ هَيْكَلِي العَظْمِيَّ هُوَ مَوْعِدُ الحَصَادِ / وَجَاءَ صَوْتُ المَوْجِ كَي يَحْرُثَ جَسَدي / إنَّ دَوْرَتي الدَّمويةَ هِيَ مَوْسِمُ الحِرَاثَةِ / البَقُّ أَكَلَ بَراويزَ الصُّوَرِ التَّذكاريةِ/ سَنَمُوتُ بِلا أشِعَّةِ القَمَرِ ولا أحلامِ الطُّفولةِ / دَمْعِي مِطْرَقَةٌ / تابوتي مِن زُجَاجٍ / ويَتساقطُ ضَوْءُ القَمَرِ عَلى حَبْلِ المِشْنَقةِ الفِضِّيِّ / سَتَنْمُو الطحالبُ في خُدُودِ الإمَاءِ في سُوقِ الخُضَارِ / أمامَ مَحكمةِ أمْنِ الدَّولةِ التي مَاتتْ / أضَاعَ المَسَاءُ بُوصَلَةَ فِرَاشِ المَوْتِ/ وَأُصِيبَ حَفَّارُ القُبورِ بالزَّهايمرِ / فَكَيْفَ سَتَعْرِفُ أُمِّي مَوْقِعَ قَبْرِي ؟ / أشلاءُ الأيتامِ في صُحُونِ المَطْبَخِ / وَجُثةُ الأرملةِ الشَّابَّةِ في الثَّلاجةِ / وَالعَوَانِسُ لَمْ يُفَرِّقْنَ بَيْنَ الحِكَايَاتِ والاحْتِضَارَاتِ / عِشْتُ انتحاراتي كي أكتبَ تاريخَ وَفَاةِ الحضارةِ في شَهادةِ مِيلادي/عِشْتُ احتضاراتي كَي أُحَلِّلَ مِلْحَ الدُّمُوعِ للسَّرابِ/ وَهُوَ يَبكي عَلى صَدْرِ الصَّحراءِ/ حَبْلُ مِشْنَقتي مُبَلَّلٌ بِعَصِيرِ التُّفاحِ / لَكِنِّي سَأمُوتُ عَطْشَانَ مِثْلَ عُثمان / سَأمُوتُ مَخْذُولًا مِثْلَ عُثمان / وَلَيْسَ لِي قَمِيصٌ كَقَمِيصِ عُثمانَ / كَي يُتَاجِرَ بِهِ شُيُوخُ القَبائلِ ومُلُوكُ الطوائفِ وأُمَرَاءُ الحُروبِ.

13‏/02‏/2024

توابيت مزخرفة في مدينة الخراب

 

توابيت مزخرفة في مدينة الخراب

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

     عِندَما يَطْعَنُنِي ضَوْءُ القَمَرِ في الظَّهْرِ / أركضُ إلى قَلْبِ أبي / تتناثرُ حَبَّاتُ الخَوْخِ عَلى نَصْلِ المِقْصَلَةِ الأُرْجُوَانِيِّ / وأخافُ مِن زَائرةِ الليلِ الآتيةِ لاغتيالِ ذِكْرَياتي / مَاتت الدَّولةُ مِثْلَ حِكَايَاتِ العُشَّاقِ / لَكِنَّ الأراملَ يَبِعْنَ الخُضَارَ أمامَ مَحكمةِ أمْنِ الدَّولةِ / حُفَرُ المَجَاري في الجُثَثِ المجهولةِ / وَلَيْسَ في الشَّوارعِ الخَلْفِيَّةِ / وَقَمِيصُ النَّوْمِ للبُحَيْرَةِ هُوَ كَفَنُ البَحْرِ /

     أخُوضُ حَرْبًا أهْلِيَّةً دَاخِلَ جِسْمِي/ وَكُرَيَاتُ دَمِي البَيْضَاءُ هِيَ الرَّايةُ البَيْضَاءُ / عُدْتُ مِن مَعركةِ قلبي مَهْزُومًا/ وَلَمْ أَجِد امرأةً أبكي على صَدْرِهَا / لَكِنَّ مُسَدَّسِي بَقِيَ تَحْتَ الوِسَادَةِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَمَا زِلْتُ أشُمُّ سُعَالَ أبي على فُرشاةِ أسنانِهِ بَعْدَ إعدامِهِ في مَملكةِ الوَهْمِ المُقَدَّسِ /

     أنا الغريبُ أحْرُسُ الجُثَثَ المُتَعَفِّنَةَ مِنَ الذُّبَابِ / وأنتَ أيُّها النَّهْرُ تَحْرُسُ بَوَّابَةَ المقبرةِ مِنَ الصَّدَأ / فَلْنَعْقِدْ هُدنةً بَيْنَ الأمواتِ وأشجارِ الصَّنَوْبَرِ في مَقبرةِ الذاكرةِ/ وَلْنَحْفَظ النَّشِيدَ الوَطَنِيَّ في طَرِيقِنَا إلى أسواقِ النِّخَاسَةِ / يُبَاعُ الرَّقِيقُ الأبيضُ في السُّوقِ السَّوْدَاءِ / وَكُلُّنَا سَبَايا /

     أنا الرَّمْلُ الأزرقُ / أُوصِيكَ أيُّها السَّرابُ أن تَدْفِنَنِي بِجَانِبِ أبي / لَكِنَّ أُمِّي لا تَزَالُ تَبْحَثُ عَن قَبْرِ أبي / سَأعِيشُ مَوْتي بَيْنَ قَبْرِ أبِي وقَلْبِ أُمِّي / سَيَقْتَرِبُ مِنْكَ المَوْتُ أيُّها الغريبُ / حتى يُصْبِحَ أبَاكَ الرُّوحِيَّ/ومَشْرَحَةُ اللازَوَرْدِ تَرْفُضُ تَسليمَ جُثماني لأهْلِي المَصْلُوبينَ عَلى نَوَافِذِ بَيْتِنَا المَهجورِ/ العِشْقُ خَنْجَرٌ مَسْمُومٌ بَيْنَ الرِّئَتَيْن/ فَاكْرَهِيني يا سَجَّانتي / واعْشَقِي حَفَّارَ قَبْري في مَسَاءٍ غَامِضٍ/ بِلا ضَحِكَاتٍ ولا عَشَاءٍ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ /

     كُنْ كَالْمَوْتِ/ لا يَسْتَجْدِي أَحَدًا / ولا يُفْلِتُ مِن قَبْضَتِهِ أَحَدٌ / كُلُّ المَشَانِقِ تَتَشَابَهُ إذا كانتْ حِبَالُ المَشَانِقِ مَجْدُولةً مِن أعصابِ النِّساءِ المَجروحاتِ عاطفيًّا / الطريقُ إلى البَحْرِ مَزروعٌ بِنِقَاطِ التَّفتيشِ / والأغرابُ خانوا البَحْرَ / وأطْلَقُوا عَلَيْهِ رَصاصةَ الرَّحمةِ / كَي يُحَرِّرُوا رَهَائِنَ السَّرابِ / وَيَقْتَسِمُوا غَنَائِمَ الرِّمَالِ / الطريقُ إلى حَنْجَرَتي مَزروعٌ بالحواجزِ العسكريةِ / وَحُزْني حَقْلُ ألْغَامٍ /

     نَحْنُ مُتَعَادِلانِ في الخِيَانَةِ / مَجْرُوحَانِ في الذِّكرياتِ / نَحْنُ غَرِيقَانِ في المَرَايا / مَذبُوحَانِ في المَزهرياتِ / وَلَمَعَانُ أظافري يُضِيءُ طَرِيقَ الجِرْذَانِ بَيْنَ جَثامينِ البَحَّارَةِ في أزِقَّةِ المِيناءِ / مَتَى سأعيشُ يا نَوَارِسَ الغُروبِ ؟ / أصْدَرَ المَسَاءُ حُكْمَ إعدامي شَنْقًا بالذِّكْرَيَاتِ / وَعَلَيَّ أن أعيشَ مَوْتي في مُطَارَدَةِ وُجُوهِ الشَّركسياتِ في الشَّفَقِ البَعِيدِ / عِشْتُ غَرِيبًا / لأنَّني سأموتُ غَرِيبًا / مُتُّ وَحِيدًا / لأنني سَأُدْفَنُ وَحِيدًا .