أدعو الرئيس الفرنسي أن يتزوج عشيقته
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 26/5/2012
إن الرئيس الفرنسي
فرانسوا هولاند قد منح نفسه حق العيش مع عشيقة لا زوجة ، بحجة أن هذه حياته الخاصة
وهو حر التصرف فيها كيفما يشاء . وهذه النظرة القاصرة لمفهوم الحقوق تعكس الفوضى العارمة
في بنية المجتمعات الغربية ، والأخطار الوجودية التي تهدد مفهوم الأسرة ومصيرها. لذلك
نجد الفاتيكان في مناسبات عديدة يشدد على أهمية الأسرة المسيحية وضرورة المحافظة
عليها في وجه تحديات الحداثة الغربية الجارفة والهوس المادي العنيف. وهذا غير
مستغرب، إذ إن الكاثوليكية تُقدِّس الزواج الأبدي ، وتُحرِّم
الطلاقَ تحريماً باتاً ، حتى إنها لا تعتبر الخيانة الزوجية سبباً وجيهاً للطلاق ،
وكل ما يحصل في حالة الخيانة الزوجية هو التفريق جسدياً بين الزوجين مع اعتبار
العلاقة الزوجية قائمة. وفرنسا هي أكبر دولة كاثوليكية في أوروبا على الرغم من
شعارات العلمانية التي تُوظَّف جزئياً بين الحين والآخر من أجل مصالح سياسية
بالمقام الأول .
والرئيس الفرنسي _ منذ انفصاله عن زوجته عام 2007م _ يعيش مع الصحفية فاليري تريروالار بدون زواج . فهل يعاني
الرئيس الفرنسي الذي يتجاوز راتبه الشهري 10 آلاف يورو من عدم القدرة على فتح بيت
وتكوين أسرة مثل الشباب العاطل عن العمل ؟! . أم أن عدم الزواج له علاقة بمرجعيته
الاشتراكية ونضاله الحزبي ؟! . أم أن هولاند متأثر بأستاذه في الاشتراكية الرئيس
الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران ( 1916م _ 1996م ) الذي كانت له عشيقة لأكثر من ربع
قرن وأنجبت منه ابنة ؟!. وقد رأى العالَم بأسره المشهدَ الفريد للزوجة إلى
جوار العشيقة في جنازة ميتران ! .
وهذه الظاهرة ليست جديدة على المجتمع الغربي. لكنها تكون ظاهرة حيناً ،
ومختفية في أحيان أخرى . فالرئيس الأمريكي الراحل جون كيندي ( 1917م _ 1963م ) كانت
له علاقات نسائية ، وكان يُنظَر إليه على أنه زير نساء . وهناك تقارير عديدة
متضافرة على وجود علاقة بينه وبين ممثلة الإغراء الشهيرة مارلين مونرو ( 1927_ 1963م
) التي انتحرت أو " نُحرت " . وبالطبع ، فلا يوجد دخان بدون نار. وقد غَنَّت
مارلين مونرو للرئيس كيندي في عيد ميلاده على أحد المسارح ، وأمام الشاسات . وهذا
العملُ يعكس العلاقة الوثيقة بينهما . لكن كيندي _ في حياته _ كان شديد التحفظ
والكتمان حيال هذه القضايا. ويبدو أن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون انتهج
نفس الأسلوب . فالكثيرون يؤكدون وجود نساء كثيرات في حياته معروفات بالاسم عند
الصحفيين والمتابعين ، وما مونيكا لوينسكي إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد .
والأمرُ لا يقتصر على عالم السياسة . فعلى سبيل المثال ، نجد _ في عالم
الفن _ أن الممثل الأمريكي براد بيت عاش مع الممثلة أنجلينا جولي بدون زواج لمدة
طويلة ، ولديهم أطفال بالتبني . وقد تداولت وسائل الإعلام مؤخراً أنهما سيتزوجان ،
ولا أعرف هل تم ذلك أم لا ! . وفي عالم الرياضة نجد أسطورة التنس الأرضي السويسري
روجر فيديرر قد التقى بعشيقته ميركا
فافرينيتش في أولمبياد سيدني عام 2000 م ، وعاشا معاً ، لكنهما تزوَّجا في عام
2009 م .
ثم جاء
الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليساهم في هذه الفوضى ، فيُعبِّر عن دعمه لزواج
المثليين . وهو بالطبع يستثمر هذه القضية للحصول على أصوات الناخبين . فقد صارت
القضايا الجنسية وسيلةً لخداع الرأي العام ، وملء صناديق الاقتراع بأصوات المؤيدين
.
إن هذا
الأسلوب من الحياة يشير إلى انتحار القيم الاجتماعية ، وسيطرة البعد الاستهلاكي
الفج على مسار الإنسانية ، ويدل على نزعة التمرد والرفض لكل الأعراف تحت ذريعة
حماية الخصوصية ، والعلاقات المتحررة من القيود .
والغريب أن
الرئيس الفرنسي اختار نصف حكومته من النساء ( 17 وزيرة ) من أجل تقديم نفسه كمدافع
عن حقوق المرأة وإدماجها في نظام الحكم والمجتمع ، لكنه لم يُعِر التماسك
الاجتماعي وبناء الأسرة القوية أدنى اهتمام . كما أن حملته الانتخابية كانت مبنية
على شعارات النمو المالي والتحفيز الاقتصادي وإعادة بناء أوروبا على أسس جديدة،
لكنه لم يفكر في إعادة بناء النظام الأسري المنهار .
فعلى الرئيس
الفرنسي إصلاح حياته الخاصة قبل أن يُقدِّم نفسه كقائد لمسيرة الإصلاح ، لأن فاقد
الشيء لا يعطيه . وهنا تبرز ضرورة زواجه من عشيقته لإعطاء الانطباع الجيد عن مساره
الأخلاقي ، ويتفادى إحراج نفسه وفرنسا في زياراته الخارجية ، خصوصاً إلى الدول
العربية والإسلامية _ إن كان يفكر أصلاً في زيارتها _ .