سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

24‏/12‏/2009

أمراض العم سام !

أمراض العم سام ! /
إبراهيم أبو عواد
نشرت في صحيفة القدس العربي ، لندن 24/12/2009م
إن نظرة سريعة على خارطة المشهد السياسي العالمي تشير إلى الاضمحلال المتسارع للحضارة الأمريكية، حيث الاقتصاد مبني على أسس غير سليمة، والحالة الاجتماعية مبنية على إجهاض الروح والجسد، واضطهاد الأقليات، والتمييز العنصري المتجذر في الثقافة المجتمعية، والمستوى الثقافي متمركز في دائرة الاستهلاك والشهوات، والوعي السياسي عاجز عن اختراع دور حقيقي لشرطي العالم العاطل عن العمل.
والنظر إلى العالم بدون سيطرة القطب الواحد ليس لعبة خيالية لزراعة الوهم، وتسويق الخديعة في أوساط الناس. بل هي نتيجة طبيعية لنظرية تداول الحضارات وانهيارها، وقد بدت آثار هذه الانهيار على أرض الواقع. لكن العجب، كل العجب، أن تجد بعض المثقفين يعتقدون أن الإمبراطورية الأمريكية مستمرة حتى نهاية التاريخ، وهذا السراب الخادع الجاثم على عقول البعض جاء بسبب الحملة الإعلامية الشرسة التي تحرص على تصوير أمريكا بوصفها الحضارة النهائية الحاسمة على سطح الأرض.
وفي زحمة اندلاع الوهم لا تجد الجامعات الأمريكية العريقة، أو مراكز الأبحاث تتحدث عن انتهاء حلم خلود الإمبراطورية الأمريكية بشكل واضح ومباشر. مع أن الدلائل الظاهرية واضحة للعيان، والمؤشرات حول انكسار حلم التوسع والسيطرة في ذهن ' العم سام' باتت تُلمَح في الأفق. لكن منطق القوة، وسياسة الأمر الواقع، والتموضع في بؤرة المجد الوهمي، والآلة الإعلامية الجبارة، وغيرها من العوامل، ساهمت في اختراع صورة أسطورية للحضارة الأمريكية تماماً كما تفعل هوليوود مع الممثلين عبر اختراع هالة خرافية لهم بواسطة المكياج والأقنعة والمؤثرات البصرية والصوتية. وكلها عوامل سرعان ما تذوب مع ظهور شمس الصباح خارج الأستديوهات. وهذه الأفكار إنما هي تدقيق فلسفي تأصيلي ينحو منحىً سياسياً استشرافياً لنهاية أحلام هذه الكتلة الجغرافية الجبارة التي تقمصت خدعة 'الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس '. وبما أن الحضارة الأمريكية قامت وفق قاعدة إبادة السكان الأصليين ( الهنود الحمر )، فهي لا ترى وجوداً حقيقياً خارج نطاق وجودها، فمن الطبيعي أن تنظر إلى الآخر على أنه بشر درجة ثانية أو ثالثة، لأن أدبيات الأنظمة السياسية الأمريكية على مدار التاريخ تنتهج سياسة الأنانية، والتمركز حول الذات، وإقصاء الآخر بكل وحشية، وتجريده من قيم الحضارة والمعاني الإنسانية الراقية. فالانكسار الحضاري المتقـــوقع على شكل فقــــاعة صابون أو بالون منتفخ يُسَمَّى القطــــب السياسي الأوحد ما هو إلا تشكيل خيالي وهمي يشتمل على بذور انهياره في أنويتـــه الداخلية، لكن الذي يطيل عمر الجثة الهامدة هو الأجهزة الصـــناعية المحيطة بسرير الميت، وهذا بالضبط ما يحصل في حالة الإمبراطورية الأمريكية.
وبالتالي فإن السقوط الحتمي لهذه الإمبراطورية سوف يتكرس بكل دينامية، وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي. وما الأزمة المالية الخانقة إلا عملية قرع جرس الإنذار. والسقوط المعرفي الذي تعاني منه حضارة انكسار الحلم، واضمحلال المعنى لصالح عقيدة الأخذ المتكرر، هو السقوط الشامل للاستهلاك الجنوني لمتع الجسد على حساب متع الروح. وهذه نقطة ضعف حرجة نابعة من التأسيس الذهني السياسي لحالة الحراك الاجتماعي داخل الأنساق البشرية. فالمجتمع الأمريكي الأمي من ناحية الثقافة السياسية لا يهتم بالسياسة الخارجية، وإنما كل تفكيره منصب حول نظامه الاستهلاكي العنيف، ومدى قدرته على تطويع الأداء الكلي لخدمة أنانية فرديته السائرة باتجاه مضاد للروح الإنسانية والبيئة بكل تجلياتها المعنوية والمادية. وإن أية دراسة تتناول المستوى المعرفي للتشريح الدلالي في بنية التراكيب الاجتماعية للأداء السياسي الأمريكي ينبغي أن تعتمد منهجية اعتبار السياسة الأمريكية جزءاً من المشكلة، لأن الدولة التي تعتبر أكبر ملوث للبيئة في العالم، وأكبر مصدِّر للسلاح، وأكثر دولة استخدمت الفيتو لصالح الجلاد على حساب الضحية، لن تكون جزءاً من الحل.
وكما أن انحسار صيغة التفكير المنطقي في عالم مجنون وجامح وسائر نحو الهاوية صار منطقاً رسمياً للكثير من الأنظمة القمعية المدعومة أمريكياً، فإن قدرة الفرد على مواجهة مشاريع استئصال إنسانيته صارت تياراً مقاوِماً رامياً إلى بعث الإنسان من قبره العالمي من جديد، وإحياء المعاني الميتة في النفوس بشكل إنساني راق. ولا يخفى أن الانتكاسات المتكررة في أداء اجتماعيات السياسة على الصعيد العالمي ساهمت - إلى حد بعيد- في تجذير أنطقة التخلف الاجتماعي وفق صور إنسانية أكثر أنانية، وأكثر توغلاً في هوس الأخذ المتواصل. وللأسف فقد تحول الفرد الذي يفترض به أن يعمر الأرض إلى معول هدم في هذه الأرض، وهذا نابع من الاختلاط المريع في مفهوم الإنسان كوحدة وجودية راقية. كما أنه نتاج طبيعي لحالة الاحتقان الفكري المأزقي العمومي التي كرَّسها النظامُ الرأسمالي المتوحش الذي أحال الفرد إلى كومة شهوات متضاربة موغلة في الاستهلاكية الفجة.
وهذا التحول في المنهجية الإنسانية متزامن مع التحول الجدلي في الفكر السياسي العالمي الذي صار يضع الرصاصة أمام الكلمة وليس العكس. وكل هذه العوامل قادت إلى الانهيار المرعب في تقاطعات المنحى الإنساني التجريدي، فصار الإنسان سائراً باتجاه مضاد لإنسانيته، حتى إنه أضحى مســـتعداً لسحق ذاته في سبيل نيل مكتسبات وقتية.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي تحول العالَم الى قطب واحد وهو أمريكا، وهذه المعلومة الواضحة صارت مفروغاً منها من فرط تكرارها. وعلى الرغم من صحة المعلومة السابقة جزئياً إلا أن مفهوم القطب يحمل عدة طبقات من صياغات المفاهيم. فأمريكا هي حجر الرَّحى الذي يدور حوله النظام السياسي العالمي ضمن واحدية الاستقطاب المنهجي النَّفعي. ومع هذا فإن التصدعات العميقة في وجه أمريكا ككيان داخلي متواصل مع الظواهر الخارجية تمتاز بالانهيار الشامل، أي سقوط السياسات كأحجار الدومينو ضمن مسلسل فشل سياسي واقتصادي واجتماعي، خصوصاً مع عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية التي تقودها الدبابات بدلاً من الدبلوماسية.
ومهما يكن من أمر فإن التوغل في بنائية الرمز التكويني لحالة القطب الواحد لا بد أن يصل إلى لحظة زمنية فارقة تمنعه من مواصلة التقدم، أي إن استمرارية الحفر في العمق ستتوقف لا محالة، ولن تستمر إلى ما لانهاية، لأن طاقة الحلم الأمريكي الظاهرية سوف تنتهي بسبب غياب القوة الإنسانية الجوهرية، وتآكل قوة الدفع الداخلية، حيث الأزمات الاقتصادية تعصف بالكيان الأمريكي، وتهدد النسيج الاجتماعي الذي لم يكن في يوم من الأيام متجانساً، وإنما هو خليط من أصول شتى مختلفة في كل شيء، لكنها مجتمعة حول هوية الدولار.
لذلك فإن مصطلح ' الأمة الأمريكية ' يأتي في سياق تلميع إعلامي، لكنه مصطلح لا أساس له من الصحة. وتأتي هذه الصور الفكرية في سياق تشريح رمزي واقعي واضح يستشرف المستقبل، ويضعه في إطار المعنى الرسمي لانهيار حلم خلود الإمبراطورية الأمريكية. وقد بدأت بوادر هذا الانهيار بكل وضوح. فالتآكل الحقيقي في هذه الإمبراطورية التي ابتلعت المسارَ الحضاري للإنسان العالمي يُبرز لنا فلسفة بدء العد التنازلي للحضارة الأمريكية. لكن الأمر ليس بالسهولة التي قد يتخيلها البعض، فالأنظمة التداخلية في الولايات المتحدة شكلياً، والمتناحرة واقعياً، أنظمة مفتوحة تمتاز بحرية الاختيار، وهذا يعني أنها قادرة على إجراء تصحيح ذاتي لمسارها في كل أزمة. لكن المرحلة المتقدمة من مرض أمريكا في هذا الوقت لا يمكن علاجها نهائياً. وقد توضع بعض الأدوية لتأخير السقوط النهائي للمريض بينما يتمدد على فراشه. لكن الفتق اتسع على الراتق، ووصل الطبيب متأخراً جداً إلى المريض دون وجود دواء.

06‏/12‏/2009

انهيار فلسفة الأنظمة الحاكمة

انهيار فلسفة الأنظمة الحاكمة /
إبراهيم أبو عواد
( نشرت في صحيفة القدس العربي ، لندن 9/12/2009)
في هذه اللحظات الحالكة التي تعيشها الأمة العاجزة عن حماية مقدساتها. وفي ظل احتضار الأنظمة الحاكمة المشغولة بتزوير الانتخابات وتوريث الحكم، ولهاث الشعوب العربية وراء كسرة الخبز، وانتحار علماء السلاطين وفقهاء البلاط ، وتقاعد القادة الثوار ، وانتهاء ضجيج الثورات ، وأخذ الجيوش العربية إجازة مفتوحة بدون راتب ، حيث الجعجعة بلا طحن ، وذهاب ما جاءت به الرياح مع الزوابع ، يجد المرء نفسه أمام تحديات جسيمة تهدد وجود الأمة كوحدة متجانسة لها تواجد حي وحر على رقعة الخريطة .
ولكي يحافظ المرء على توازنه ، وتحافظ البلاد على وجودها ، لا بد من البحث عن مراكز القوة في الشارع العربي، ومؤسسات المجتمع المدني، والقوى الشعبية المختلفة، وذلك من أجل الحفاظ على كيان الدولة العربية ضمن منهجية إنقاذ ما يمكن إنقاذه .
وللأسف فإن الدولة العربية ككيان سياسي صارت مزرعةً للحاكم وأسرته وحاشيته، وهي بذلك تكون قد فقدت مقومات المعنى السياسي ، وخسرت أبعادها الوظيفية في المحافظة على ذاكرة التاريخ ، وتحقيق آمال الشعب . لذلك ينبغي التنقيب عن القيادات الكاريزمية في المجتمع من أجل حشد الطاقات ، وانتشال الوعي الإنساني الشعبي من مستنقع الجهل والاستهلاكية الفجة . أما التعويل على المستوى الرسمي العربي فهو تعويل على قبر ساكن ، لأن انتظار النظام الرسمي لكي يتحرك إيجابياً هو بمثابة إجراء تنفس اصطناعي لجثة هامدة .
وهذا المنطق السياسي في الحراك الاجتماعي عقلاني للغاية في زمن تبدل مراكز القوى، وتغير مواطن صنع القرار. فتأثير إفرازات النظام الحاكم على أرض الواقع يكاد لا يُذكر ، لأن الناس سئمت الخطاباتِ الرنانة ، وارتداء الأقنعة الزائفة من قبل الكيانات السياسية التي تاجرت بكل شيء ، بدءاً من مصير شعوبها ، وحتى الشعارات الثورية التي تغطي الكثير من الأنظمة التي خلعت ثوريتها كالمعطف البالي مع هبوب رائحة عطر العم سام .
كما أن الأثر الإستراتيجي لتحرك الشارع بشكل عقلاني مضاد للفوضى من شأنه توجيه دفة قيادة الجماعة البشرية نحو بر الأمان خارج نطاق نفوذ الإملاءات الخارجية . كما يتطلب الموقف العربي الصعب تجذير عملية التنقيب عن المواهب القيادية الجديدة للخروج من حالة الموات السياسي الضارب جذوره في أدبيات القمع السُّلطوي .
فخطة الإنقاذ العقلانية هي التفتيش عن مالكي صنع القرار ، وصانعي التأثير الجماهيري ، من أجل إحداث عملية انتشال كبرى للمجتمعات العربية التي تغرق وهي تضحك غير عابئة بالتهديدات الجذرية التي تمس مصيرها .
لذلك فمواصلة النوم وانتظار قدوم خالد بن الوليد على فرس وبيده سيف لا يجدي نفعاً ، واختراع الأناشيد الوطنية من أجل نشرها في الهواء بدون حاضنة واقعية تطبيقية لا يمكن أن يقود مسيرة التحرير . والتطبيل والتزمير للزعيم وحاشيته سوف يذهب أدراج الرياح، لأن الحاكم العربي لن يتحرك إلا إذا تم تهديد نظام حكمه، أما إذا هُدم الأقصى أو تم تقسيمه _ على سبيل المثال_ ، فهذا أمر يمكن تعويضه حسب العقلية الاستبدادية الحاكمة . وإن عاش الشعب أو مات ، فهذه مسألة يمكن دراستها بهدوء على طاولة البحث. أما إن وجد خطر على النظام فعندئذ تقوم الدنيا ولا تقعد ، لأن ذلك مسألة أمن قومي مصيري . فالجيوش موجودة لتثبيت العروش وليس للدفاع عن البلاد والعباد . وهذه الحقيقة ينبغي أن تكون واضحة لئلا نعيش في الوهم الذي تصنعه الآلة الإعلامية الرسمية .
والتمزق العربي نتيجة طبيعية لرسوخ الدولة البوليسية العربية ، حيث تم تحويل الأنساق الاجتماعية إلى متاهة الأضداد ، فانتقلت الحياة المجتمعية من المد الثوري التحريري إلى المد الرومانسي التخديري ، وتحولت بندقية الثائر إلى سيارة المرسيدس لرجل الأعمال ، لأن الطواغيت الأعراب حشروا شعوبهم في زاوية رغيف الخبز ، وجاذبية الشهوات الاستهلاكية، فلم يعد المواطن العربي تعنيه الأمور السياسية والقضايا الكبرى ، لأنه محصور في الاستهلاكية الفجة ، وإطعام الأفواه الجائعة التي تنتظره نهاية اليوم .
وهكذا تحولت القضايا المصيرية من مسائل وجودية حاسمة إلى مسائل في جدلية العرض والطلب ، لأن الثابت هو رغيف الخبز ، وباقي العناصر متحولات يمكن تعويضها أو تغييرها . وهذه هي فلسفة أدبيات الأنظمة القمعية التي تخاف أن يشبع الشعب ، فلا بد أن يظل جائعاً ، لأنه إذا شبع سيفكر ، وإذا فكر سينقد الأوضاع الراهنة . والأجهزة الأمنية لا تريد وجع الرأس ، فالمركب سائر ، ولا يهم إن كان سائراً إلى القمة أو الهاوية.
وفي ظل هذه الانتكاسات المتوالية تغيرت ماهية القدوة ، واختلفت أدوات العمل السياسي . فأضحت المقاومة إرهاباً مذموماً ، وصار التآمر على حركات المقاومة محاولة لوقف المد الإيراني ، والمضحك المبكي أن التآمر على أهل غزة من قبل بعض الأنظمة العربية جاء لوقف النفوذ الإيراني ! ، فصار قتل أهل السُّنة ضرورة لوقف المد الشيعي _ حسب عقلية تلك الأنظمة العربية المتواطئة مع الاحتلال الصهيوني _ .
وهكذا تكرست أدوات الواقع المرير بحكم منطق القوة لا قوة المنطق . ووفق هذه الرؤية تم تقديم محور "الاعتدال" المتهاوي حاملاً لتاريخ الأمة ، ومعبراً عن حقوقها المشروعة بعد أن سقط الثوار في متاهة الراتب الشهري ، وذهبت خطابات الزعماء الفاتحين أدراج الرياح .
إن تشظي العقل العربي التحريري نابع من غياب المنهجية الواعية لاحتضان المستويات الثورية ، فصار الفعل التحريري أشبه بحركة عشائرية ارتجالية مستندة إلى العصبية القبلية ، فلا منهج فكري واضح ، ولا أدوات واقعية تجعل الحلم حقيقة . وفي تفاصيل هذا التخبط يظهر أمراء الحرب، وسماسرة الوحدة الوطنية، وتجار الثورات، وكلهم حققوا منافع مادية شخصية على حساب تضحيات شعوبهم . فصار التساؤل المرعب : ما الفرق بين الأنظمة الحاكمة التي تحمل أسماءنا وبين الاحتلال البريطاني أو الفرنسي على سبيل المثال ؟!.
وفي خضم هذه الأسئلة المخيفة يعاد تشكيل العقل السياسي ليصبح أكثر تدجيناً ، فتؤول القيم الدينية والوطنية إلى شعارات مفرغة من محتواها ، فيصبح التمسك بالإسلام رجعية ، وتصير الوطنية شعاراً للعصور الحجرية ، ومقاومة المحتل إرهاباً مذموماً .
ولعبة المصطلحات هي لعبة قديمة جديدة، ومن مصلحة من يلعبون هذه اللعبة أن تظل ماهية المصطلح عائمة ليسهل إسقاطها على كل وضع يتعارض مع فلسفة القوي في شريعة الغاب . فأمريكا مثلاً لم تقل لنا إلى الآن ما هو الإرهاب ، فمن مصلحتها أن يظل تعريفاً غامضاً عائماً ليسهل تطبيقه على " الدول المارقة" أو " محور الشر" أو " أعداء العالم الحر".
وهذه اللعبة تكريس أيديولوجي لشريعة الغاب ، لأنها تمنح القاتل حق تصنيف الناس إلى مجرمين وضحايا ، وبالطبع سوف يصفق الناس له ، لأن الصولجان بيده . وهناك مقولة لرئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو : (( إن العالم قد يتعاطف مع الضعيف بعض الوقت ، لكنه يحترم القوي كل الوقت )) . وهذا صحيح في شريعة الغاب حيث تنتحر قيم العدالة والأمم المتحدة ، ويموت القانون الدولي ، فتظهر شريعة البندقية ، وقانون الدبابة ، ورومانسية طائرات التجسس بدون طيار .
وبعد كل ذلك يختفي _ في العقل الاجتماعي _ صلاح الدين الأيوبي القادر على حشد الجماهير لممارسة فعل التحرير ، ويظهر الحاكم العربي الصوري القادر على حشد قوى الأمن للحفاظ على الكرسي بغض النظر عن حياة الشعب أو موته .

31‏/10‏/2009

فهرس كتاب : مدخل إلى علم اجتماع القصيدة

فهرس كتاب :
مدخل إلى علم اجتماع القصيدة /
مقدمة
تمهيد
رؤية التسييس الثوري القصائدي
تكوين المضمون الاجتماعي لسياسة الشِّعر
أنسنة هوية الصناعة الشِّعرية
تفرعات القصيدة كسلطة سياسية
تعدد عوالم النص المنظورة وغير المنظورة
صياغات القوة الفلسفية للقصيدة
خصائص المجتمع القصيدة
الفلسفة الاجتماعية لعناصر المنظور الشِّعري
معارك القصيدة خيالياً وواقعياً
مواجهة بين القصيدة اللامقدَّسة والمجتمع اللامقدَّس
اجتماعيات الظواهر القصائدية وتشريحها

24‏/10‏/2009

فهرس كتاب : قضايا تهم كل مسلم

فهرس كتاب/ قضايا تهم كل مسلم
مقدمة
التوسل والاستغاثة بالأنبياء والصالحين
_ الأدلة من القرآن على جواز التوسل
_ الأدلة من السنة
_ أقوال العلماء في تجويز التوسل
_ أدلة الاستغاثة
_ إثبات حياة الأنبياء والأولياء
_ تفنيد شبهات المعارِضين للتوسل والاستغاثة
_ ملاحظات مستفادة من بحثنا
نقد بدعة السلفية التَّيمية النجدية
_ مسألة رؤية الله ليلة الإسراء
_ مسألة تأويل الصفات
_ حجية مذهب الصحابي
_ نقد كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب
_ مسألة البدعة
_ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
_ خرافة حصر فهم الإسلام بالسلف الصالح
آيات القتال والقتل في القرآن الكريم
وقفة مع منهجية ابن تيمية الحرَّاني
نقد الأيديولوجية الشيعية الرافضية فلسفياً
خواطر سريعة في مسألة الصحبة والصحابة
_ تعريف الصحابي
_ عدالة الصحابة
_ إمكانية تفوق بعض المتأخرين على بعض الصحابة
_ أدلة القائلين بعدالة الصحابة فرداً فرداً
_ نقد أفعال معاوية بن أبي سفيان ومن دار في فلكه
_ العواقب الخطيرة لسب الصحابة خاصةً علي بن أبي طالب
_ إشارات أخرى موجَّهة ضد معاوية
_ نقض ما يسمى بفضائل معاوية
_ نقض ما يسمى بفضائل عمرو بن العاص
الفلسفة العامة للفتن ومحيطها السياسي
خطأ لفظة" اللواط
شبهات حول أبي هريرة

23‏/10‏/2009

اتفاقية وادي عربة المشؤومة

اتفاقية وادي عربة المشؤومة /

إبراهيم أبو عواد

نشرت في صحيفة القدس العربي _ لندن 27/10/2009

تبرز في هذه الأيام الذكرى الخامسة عشرة لتوقيع اتفاقية وادي عربة المشؤومة . ولا يخفى أن اتفاقيات السلام مع العدو الصهيوني عبارة عن صفقات تجارية لا أكثر ولا أقل . فاليهود الذين يسيطرون على مثلث الشهوات الأرضي ( المال ، الجنس ، الإعلام ) قادرون على إيجاد نخبة لديها الاستعداد لاحتضانهم ، وتثبيت وجودهم مقابل بعض المزايا .

وفي هذا السياق تأتي اتفاقية وادي عربة المشؤومة لتمنح شرعية وهمية لاغتصاب فلسطين ، والتنازل عن حق العودة ، وإتاحة الفرصة لغزو يهودي للمشرق العربي الإسلامي عبر بوابة الأردن . وبالطبع فإن ثقافة معاهدات السلام عبارة عن حلقات متواصلة من الضياع العربي ، والانتحار التدريجي للأمة ، وتمزقها على كل المستويات . بحيث صارت رجع صدى لتاريخ مجيد سابق . وتتلقى الصفعة إثر الصفعة دون وجود بشائر بتغيير شامل على الرغم من وجود بؤر مقاومة في العالم العربي تتركز في فلسطين والعراق ولبنان . وللأسف فالتآمر على حركات المقاومة صارت موضة عند غالبية الأنظمة العربية .

وإذا عدنا إلى تحليل الخطاب السيكولوجي لمعاهدة وادي عربة سنجد أنها تكريس لشريعة الغاب ، فالقوي يفرض شروطه على الضعيف . فالأردن لم يحصل على الحد الأدنى من حقوقه . فموارده المائية مصادرة ، وأراضيه ما زالت محتلة . وفي واقع الأمر لم يحصل على أية فوائد من هذه الاتفاقية التي فصلها اليهود على مقاسهم _ كعادتهم _ بما يضمن امتدادهم السرطاني في الجسد العربي ، ووصولهم إلى مناطق كانوا يحلمون بها منذ أمد بعيد .

والبعض قد يعتقد أن الأردن باعتباره الطرف الأضعف لا يملك أوراقاً للضغط على هذا الكيان السرطاني . والواقع يخالف هذه القناعة المغلوطة . فالذي فرض على السلطات الصهيونية إحضار الدواء للسيد خالد مشعل إثر محاولة اغتياله قادر على فرض شروطه عبر امتلاك أدوات ضغط .

وبالتالي فإن فرضية الاستسلام للأمر الواقع ، ومحاولة تسويق هذه المعاهدة الميتة في مهدها على أنها خيار الشعب الأردني كله ، وأنها الخلاص السياسي ، والحل الاقتصادي السحري ، والدواء المذهل لكل أمراض المجتمع . كل ذلك قد سقط ، وانتهى الحلم الوهمي المؤقت في حينه ، وظهر الكابوس الذي أظهر أن تلك المعاهدة الخديعة لعبة يهودية مبنية على الأخذ دون العطاء ، والحصول على السلام من العرب مقابل الحرب عليهم .

والحق يقال إن كل الأنظمة العربية بدون استثناء تؤمن بأن السلام مع الكيان الصهيوني وهم ، ولكن الإنسان قد يعشق الوهم طمعاً في بعض المكاسب الشخصية ، وسيارات المرسيدس ، وربطات العنق ، والأبواب المفتوحة في المحافل الدولية ، واللقطات التلفزيونية في وسائل الإعلام العالمية .

وتظهر الحاجة الماسة _ وأكثر من أي وقت مضى_ إلى إلغاء هذه المعاهدة البائسة التي كانت وبالاً على الشعب الأردني الواقع تحت ضغوطات الحياة اليومية بشكل شرس للغاية ، ولا نعرف لماذا لم يأت " أبناء عمنا اليهود " الذين ألقوا على مسامعنا رومانسية السلام والأخوة البشرية والتعاون الإستراتيجي لإنقاذ الميزانية الأردنية من هذا العجز المذهل ، أو حل مشكلة العنوسة ، أو إيجاد فرص عمل للشباب الأردني في المصانع الأردنية_ الإسرائيلية المشتركة التي تعكس الشراكة الاقتصادية الأخوية ! .

لذلك علينا العمل جاهدين على الانعتاق من هذا الوهم الكابوسي ، وبناء الدولة الأردنية مستغلين طاقة أبنائها ، وعدم التعويل على هذا العدو الغاصب الذي ينظر إلى الأردن كوطن بديل . ولنتعلم من اتفاقية كامب ديفيد التي جلبت الشقاء للشعب للمصري ، وانتحار دور مصر السياسي إقليمياً وعالمياً ، وفوق كل ذلك لم يسلم الرئيس المصري من تهجم وزير الخارجية المتطرف ليبرمان ، وتهديده بضرب السد العالي . فأين ذهبت اتفاقيات السلام مع أبناء العمومة ؟! .

20‏/10‏/2009

قصائد ديوان / القرميد والإعصار

قصائد ديوان / القرميد والإعصار
الطريق إلى تحرير الأندلس
قبل أن يدسوا لي السم
خنازير تشربُ بولَها
القرميد والإعصار
الفتى الملتحي في عرسه الأخير
طريق الثورة من البكيني إلى الحجاب
تصريحات البارود الناطق الرسمي باسمي
الوردةُ الشَّمسيةُ ترتدي الخمارَ الأسود
جمهورية تحكمها عائلة مالكة
الأسد الهاشمي يضيء أكسجين رئتي في صِفِّين
الصقرُ عرينُه الشفق
اكتئاب شابة يهودية في أحد مسابح نيويورك
مسدسي المطلي بالأشجارِ وأحزان الراهبة العمياء
عن الضفادع البشرية وفقهاء البلاط الإمبراطوري
نار أبديةٌ لضياع سدوم وعمورة
جارتي تشتري حق النقض الفيتو من بائع الخضراوات
البرتقال في مواسم الأحكام العُرفية
زوجة المفكر الماركسي الخائنة
مدينة على جناح صقر يخترق وادي رَم
قصيدة لم تكتمل بسبب استشهادي
ثلاثة وجوه للعُملة العشبية
شكسبير يستمع إلى إحدى محاضراتي
احتفال للأبقار الراقصة بمناسبة رثاء النهر
الزلزال
ملخص لمذكرات يهوذا الإسخريوطي
عن عجوز شمطاء وقحة تسمي نفسها أديبة
فراشات في عيونِ ثائر يحب هاشمية
مراحيض مجلس الأمن الدولي
تلك الدمية في السوبر ماركت
يوميات أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير
القتال حتى يوم القيامة
جنازة خالتي أم مروان
غبار لأضرحة الأباطرة
أمي تأخذني معها لزيارة قبر جدي
مجزرة الفلوجة العراقية
هبوط النوارس على أشباح مخيم جنين
موقف السيارات التابع للكنيس
وداع سريع في محطة القطارات
القيامة على الأبواب
أغنية سريعة لثوار جنوب تايلند
لماذا أنا إرهابي ؟
من أوراق شاب مات رمياً بالعشق
ظَهَرَ كالشمس ولم يغب

قصائد ديوان / كلام الفراشة الناعمة

قصائد ديوان / كلام الفراشة الناعمة
كلام الفراشة الناعمة
نداء أخير إلى مومساتِ بوينس آيرس
جنازة الفيلسوف المجهول
مملكةُ الثعالب الحمراء
مقتل مصارع الثيران
قلوبنا معك وسيوفنا عليك
الجنود الألمان يغنون أغنية الفولغا
قصيدة أعظم من دمي اسمها غوانتانامو
دستور الدولة البوليسية
الزمهرير
سنعلن نيويورك مدينة إسلامية
نقابة اللصوص الأعراب
مذكرات النورس الوحيد
إنه يجمع الياقوت في الوطن الحجري
جدتي الأمية تضع آخر نظرياتها
استقالة أستاذ الرياضيات
تمارا تجلس عند قبري
شجرة مصابة بالنسيان
احتضارات فيلسوف في مجتمع متخلف
ملامح طُليطلة تنتشر على الجفون
هواجس الطفل ذي اليد الواحدة
التفاصيل الكاملة لقصة اغتيالي
دم الحسين يصب في شموس الروح
إعدام فقيهٍ سُنِّيٍّ في طهران
تقاعد عامل النظافة الأعرج
خواطر رئيسة الجمهورية في فترة الحيض
جارتي الكاثوليكية تتعاطى الأفيون

18‏/10‏/2009

فهرس كتاب : الأساس الفكري للجاهلية

فهرس كتاب : الأساس الفكري للجاهلية / مقدمة
الفساد القلبي
الجهل بأسماء الله وصفاته
حاكمية الطاغوت
الحمية
التأثر بالنصرانية واليهودية
تأثير الجاهلية فينا
وضع المرأة
تقديس ما ليس مقدساً
السعي بين الصفا والمروة
الطواف حول البيت عُراة
إتيان البيت من ظهره
رمي البعرة
صيام عاشوراء
النذر
بيع حبل الحبلة
الأنشطة في الأسواق
الكهانة
الرقية
الاعتقاد بتأثير النجوم
نظرتهم إلى الأنعام .

16‏/08‏/2009

حركة فتح : من البندقية إلى سيارة المرسيدس

حركة فتح : من البندقية إلى سيارة المرسيدس/
إبراهيم أبو عواد
لقد انتهى مؤتمر حركة فتح ( بيت لحم 2009م ) دون خطوات ملموسة لإنقاذ فلسطين من الاحتلال الجاثم على الصدور . وقد يكون أهم ما توصل إليه المؤتمر هو انتخاب لجنة مركزية جديدة لحركة فتح ضمن فوضى انتخابات مشبوهة يعتريها الكثير من المخالفات والتزوير . وهذا أمر ليس جديداً ، إذ إن تزوير الانتخابات وتزوير إرادة الشعب لعبة فتحاوية قديمة جديدة ، مذ قاد صانع الهزائم ياسر عرفات انقلاباً على السيد أحمد الشقيري . حيث قام الراحل عرفات باختطاف منظمة التحرير ، وجعلها مزرعةً شخصية له ولأتباعه المشبوهين . وهذا أمر أنتج حركة فتح المهزومة في الحرب المهزومة في السلام . لكن الرابح الأكبر من هذ المؤتمر الذي فصله الاحتلال على مقاسه هو الاحتلال نفسه . فالمؤتمر كان سيناريو معداً سلفاً ، وتمثيلية سيئة الإخراج لإظهار الالتفاف الوهمي حول الرئيس غير الشرعي محمود عباس الذي سيطر على المؤتمر لأنه هو مالك رواتب الأعضاء آخر الشهر . وبالطبع فإن محمود عباس لا يمكن له أن يتخذ أي قرار إلا بموافقة الاحتلال ومباركته ، خصوصاً أن الذي يمول حركة فتح ويدفع ثمن البدلات وربطات العنق للكوادر الفتحاوية هو الاحتلال الصهيوني . ومن هنا فإن حركة فتح التي قادت الشعبَ الفلسطيني من هزيمة إلى هزيمة ( عَمَّان 70، بيروت 82 ، أوسلو 93) قد تحولت من حركة فلسطينية إلى حركة صهيونية الهوى وفق نظرية " أطعم الفم تستحِ العين " . ولا يعتد بالشرفاء في فتح لأنهم منبوذون ، ولا وزن لهم ولا تأثير . وإذا رجعنا إلى اللجنة المركزية الجديدة التي جاءت ضمن لعبة الانتخابات المزورة ( كل انتخابات تجرى بأمر الاحتلال وتنظيمه هي تزوير لإرادة الشعب وغير شرعية ) ، سوف نجد أن وجوهاً مشبوهة كثير قد دخلت فيها . فالثالوث الأمني المتواطئ مع الاحتلال ( دحلان ، الرجوب ، الطيراوي ) كان من الطبيعي جداً أن يتواجد في اللجنة المركزية ، لأن هذه أوامر الاحتلال الذي يقف خلف رجاله في المنطقة لدعمهم . وكلنا يعلم أن تزوير الانتخابات العربية موضة رائجة ، ولن تكون حركة فتح هي الوردة في وسط المقبرة . أما أصحاب الشهادات العلمية مثل : د. نبيل شعث و د. صائب عريقات كبير المفاوضين ، والمتخصص في المفاوضات العبثية ، والذي ألف كتاباً ذا عنوان مضحك " الحياة مفاوضات" . فهذا الشخص _ أي عريقات_ من مصلحته أن تظل المفاوضات حتى يوم القيامة لئلا يصبح عاطلاً عن العمل ، أو يفقد سياراتِ المرسيدس وحراسه وخدمه . فبدون المفاوضات العبثية لن يقدر على إطعام زوجته وأولاده ، أو تعليمهم في أمريكا وبريطانيا . وهذا سبب التمسك بسيرك المفاوضات . ووفق المعطيات على الأرض والقرائن الواضحة فإن أبرز مهمة أمام اللجنة المركزية الجديدة هي تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل مع شطب حق عودة اللاجئين ، واستئصال العناصر المقاومة في الضفة الغربية المحتلة مقابل أرصدة بنكية أكبر ، وسيارات مرسيدس أكثر رفاهية . فالقدس تغرق _ أو غرقت _ في التهويد ، والمستوطنات تتكاثر وتقضم الضفة المحتلة ، بحيث لم يعد هناك أرض لإقامة الدولة الفلسطينية الموعودة ، خصوصاً مع انتحار الأمة العربية ، وموت الأمة الإسلامية التي قدمت قِبْلة نبيها _ صلى الله عليه وسلم _ على طبق من ذهب للأعداء . وقديماً كانت المؤامرات لبيع فلسطين تحت الطاولة ، أما الآن فتحدث علانيةً فوق الطاولة أمام وسائل الإعلام مع الضحكات والألوان الزاهية لربطات العنق . وأكبر مثال على هذا الواقع المرير هو ما قام به الرئيس المصري حسني مبارك ( ميلوسوفيتش العرب ) من عملية إبادة جماعية وتطهير عرقي وحصار خانق بحق أهل غزة بالتنسيق الكامل مع الاحتلال ( في الحرب على غزة نهاية 2008م ) . حتى إن الرئيس غير الشرعي محمود عباس قد ساهم بدور محوري في إبادة أهل غزة وحصارهم ، خصوصاً أن محمود عباس دمية في يد الاجتلال ينفذ كل الإملاءات الصهيوأمريكية ، وهو يخاف إن عارض أن يتم قتله كعرفات . وختاماً نقول إن للبيت رَبَّاً يحميه . فالأمة باعت فلسطين بثمن بخس ، وركضت وراء سراب السلام الذي حوَّل البندقية إلى سيارة مرسيدس .

12‏/08‏/2009

مقدمة كتاب/مدخل إلى علم اجتماع القصيدة

مقدمة كتاب " مدخل إلى علم اجتماع القصيدة"/ منذ زمن بعيد بدأتُ في مطالعة كتب علم الاجتماع العربية والأجنبية. وقد رأيتُ تلك الكتب تركز على بنية العلاقات الاجتماعية بين الناس وإشكالياتها وتفاصيلها . واستناداً إلى مطالعاتي الكثيفة خطر في بالي أن أؤسس علم اجتماع خاص بالقصيدة ، أو على الأقل وضع بذور وأنوية أساسية لذلك العلم . ومن هذا المنطلق بدأتُ أغذ السير إلى تشكيل هذا العلم لمعرفتي بأهمية القصيدة خصوصاً والأدب عموماً في توجيه دفة المجتمع المادية والمعنوية . إنني أسعى إلى تأصيل تأسيسي لرؤيةٍ شموليةٍ تمس القصيدةَ بكل جوانبها. ولما كانت القصيدةُ عَالَمَاً ، فإنني ارتأيتُ الدخولَ في هذا العالَم لأرى بأم عينيَّ ما كنتُ أسمع عنه ، وأكتشفَ التجوال في وسطٍ جامحٍ . أتفاعلُ مع العناصرِ . أَمُرُّ على التقنيات في توليد الرؤى والبناءات المتوالية فاحصاً مميزاً . أختبرُ النص كلمةً كلمةً . فمروري ليس عابراً ، إنه تجريد وتعرية . أضف إلى ذلك عملي المتواصل من أجل إخضاع القصيدة لعلم اجتماعٍ خاص بها له مقوماته الاستقلالية، وأبعاده المادية والذهنية بالغة الخصوصية ، والذهاب إلى ماوراء النص بغية الحصول على صيغة متكاملة لنص علمي مكثف قادر على تفسير النص الأدبي المتمتع بكل خصوصياته . ويمكنني تعريفُ " علم اجتماع القصيدة " على أنه (( العلمُ الذي يدرس القصيدةَ على أنها مجتمعٌ متحركٌ ذهنياً وواقعياً، ويقومُ بتشريحه إلى وحداتٍ بدائيةٍ انطلاقاً من ثلاث محطات: الولادة ( الانبعاث)، والشباب ( العنفوان )، والموت ( الانطفاء ) ، مع الانتباه إلى حالات التمايز والدمج، والمجازِ والحقيقة بين هذه المراحل الثلاثة المختلطة إلى درجة الانصهار في بؤرية الحلم المستتِر )) . القصيدة هي الثورة الذهنية الواقعية الأكثر قدرة على استشراف الواقع المتخيَّل ، ذلك الواقع المعجون بالطموح الإنساني الواعي الذي تتم عقلنته في كل لحظة سطوع . وبالتالي فحريٌّ بنا أن ندرس القصيدة بوصفها كائناً حياً له صفات خاصة ، ويمر في أطوار مادية وغير مادية متعددة الجوانب . وهذه الأطوار إنما هي تشكيل للقدرات الإشاراتية التي تستشرف مستقبلَ الحلم وتحوله إلى وجهٍ للتاريخ ، وطريقةٍ لفهم تحولات الذات الإنسانية في أعماق تشكيلها الشِّعري . إن البعض يعتقد أن تطور المجتمعات الإنسانية يستند إلى نهضة تكنولوجية ومادية مجردة من كل النواحي الأدبية والفنية، وهذا اعتقادٌ موغل في الخرافة الأكيدة لأن الأمم المتطورة تكنولوجياً لا بد أن تكون متطورة أدبياً وفنياً ، والعكس غير صحيح . فالأمة العربية والإسلامية تعيش أزمة معرفية شديدة الوطأة ، وهي محاصرة بأشباح التخلف التقني ، لكن هذا لا يعني أنها متخلفة حضارياً أو أدبياً . بل هي على العكس تعج بالمبدعين والعلماء والفلاسفة والأدباء الذين يستطيعون مقارعة أكبر المبدعين في العالم ، والتفوق عليهم بسهولة . إننا قَصَّرْنا في صناعة السيارات والطائرات، أي تقاعسنا في النواحي المادية المحضة، لكننا ما زلنا نصنع مجداً أدبياً لافتاً . ومن الأخطاء الفظيعة تصنيف أمتنا في الآداب والعلوم كدرجة عاشرة لأننا متخلفون في مجال التكنولوجيا . إذ لا يوجد معادلة علمية تقتضي بأن الذي لا يتقن صنع الحديد لا يتقن صنع الإنسان . وهذا يدفعنا إلى العمل بجد لتشكيل حالة من التوازن بين الناحيتين المعنوية والمادية. فالمجتمع الذي يُنجب فلاسفة بارزين وأدباء متمكنين وعلماء أفذاذاً ، لا بد أن يشحذ همته من أجل صناعة السيارة والطائرة وغير ذلك من الصناعات المادية . إن القصيدة هي اختصارٌ مكثف لحالة إنسانية جمعية محلقة في فضاءات أكثر رحابة وتسامحاً وعنفواناً . إنها أساس روحي للنهضة والاندفاع ، وخلفية حضارية متميزة لكل أولئك البشر الذين يحبون مهنتهم الأساسية وهي عبادة اللهِ تعالى ، وإعمار الأرض بوصفهم خلفاء الله فيها . وللأسف الشديد فإن عبيد الفكر الغربي من أبناء جلدتنا يعتقدون أن الأدب الناجح هو الذي يسير باتجاه مضاد للدِّين ، وهذا غير صحيح وفق المنهجية العلمية الدقيقة والتمحيص الموضوعي الحر . فالأدب هو نتاج طبيعي للدِّين ، والفن هو ابن الدِّين . واستناداً إلى هذه الحقيقة العلمية نخلص إلى أن القصيدةَ بنيةٌ فكريةٌ نسجها عبدٌ . وإذا لم تعكس القصيدة صورة العبدِ ، فإنها تصبحُ خديعةً بصريةً وسمعيةً مضللة، تصبح خُرافةً تطلبُ من الناسِ أن يسموها حقيقةً. وحين تتكاثفُ الأباطيلُ والخرافاتُ تقضي على النص الشِّعري، وقبل ذلك تُبيدُ صاحبها ، وتحوله إلى تاجرٍ يتداول المحرماتِ ، فيفقد شِعْرُه الثقة به . وتنشأ جراء ذلك عداوةٌ بين اللغةِ والكاتبِ . فنحن نرى مثلاً شعراء كثيرين تاجروا بجسد المرأة وحولوه إلى بنطالٍ قذر على مقاسهم . وهناك من تاجر باسم الوطن والمنافي ، وهو يقضي جل وقته سكران في الفنادق الفخمة . ونجد من اتخذ من كفره وخيانته فلسفةً ومنهجاً وراح يروجه على أنه "الحداثة " في دنيا الشعر . ولكننا لا نرتضي أن نكون مأجورين ولقطاء في عالم الأدب ، نخدم الشيطان من أجل اكتساب معجبة تائهة في عوالم الوهم . القصيدة هي كفرٌ بالطاغوت وإيمان بالله وحده . وهذا هو الانطلاق نحو المجد الإنساني والشِّعري. فالإنسانُ مخلوقٌ عبدٌ ذليلٌ لخالقه، والعبدُ لا يملي شروطه على سيده. بل العبادُ كلهم خاضعون للسيد الكامل برضاهم ورغماً عنهم . فكيف يكون العبدُ الذي لا يملك من أمره شيئاً هو المحور والركيزة ؟! . ومحالٌ أن تصدر قصيدة جميلة من قلب أعمى ، ورغم هذا فالقصيدة ليست خطبة الجمعة أو موعظة في كنيسة أو كنيس. إنها حلمٌ جامح يستلهم العناصر الجميلة، ويعمل على تثويرها من أجل الرقي بالإنسان إلى مستوى العبودية المحضة، آخذاً بعين الاعتبار النواحي الجمالية والتراكيب الفنية الأصيلة والشروط الإبداعية المتحررة من سطوة التبعية للمشروع الشيطاني الذي يروجه الخائنون من المفتونين بحضارات نفي الإنسانية من الكيان الإنساني . وممارسة القصيدة باعتبارها نصاً بشرياً جامعاً لقيم الحياة والموت هي عملية مجدية إنسانياً ، لأن السلوك القصائدي يبث الرؤية الثاقبة في مشروع تنمية القصيدة ، وتطويرها بحيث تصبح كينونة قائمة بذاتها ، تتوافر فيها كل مقومات تدعيم المعنى المتداخل مع القيم الجمالية المطلقة . وهذه الكلمات المتجمعة على شكل قصيدة لا تُعنى بالوقائع الاجتماعية من حيث تأريخها ، لأن هذا الأمر ليس من مهمة الشاعر . بل إن الشاعر يسعى بكل ما أُوتي من مهارة وثقافة إلى إعادة تشكيل الواقع وفق منظور شِعري مخيالي قائم بالأساس على استنباط العناصر الثورية ذات الجَمال الفاقع المتشظي إلى تقاطيع حياتية مفصلية ، ومحاور إنسانية تتقاطع مع المنتوج الأدبي الذي يتم اعتباره وجهة واضحة تحدد اتجاه سير المجتمع ككتلة جمعية موحَّدة وموحِّدة للعناصر المشتتة المبعثرة في النصوص الطبيعية الجمالية . والقصيدة هي ظاهرة شمولية تعتمد على صياغة الأبعاد المعرفية في قوالب كاسرة للقولبة والتقليدية . يجب وضع النص الأدبي الشِّعري في أقصى مداه ، من أجل الحصول على علاقات متكافئة متمردة على الظلم داخل الكيان النَّصي . وهذا يدفعنا إلى التفتيش في قلب النَّص عن قدرات فاعلة تمتلك المؤهلات لرسم حياة متكاملة في ورشة فنية نظيفة تدعى النص الأدبي . وإذا أَصَّلنا التزاماًَ حقيقياً بالمعايير الفنية فسوف نحصل على نقاش بناء يعيد تشكيل كامل العلاقات الاجتماعية في النَّص المزروع في نزعة الأنسنة بشكل يصعب معه الاجتثاث أو المساس بالجذور الراسخة . نحن بحاجة إلى تكوين تحطيمي يكسر كل الحواجز السلبية التي توضع بين الشاعر وجنينه الشِّعري ، وبين الشاعر والمتلقي ، وبين الجنين الشِّعري والمتلقي . وهذا لا يتأتى إلا بالعمل الجاد من أجل صياغة مستقبلية لحركة نقدية تعتمد على الإبداع الفني الراقي المستلهم من الحضارة العربية الإسلامية الثرية ومقوماتها الخصبة . وهذا يدفعنا إلى تشكيل رؤية كونية شاملة لا تتقوقع في كيانها، بل تقفز إلى آفاق أكثر رحابة صانعةً مجداً إنسانياً يرتقي بالروح الإنسانية ، ويزيد علاقة الفرد بخالقه ودينه وحضارته . لقد أخطأ كل من ظن أن الإبداع هو اللهاث وراء سراب الحضارات الأخرى ، والسطو على إنجازات العلماء والفلاسفة والشعراء في العالم الغربي بحكم تفوقه المادي . وهؤلاء مصابون بعقدة الخواجة ، لذا تراهم يتنكرون لتاريخهم ويطعنون به دون وجه حق ظناً منهم أنهم يحققون فتوحات عريضة في دنيا الأدب ، ويكسبون معجبين جدداً وقبولاً لدى الآخر . وهذا الوهم الطُّعم الذي بلعوه إنما هو ناتجٌ عن ضعف بنيوي واضح في النسق الفكري لدى هؤلاء الأشخاص ، وعدم انتماء إلا لجيوبهم ولجان الجوائز المشبوهة . وصار للأسف الشديد الشعار المرفوع " هاجم الإسلام وخذ أية جائزة غربية " . وقد تخلت هذه الحفنة عن دينها وتاريخها المشرق ، ورمت نفسها في أحضان الثقافات البائدة القائمة بالأساس على وأد الإنسانية وأداً فاضحاً على مرآى من وسائل الإعلام التي سيطر عليها المنحرفون ، وأصحاب الفكر الشاذ . والمنهجية التي اعتمدتها في هذا الكتاب قائمة بشكل كلي على سيل الأفكار الذاتية المحضة دون العودة إلى مراجع أو مصادر، لعلمي بأنني أؤسس نواة علم جديد لم يسبقني إليه أحد ، واضعاً النظريات الأساسية فيه من أجل التسهيل على الآخرين الذين يريدون الإسهام المستقبلي في هذا العلم . وقد سميتُ الكتاب " مدخل إلى علم اجتماع القصيدة " ، لاقتناعي بأنني أضع البذور المجردة في تربة المعنى ، وأحفر عميقاً لترسيخ الجذور ، تاركاً الإسهام في تنمية هذا العلم وتطويره للأجيال القادمة . فهذا الكتاب عبارة عن مدخل فقط . فالعلم هو تراكمات مستمرة على مدار الأعوام الطويلة ، وإسهامات لعلماء يخلفون بعضهم بعضاً . وليس بوسع أحد ما تشكيل عِلْم متكامل مستقل لوحده . ففي أحسن الأحوال يستطيع المبدع وضع الأصول أو الفروع أو الإسهام في ربط الفروع بالأصول . وقد حاولتُ تأصيل القضية الشِّعرية ، ووضع الجذور الحقيقية لعلم اجتماع القصيدة الذي قد يصبح فيما بعد علماً متكاملاً ، ونتاجَ إسهامات علماء بارزين . فالعلوم تنبثق شرارتها من قلب شخص يرمي حجراً في الماء الراكد ، وهذا ما أحاول فعله . هذا الكتاب تأسيس لفجر أدبي جديد يتعامل مع القصيدة كما يتعامل الصبحُ مع خيوطه لا كما يتعامل البائع مع سلعته . إنه مجموعة آرائي وأفكاري الشخصية التي تحفر في القصيدة أخاديد عميقة بغية الوصول إلى حالة من اتزان الوعي الشِّعري والنقدي . فلستُ كالذين يسطون على إنتاجات الآخر ، وينسخون أفكار الفلاسفة الآخرين ، ثم يظنون أنفسهم فلاسفة عظاماً . فالنزعة الإبداعية يجب أن تتحلى بقدر كبير من التشكيل البصري السمعي المتفرد ، وهذا الكتاب هو محاولة لاستنباط المدلولات العقلية للعمل الشِّعري باعتباره مجتمعاً مُسيَّساً إيجاباً بكل ما تحمله الكلمة من معنى . فالإيمان بالقضايا هو المنطلق الحقيقي لأنسنة القيم العاطفية الثورية . وإنني أعلم حجمَ التشكيلات المتفجرة التي سيطرحها هذا الكتابُ ، ليس لأنني المؤلف الألمعي الذي لم يأتِ مثلُه ، ولكن لأن الموضوع يستمد شرعيته من طبيعته المتفردة ، وقد آن الأوان لإرجاع الشِّعر خصوصاً والأدب عموماً إلى إنسانية المجتمع المتحرك في مادية عمياء . وإن إقصاء الأدب من شأنه ترسيخ الفجوة بين الإنسان وإنسانيته، وبالتالي لا يبقى من الإنسان سوى شكل عابر لحطام مرحلي يستمر في الفترة القادمة . ودعوتي لجميع الهيئات إلى إعادة الاعتبار للأدب بوصفها مُحَرِّكاً للجماعة ، ومُعَبِّراً عن طموحاتها وتاريخها . وإن النظر بعين الاستخفاف للأدب من شأنه حيونة الإنسان ، وتحويله إلى كائن وحشي لا يختلف عن حيوانات الغابة . وينبغي أن نعلم أن التاريخ لا تكتبه المادةُ والسيارات والعمائر والأموال ، وإنما يكتبه المثقفون الذين هم نخبة المجتمع وزبدته ، فإن احتقر المجتمع مثقفيه، فمن سيحفظ الموروث الوجداني والأحلام والتاريخ للمجتمع . وهذا جهد مؤسسي ضخم ليس بمقدور شخص مهما بلغ علو كعبه أن يفعله لوحده . فالعودة العودة إلى إنسانية الإنسان من أجل مجتمع أقل شراسة ووحشية ومادية عمياء تأكل الأخضر واليابس. إننا نغذ الخطى نحو توليد حركة أدبية مفعمة بالأنسنة المؤْمنة والواعية كخطوة لتحقيق تنمية أخلاقية شاملة تقود التنمية المادية المستدامة ذات الصبغة الإنسانية غير المتوحشة . إن كلماتي ومصطلحاتي بالغة الخصوصية أود تعريفها من منظور فلسفتي الذاتية تأسيساً لحركة علمية منهجية داخل علم اجتماع القصيدة، ولا تعنيني مصطلحات باقي الفلاسفة ولستُ مُلزَماً بها، لأنني أُعَرِّف مصطلحاتي استناداً إلى هويتي . وسوف تجد تردد مصطلحات من قبيل "البنيوية " و"التفكيكية " وغيرهما، وهذه المصطلحات أقصد بهما معنى لغوياً ذاتياً لا علاقة له بالمعنى المتداول بين أوساط الفلاسفة أو مُدَّعي الفلسفة ، والمعنى الخاص بي مُجَرَّد من الأيديولوجيات الغربية المنحرفة ، كيف لا وهو ينتمي إلى فلسفتي الذاتية التي تتكشف من خلال سياق العرض النظري لتطبيقاتي الفلسفية الشِّعرية ، مع العلم أنني لا أعترف ببنيوية كلود ليفي شتراوس ، ولا البنيوية الفرنسية الكلاسيكية. كما أنني لا أعترف بتفكيكية جاك دريدا ، ولا تواصلية هابرماس ، وأرفض كل فلاسفة الغرب الذين يهرفون بما لا يعرفون ، ويؤسِّسون في الفراغ أبراجَ العدم . وقد ترددتُ كثيراً في عمل فهرس للكتاب ، لأني هذه الأفكار هي مستندة إلى خواطر ذاتية لم أرجع فيها إلى أي مرجع أدبي أو فلسفي . وقد أردتُ جعلها خواطر متدفقة على شكل إسهامات حياتية قصائدية فذة، ولكنْ خضوعاً لاعتبارات كثيرة قررتُ إنشاء فهرس في نهاية هذا الكتاب يُنَظِّم طريقة سرد هذه الأفكار النابعة من العقل وليس من كتب الآخرين . وهذا ليس غروراً أو تكبراً ، وإنما حاجة ملحة اقتضاها هذا العملُ الأدبي الاجتماعي،فنحن أمام علم جديد ربما يتقبله الكثيرون بالريبة والشكوك، ويطعنون في تفاصيله . لكنني سوف أستمر في طريقي من أجل تعميق سياسة الوعي الوجداني كسبيل لِشَعْرنة المجتمع الإنساني ، وصبغه بخصائص الأنسنة الواعية المؤمنة بالقضايا الكبرى التي لا تُقيم قطيعةً مع الوحي ، بل على العكس فإنها تتحرك ضمن مسار خاضع لله تعالى ، ذي طبيعة جَمالية واعية ومفهومة وفاهمة لما يحيط بها من تحديات . وقد تعمَّدتُ عدم وضع أي حاشية لأني أردتُ لهذا الكتاب أن يكون نصاً تأسيسياً تكثيفياً، وربما أقوم بشرحه لاحقاً. وحريٌّ بنا أن نقول إن اللغة العربية هي أشرف من كل العرب وأطهر منهم وأعظم منهم ، وهذه اللغة المقدَّسة تخجل من العرب، ولا يحق للعرب أن يخجلوا منها لأنها جعلتهم أصحاب حضارة . واللغةُ العربية في قمة الحياة ، بينما العرب في قاع الموت . وهذا يدعونا للتشبث بهويتنا اللغوية لكي تنتشلنا من موتنا ونرجع إلى الحياة . وأخيراً وليس آخراً نقول إن القصيدة هي المجتمع المثالي الثائر في أزمنة الأمكنة الطاهرة ، وعندما تبني فلسفتك على قاعدة أكسجين اللغة فإنك تسيطر على العالَم وأنت جالس على الأريكة . وإن جهدي المتواضع سيسعى بكل قوة لتشريح هذا المجتمع من خلال دراسة اجتماعية شِعرية شاملة لكل عناصر المجتمع الإنساني .

06‏/08‏/2009

حركة فتح : من الانقسام إلى الانتحار

حركة فتح : من الانقسام إلى الانتحار
إبراهيم أبو عواد/ مفكر وأديب من الأردن
لا يخفى على أدنى متابع لمؤتمر حركة فتح في الضفة المحتلة أنه كان أشبه بمسرحية ركيكة الإخراج جاءت مديحاً والتفافاً زائفاً حول رئيس سلطة أوسلو محمود عباس الذي يمسك بالمصادر المالية للحركة من كل الاتجاهات ، وهذا ما جعله ينال الولاء الظاهري والتأييد الشكلي . والمضحك المبكي أن حركة فتح التي تسمي نفسها ثورية قد عقدت مؤتمرها بإذن الاحتلال ، بل إن تأشيرات دخول كوادر فتح إلى الضفة المحتلة أُعطيت من قبل سلطات الاحتلال . فهل الاحتلال غبي لهذه الدرجة لكي يمنح "أعداءه" تأشيرات دخول ؟ . ومن اللافت للنظر أن المؤتمر قد خلا من كوادر الصف الأول أصحاب الوزن التأسيسي والكاريزما المحورية ، وهذا ما جعل رئيس سلطة أوسلو محمود عباس النجم الأول الذي حوله الأضواء ، وينال التصفيق الجاهز مسبقاً لإشعار المتابعين بنجاحه كقائد للشعب الفلسطيني . وهذا الأمر يتعارض مع الواقع التطبيقي ، خصوصاً بعد اختبائه في عباءة عرفات ليبدوَ صاحب الحق الأول في حمل ميراثه ، والتحقيق في مقتله، والسير على خطاه . وهذه المتوالية من ارتداء الأقنعة الثورية داخل متاهة الشعارات البراقة تحت مظلة الاحتلال ومباركته ورعايته المسبقة لا تجدي نفعاً. إذ إن سجل زعيم فتح محمود عباس يخلو من الإنجازات التي تؤهله للحصول على رمزية الرجل الأول ، وهذا يجعله ذا موقف ضعيف أمام الشعب الفلسطيني ، وأمام الكيان الصهيوني وأمريكا . وبالتالي فإن محاولة الظهور في عباءة حامل أمانة تأسيس الدولة الفلسطينية التي لم يعد هناك مكان يحتضنها مع وجود المستوطنات الكبرى التي تقضم الأرض ، وتصادر الماء والهواء هي محاولة مكشوفة تتصادم مع الواقع ، ولا تغدو عن كونها محاولة لذر الرماد في العيون . ولو كان التصفيق المجاني الذي حصل في المؤتمر يعيد فلسطين لأقمنا حفلات التصفيق من الخليج إلى المحيط . ولكن اختراع الإنجازات الوهمية وتمجيدها ، وصبغ الهزيمة بأقواس النصر وأكاليل الغار ، لم يعد يجدي نفعاً في عصر الإعلام المفتوح الذي فتح عيون الناس على الحقيقة . وقد كنتُ أتمنى أن تعود حركة فتح إلى خندق المقاومة الفعلية بدلاً من سيارات المرسيدس ، لكن أمنيتي ذهبت أدراج الرياح . وكان المؤتمر بحق رصاصة الرحمة في صدر حركة فتح ، وشهادة وفاتها المعلنة سلفاً . فلم يتوقف الأمر عند الانقسام وصراع الأجنحة على المصالح الشخصية ، بل تحول إلى انتحار حقيقي ضرب الحركة ، وألغى وجودها الذي كان فاعلاً على مسرح الأحداث الداخلية والخارجية . ولم ينفع التنسيق بين حركة فتح والكيان الصهيوني لجمع المؤيدين حول عباس لإظهاره في ثوب الشرعية والمشروعية ، وتقوية موقفه ضد حماس وباقي فصائل المقاومة .